recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـــــــوان : تحويل القبلة دروس وعبر - للشيخ / محمد حســـــن داود (13 شعبان 1445هـ - 23 فبراير 2024م)

 

خطبة بعنـــــــوان :
تحويل القبلة دروس وعبر
للشيخ / محمد حســـــن داود
(13 شعبان 1445هـ -  23 فبراير 2024م)



العناصــــــر:      مقدمة :
- من فضل شهر شعبان.
- تحويل القبلة دروس وعبر.
- اغتنام شهر شعبان بالطاعات والقربات.

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (البقرة144)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "يَطْلُعُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ" (رواه ابن حبان)، اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فمن فضل الله (جل وعلا) أن جعل لنا مواسم للطاعات، أجزل لنا فيها العطايا والنفحات، تضاعف فيها الحسنات، وترفع فيها الدرجات، ويتزود فيها المؤمن بالقربات، ويسارع فيها إلى الخيرات والطاعات؛ ومن هذه النفحات الطيبة، والأيام العطرة: "شهر شعبان"، فهو شهر يتشعب فيه خير كثير، لعظمه ودرجته ومكانته خصه رسول الله (صَلى الله عليه وسلم) بمزيد من العبادة؛ فعن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ" (رواه النسائي).

وإن من أهم الأحداث التي كانت في شهر شعبان، والتي ستظل عبر الأزمان والعصور منبعا عذبا وموردا صافيا ينهل منه المسلمون الدروس والعبر في كل زمان ومكان: "تحويل القبلة" ذلكم الحدث الجليل الذي كان له أثر عظيم على الأمة الإسلامية.

- والذي يعد من أبرز مظاهر التكريم الإلهي للنبي (صلى الله عليه وسلم)؛ حيث إجابة دعائه وتحقيق رغبته وأمله ورجائه، ولعل هذا هو الدرس الأول من جملة دروس عظيمة وعبر قيمة نقف عليها ونأخذ منها العظة. فلما هاجر النبي (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة، استقبل بيت المقدس في صلاته بأمر من الله (تعالى)، وظل على هذه القبلة ستة عشرا، أو سبعة عشر شهرا، وكان صلى الله عليه وسلم يرجو أمر الله (تعالى) بالتوجه إلى قبلة أبيه إبراهيم (عليه السلام)، يشتاق أن يتوجه إلى البيت الحرام، ولما أبلغ جبريل (عليه السلام) بهذا، (كما جاء في أسباب النزول للواحدي)، قال له: إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ لَا أَمْلِكُ شَيْئًا، فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ يُحَوِّلَكَ عَنْهَا إِلَى قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ ارْتَفَعَ جِبْرِيلُ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُدِيمُ النَّظَرَ إِلَى السَّمَاءِ رَجَاءَ أَنْ يَأْتِيَهُ جِبْرِيلُ بِمَا سَأَلَهُ، فأنزل الله (تعالى) قوله سبحانه: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (البقرة 144) .

- وسطية الأمة، قال تعالى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة143) فالأمة الإسلامية وسطٌ بين طرفي الإفراط والتفريط، لا غلو ولا تقصير؛ وإن هذه الوسطية هي التي أهلت هذه الأمة للشهادة على غيرها من الأمم، قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة143) وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : هَلْ بَلَّغْتَ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ ، فَيُقَالُ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَأُمَّتُهُ " قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ ، وَيَكُونُ الرَّسُولُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (سورة البقرة آية )143 " (رواه ابن حبان).

من جانب آخر فإن لهذه الأمة شهادة على نفسها في الدنيا: كما جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ. قَالَ عُمَرُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ".

- كما أن هذا الحدث الجليل يظهر لنا درسا يحتاج إلى من يعيه ويتأمله، فيكون له طريق إلى الجنة، وهو الاستجابة لله ولرسوله، فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: "أَنّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ، أَوْ قَالَ : أَخْوَالِهِ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قِبَلَ مَكَّةَ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ "(رواه البخاري) فما أعظم تلك الاستجابة الفورية التي ما شابها جدال أو تسويف ،إذ يصلون نصف الصلاة إلى بيت المقدس والآخر إلى البيت الحرام، بل تحولوا إلى البيت الحرام وهم في هيئة الركوع، امتثالا لأمر الله (تعالى)، فهو سبحانه القائل في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال 24) إذ إن الاستجابة لله ولرسوله حياة، هي باب إلى الخيرات وإجابة الدعوات فقد قال تعالى: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة 186) سبيل الرفعة في الدرجات فقد قال تعالى: (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى) (الرعد18) وقال سبحانه: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ) (النساء69) .

- ومن دروس تحويل القبلة بيان مكانة الصلاة؛ فلقد سماها القرآن الكريم إيمانا، إذ يقول الله (جل وعلا): (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) (البقرة143) وعنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" لَمَّا وُجِّهَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِلَى الْكَعْبَةِ؛ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) (رواه الترمذي) فالصلاة عبادة جليلة يشترك فيها أهل السماء مع أهل الأرض، فعنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ : بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي أَصْحَابِهِ ، إِذْ قَالَ لَهُمْ : " تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟ " قَالُوا : مَا نَسْمَعُ مِنْ شَيْءٍ ، قَالَ : " إِنِّي لأَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ، وَمَا تُلامُ أَنْ تَئِطَّ، وَمَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ "، هي أُم العبادات وأساس الطاعات، راحة كل مهموم وفرج لكل مكروب، فيها يناجى العبد مولاه، ولذا كان صلى الله عليه وسلم يقول: أرحنا بها يا بلال (كما عند أحمد وأبو داود) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ الله عَنْهُ)، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ " هي صلة بين العبد وربه، هي رفعة في الدرجات و كفارة للسيئات ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "الصَّلَاةُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ "(صحيح مسلم).

- لاسيما في سؤال الصحابة عن حال من ماتوا على القبلة الأولى، فيه درس عظيم، وهو أن المؤمن يحب للناس ما يحب لنفسه، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "والذي نفسُ مُحَمَّدٍ بيدِهِ لا يُؤْمِنُ أحدُكُم حتى يُحِبَّ لِأَخِيهِ ما يُحِبُّ لنفسِهِ من الخيرِ" (رواه النسائي).

- ومن دروس تحويل القبلة: مكانة المسجد الأقصى، والرباط الوثيق بيه وبين المسجد الحرام، فلقد شرفه الله (تعالى) ووصف أرضه بالبركة، قال تعالى في مستهلّ سورة الإسراء: ( سُبْحٰنَ الَّذِيْ أَسْرٰى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْـمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى الْـمَسْجِدِ الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) ومن الآية يتضح أنه منتهى إسراء سيدنا ونبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وبداية المعراج إلى الملأ الأعلى، غير أنه قبلة المسلمين الأولى، وهو أرض المحشر والمنشر، فعَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ "أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ". وهو ثاني مسجد وضع في الأرض، كما ورد في الحديث الشريف عن الصحابي الجليل أَبِى ذَرٍّ، (رضي الله عنه)، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَىُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِى الأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ" قُلْتُ : ثُمَّ أَىٌّ ؟ قَالَ "الْمَسْجِدُ الأَقْصَى" قُلْتُ : كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ "أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ" (رواه مسلم). وفي ذلك كله توجيه للمسلمين بأن يقدروهما حق قدرهما .

إنّ هذا الحدث الجليل "تحويل القبلة" ليبعث على تحويل القلوب والنفوس نحو الخير، نحو السماحة والوسطية واليسر، فقد قال رسول الله (صَلى الله عليه وسلم) " إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ " (رواه بن ماجه) نحو حسن الأخلاق والسلوك فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ): "خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ"، نحو مزيد من العمل والإنتاج، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةً، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا، فَلْيَغْرِسْهَا"، نحو الطاعة والعبادة، خاصة ونحن في أيام مباركة وعلى أعتاب أيام مباركة، فقد قال الله تعالى: (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد21) ويقول النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "إِنَّ لِرَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا ، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا " (رواه الطبراني في المعجم الأوسط والكبير) لاسيما ونحن في شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله، في شهر يطلع الله فيه إلى عباده، فيعطيهم من فضله ويزيدهم من كرمه، فعن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أنه قَالَ " يَطْلُعُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ " (رواه ابن حبان)... تُرى كيف تحب أن تكون في هذا الوقت؟ لا شك أن اللبيب العاقل يحب أن يكون في عمل صالح.

وكما كشف لنا النبي (صلى الله عليه وسلمَ) في قوله: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ" (رواه النسائي) عن عمل من أحب الأعمال إلى الله، تُنال به الحسنات وتُرفع به الدرجات، وهو: "الصيام"، بيّن لنا عملا يضر بالأعمال والطاعات، ألا وهو: "الشحناء" فقال: "فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ".

إذ إن الشحناء ما دخلت قلبا إلا أفسدته، ولا تسللت إلى نفس إلا أنبتت فيها البغض والكراهية، ولا تمكنت من أسرة إلا فرقت شملها، ومن ذلك يقول النبي (صلى الله عليه وسلم)، محذرا من هذه الخصلة: "لَا تَقَاطَعُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا" (رواه أحمد)، ويكفى لصاحب القلب التقى النقي شهادة النبي (صلى الله عليه وسلمَ) في الحديث الذي رواه "ابن ماجه"، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ"، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ، قَالَ: "هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ".

فما أحوجنا إلى صفاء القلب، وما أحوجنا إلى المسارعة بالطاعات، حتى نفوز برحمة رب البريات، فقد قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران 133)، فالمؤمن الفطن يعلم أن أنفاسه معدودة ، وأن عمره هو رأس ماله ،ولا يمكن أن يسعد إذا أهمل هذا العمر الذي هو طريق سعادته، بل يغتنمه في  فعل الخيرات وعمل الصالحات، فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (الحج 77) فسارعوا بالخيرات والطاعات، فالصحة يفجؤها السقم، والقوة يعتريها الوهن، والشباب يعقبه الهرم، ولقد قال صَلى الله عليه وسلم: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابُكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتُكَ قَبْلَ سِقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغُكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتُكَ قَبْلَ مَوْتِكَ"

بَادِرْ بِخَيْرٍ إذا ما كُنْتَ مُقْتَدِرَا *** فَلَيْسَ في كُلِّ وَقْتٍ أَنْتَ مُقْتَدِرُ

 

نسأل الله أن يبارك لنا في شعبان وأن يبلغنا رمضان

وأن يحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــــــــن داود
إمام وخطيب ومــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


google-playkhamsatmostaqltradent