recent
آخر المشاركات

خطبة بعنوان : الأمــــــل للشيخ / محمد حســــن داود


خطبة بعنوان : الأمــــــل
للشيخ / محمد حســــن داود





 لتحميل الخطبة : word  اضغط هنا 
 لتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا
العناصــــــــر :

1 - الأمل ومكانته، ودعوة القران والسنة إليه .
2 - الأمل في حياة الأنبياء .
3 - الأمل والإيمان قرينان
4 - الأمل الصادق يحتاج إلى عمل
5 - دعوة إلى الأمل ونبذ اليأس والإحباط .

الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)الشرح5/6). وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف " يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا " متفق عليه) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد جاء الإسلام داعيا إلى أحسن الخلق وأجمل الصفات، وأنبل القيم وأفضل السمات، ناهيا عن كل ما هو مذموم من الطباع والعادات، ومن الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة التي دعا إليها الإسلام " الأمــل "

فما غامر تاجر بماله في تجارة إلا أمله في الأرباح، وما جعل الإنسان يسعى ويعمل إلا أمله في الرزق، وما دفع الزارع أن يلقى البذور في الطين إلا أمله في حصاد الثمار، وما بعث في الطالب الجد والاجتهاد إلا أمله في النجاح، وما حبب المريض في الدواء المر إلا أمله في الشفاء، وما كان عبد في مخالفة لهواه وطاعة لمولاه إلا لأمله في الفوز بجنة الله ورضاه ، وما أكثر المذنب من الندم والرجاء إلا أمله في العفو والغفران، يقول الشاعر :
اعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها  ***  ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ
فالأمل قوة دافعة تشرح الصدر للعمل، وتبعث النشاط في الروح والبدن، تدفع الكسول إلى الجد، والمجد إلى المداومة، هو للإنسان شعاع يضيء في الظلمات، وينير المعالم، ويوضح السبل، تنمو به شجرة الحياة، يرتفع به صرح العمران، يذوق به المرء طعم السعادة، يستشعر به بهجة الحياة، يبعث في القلوب حسن الظن بالله، والله عند ظن العبد به ، فقد جاء في الحديث القدسي الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه " أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي "
والناظر في القران الكريم يرى دعوته إلى الأمل والتفاؤل ونبذ اليأس والإحباط جلية في اسمي وارقي المعاني ومن ذلك قوله تعالى(سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) الطلاق7) ويقول سبحانه (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) آل عمران 37) ويقول جل وعلا (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)غافر60)ويقول جل وعلا (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) ابراهيم7) والآيات في ذلك كثيرة .
ولقد ملأ الأمل والتفاؤل حياة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى رسّخه مبدأً ساميًا؛ حرى بنا أن نتخلق به وان نعلى من قيمته في قلوبنا بل وفى حياتنا، فقد روى الإمام أحمد في مسنده مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما قَالَ "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَتَفَاءَلُ وَلَا يَتَطَيَّرُ، وَيُعْجِبُهُ الاسْمُ الْحَسَنُ" وعن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: "يُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ" رواه البخاري ومسلم) ولما رأى راعيًا لإبل فقال: " لمن هذه؟" فقيل: لرجل من أسلم، فالتفت إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال: (سلمتَ إن شاء الله) ، وبدّل اسم امرأة تدعى: عاصية إلى جميلة، واسمَ رجل يدعى: أصرم إلى زرعة. وفي الحديبية جاء سهيل يفاوض النبي صلى الله عليه وسلم عن قريش، فتفاءل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال (سَهَّلَ اللهُ أمْرَكُمْ). وعن ما كان في الغار ساعة الهجرة؛ يقول أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حَدَّثَهُ ، قَالَ : " نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ ، فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ : مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا " رواه مسلم) كما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يبث  روح الأمل في قلوب أصحابه بمستقبل مشرق وغد باهر، وعلى دعوتنا معهم إلى التحلي بهذه القيمة العظيمة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم" يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا" متفق عليه) وعن أبى هُرَيْرَةَ رضِيَ الله عنهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ... وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ ... " رواه مسلم ) وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدْ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟! قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟! قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ" البخاري ومسلم
كما ضرب لنا الأنبياء عليهم صلوات الله وتسليماته أروع الأمثلة في التحلي بالأمل، امرأ أيضا يدعونا إلى أن نمتثل هذا الخلق العظيم والقيمة النبيلة، فهذا نبي الله نوح عليه السلام ظل يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ، دون أن يمل، أملا في إيمانهم ،قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا)العنكبوت14) . وهذا سيدنا زكريا عليه السلام، مع انه بلغ من الكبر عتيا إلا انه لم يفقد الأمل في الإنجاب، فتوجه إلى الله بالدعاء (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ) مريم 4-5) فكانت الاستجابة الربانية العاجلة ( يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) مريم 7) وهذا سيدنا أيوب عليه السلام، رغم ما كان به من داء إلا انه لم يفقد الأمل في الشفاء، قال تعالى (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ )الأنبياء 83 /84) وها هو سيدنا إبراهيم عليه السلام قد صار شيخا كبيرا، ولم يرزق بولد، فدفعه تفاؤله وأمله و حسن ظنه بالواحد الأحد أن يدعوه فقال ( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)الصافات100) فكانت الإجابة والبشرى؛ قال تعالى ( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) الصافات101) وعندما ألقاه قومه في النار فلم يكن ليفقد الأمل وهو يحسن الظن بالله فكانت النجاة، قال تعالى( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ) الأنبياء69 /70) كما فتح القران الكريم باب الأمل لكل من كان في ضيق أو كرب فهذا سيدنا يونس عليه السلام، وهو في ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت، لم يكن ليفقد الأمل؛ قال تعالى(وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)الأنبياء 87 /88 ) وهذا نبي الله يعقوب عليه السلام، فقد ابنه يوسف عليه السلام، ثم أخاه، فصبر على محنته وبلواه، إذ لم يترك لليأس مجالا فيثبطه، بل تفاءل ورجا، أن يجد لمحنته مخرجا، فقال بقلب مملوء باليقين، وإحساس الصابرين المتفائلين (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)يوسف 83)، وما أجمله من تفاؤل وأمل، تعززه الثقة بالله حين قال (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)يوسف87) ثم تأتى البشارة بتحقق أمله فيقول (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ )يوسف94-96)
إن الأمل والإيمان قرينان؛ فالمؤمن أوسع الناس أملا وأكثرهم تفاؤلا واستبشارا، إذا أَعْسَرَ أو ضاق به أمر، لم ينقطع أمله في اليُسْر والفرج؛ فقد قال تعالى ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)الشرح5/6) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" ولقد جاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه ( لو كان العُسْرُ في جُحرٍ لتَبِعَهُ اليُسْر، حتى يَدخُلَ فيه فَيُخْرِجَه، ولن يغلِبَ عُسرٌ يُسرَيْن) . وإذا سعى، لم ينقطع أمله في الرزق ؛ قال تعالى (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ )هود6) وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ رَوْحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِيَ أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا ، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ وَلا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلا بِطَاعَتِهِ "رواه أبو نعيم في حلية الأولياء) . وإذا مرض؛ فلا ينقطع أمله في الأجر والعافية قال تعالى(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ )الشعراء78-80) وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ " رواه أبو داود) . وعَنْ ‏عَائِشَةَ رضي الله عنها ‏قَالَتْ ‏: ‏سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "‏ ‏مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً أَوْ ‏‏حُطَّتْ ‏عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ " رواه مسلم) . وإذا دعا الله لم ينقطع أمله في الإجابة؛ قال تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )البقرة186) وعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ لَيَسْتَحِي مِنَ الْعَبْدِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ فَيَرُدَّهُمَا خَائِبَتَيْنِ " مستدرك الحاكم ) . وإذا اقترف ذنباً، لم ينقطع أمله في العفو والمغفرة؛ قال تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)الزمر53) وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ " قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً " . وإذا تقرب إلى الله لم ينقطع أمله في محبته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " رواه البخاري) . وإذا حدث له ما يحبسه عن ما داوم عليه من قربات إلى رب البريات لم ينقطع أمله في الأجر فعن أبي مُوسَى الأَشْعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إَذا مَرِضَ العَبْدُ أَو سَافَرَ كُتِبَ له ما كان يَعْمَلُ صَحِيحًا مقيمًا " رواه البخاري) . فكان المؤمن على خير في كل الأحوال، لحسن ظنه بالله الواحد المتعال، وتفاؤله لبلوغ الآمال .
غير أن الأمل بلا عمل أمل أجوف أو أعرج ، وأمانٍ كاذبة خاطئة فان الآمال الصادقة هي المقرونة بالعمل والأخذ بأسباب التقدم والرقى وهذا مما وجهنا النبي صلى الله عليه وسلم إليه وحثنا عليه في كل وقت وحين لدوام حياة مشمسة بالخير والتقدم والرقى فقال صلى الله عليه وسلم " إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا " وعَنْ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُوْلَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوْحُ بِطَاناً " رواه الترمذي وبن ماجة وغيرهما )بل وجه النبي صلى الله عليه و سلم إلى الأخذ بالأسباب حتى في اقل الأشياء فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال: قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ (يعنى ناقته ) وكأن هذا الرجل كان يظن أن الأخذ بالأسباب ينافي التوكل على الله تعالى، فوجهه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الأخذ بالأسباب أمر مطلوب، هو من التوكل على الله تعالى، فقال له صلى الله عليه وسلم " اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ " . ولقد كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : " لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول : " اللهم ارزقني وقد علمت أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة " . ويقول الشاعر
وليسَ أخُـــــو الحاجاتِ مَنْ باتَ نَائِما *** ولكــــــنْ أخُــــوها مَنْ يبِيتُ على وَجَل
الجَدُّ في الجدِّ والحِرمانُ في الكَسَــــلِ *** فانصبْ تُصِبْ عنْ قريبٍ غايةَ الأمـــــلِ
والناظر في القران الكريم يرى الكثير من الآيات التي تدعونا إلى الأخذ بالأسباب، فانظر حال السيدة مريم إذ جاءها المخاض ( طلق الولادة ) ومع ذلك أمرها الله بهز النخلة والأخذ بالأسباب، قال تعالى (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا* فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا* وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا )مريم23- 26)
ألــــــم تر أنَّ الله أوحى لمريــــــم *** فهزي إليك الجذع تساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزها ***جنته ولكن كل شيء له سبــــــب
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال" إنّ حُسن الظنّ بالله من حسن عبادة الله" رواه الحاكم وصححه) فمن حسن عبادة الله تعالى ،التفاؤل، الأمل ؛ مهما كانت الأحوال، فإن الإسلام كما مدح الأمل وأهله؛ ذم اليأس والإحباط وأهله؛ إذ أن اليأس آفة، إذا أصابت مجتمع أهلكته وأخذت خيراته وإذا تملكت من فرد أوهنت قوته وعزيمته وأذهبت همته، وكفى فيه قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام ( قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾الحجر 6) وما جاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ ؟ قَالَ : " الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالإِياسُ مِنْ رُوحِ اللَّهِ ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ " كما ذم النبي صلى الله عليه وسلم من يسلب الأمل من قلوب الناس ويثبطهم ويزرع اليأس في قلوبهم ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ "وفي رواية أخرى " فَهُوَ أَهْلَكَهُمْ " رواه مسلم ) فتحلوا دائما بالأمل وألزموه بالعمل في خدمة وطنكم وتقدمه ورفعته .
  
( نسأل الله أن يحفظ مصر وجيشها ، وان يهدنا لأحسن الأخلاق )



 

google-playkhamsatmostaqltradent