recent
آخر المشاركات

خطبة بعنوان: تحويل القبلة دروس وعبر . للشيخ/ محمد حســـن داود



خطبة بعنوان
تحويل القبلة دروس وعبر
للشيخ/ محمد حســـن داود








لتحميل الخطبة : word  اضغط هنا

لتحميل الخطبة :  pdf     اضغط هنا

العناصــــــر :
1 -
من فضائل شهر شعبان .
2 - من دروس تحويل القبلة (من التكريم الإلهي للنبي - وسطية الأمة
الاستجابة لله ولرسوله - مكانة الصلاة - الرباط الوثيق بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى)
3
- دعوة إلى تحويل النفوس والقلوب إلى الخير .



الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ )البقرة 144)وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فان من فضل الله جل وعلا، أن جعل لنا مواسم للطاعات، أجزل لنا فيها العطايا والنفحات، ترفع فيها الدرجات، و تتضاعف فيها الحسنات؛ يتزود فيها المؤمن بخير زاد، ويسارع فيها إلى الخيرات والطاعات والقربات إلى رب البريات، غفد قال جل وعلا (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)آل عمران133) ومن هذه النفحات الطيبة، والأيام العطرة " شهر شعبان " فهو فرصة عظيمة من فرص الخير الوفير؛ شهر يتشعب فيه خير كثير، ويكفى قي فضله ما جاء عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انه قَالَ " يَطْلُعُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ "رواه ابن حبان).
فلعظم هذا الشهر ودرجته ومكانته خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمزيد من العبادة، فعن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ "رواه النسائي) إذ يشير المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى أنه لما توسط شعبان شهرين عظيمين هما (الشهر الحرام رجب، وشهر الصيام رمضان) انشغل الناس بهما عن شعبان؛ ولقد أشارت السنة النبوية إلى عظيم اجر الطاعة والعبادة في الوقت الذي قد يغفل بعض الناس عنه؛ أما ترى أن الله عظم اجر قائم الليل إذ الناس من حوله نيام، فقد قال صلى الله عليه وسلم "أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ" رواه مسلم) وقال "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ "رواه الترمذي) أما ترى أن الله ينزل الرحمات و البركات، على المستغفر والسائل في الثلث الأخير من الليل، حيث الناس من حوله نيام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" رواه الشيخان)أما ترى أن الله تعالى عظم اجر الذاكرين له في أماكن قد يغفل فيها الناس عن ذكره كالأسواق، فقد قال صلى الله عليه وسلم" مَن دخل السُّوقَ فقال: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ يُحيي ويُميتُ وهو حيٌّ لا يموتُ، بيدِه الخيرُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، كتب اللهُ له ألفَ ألفِ حسنةٍ، ومحا عنه ألفَ ألفِ سيِّئةٍ، ورفع له ألفَ ألفِ درجةٍ" رواه الترمذي) .
كما انه هناك أسباب أخرى لاجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان ومنها انه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله؛ فالأعمال ترفع إلى الله (يومياً، وأسبوعياً، وسنوياً) فيرفع إليه سبحانه وتعالى عمل النهار, وعمل الليل ،فعَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ " رواه مسلم) وترفع إليه أعمال الأسبوع في يومي الاثنين والخميس، فقد قال صلى اللّه عليه وسلّم" تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ" وترفع أعمال السنة في شعبان، كما تقدم في الحديث؛ وإذا كان شهر شعبان ترفع فيه أعمال العام فمما لاشك فيه أن يجتهد العبد بأحب الإعمال إلى الله ليرفع عمله وهو عليها، وفى ذلك يشير النبي صلى الله عليه وسلم ويوجههنا إلى عبادة من أحب العبادات إلى الله تعالى فيقول" فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ " فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلاَ رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ"، رواه البخاري ومسلم)إذ أن الصيام من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى، ويشهد لذلك ما جاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه حيث قال : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ, قَالَ " عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ " , قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ, قَالَ " عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ ". وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " رواه البخاري) و في صيام شعبان معنى آخر، ننوه عنه، وهو أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلاّ يدخل الإنسان في رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قَبْلَه حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط ،كما أن صيامه بالنسبة لرمضان كالسنة الراتبة القبلية للصلاة , وصيام الست من شوال لرمضان كالراتبة البعدية للصلاة .
- ومن اجل الأحداث التي كانت في شهر شعبان: حدث "تحويل القبلة"، ذلكم الحدث الجليل، الذي كان فارقا في تاريخ الأمة الإسلامية، والذي يعد من ابرز مظاهر التكريم الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث ألاستجابة لدعائه وتحقيق رغبته وأمله ورجائه، فلما هاجر صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، استقبل بيت المقدس في صلاته بأمر من الله تعالى ،وظل على هذه القبلة ستة عشرا أو سبعة عشر شهرا، وكان صلى الله عليه وسلم يشتاق إلى أمر الله تعالى بالتوجه إلى البيت الحرام، قبلة أبيه إبراهيم ،فكان يرجو الله بقلبه ويدعو بلسان حاله، فاستجاب الله له، وأكرمه بتحقيق ما يرجوه، قال تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة 144) ففي أسباب النزول للواحدي: أَنَّ النَّبِيَّ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ " وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَرَفَنِي عَنْ قِبْلَةِ الْيَهُودِ إِلَى غَيْرِهَا - وَكَانَ يُرِيدُ الْكَعْبَةَ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ - فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ : إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ لَا أَمْلِكُ شَيْئًا ، فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ يُحَوِّلَكَ عَنْهَا إِلَى قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ ارْتَفَعَ جِبْرِيلُ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدِيمُ النَّظَرَ إِلَى السَّمَاءِ رَجَاءَ أَنْ يَأْتِيَهُ جِبْرِيلُ بِمَا سَأَلَهُ ، فأنزل الله تعالى قوله سبحانه (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) البقرة 144) .
- كما أصل ورسخ هذا الحدث مبدأ وسطية هذه الأمة، قال تعالى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )البقرة143) فالأمة الإسلامية وسطٌ بين طرفي الإفراط والتفريط، لا غلو ولا تقصير؛ و لهذه الوسطية معالمها الشاملة الجامعة؛ فهي وسطية في الاعتقاد والتصور، ووسطية في الشعائر والتعبد، ووسطية في الأخلاق والسلوك، ووسطية في النظم والتشريع، ووسطية في الأفكار والمشاعر، مجانبة  للغلو والتقصير؛ ومن ذلك دعوة الناس إلى عمارة دنياهم وأخراهم على السواء وهذا من اجل السمات التي يجب تحقيقها في الشخصية المسلمة، فلقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسأل ربه أن يَعْمُرَ دنياه وأخراه، فما أكثر ما كان يدعو بهذا الدعاء القرآني الكريم(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(البقرة201) وكان من دعائه أيضا " وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي "رواه مسلم) وفى الأخلاق في الإنفاق، يقول تعالى ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾الإسراء 29) ويقول﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾الفرقان 67) وفى العبادة؛ فقد جاء عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، انه قال: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: " أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي "رواه البخاري) ولما دخل المسجد يوما فوجد حبلاً مربوطا بين ساريتين فَقَالَ " مَا هَذَا ؟ قَالُوا : لِزَيْنَبَ تُصَلِّي ، فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ ، فَقَالَ : حُلُّوهُ ، " لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ ، قَعَدَ " ومن هنا فقد وجب علينا أن نكون مع التيسير والسماحة والوسطية والاعتدال، لا مع التقصير أو الغلو والتطرف والتشدد، فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ " رواه البخاري) ثم أن شهادة هذه الأمة على غيرها من الأمم تقتضى أن تكون هذه الأمة بوسطيتها أهلا لهذه الشهادة قال تعالى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)البقرة143) وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : هَلْ بَلَّغْتَ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ : هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ ، فَيُقَالُ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأُمَّتُهُ " ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ ، وَيَكُونُ الرَّسُولُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا سورة البقرة آية 143 "رواه ابن حبان) .
- كما أن هذا الحدث الجليل يظهر لنا درسا يحتاج إلى من يعيه ويتأمله، فيكون له طريق إلى الجنة، وهو الاستجابة لله ولرسوله، فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ " أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ، أَوْ قَالَ : أَخْوَالِهِ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ " رواه البخاري)  فما أعظم تلك الاستجابة الفورية التي لا يشوبها جدال أو تسويف ،إذ يصلون نصف الصلاة إلى بيت المقدس و النصف الآخر إلى البيت الحرام ، فما تباطؤا وما ترددوا، بل تحولوا إلى البيت الحرام وهم في هيئة الركوع، امتثالا لأمر الله تعالى، فهو سبحانه القائل في كتابه العزيز (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)الأنفال 24) نعم لقد ضرب الرعيل الأول من صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام أروع الأمثلة في الاستجابة لله ولرسوله، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد أو تحصى، ومن ذلك ما جاء عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، انه قَالَ : " كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ ، وَمَا شَرَابُهُمْ إِلَّا الْفَضِيخُ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ ، فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي ، فَقَالَ : اخْرُجْ فَانْظُرْ ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ ، قَالَ : فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ : اخْرُجْ فَاهْرِقْهَا فَهَرَقْتُهَا  " رواه مسلم) وعن انس بن مالك رَضِي الله عنه قال " كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ تَابَعَهُ "وعَنْ جَابِرٍ قَالَ لَمَّا اسْتَوَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ اجْلِسُوا فَسَمِعَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَجَلَسَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ تَعَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ"رواه أبو داود) إن الاستجابة لله ولرسوله باب إلى الخيرات وإجابة الدعوات فقد قال الله تعالى ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة 186) وباب الرفعة في الدرجات فقد قال تعالى﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى)الرعد18)وقال جل وعلا (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا )النساء69) وقال سبحانه (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )النساء 13)
- ومن دروس تحويل القبلة بيان مكانة الصلاة فلقد سماها القران الكريم إيمانا، إذ يقول الله جل وعلا (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ )البقرة143) وعنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" لَمَّا وُجِّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَةِ؛ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) رواه الترمذي وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ) فالصلاة عبادة جليلة يشترك فيها أهل السماء مع أهل الأرض، فعنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، قَالَ : بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ ، إِذْ قَالَ لَهُمْ : " تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ ؟ " قَالُوا : مَا نَسْمَعُ مِنْ شَيْءٍ ، قَالَ : " إِنِّي لأَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ ، وَمَا تُلامُ أَنْ تَئِطَّ ، وَمَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ "، هي أُم العبادات وأساس الطاعات، راحة كل مهموم وفرج لكل مكروب فيها يناجى العبد مولاه وهو منه اقرب ما يكون ولذا كان صلى الله عليه وسلم يقول: أرحنا بها يا بلال . كما عند أحمد وأبو داود)و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ " هي صلة بين العبد وربه، هي رفعة في الدرجات و كفارة للسيئات "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصَّلَاةُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ "صحيح مسلم ) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا" رواه البخاري) هى باب الى الجنة فقد قال تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ*أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ)المعارج34/35) وعن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، انه قال " منْ غدَا إِلَى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أعدَّ اللَّهُ لَهُ في الجنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدا أوْ رَاحَ "متفقٌ عَلَيهِ)وعن رَبِيعَة بْن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه قَالَ : " كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ ، فَقَالَ لِي : سَلْ ، فَقُلْتُ : أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ ، قَالَ : أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ، قُلْتُ : هُوَ ذَاكَ ، قَالَ :" فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ " رواه مسلم) فما أحوجنا إلى المحافظة على هذه الفريضة العظيمة ،فهي أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة،عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ " رواه النسائي والترمذي )
- ومن دروس تحويل القبلة، مكانة المسجد الأقصى،والرباط الوثيق بيه وبين المسجد الحرام، فللمسجد الأقصى مكانة كبرى في الإسلام فلقد شرفه الله تعالى ووصف أرضه بالبركة، قال تعالى في مستهلّ سورة الإسراء ( سُبْحٰنَ الَّذِيْ أَسْرٰى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْـمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى الْـمَسْجِدِ الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) فمن الآية يتضح انه منتهى إسراء سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، و بداية المعراج إلى الملأ الأعلى، وهو قبلة المسلمين الأولى، وهو أرض المحشر والمنشر ، فعَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ! قَالَ"أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ" ) . وهو ثاني مسجد وضع في الأرض، كما ورد في الحديث الشريف عن الصحابي الجليل أَبِى ذَرٍّ، رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَىُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِى الأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ" قُلْتُ : ثُمَّ أَىٌّ ؟ قَالَ "الْمَسْجِدُ الأَقْصَى" قُلْتُ : كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ"أَرْبَعُونَ سَنَةً ، وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ" رواه مسلم).وفي ذلك كله توجيه للمسلمين بأن يقدروهما حق قدرهما .
إنّ هذا الحدث الجليل "حدث تحويل القبلة " ليبعث على تحويل القلوب والنفوس نحو الخير، نحو السماحة والوسطية واليسر، نحو، مزيد من العمل والإنتاج، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةً، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا ، فَلْيَغْرِسْهَا " نحو الطاعة والعبادة، خاصة ونحن في أيام مباركة وعلى أعتاب أيام مباركة، فقد قال الله تعالى (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)الحديد21) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ لِرَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا ، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا "رواه الطبراني في المعجم الأوسط والكبير) . فالمؤمن الفطن يعلم أن أنفاسه معدودة ، وان عمره هو رأس ماله ،ولا يمكن أن يسعد إذا أهمل هذا العمر الذي هو طريق سعادته، بل يغتنمه في  فعل الخيرات وعمل الصالحات، فقد قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾الحج 77) فسارعوا بالخيرات والطاعات، فالصحة يفجؤها السقم، والقوة يعتريها الوهن، والشباب يعقبه الهرم، ولقد قال صلى الله عليه وسلم" اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابُكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتُكَ قَبْلَ سِقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغُكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتُكَ قَبْلَ مَوْتِكَ " 
بَادِرْ بِخَيْرٍ إذا ما كُنْتَ مُقْتَدِرَا *** فَلَيْسَ في كُلِّ وَقْتٍ أَنْتَ مُقْتَدِرُ .


google-playkhamsatmostaqltradent