recent
آخر المشاركات

خطبة بعنــــوان: رمضان شــــهر الطاعات - للشيخ/ محمد حسـن داود (5 رمضان 1445هـ - 15 مارس 2024م)

 

خطبة بعنــــوان:
رمضان شــــهر الطاعات
للشيخ/ محمد حسـن داود
(5 رمضان 1445هـ -  15 مارس 2024م)



العناصـــــر :    مقدمة.
-  فضائل شهر رمضان.
- بركات الصيام.
- التقرب إلى الله (عز وجل) بالطاعات
في شهر الطاعات.
- الصيام مدرسة إيمانية أخلاقية.
- دعوة إلى اغتنام رمضان بالطاعات والقربات.

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فمن فضل الله (سبحانه وتعالى) علينا أن جميع الأوقات لا تخل من رحمات غامرة، وفيوضات شاملة، وإن أعظم هذه الأوقات شأنا وأرفعها قدرا وأكثرها فضلا: "شهر رمضان المبارك":

 فهو شهر تفتح فيه أبواب الرحمات، شهر تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين: فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ" (رواه أحمد).

هو شهر يجود الله فيه على عباده بالعتق من النار، فقد قال صلى الله عليه وسلمَ: "وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ". وقال: "إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ"( أحمد وابن ماجه).

فيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم: إذ يقول النبي (صَلى الله عليه وسلم) "إنَّ هذا الشَّهرَ قَد حضرَكُم وفيهِ ليلةٌ خيرٌ مِن ألفِ شَهْرٍ من حُرِمَها فقد حُرِمَ الخيرَ كُلَّهُ ولا يُحرَمُ خيرَها إلَّا محرومٌ".

ومن عظيم أمر هذا الشهر أن من الله فيه على عباده وشرع لهم من الطاعات ما يحصلون به الخيرات والرحمات والبركات والنفحات، لذلك كان شهر رمضان شهر جد وطاعة وعبادة وليس شهر خمول وكسل، وإذا نظرنا إلى حال النبي (صلى الله عليه وسلمَ)، وصحابته الأطهار لرأينا أن حياتهم في رمضان كانت عبادة وعملا، راجين رحمة الله، قارعين أبواب طاعته ومغفرته، إذ تقول أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَجْتَهِدُ فِي رَمضانَ مَا لا يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ" (رواه مسلم).

وإن من الجِد في شهر الجِد أن يتقرب العبد إلى ربه بصنوف العبادات والطاعات والقربات، ومن ذلك:

- أداء الفرائض: ففي الحديث القدسي: "وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ" (رواه البخاري).

- وإن من الفرائض: الصيام: فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183). ومن فضل الصيام أنه باب إلى مغفرة الذنوب: إذ يقول صَلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ) كَانَ يَقُولُ: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ " (رواه مسلم). ولم تقف بركات هذه الفريضة العظيمة عند هذا الحد فعن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ هُوَ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، إِذَا كَانَ يَوْمُ صِيَامِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَرِحَ بِصَوْمِهِ". كما أن الصيام جنة من النار، فعَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: " قَالَ رَبُّنَا (عَزَّ وَجَلَّ): الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ، وَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ " (رواه أحمد) وما أعظم فرحة الصائمين بصيامهم يوم القيامة: فعن سَهْلٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: " إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ " (رواه البخاري ومسلم).

- كذلك مما يتقرب به العبد إلى ربه (عز وجل) في شهر رمضان: تلاوة القرآن الكريم: فرمضان شهر نزول القرآن: قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة 185 )، ولاشك أن القرآن هو أفضل ما تعمر به الأوقات في هذا الشهر حفظا وتلاوة وتدبرا وعملا، فعَنْ عَبْد اللهِ بْن مَسْعُودٍ (رضي الله عنه) قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ الْم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ "(رواه الترمذي) وها هو النبي (صَلى الله عليه وسلم) مع القرآن في شهر رمضان، فعن ابن عبَّاس (رضي الله عنهما) قال: " ‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ (‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏) ‏أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ ‏جِبْرِيلُ، ‏‏وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ ‏(‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ‏‏أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ‏ ‏الْمُرْسَلَةِ ‏". فما أحوجنا أن نجمع في هذه الأيام بين شفيعين (الصيام  والقرآن)، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ "، قَالَ: " فَيُشَفَّعَانِ " (رواه أحمد).

- الإكثار من ذكر الله (سبحانه وتعالى): فقد قال تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة: 185) فرمضان شهر الذكر، سبق من اغتنمه بالذكر وأكثر من ذكر الله (عز وجل) على كل حال وفي كل وقت وزمان، فقد قال صلى الله عليه وسلمَ: "سَبَقَ المُفَرِّدُونَ، قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ"، ويقول: "مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ"

- إحياء الليل بالقيام؛  فمع أن النبي (صَلى الله عليه وسلم)، غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، إلا أنه لم يترك قيام الليل لمكانته ودرجته؛ فعَنْ عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا)، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، قَالَ " أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا " (رواه البخاري)، وفي دعوة إليه وحث عليه، يقول صلى الله عليه وسلمَ "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ " (رواه الترمذي )، ويقول: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (رواه البخاري ومسلم)

- الجود والكرم: فلقد كان النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) في هذا الشهر الكريم أجود بالخير من الريح المرسلة، ولقد أخبرنا صلى الله عليهِ وسلم بمكانة التكافل والجود والكرم وإعانة الصائمين في هذا الشهر، فقال: مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا"، ويقول : "وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ".

- الدعاء، فقد قال تعالى: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (البقرة 186) وقال رسول الله (صَلى الله عليه وسلم): " ثلاثُ دَعواتٍ لا تُرَدُّ : دعوةُ الوالِدِ لِولدِهِ ، ودعوةُ الصائِمِ ، ودعوةُ المسافِرِ " (رواه البيهقي).

إن الإسلام اعتبر الصيام مدرسة عظيمة، يسمو المسلم فيها بالنفس إلى درجة التقوى، ويعود نفسه فيها الصبر على طاعة الله، ويتعلم فيها الأمانة في العبادات، وصيانة الجوارح وحفظها عن الشرور والآثام، ويلتزم فيها بالسلوكيات الحسنة، والمعاملات الطيبة، ويمتنع فيها عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فحققوا ما شرعت العبادات من أجله، فمن جملة حكمة مشروعية العبادات والطاعات تهذيب النفوس، و تزكيتها ،وتربيتها على الأخلاق الفاضلة، وهذا يظهر جليا في أمر الله (سبحانه وتعالى) بالصيام، إذ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183)، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلمَ): "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ". إذ يشير النبي (صلى الله عليه وسلمَ) إلى أن الصيام له معنى أسمي وحقيقة أعم واشمل من الحرمان المؤقت من الطعام والشراب، هي حسن الأخلاق، وصوم الجوارح عن الباطل والخوض فيه قولا وعملا وفى ذلك يقول أيضا: "لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ".

- هذا شهر رمضان قد أظلكم فاعرفوا حقه ، فهو منحة من رب العالمين لعباده، فاز وربح من اغتنمه بالعبادات والطاعات، إذ يقول ابن رجب الحنبلي: "واعلم أن مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب منها شرف المكان المعمول فيه ذلك العمل... ومنها: شرف الزمان كشهر رمضان وعشر ذي الحجة" (لطائف المعارف، لابن رجب). وخسر من أدركه مصرا على الذنوب والسيئات، فعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ (رضي الله عنه)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "احْضَرُوا الْمِنْبَرَ" فَحَضَرْنَا فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ: "آمِينَ"، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ قَالَ: "آمِينَ" فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ قَالَ: "آمِينَ"، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْنَا مِنْكَ الْيَوْمَ شَيْئًا مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ قَالَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) عَرَضَ لِي فَقَالَ: بُعْدًا لِمَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَغْفَرْ لَهُ. قُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ قَالَ: بُعْدًا لِمَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ. قُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ قَالَ: بُعْدًا لِمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ عِنْدَهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ. قُلْتُ: آمِينَ"

فما أحوجنا إلى أن نغتنم هذا الشهر الكريم بصالح الأعمال فنسارع فيه الى الخيرات ونسابق فيه الى الطاعات، ونكثر فيه من القربات، فقد قال النبي (صَلى الله عليه وسلم) :"افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) نَفَحَاتٌ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ"، ويقول الحسن البصري (رحمه الله): "إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا".

نسأل الله أن يبارك لنا في رمضان، وأن يتقبل منا الصيام وصالح الأعمال
وأن يحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


 

 

 

google-playkhamsatmostaqltradent