recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـــــــوان : مجالس العلم والذكر والاستعداد لرمضان - للشيخ / محمد حســـــن داود (20 شعبان 1445هـ - 1 مارس 2024م)

 

خطبة بعنـــــــوان :
مجالس العلم والذكر والاستعداد لرمضان
للشيخ / محمد حســـــن داود
(20 شعبان 1445هـ -  1 مارس 2024م)


العناصــــــر:      مقدمة :
- مكانة مجالس العلم والذكر.
- فضائل مجالس العلم والذكر.
- استقبال شهر رمضان بالقرآن ومجالس العلم والذكر.
- استقبال شهر رمضان بالتوبة والعبادات والقربات.

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) (الأحزاب 41 - 43)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا"، قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: "حِلَقُ الذِّكْرِ" (رواه أحمد)، اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فقد تصدأ القلوب كما يصدأ الحديد، وتظمأ كما يظمأ الزرع؛ ومن ثم، فهي تحتاج إلى تجلية وري يزيلان عنها الأصداء والظمأ، تحتاج إلى ما يوقظها، تحتاج إلى أمان واطمئنان وسكينة، وليس ذلك إلا في مجالس العلم والذكر؛ قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد28)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ) : "وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، إنْ لَوْ تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي وفي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ علَى فُرُشِكُمْ وفي طُرُقِكُمْ" (رواه مسلم)، فهي خير المجالس، وأزكاها، وأشرفها، وأعلاها قدرا عند الله (عز وجل)، وأجلها مكانة عنده، هي حياة القلوب، ونماء الإيمان، وزكاء النفس، وسبيل الفلاح في الدنيا والآخرة.

هي ميراث الأنبياء، حيث قال النبي: (صلى الله عليه وسلمَ): "وإنَّ الأنبِيْاءَ لمْ يُوَرَثُوا دِيْناراً ولا دِرْهَمَاً وَإنَّما وَرَّثُوا العِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أخَذَ بِحَظٍ وَافِرٍ" (رواه أبو داود والترمذي)؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ مَرَّ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، فَوَقَفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: "يَا أَهْلَ السُّوقِ، مَا أَعْجَزَكُمْ" قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: "ذَاكَ مِيرَاثُ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ) يُقْسَمُ، وَأَنْتُمْ هَاهُنَا لَا تَذْهَبُونَ فَتَأَخُذُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْهُ" قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ فِي الْمَسْجِدِ" فَخَرَجُوا سِرَاعًا إِلَى الْمَسْجِدِ، وَوَقَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَهُمْ حَتَّى رَجَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ: "مَا لَكُمْ؟" قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَلَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا يُقْسَمُ. فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: "أَمَا رَأَيْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدًا؟" قَالُوا: بَلَى، رَأَيْنَا قَوْمًا يُصَلُّونَ، وَقَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَقَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: "وَيْحَكُمْ، فَذَاكَ مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلمَ)" (الطبراني في الأوسط).

هي رياض الجنة في الدنيا: فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ) قال: "إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا" قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: " حِلَقُ الذِّكْرِ " (رواه أحمد). ولقد كان ابن مسعود (رضي الله عنه) يقول: " إذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا، أَمَا إِنِّي لَا أَعْنِي حِلَقَ الْقَصَّاصِ وَلَكِنْ أَعْنِي حِلَقَ الْفِقْهِ ". وقال عطاء الخرساني: " مجالس الذكر مجالس الحلال والحرام ،كيف تشتري وتبيع وتصلي وتصوم وتنكح وتطلق وأشباه هذا".

هي مجالس الملائكة، ينعم أهلها بالرحمة والفضل: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (َصلى الله عليه وسلمَ): "إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: ‌هَلُمُّوا ‌إِلَى ‌حَاجَتِكُمْ. ‌قَالَ: ‌فَيَحُفُّونَهُمْ ‌بِأَجْنِحَتِهِمْ ‌إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قال: تقول: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، قَالَ: يَقُولُ: فَمَا يسألونني؟ قَالَ: يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، قَالَ: فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. قَالَ: يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ. قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ) (رواه البخاري).

بل يباهي الله (عز وجل) بأهلها الملائكة: فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: "خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ قَالَ: آللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلمَ) أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلمَ) خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ ‌قَالُوا : ‌جَلَسْنَا ‌نَذْكُرُ ‌اللهَ، ‌وَنَحْمَدُهُ ‌عَلَى ‌مَا ‌هَدَانَا ‌لِلْإِسْلَامِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا قَالَ: آللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللهَ (عز وجل) يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ" (رواه مسلم).

إن ذكر الله (جل وعلا) من أزكى الأعمال، وخير الخصال، وأعظم العبادات، فيه شفاء للأسقام، ودواء للآلام، يستدفع الذاكرون به الآفات، ويستكشفون به الكربات، فما أعظم فضله، وما أعظم أجره، وما أعظم أثره، وما أزكي وأطيب مجالسه:

إذ تبدل سيئات أهلها حسنات؛ كما في حديث أنس (رضي الله عنه) عن رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): قَالَ: "مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ، لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلَّا وَجْهَهُ، إِلَّا نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ، قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَاتٍ" (رواه أحمد)

كما أن غنائمها الجنة؛ كما في حديث عبد الله بن عمرو (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا غَنِيمَةُ مَجَالِسِ الذِّكْرِ؟ قَالَ: غَنِيمَةُ مَجَالِسِ الذِّكْرِ الْجَنَّةُ الْجَنَّةُ" ( أحمد).

كذلك إيواء الله لأصحابها، وقربهم إليه، وحفظهم من كل سوء وخذلان: فعن أَبِي وَاقِدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ، إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلَاثَةٌ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَذَهَبَ وَاحِدٌ، قَالَ فَوَقَفَا عَليه (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللهِ، فَآوَاهُ اللهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا، فَاسْتَحْيَا اللهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ" (رواه البخاري).

لقد تواترت النصوص تحثنا علي ذكر الله (سبحانه وتعالى) وتدعونا إليه، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) (الأحزاب 41 - 43) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ " أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ" لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ" (الترمذي).

ولا شك أن هذا من أفضل الأعمال التي يستقبل العبد بها شهر رمضان المبارك، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ"(متفق عليه)؛ حيث كان من هدي النبي (صلى الله عليه وسَلم) في الشهر الفضيل مدارسة القرآن الكريم، والقرآن أفضل الذكر وأفضل ما يتعلمه العبد؛ من تلاه نال بتلاوته الرحمات، ومضاعفة الأجور والرفعة في الدرجات؛ فعن عَبْد اللهِ بْن مَسْعُودٍ (رضي الله عنه) قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ الْم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ" (رواه الترمذي)، وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ" ويقول صَلى الله عليه وسلم: "وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا غَشِيَتْهُمُ السَّكِينَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ". يشفع لأصحابه يوم القيامة، فعن أَبي أمامه الْبَاهِلِيّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ" (مسلم). ويرفع درجاتهم في الجنة، فعن عبد الله بن عمرو (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما) قال: قال رسولُ الله (صلَّى الله عليه وسلم) "يقالُ لصاحبِ القرآن: اقرَأ وارتَقِ، ورتِّل كما كُنْتَ ترتِّل في الدُنيا، فإن منزِلَكَ عندَ آخرِ آية تقرؤها " (أبو داود)،

وها هو النبي (صلَّى الله عليه وسلم) يحث الصحابة (رضي الله عنهم) على مجالس الذكر والعلم والقرآن فيقول : "يَا أَبَا ذَرٍّ، لَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ، وَلَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ، عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ" (رواه ابن ماجه).

ومن ثم؛ فإن من حسن استقبال رمضان: استقباله بالطاعات والعبادات، فهو ساحة للمسارعة إلى الخيرات، والتنافس في الطاعات، والمسابقة إلى رضا الله (سبحانه وتعالى)، وقد  قال تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) (آل عمران133) ويقول رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) نَفَحَاتٌ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ"، ويقول الحسن البصري : "إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا".

- كذلك من حسن استقبال شهر رمضان أن نجدد التوبة إلى الله (جل وعلا)، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) (التحريم8) فمن فضل الله تعالى، وكرمه، ورحمته، وعفوه، أنه سبحانه يقبل التوبة عن عباده، إذ يقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر53)، بل يبسط يده بالعفو، بالمغفرة، بقبول التوبة، ليتوب إليه من أساء؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" (رواه مسلم)، بل يفرح بتوبة عبده إليه؛ فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "كَيْفَ تَقُولُونَ بِفَرَحِ رَجُلٍ انْفَلَتَتْ مِنْهُ رَاحِلَتُهُ تَجُرُّ زِمَامَهَا بِأَرْضٍ قَفْرٍ لَيْسَ بِهَا طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ؟ وَعَلَيْهَا لَهُ طَعَامٌ وَشَرَابٌ، فَطَلَبَهَا حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِ ثُمَّ مَرَّتْ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ، فَتَعَلَّقَ زِمَامُهَا فَوَجَدَهَا مُتَعَلِّقَةً بِهِ؟"، قُلْنَا: شَدِيدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "أَمَا وَاللَّهِ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنَ الرَّجُلِ بِرَاحِلَتِهِ"(مسلم)، وها هو إمام التائبين وسيد المستغفرين صلىَ الله عليه وسلم، يقول كما في "صحيح مسلم": "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّة". فإذا كان المصطفى (صلى الله عليه وَسلم) وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يستغفر الله (سبحانه وتعالى) ويتوب إليه ويناجيه، أفلا نستغفر آناء الليل وأطراف النهار، لعلنا نكون من أهل الفلاح، وقد قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور31).

- كذلك من حسن استقبال هذا الشهر: استقباله بالتكافل والتراحم، فقد كان النبي (صلى الله عليه وسلمَ) أجود الناس وكان أجود ما يكون في هذا الشهر، فالواجب علينا أن نقتدي برسولنا الكريم في كل أعماله ولا سيما في الجود والإنفاق، خاصة في شهر الجود والكرم.

نسأل الله أن يبارك لنا في شعبان وأن يبلغنا رمضان
وأن يحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــــــــن داود
إمام وخطيب ومــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


google-playkhamsatmostaqltradent