recent
آخر المشاركات

خطبة بعنــوان : حـــق الطفــــل والنشء ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات - للشيخ / محمد حســـــن داود (6 شعبان 1445هـ - 16 فبراير 2024م)

 

خطبة بعنـــــــوان :
حـــق الطفــــل والنشء ورعايته
بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات
للشيخ / محمد حســـــن داود
(6 شعبان 1445هـ -  16 فبراير 2024م)



العناصــــــر:      مقدمة :
- المال والبنون زينة الحياة الدنيا.
- حق الطفل والنشء ورعايته في الإسلام.
- دعوة إلى الاهتمام بحقوق الطفل ورعايته.

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) (الشورى49- 50)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُوْلُ" (رواه أبو داود والنسائي)، اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

إن الأبناء هم زهرة الحياة الدنيا وزينتها، وبهجة النفوس وقرة الأعين، يقول الله (عز وجل): (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الكهف46)، ويقول سبحانه: ( لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) (الشورى49- 50)، ومع ذلك هم أيضا جيل الغد ورجال المستقبل، ومن ذلك كان اهتمام الإسلام بالطفل في جميع مراحل حياته، حتى وضع الضوابط والتوجيهات التي على أثرها ينال الطفل حقه في الرعاية والنشأة الكريمة؛ ومن ذلك:

- أنه لما كان الدور الأكبر في الرعاية والنشأة الطيبة، يتمثَّل في دور الوالدين، فقد حرص الإسلام على أن تنشأ الأسرة في الأساس بزوج تقيٍّ وزوجة صالحة، فعن عائشة (رضي الله عنها) أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال" تَخَيَّروا لِنُطَفِكُم" (رواه ابن ماجه والحاكم والبيهقي) فقد حث النبي (صلى الله عليه وسلم) على اختيار الزوجة الصالحة التي بدورها ستكون مدرسة طيبة للطفل ينهل منها حسن الأخلاق وطيب الصفات، فقال صلى الله عليه وسلم: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" (رواه البخاري ومسلم)، وكذلك حث الزوجة وأهلها على اختيار الزوج على نفس المعيار والأساس؛ فقال: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ" (رواه الترمذي) ولا ريب في أن هذا الاختيار وذاك الأساس من شأنه أن يعود بالتربية الحسنة واكتساب الأخلاق الحميدة من الوالدين، لما لهما من تأثير على أخلاق الطفل وسلوكه.

- الاستبشار بالمولود والفرح بقدومه: فالأولاد هبة من الله (جل وعلا) يقول عز وجل حكاية عن سيدنا زكريا: (فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران 39) وهذه البشارة وهذا الفرح بالذكر والأنثى على السواء من غير تفرقة بينهما فلقد ذم الله (جل وعلا) أهل الجاهلية بحالهم إذا ما بشر أحدهم بالأنثى، قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ) (النحل 58).

- تسميته باسم حسن: فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ "( رواه أبو داود ) فلقد حث الإسلام على انتقاء الأسماء الطيبة للأطفال ولعل من جوانب العلة في ذلك؛ مراعاة الجانب النفسي عند الطفل ،وهذا الجانب يمثل أساسا من أهم الأسس التي تبنى شخصية الفرد من طفولته، إذ إن الطفل يتأثر نفسياً باسمه وكنيته، وتتأثر رؤيته لنفسه بذلك، فنجد بعض الأطفال الذين يعانون من أسمائهم؛ لأنها تحمل معان سيئة، في حرج، بينما لو منحه أبواه اسماً جميلاً، ذا معنى ومغزى، انعكس ذلك عليه بهجة وسعادة، وفي الغالب أيضا سعيا إلى الصفات الحميدة التي يحملها هذا الاسم ؛ ولقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يحب الأسماء الجميلة، ويبدل غيرها؛ فغير اسم عاصية: وقال أنت جميلة. وسمى حربا: سلماً. وشعب الضلالة: شعب الهدى. وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ : لَمَّا وَلَدَتْ فَاطِمَةُ الْحَسَنَ جَاءَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: "أَرُونِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، قَالَ: "بَلْ هُوَ حَسَنٌ"، فَلَمَّا وَلَدَتِ الْحُسَيْنَ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: "أَرُونِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَقَالَ: "بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ"، ثُمَّ لَمَّا وَلَدَتِ الثَّالِثَ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "أَرُونِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ "قُلْتُ: سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، قَالَ: "بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ"، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا سَمَّيْتُهُمْ بِاسْمِ وَلَدِ هَارُونَ شَبَرٍ وَشُبَيْرٍ وَمُشَبِّرٍ" (مستدرك الحاكم).

- رعاية الطفل نفسيا: بالإحسان والرحمة وإدخال السرور عليه وعدم الغلظة معه؛ فعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، قَالَ: يَا عَائِشَةُ : "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُك الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ" (رواه مسلم)، ولقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ) يرفق بالأطفال؛ فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُلاعِبُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ، وَهُوَ يَقُول: "يَا زُوَيْنِبُ، يَا زُوَيْنِبُ " مِرَارًا. وعَنِ بُرَيْدَةَ، قال: "بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ، إِذْ أَقْبَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ (عَلَيْهِمَا السَّلَام) عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ وَحَمَلَهُمَا، فَقَالَ: "صَدَقَ اللَّهُ (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) (سورة التغابن آية 15)، رَأَيْتُ هَذَيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فِي قَمِيصَيْهِمَا، فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى نَزَلْتُ فَحَمَلْتُهُمَا ". وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، أَبْصَرَ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، يُقَبِّلُ الْحَسَنَ، فَقَالَ: إِنَّ لِي عَشْرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمْ  لَا يُرْحَمْ " (رواه مسلم).

- ومن ذلك أيضا العناية بالطفل وجدانيا ومعنويا: فقد نهى المصطفى (صَلى الله عليه وسلم) عن الدعاء على الأولاد، فعن جابر (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (صَلى الله عليه وسلم) "لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ (تبارك وتعالى) سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ " (رواه أبو داود). فإن ما ورد عن أنبياء الله (عز وجل) والصالحين من عباده سؤالهم الله (عز وجل) لذريتهم الصلاح والهداية، قال تعالى حكاية عن الخليل إبراهيم (عليه السلام): (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) (إبراهيم40)  وعن زكريا (عليه السلام ): ( رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَاءِ) (آل عمران 38) ومن صفات عباد الرحمن كما في سورة الفرقان أنهم يتوجهون إلى الله في دعائهم أن يرزقهم صلاح الذرية التي تقر بها أعينهم وتدخل السرور على نفوسهم، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان 74) وفي القرآن الكريم أيضا: ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (الأحقاف 15).

كذلك من مظاهر عناية الإسلام بالطفل رعايته ماديا: فقد قال الله تعالى: ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة 223) وترغيبا في هذا الحق رتب الإسلام عليه الأجر العظيم والفضل الكبير؛ فقال رسول الله (صَلى الله عليه وسلم): "دِينَارٌ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْته فِي رَقَبَةٍ ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك" (رواه مسلم ) وقال صَلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (رواه مسلم) وحذر المصطفى (صلى الله عليه وسلمَ) من إهمال هذا الحق أو التغافل عنه فقال: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُوْلُ ".

كذلك من مظاهر عناية الإسلام بالطفل رعايته سلوكيا واجتماعيا: وذلك بغرس الوازع الديني فيه منذ الصغر، وتعويده آداب الإسلام، والفضائل ومكارم الأخلاق، وتوجيهه إلى ما فيه نجاته وفلاحه في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم6)، والناظر في سنة النبي (صَلى الله عليه وسلم) يرى هذا جليا؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَوْمًا فَقَالَ: "يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ" (رواه الترمذي) كذلك من وصاياه صَلى الله عليه وسلم في تربية الصغار، تعويدهم على الصلاة والحرص على طهارة الظاهر والباطن، وفي الأخلاق والآداب: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِـرٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ (صَلى الله عليه وسلم) قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُـولُ اللَّهِ (صَلى الله عليه وسلم): "وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ ؟".قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلى الله عليه وسلم) : "أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ" (رواه أبو داود) وعن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ أنه قال: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "يَا غُلَامُ: سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ" فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ (رواه البخاري).

- ومنه أيضا: العناية بصحة الطفل وإتمام فترة الرضاعة حولين كاملين: فمن حق الطفل إكمال مدة الرضاعة دون أن يزاحمه في هذا الحق آخر، لكمال نموه نموا سليما من الوجهتين الصحية والنفسية، قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) (البقرة233)، وقال سبحانه: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) (الأحقاف 15). ولقد أثبتت البحوث الصحية والنفسية في الوقت الحاضر أن فترة عامين ضرورية لنمو الطفل نموا سليما من الوجهتين الصحية والنفسية، فمع أن إرضاع الأم للطفل غذاء، إلا انه يكون ممزوجا بعطفها وحنانها ودفء أحضانها، وفي ذلك غذاء عاطفي رفيع؛ الحاجة إليه ليست أقل من الحاجة إلى الطعام والشراب، ولاشك أن تتابع الحمل دون تنظيم النسل فيه جور على هذا الحق؛ فلقد عد الفقهاء إيقاع الحمل مع الإرضاع جورا على حق الرضيع والجنين، وسموا لبن الأم التي جمعت بين الحمل والارضاع لبن الغيلة، وكأن كل واحدا من الطفلين اقتطع جزءا من حق أخيه مما يعرضهما أو أحدهما للضعف.

وإذا كان قد حَسُن شرعا التوجيه إلى الاستعفاف حتى تتحقق القدرة على الزواج وتبعاته، كما في قوله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النور 33)؛ فلا شك أنه يحسن في أمر الذرية مراعاة قدرة الزوجين المالية والصحية والاجتماعية، وكذلك مراعاة حقوق الأطفال، ومن هذا وغيره كان اهتمام الشريعة الإسلامية بالصحة الإنجابية، فهي قضية أخذ بالأسباب الشرعية؛ وقد ورد هذا الفعل عن الصحابة (رضي الله عنهم) بطريقة العزل؛ فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَلَمْ يَنْهَنَا" وفي رواية " كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَالقُرْآنُ يَنْزِلُ فَلَمْ يَنْهَنَا" مما يدل على جواز تنظيم النسل بالعزل أو بغيره من الوسائل الطبية المباحة شرعا.

ومن الأمور الهامة التي أكد النبي (صلى الله عليه وسلمَ) عليها: العدل والتسوية بين الأولاد، فحذر الآباء من إثارة الغيرة بين الأبناء، بتفضيل بعضهم على بعض، بأي صورة من صور التفضيل المادي أو المعنوي، لما في ذلك من أثر سيء على الطفل فحينما أراد أحد الصحابة أن يشهد رسول الله (صَلى الله عليه وسلم) على هبة لأحد أولاده، فترى كيف كان رد الرسول (صَلى الله عليه وسلم)؛ فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ (رضي الله عنه) قَالَ : انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي ، فَقَالَ : أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : " فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي " ثُمَّ قَالَ : " أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً " قَالَ : بَلَى . قَالَ : " فَلا إِذًا " (رواه مسلم) ومن العدل والمساواة أيضا عدم التفريق بين الذكور والإناث في المعاملة ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ) : " مَنْ وُلِدَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ - يَعْنِي الذَّكَرَ - عَلَيْهَا ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ " (مستدرك الحاكم) وعن أَنس (رضي اللَّه عنه) عن النَّبيّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم) قَالَ: "مَنْ عَالَ جَارِيتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَومَ القِيامَةِ أَنَا وَهُو كَهَاتَيْنِ" وَضَمَّ أَصَابِعَهُ" (رواه مسلم)

إن العناية بالنشء مسلك الأخيار، وطريق الأبرار، ولذلك كان السلف الصالح يعنون بأبنائهم منذ نعومة أظفارهم؛ يعلمونهم وينشئونهم على الخير، ويبعدونهم عن الشر، ثم إذا بدأ الطفل في  إدراك الحياة والمجتمع فلا نغفل أهمية الصحبة الطيبة بين الأبناء والآباء، ففي صحبة الأبناء استقامة الأسرة؛ فهي من أهم الدعائم والركائز الأساسية للأسرة الناجحة.

إن صغاركم اليوم هم أمانة عندكم، هم شباب الغد، هم آباء المستقبل؛ ومن ثم فالواجب رعايتهم رعاية كاملة من كل الجوانب الثقافية والمادية والسلوكية والأخلاقية وغيرها، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ) " وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ "، وقال أيضا: " كفى بالمرءِ إثمًا أن يُضَيِّعَ من يقوتُ". وعن الحسن أن النبي (صلى الله عليه وسلمَ)، قال: إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ: أَحَفَظَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ"  (رواه ابن حبان).

ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما
واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــــــــن داود
إمام وخطيب ومــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


 

 

 

google-playkhamsatmostaqltradent