recent
آخر المشاركات

خطبة بعنوان : رعاية الأيتام واجب ديني ومجتمعي للشيخ / محمد حســـن داود


خطبة بعنوان :
رعاية الأيتام واجب ديني ومجتمعي
للشيخ / محمد حســـن داود







 لتحميل الخطبة : word  اضغط هنا 
لتحميل الخطبة  : pdf     اضغط هنا

العناصــــــــــر
1 -
حث الإسلام على رعاية الأيتام .
2 - كيف اهتم الإسلام وعنى بالأيتام  .
3 - نهى الإسلام عن قهر اليتيم أو أكل ماله .
4 - ثمرات رعاية الأيتام  .
5 - دعوة إلى رعاية الأيتام والأرامل .

الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )البقرة220) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف، كما جاء عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ هَكَذا، وأشارَ بالسَّبَّابةِ والوُسطى، وفرَّجَ بينَهما شيئًا "  رواه البخاري)اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فمن اجل محاسن الإسلام انه دين يدعو إلى الرحمة واللين والرفق ؛ ومما أولاه الإسلام اهتماما ساميا ورعاية خاصة " اليتيـم " .
 فلما وقف جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، أمام النجاشي ملك الحبشة يحدثه عن محاسن الإسلام وأخلاقياته السامية، قال له " كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَحْنُ نَعْبُدُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ "؛ وان الناظر في القران الكريم يرى دعوة جميع الشرائع السماوية إلى رعاية اليتيم وكفالته والإحسان إليه قال تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) البقرة83) كما كان الأنبياء جميعهم أهل عناية ورعاية باليتيم ، يقول الله جل وعلا عن كفالة سيدنا زكريا للسيدة مريم، بعد وفاة والدها عمران( وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا، كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا، قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )آل عمران37) وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم،اذ تأتى إليه زوجة الصحابي الجليل جعفر ابن أبى طالب بعد أن استشهد زوجها رضي الله عنه في مؤتة ، وجعلت تذكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بأولاد جعفر من يتم؛ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " الْعُيلْةَ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ، وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" رواه احمد) وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، قَالَ: مَرَّ بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دَابَّةٍ وَنَحْنُ صِبْيَانٌ نَلْعَبُ، فَقَالَ: "ارْفَعُوا هَذَا إِلَيَّ" قَالَ: فَحَمَلَنِي أَمَامَهُ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى رَأْسِي ثَلاثًا، وَقَالَ كُلَّمَا مَسَحَ: "اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي وَلَدِهِ" رواه احمد)
كما أن الناظر في نصوص القران والسنة النبوية يرى بوضوح مدى اهتمام الإسلام برعاية الأيتام؛ وكفى في ذلك أن نزلت آيات في حقه في أوائل ما نزل من القرآن في مكة منها قوله تعالى﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾الضحى 9) وما زال القران يؤكد على الإحسان إلى اليتامى ورعايتهم حتى اقترنت دعوة الإحسان إليهم بالدعوة إلى توحيد الله جل وعلا وبر الوالدين؛ قال الله تعالى( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) النساء36)
لقد عنى الإسلام باليتيم من جميع جوانب الحياة، قال تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )البقرة220) ومن ذلك : العناية النفسية التي تخفف عن اليتيم لوعة فراق والده الحاني، وانقطاع وده عنه؛ فعَنْ أَبِى أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلاَّ لِلَّهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِى الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. رواه أحمد) كما كان أطيب المال ما أعطي منه اليتيم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ " متفق عليه) وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلِيَ أَجْرٌ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى بَنِي أَبِي سَلَمَةَ إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ؟ فَقَالَ:" أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ فَلَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ "رواه البخاري ومسلم)إذا فبجانب تلك العناية النفسية حث الإسلام على رعايته اجتماعيا وتوفير سائر ما يحتاجه من متطلبات الحياة،كالطعام والكساء والسكن والتعليم والرعاية الصحية وغير ذلك؛ قَالَ تَعالَى ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) البقرة 215) وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : "كَافِل الْيتيمِ لَهُ أَوْ لِغَيرِهِ . أَنَا وهُوَ كهَاتَيْنِ في الجَنَّةِ " وَأَشَارَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِالسَّبَّابةِ والْوُسْطى؛ رواه مسلم ) وعَنْ زَيْنَبَ، امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تَصَدَّقْنَ، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ" قَالَتْ: فَرَجَعْتُ إِلَى عَبْدِ اللهِ فَقُلْتُ: إِنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَجْزِي عَنِّي وَإِلَّا صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ، قَالَتْ: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللهِ: بَلِ ائْتِيهِ أَنْتِ، قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِبَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتِي حَاجَتُهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ، قَالَتْ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلَالٌ فَقُلْنَا لَهُ: ائْتِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلَانِكَ: أَتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا، عَلَى أَزْوَاجِهِمَا، وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا؟ وَلَا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ، قَالَتْ: فَدَخَلَ بِلَالٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ هُمَا؟" فَقَالَ: امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَزَيْنَبُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّ الزَّيَانِبِ؟" قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَهُمَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ "متفق عليه) ، كما تمتد رعاية اليتيم إلى حفظ أمواله وصيانتها وعدم الاعتداء عليها ،قال تعالى ( وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )الأنعام 152) وقال سبحانه (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً)النساء6)
فلقد حذر القرآن من إهانة اليتيم وإيذائه أو أكل ماله بالباطل، قال تعالي ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)الضحى9) وقال تعالي ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) الماعون1/2) وعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ : حَقَّ الْيَتِيمِ ، وَحَقَّ الْمَرْأَةِ " رواه أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه) فأكل أموال اليتامى بالباطل من السبع الموبقات كما بين المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُويقاتِ , قيلَ : ومَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قالَ : الشِّرْكُ باللهِ,والسِّحرُ,وقَتْلُ النَّفْسِ الّتي حرَّمَ اللهُ إِلاّ بالحَقِّ , وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ , وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ , وَأَكْلُ الرِّبَا , وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ " رواه البخاري) كان لها من الزجر دليل ولمن قام بها من العقاب نصيب قال تعالى (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً) النساء2) وقال سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا )النساء 10) قال السدي ( يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه، يعرفه من رآه بأكل مال اليتيم) تفسير ابن كثير)
إن رعاية اليتيم تدل على طبع سليم، وفطرة نقية وقلب رحوم ، كما أنها تساهم في بناء مجتمع سليم خال من الحقد والكراهية ، غير أنها باب من أبواب البر إذ يقول الله جل وعلا ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)البقرة177)، بها تتنزل البركات، ويلين القلب، وتقضى الحاجات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ فقال له " امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ" رواه أحمد وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح) وفى رواية عن أبى الدرداء رضي الله عنه، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، يشكو قساوة قلبه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أَدْنِ اليتيمَ منك وأَلْطِفْه وامسحْ برأسه وأَطْعِمْه من طعامك فإن ذلك يُلَيِّن قلبَك وتُدْرِك حاجتَك " رواه البيهقى) فبالإحسان إليهم تدرك الحاجات وتفرج الكريات، فهو من اجل أسباب النجاة من عذاب الآخرة، واجتياز الصراط بسهولة ويسر قال تعالى ( فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ )البلد 11-15) وإطعامهم وقاية من النار، وبابا إلى الجنة قال تعالى(  إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا *عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا *إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا )الانسان5-12) وقال رسولنا صلى الله عليه وسلم " أَيُّمَا مُسْلِمٍ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ " مسند احمد ) وكفالتهم طريق إلى مرافقة الحبيب صلى الله عليه وسلم في الجنة فعن سَهْلِ بن سعد رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انه قَالَ: " أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ هَكَذا ، وأشارَ بالسَّبَّابةِ والوُسطى ، وفرَّجَ بينَهما شيئًا " رواه البخاري)قال ابن بطال " حقٌ على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك " فتح الباري لابن حجر) وتدبر ما جاء عن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ : " أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ عَتَبَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ : أَنَّهُ خَاصَمَ يَتِيمًا لَهُ فِي عذْقِ نَخْلَةٍ ، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي لُبَابَةَ بِالْعذْقِ ؛ فَضَجَّ الْيَتِيمُ وَاشْتَكَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي لُبَابَةَ : " هَبْ لِي هَذَا الْعذْقَ يَا أَبَا لُبَابَةَ ؛ لِكَيْ نَرُدَّهُ إِلَى الْيَتِيمِ " . فَأَبَى أَبُو لُبَابَةَ أَنْ يَهَبَهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَبَا لُبَابَةَ ، أَعْطِهِ هَذَا الْيَتِيمَ وَلَكَ مِثْلُهُ فِي الْجَنَّةِ " . فَأَبَى أَبُو لُبَابَةَ أَنْ يُعْطِيَهُ . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِنِ ابْتَعْتُ هَذَا الْعَذْقَ فَأَعْطَيْتُ الْيَتِيمَ ؛ أَلِي مِثْلُهُ فِي الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ " . فَانْطَلَقَ الْأَنْصَارِيُّ ، وَهُوَ ابْنُ الدَّحْدَاحَةِ ، حَتَّى لَقِيَ أَبَا لُبَابَةَ فَقَالَ : يَا أَبَا لُبَابَةَ ، أَبْتَاعُ مِنْكَ هَذَا الْعذْقَ بِحَدِيقَتِي ، وَكَانَتْ لَهُ حَدِيقَةُ نَخْلٍ . فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ : نَعَمْ ، فَابْتَاعَهُ مِنْهُ بِحَدِيقَةٍ . فَلَمْ يَلْبَثِ ابْنُ الدَّحْدَاحَةِ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَاتَلَهُمْ فَقُتِلَ شَهِيدًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رُبَّ عذْقٍ مُذَلَّلٍ لِابْنِ الدَّحْدَاحَةِ فِي الْجَنَّةِ " ( البيهقى واللفظ له والطبراني والحاكم وصححه).
المسلمون: تفكروا وأنتم تدخلون بيوتكم فيستقبلكم أولادكم بالبشر والسرور فيلتفون حولكم، ويلقون أنفسهم في أحضانكم، فيحاطون بالأيدي، ويضمون إلى الصدور، ويقبلون على الجباه والرؤوس؛ وانظروا إلى غيرهم وتذكروا كم من طفل يتيم حرم من أمه وأبيه، لم يسمع هذا الطفل يوماً كلمة (يا ولدي) ولم يستشعر في يوم من الأيام معاني العطف والرعاية والرحمة والحنان، انظروا لذلك اليتيم وقد حرم أعظم حنان وأجل حب؛ كم من يتيم ينشد من يقوم برعايته، ويسعى في مصلحته، ويمسح على رأسه، ويخفف عنه بؤسه وحزنه، يتطلع إلى من يرعى شئونه وحاجاته، يتطلع إلى من يعي هذا النداء الالهى ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) النساء36) يتطلع إلى من يفقه هذا الوعد النبوي،في قوله صلى الله عليه وسلم" مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ " يحتاج إلى من يتدبر أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجه من صحابته الأخيار وسلفنا الصالح  في رعاية اليتيم وحسن معاملته، فعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى السُّوقِ فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا وَلَا لَهُمْ زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمْ الضَّبُعُ ( السنوات المجدبة ) وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الْغِفَارِيِّ وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ ( بعير قوي ) كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلَأَهُمَا طَعَامًا وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ ثُمَّ قَالَ اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمْ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكْثَرْتَ لَهَا قَالَ عُمَرُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ ) رواه البخاري) و في الأدب المفرد عن أبي بكر بن حفص أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان لا يأكل طعاماً إلا وعلى خِوانه ( مائدته ) يتيم ) وهذا أبو بَرزة الأسلمي : روى ابن سعد عن الحسن بن حكيم قال (حدثتني أمي أنه كانت لأبي برزة جفنة من ثريد غدوة وجفنة عشية للأرامل واليتامى والمساكين "( الطبقات الكبرى لابن سعد)ومن ثم كان حرى بنا أن نحرص علَى رعاية الفقراء والأرامل وأن نصلح أحوالنا مع الله بكفالة اليتامى ومساعدة الأرامل ،فننال رضا ربنا و علو في شأننا ورفعة في درجاتنا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وَأَحْسِبُهُ قَالَ - وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ " رواه مسلم )
انظرْ إلـــــــى وجه اليتيمِ، ولا تكنْ * * * إلا صديقاً لليتيمِ حميمــــــــــــــا
وارسمْ حروفَ العطف حَوْل جبينهِ * * * فالعَطْفُ يمكن أنْ يُرى مرسوما
وامسح بكفِّكَ رأسه، سترى عــلى * * * كفَّيكَ زَهْـــــــــراً بالشَّذَا مَفْغُوما
ولسوف تُبصر فــــي فؤادكَ واحةً * * * للحبِّ، تجعـــــــــل نَبْضَه تنغيما
ولسوف تبصــــر ألفَ ألفِ خميلةٍ * * * تُهديك مــــن زَهْر الحياةِ شَميما
ولسوف تُسعـدكَ الرياضُ بنشرها * * * وتريكَ وجهاً للحنـــــــانِ وسيما
انظرْ إلــــــى وجه اليتيم وهَبْ له * * * عَطْفاً يعيش به الحيــــــاةَ كريما
وافتحْ له كَنْزَ الحنانِ، فإنمـــــــــا * * * يــــرعى الحنانُ، فؤادَه المكلوما
يا كافــــلَ الأيتامِ، كأسُكَ أصبحتْ * * * مَلأَى، وصـــــار مزاجُها تسنيما
مــــــــــا اليُتْمُ إلاَّ ساحةٌ مفتوحةٌ * * * منها نجهِّز للحياةِ عظيمـــــــــــــا
حَسْبُ اليتيــــــم سعادةً أنَّ الذي * * * نشرَ الهُدَى في الناسِ عاشَ يَتيما

====== كتبه ======
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب مدرس


google-playkhamsatmostaqltradent