خطبة بعنوان :
البـــــــــر والوفـــــــاء
للشيخ / محمد حســــن داود
البـــــــــر والوفـــــــاء
للشيخ / محمد حســــن داود
لتحميل الخطبة : pdf اضغط هنا
العناصـــــــــــر :
1- من أخلاق الأنبياء وشيم الأصفياء البر والوفاء .
2- من أنواع وصور البر والوفاء .
3- الوفاء للوطن من شيم النبلاء .
4- مكانة وصور بر الوالدين والوفاء لهما .
5- ثمار بر الوالدين وعواقب العقوق .
الموضــــــــوع :
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)لقمان 14)وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف" إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ ثَلَاثًا , إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ , إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ " رواه بن ماجة) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد :
إن من شيم الأتقياء وأخلاق الفضلاء، وشمائل النبلاء، البر والوفاء، فالوفاء خلق نبوي كريم، وسلوك إسلامي نبيل، جعله الله صفة لأنبيائه، فقال تعالى في إبراهيم عليه السلام (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ) النجم37) ولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في البر والوفاء؛ فما أجمل بره ووفاؤه لامته فقد جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ،( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ : ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) الْآيَةَ ، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي ، وَبَكَى ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ ، فَقَالَ اللَّهُ : يَا جِبْرِيلُ ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ، فَقُلْ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ ، وَلَا نَسُوءُكَ " رواه مسلم ) وما أعظم وفاؤه حتى لمن خالفه؛ إذ كان يحفظ الجميل لأهله ،والفضل لأصحابه، فلم ينسى النبي صلى الله عليه وسلم دخوله مكة في جوار الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ، بعد عودته من رحلة الطائف،حتى بعد وفاته ،فيقول في أسرى بدر " لو كان المطعم بن عدى حيا، ثم كلمني في هؤلاء لتركتهم له" .
وللوفاء أنواع وصور؛ فمن أنواعه: الوفاء مع الله عز وجل بالإيمان به و حسن عبادته وطاعته، فهذا أعلى درجات الوفاء وأسماها، وأجلها وأرقاها، قال تعالى (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)، يس60/61) وقال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) الأعراف 17/ 173 ) وروى الإمام أحمد، والحاكم :عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ ، فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا ، قَالَ : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) ،
ومن الوفاء : الوفاء بالعهد مع الرسول، وذلك بمحبته وحسن إتباعه صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به؛ قال تعالى ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران 31)وقال سبحانه (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )الأحزاب 21)
ومنه الوفاء مع النفس ،ويتمثل ذلك في صدق الإنسان مع نفسه؛ إن أساءت حاسبها وان أحسنت ارتقى بها إلى الأفضل، ولا يكلفها مالا تطيق ويمنعها أن تكلف غيرها ما لا يطيق ،وان يحفظها في الخلوات من الوقوع في الذنوب كما يحفظها أمام الناس ،وان يسعى الى تقويمها وتزكيتها، قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) الشمس 9/10) وقال سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم 6)
ومنه البر والوفاء مع الناس : بالمحافظة على ما يبرمه من وعود وعهود، وإعطاء كل ذي حق حقه،والتعاون على البر والتقوى وحسن الخلق معهم والاعتراف بالفضل لأهله؛ قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة1) وقال سبحانه (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا )الاسراء34)
ومن صور الوفاء؛ الالتزام بالعقود وسائر المعاملات ؛ فإذا أبرم المؤمن عقدا فيجب أن يحترمه، وإذا أعطى عهدا فيجب أن يلتزمه، فمن الإيمان أن يكون المرء عند كلمته التي قالها، ينتهي إليها كما ينتهي الماء عند شطئانه، ويجب أن يعرف المؤمن بين الناس بأن كلمته ميثاق غليظ، لا خوف من نقضها، ولا مطمع في اصطيادها؛ قال تعالى (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) النحل 92) ومنه الوفاء بقضاء الديون المالية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَها يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ"، البخاري ) ومنه وفاء الأجير أجره دون مماطلة أو نقصان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم (قَالَ اللهُ تَعالَى: ثَلاثَةٌ أَنا خَصْمُهم يَوْمَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى عَمَلَهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ) رواه البخاري) ومن أجمل صور البر والوفاء ما كان بين الزوجين بحسن العشرة ، فقد قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)الروم21) وعَنِ الأَسْوَدِ ، قَالَ: " سَأَلْتُ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: "كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ ( تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ ) فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ " رواه البخاري)وما أعظم ما جاء عن انس بن مالك في بر ووفاء الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجاته إذ يقول " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بالشيء يقول: "اذهبوا به إلى فلانة؛ فإنها كانت صديقة خديجة، اذهبوا به إلى بيت فلانة؛ فإنها كانت تحب خديجة" وما أعظم وازكي وأطيب الوفاء للوطن بالحفاظ عليه والدفاع عنه والعمل الجاد على تقدمه ورقيه ورفعته، ولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الوفاء للوطن، إذ يوجه البشرية عامة وبخاصة أهل الإسلام أن يجيدوا للوطن الانتماء ،وأن يحسنوا له الولاء, وان يخلصوا له الوفاء، داعيا إياهم أن يترجموا حبهم للوطن الذي يظلهم ويحتضنهم، إلي عمل وجد و دفاع عنه وحفاظ عليه ورعاية له وتضحية من اجله ؛ إذ يلقى صلى الله عليه وسلم درسا بليغا يقرع كل الآذان ويتردد رجع صداه في كل زمان ومكان, وذلك عندما خرج صلى الله عليه وسلم مهاجرا، و وصل أطراف مكة، التفت إليها، وقال: "وَاللهِ إِنَّي أَعْلَمُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبَّهَا إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ"، وفي رِوَاية: "مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِليَّ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ"( رواهُ التِرْمِذِي، والبيْهَقِي، وغيرهما ). وعندما وطأت قدمه وطنه الثاني (المدينة) إذ يتوجه إلى الله داعيا أن يحبب إليهم المدينة كما حبب إليهم مكة ، كما في صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ ، كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ ، أَوْ أَشَدَّ...". ومن أروع الأمثلة في وفائه صلى الله عليه وسلم لوطنه ما كان منه في المدينة ؛ فعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ ، وَهُوَ يَقُولُ : لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ ، فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ ، فَقَالَ : لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا . أَوْ : إِنَّهُ لَبَحْرٌ " .
ومن اجل صور البر والوفاء: البر بالوالدين والوفاء لهما؛ فهما أحق الناس بالوفاء والبر، والإحسان والعطاء، وفاء لما بذلا، وجزاء عما لولدهما قدما وفعلا، فبرهما من أعظم الحقوق على العباد بعد حق الله ، إذ قرن الله تعالى الدعوة إلى بر الوالدين بالدعوة إلى توحيده في أكثر من أية في القران الكريم، منها قوله تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا )النساء36) وقوله تعالى (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا )الاسراء23) وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد على بر الوالدين حتى قال : "رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ" رواه التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ)ويقول ابن عباس رضي الله عنهما( ثلاث آيات نزلت مقرونات بثلاث لم تقبل منها واحدة بغير قرينتها ، الأولى قوله تعالى (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ )المائدة92) فمن أطاع الله ولم يطع رسوله لم يقبل منه،والثانية قوله تعالى (وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلَوٰةَ وَاتُواْ ٱلزَّكَـوٰةَ )النور56) فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه، والثالثة قوله تعالى(أن اشكر لي ولوالديك)فمن شكر الله ولم يشكر والديه لم يقبل منه) ومن ثم نقول إن حق الوالدين عظيم؛ قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ، إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ". مر ابن عمر – رضي الله عنهما - برجل يطوف بالكعبة حاملا أمه على رقبته فقال : يا ابن عمر أترى أني جزيتها ؟ قال : (لا، ولا بطلقة واحدة، ولكنك أحسنت والله يثيبك على القليل كثير)
فهو وصية إلهية قال تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرً) الاحقاف15) وقال سبحانه ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)لقمان 14) وقال تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) البقرة83)و عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ ثَلَاثًا , إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ , إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ " رواه بن ماجة) ووصية نبوية فعَنْ مُعَاذٍ قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ قالَ: "لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ،... " رواه احمد) ولما جاءه رجلا فقال: يا رسول اللّه، مَن أحقّ النّاس بحسن صحابتي؟ قال: " أمّك "، قال: ثمّ مَن؟ قال: " أمّك "، قال: ثمّ مَن؟ قال: " أمّك "، قال: ثمّ مَن؟ قال: " أبوك " رواه البخاري) وهو من أحب الطاعات إلى رب البريات؛ فعن عبد الله ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: "الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا" قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: " بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: " الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" متفق عليه)
ومن البر والوفاء للوالدين: محبتهما وتوقيرهما : فلقد روى البخاري في الأدب المفرد أن أبا هريرة رضي الله عنه أبْصَرَ رجُلَين، فقال لأَحَدِهما: ما هذا منْك؟ فقال: أَبِي، فقال: " لا تُسمِّهِ باسمِهِ، ولا تمشِ أمامَه، ولا تجْلِسْ قبلَه "، ومنه الإنفاق عليهما والرفق بهما واللين معهما والتواضع لهما، قال تعالى (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) الاسراء23/24) ومنه أيضا طاعتهما في غير معصية الله، وصلتهما، وحسن مصاحبتهما بالمعروف، حتى وإن كانا على غير الملة، فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَتْ : قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُ أُمِّي ؟ ، قَالَ : " نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ " . وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )الاسراء15)
ولقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بر الوالدين والوفاء لهما حتى بعد مماتهما فعنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جلوس عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فقَالَ:" نَعَمْ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا, وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا"رواه أبو داود) - " الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا " اى الدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما فقد قال تعالى (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)الإسراء 24) وورد عن أبى هريرة رضي الله عنه انه كان إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيراً. ، - " وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا " فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى لِي هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ". أخرجه أحمد، وابن ماجه، والبيهقي وغيرهم),- " وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة ، فسلم عليه عبد الله بن عمر ، وحمله على حمارٍ كان يركبه ، وأعطاه عمامة كانت على رأسه ، قال ابن دينار : فقلنا له أصلحك الله إنهم الأعراب وهم يرضون باليسير ، فقال عبد الله بن عمر : إن أبا هذا كان وداً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإني سمعت رسول الله يقول: " إن أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه " .
إن بر الوالدين زيادة في العمر والرزق، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ ، وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ "رواه احمد)
غفران للذنوب؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا ، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٌ ؟ قَالَ : " هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَبِرَّهَا "رواه الترمذي)
تحصيل للخير بدعائهما؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم" ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ، لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ"
تفريجُ للكُرُباتِ، وإجابةُ للدعواتِ؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَاشَوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ فَمَالُوا إِلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا لِلَّهِ صَالِحَةً ، فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يَفْرُجُهَا ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ : اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ فَحَلَبْتُ بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِهِمَا قَبْلَ وَلَدِي ، وَإِنَّهُ نَاءَ بِيَ الشَّجَرُ فَمَا أَتَيْتُ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا ، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا ، أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ ، فَفَرَجَ اللَّهُ لَهُمْ فُرْجَةً حَتَّى يَرَوْنَ مِنْهَا السَّمَاءَ ، وَقَالَ الثَّانِي : اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمٍّ أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ فَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ فَلَقِيتُهَا بِهَا ، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ : يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ ، وَلَا تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إلا بحقه فَقُمْتُ عَنْهَا ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فَفَرَجَ لَهُمْ فُرْجَةً ، وَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ أَعْطِنِي حَقِّي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ فَتَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا ، فَجَاءَنِي فَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَظْلِمْنِي وَأَعْطِنِي حَقِّي ، فَقُلْتُ : اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا ، فَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَهْزَأْ بِي ، فَقُلْتُ : إِنِّي لَا أَهْزَأُ بِكَ فَخُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرَاعِيَهَا فَأَخَذَهُ فَانْطَلَقَ بِهَا ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ مَا بَقِيَ فَفَرَجَ اللَّهُ عَنْهُمْ " رواه البخاري)
سببٌ لدخولِ الجنةِ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ" رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ" قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ" مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ"رواه مسلم) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، " أَيُّ الأَعْمَالِ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : الصَّلَاةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا ، قُلْتُ : وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ ؟ قَالَ : بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ، قُلْتُ : وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " رواه مسلم)
وكما كان للبر فضائل؛ كان للعقوق عواقب؛ وكيف لا وقد عده المصطفى صلى الله عليه وسلم من الكبائر فعن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا ، الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، أَوْ قَوْلُ الزُّورِ " ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا ، فَجَلَسَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا ، حَتَّى قُلْنَا : لَيْتَهُ سَكَتَ ". ويكفى من عواقبه انه نذير شؤم في الدنيا وفى الآخرة فقد قال الله تعالى( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)الرعد25)وقال سبحانه ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾محمد 22/23) وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يدخلُ الجنةَ عاقٌّ ، و لا مُدمنُ خمرٍ ، و لا مُكذِّبٌ بقدرٍ".وعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " احْضُرُوا الْمِنْبَرَ " ، فَحَضَرْنَا ، فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً ، قَالَ : " آمِينَ " ، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ ، قَالَ : " آمِينَ " ، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ ، قَالَ : " آمِينَ " ، فَلَمَّا فَرَغَ ، نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ ، قَالَ : فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ سَمِعْنَا الْيَوْمَ مِنْكَ شَيْئًا لَمْ نَكُنْ نَسْمَعُهُ ، قَالَ : " إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامِ عَرْضَ لِي ، فَقَالَ : بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ ، فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ ، قَالَ : بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ ، قَالَ : بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ الْكِبَرَ عِنْدَهُ ، أَوْ أَحَدُهُمَا ، ثُمَّ لَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ ، أَظُنُّهُ قَالَ : فَقُلْتُ : آمِينَ " شعب الإيمان للبيهقى)
لقد وصانا الإسلام ببر الوالدين فقال تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ)لقمان14) ودعانا إلى شكرهما فقال تعالى (أن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ )لقمان14) وحثنا على صحبتهما بالمعروف فقال تعالى(وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا )لقمان 15) عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، قَالَ : " أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللَّهِ ، قَالَ : فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، بَلْ كِلَاهُمَا ، قَالَ : فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا " رواه مسلم) وأرشدنا إلى حسن المعاملة معهما فقال تعالى ( وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ الاسراء23/24)وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ ، فَقَالَ : " أَلَكَ وَالِدَانِ ؟ " ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ "رواه الترمذي) وأمرنا بالدعاء لهما والاستغفار لهما في حياتهما وبعد مماتهما فقال تعالى (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الاسراء24) ونهانا عن عقوقهما فقال ( فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا)الاسراء23)
عَن أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُلُّ ذُنُوبٍ يُؤَخِّرُ الله مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْبَغْيُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ يُعَجِّلُ لَصَّاحِبِهَا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْمَوْتِ " فاعلموا أن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان فبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، فقد حكي شابا انه كان بصحبة والده في رحلة الحج وفى رجوعهما أراد الأب أن يقضى حاجته، فقال لابنه انطلق مع القافلة وسألحق بكم، وﻣﻀﻰ ﺍﻹﺑﻦ مع القافلة ﻭﺑﻌﺪ وقت يسير ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺖ فوﺟﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺎﻓﻠﺔ قد اﺑتعدت عن مكان والده، فأسرع الشاب إلى والده فحمله على ﻛﺘﻔيه ورجع إلى القافلة مهرولا ،وفى رجوعه حاملا والده شعر بدموع والده تتساقط على رأسه، ﻓﻘال يا أبى،والله ما أجد مشقة في حملك فقال له الأب،ليس لهذا بكيت يا بني ولكن في هذا المكان حملت أناوالدي.
( نسأل
الله أن يحفظ مصر وجيشها وشعبها،
وان يهدنا لأحسن الأخلاق )
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس