recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـــــــوان: "خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ" جمالُ المظهرِ والجوهرِ - للشيخ / محمد حســـــن داود (30 جمادى الآخرة 1445هـ - 12 يناير 2024م)

 

خطبة بعنـــــــوان:
 
"خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ"
جمالُ المظهرِ والجوهرِ في بيوت الله (عز وجل)

للشيخ / محمد حســـــن داود
(30 جمادى الآخرة 1445هـ - 12 يناير 2024م)



العناصــــــر:      مقدمة :
- مكانة المسجد في الإسلام.
- (
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ).
- من صور جمال المظهر.
- من صور جمال الجوهر
- دعوة إلى الاهتمام بجمال المظهر والجوهر.

الموضـــــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف 31)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ"، اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فإن المساجد في الإسلام لها مكانة عظيمة، ودرجة رفيعة؛ فهي خير بقاع الأرض وأحبها إلى الله (عز وجل): فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، قَالَ: "أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا" (رواه مسلم).

أضافها الله (عز وجل) إليه تشريفا وتكريما لها، وتعظيما لشأنها: قال تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (الجن 18)، وعَنْ عُمَرَ (رضي الله عنه)، قَالَ: "الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللهِ فِي الأَرْضِ" (رواه ابن أبي شيبة).

فهي بيوت الله، ومحل الرحمة والسكينة، واجتماع الملائكة، والفوز بالخيرات، إذ يقول النبي (صَلى الله عليه وسلم): "مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ" (رواه أبو داود)، وقال: "الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ وَقَدْ ضَمِنَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) لِمَنْ كَانَت الْمَسْاجِدُ بَيْوتَهُم بالرَّوْحِ، وَالرَّاحَةِ، وَالْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ)" (رواه الطبراني في الكبير)

يحب الله (عز وجل) عُمَّارها، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ، كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ" (رواه ابن ماجه، وابن خزيمة وغيرهما).

ويظل يوم القيامة بظله من تعلق بها؛ فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمِ): " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُتعَلِّقٌ بالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ،...".

ويكتب لمن عادها من الفضل العظيم والنعيم الكبير كلما غدا أو راح، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا، كُلَّمَا غَدَا، أَوْ رَاحَ" (رواه مسلم).

تعرفهم الملائكة بالفضل: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ: "إِنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَادًا هُمْ أَوْتَادُهَا لَهُمْ جُلَسَاءُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَإِنْ غَابُوا سَأَلُوا عَنْهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مَرْضَى عَادُوهُمْ، وَإِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ"(مستدرك الحاكم).

ويوم القيامة يُنادى عليهم للفضل الكبير والأجر العظيم، فعَنْ أَنَسٍ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّ اللهَ (عز وجل) لَيُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ جِيرَانِي؟, أَيْنَ جِيرَانِي؟, فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا وَمَنْ يَنْبَغِي أَنْ يُجَاوِرَكَ؟، فَيَقُولُ: أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ؟" (مسند الحارث).

ومن ينظر القرآن والسنة يجد أن الإسلام قد حث على عمارتها صلاة وذكرا، فقال تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة 18)، وقال سبحانه: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (النور36- 38).

كما حث على عمارتها بناء وإنشاء ورعاية واهتماما، فعن عثمان بن عفان (رضي الله عنه): أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ" (متفق عليه)، ويقول النبي (صَلى الله عليه وسلم): " سَبْعٌ يَجْرِي أَجْرُهَا لِلْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ مَنْ عَلِمَ عِلْمًا أَوْ أَجْرَى نَهْرًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ غَرَسَ نَخْلًا أَوْ بَنَى مَسْجِدًا أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ". وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه): أَنَّ امرَأَةً سَودَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ المَسجِدَ، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلـم)، فَسَأَلَ عَنهَا؟ فَقَالُوا: مَاتَتْ، فَقَالَ: "أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟" قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، فَقَالَ: "دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا"، فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ (عز وجل) يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ" وفي رواية: "كَانَتْ تَلْتَقِطُ الْخِرَقَ، وَالْعِيدَانَ مِنَ الْمَسْجِدِ".

كما حثنا الإسلام على أخذ الزينة عند القدوم إليها، قال تعالى: ) يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف 31) ففي هذه الآية حث على أخذ الزينة والاهتمام بمظاهر جمال المظهر والجوهر عند الذهاب إلى المسجد، فقد امتدح الله (عز وجل) أهل قباء لحرصهم على الطهارة والنظافة، قال تعالى: (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) (التوبة108).

ولا أدل على حرص الإسلام على الجمال وأخذ الزينة عند كل مسجد من دخول الطهارة في صلب الأحكام الشرعية وجعلها مفتاحا، بل وشرطا لركن من أركان الإسلام، إذ يقول المولى (جل وعلا): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (المائدة6) وعَنْ عَلِيٍّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ ..." (رواه أبو داود) وعن ابْنِ عُمَرَ (رضي الله عنه) قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ (صلى الله عليه وسلم): يَقُولُ " لاَ يَقْبَلُ الله صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلاَ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ" رواه مسلم ).

وكما أن في الصلاة جمال الظاهر، فيها جمال الباطن، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) (العنكبوت45).

إن من مظاهر اهتمام الإسلام بجمال الظاهر وأخذ الزينة عند كل مسجد أن حث على جمال الملبس ونظافته: فمن نعم الله (تعالى) على الإنسان أن خلق له ما يصنع منه ثيابه فيستر عورته ويجمل مظهره، ويتقي به الحر والبرد، قال تعالى: (يابَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف 26) فاللباس بالنسبة للإنسان كالريش للطير، فان كان اكتمال ريش الطائر يجمله ويحميه من البرد والحر، كذلك الثوب بالنسبة للإنسان يقيه الحر والبرد ويستر بدنه ويجمل مظهره، علي أن يهتم بنظافته وطهارته؛ قال تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ) (المدثر4).

الاهتمام بنظافة البدن: فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) " مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا" (رواه الترمذي). وفي نظافة الرأس؛ يقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ):" مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ " (رواه أبو داود ).

ولقد حثنا النَّبِي (صلى الله عليه وسلم) على دخول المساجد بأجمل طيب وأعطر ريح، فقال : "لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَومَ الجُمُعَةِ، ويَتَطَهَّرُ ما اسْتَطَاعَ مِن طُهْرٍ، ويَدَّهِنُ مِن دُهْنِهِ، أوْ يَمَسُّ مِن طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فلا يُفَرِّقُ بيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي ما كُتِبَ له، ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الإمَامُ، إلَّا غُفِرَ له ما بيْنَهُ وبيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى" ( رواه البخاري)، وفي التخلص من الروائح التي قد يتأذى منها بعض الناس يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ قَالَ : فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا" (رواه البخاري ومسلم) وعَنْ جَابِرِ بنِ عبدِ اللهِ (رضي اللهُ عنهما) أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: "مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بنو آدمَ " (رواه مسلم).

لقد عنى الإسلام بالجمال بمفهومه الواسع؛ فهو جزء من حياة المسلم، وطابع لا غنى عنه؛ وكما جاءت الإشارة إليه في القرآن الكريم بمعان مادية، جاءت بمعان معنوية؛ وفي هذا دليل واضح على عناية الإسلام بجمال الجوهر والمظهر، وحرصه على صفاء القلب مع نقاء البدن؛ وسلامة الصدر مع سلامة الجسد؛ حتى جعل نظافة البدن والملبس مصاحبة ومرتبطة وملازمة للعناية بطهارة النفوس، وسلامة الباطن، قال تعالى: ( يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ * وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ ) (المدثر1-5)، وقال تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (المائدة 6) ويقول جل وعلا: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف26) فقد خلق الله لعباده اللباس يجمل الظاهر، والتقوى تجمل الباطن. وفى حالِ أهلِ الجنّة يقول الله (جل وعلا): (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ) (الإنسان: 11/12) إذ جمل وجوههم بالنضرة، وبواطنهم بالسرور، وأبدانهم بحسن الثياب .

ففي اهتمام الإسلام بجمال الجوهر: يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ؛ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ " (رواه مسلم).

ومن صور جمال الجوهر: طهارة القلوب من الحقد والحسد والغل؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا" (رواه مسلم ) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ" كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ "، قَالُوا : صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ، قَالَ : " هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ ، لَا إِثْمَ فِيهِ ، وَلَا بَغْيَ ، وَلَا غِلَّ ، وَلَا حَسَدَ " (رواه بن ماجه).

ومنه: جمال السلوك والأخلاق، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): " خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " وقال: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ".

ومنه: أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ) : " لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ." (رواه البخاري).

إن الحفاظ على جمال المظهر والجوهر مطلب ضروري وقيمة نبيلة، دعان إليه اليها القرآن وحثنا عليها النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) فحري بنا أن نستمع إلى دعوته فنأخذ من مشكاته، ونسير على هديه حتى تستقيم دنيانا وآخرتنا.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، واصرف عنا سيئها
واحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــــــــن داود
إمام وخطيب ومــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

 لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


 

 

google-playkhamsatmostaqltradent