خطبة بعنـــــــوان :
بر الوالدين وإكرام ذي الشيبة
للشيخ / محمد حســـن داود
بر الوالدين وإكرام ذي الشيبة
للشيخ / محمد حســـن داود
العناصـــــر :
مكانة الوالدين ودعوة الإسلام إلى برهما .
فضل بر الوالدين .
عواقب عقوق الوالدين .
دعوة إلى بر الوالدين .
فضل إكرام ذي الشيبة.
مكانة الوالدين ودعوة الإسلام إلى برهما .
فضل بر الوالدين .
عواقب عقوق الوالدين .
دعوة إلى بر الوالدين .
فضل إكرام ذي الشيبة.
الموضــوع: الحمد لله رب
العالمين، القائل في كتابه العزيز( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ
كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا
كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا
كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )الاسراء23/24) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف "رِضَا اللَّهِ
فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ" رواه
الترمذي) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
وبعد
إذا كانت النفوس مجبولة على حب من أحسن
إليها، فلا شك أن أعظم الناس إحسانا، وأحقهم برا وحنانا: الوالدان . قال تعالى (وَوَصَّيْنَا
الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا
وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرً) الاحقاف15)
إن للوالدين في الإسلام منزلة سامية، ودرجة
عالية، فلقد قرن الله سبحانه وتعالى ذكرهما بذكره وشكرهما بشكره، وجاء الأمر بطاعتهما
بعد الأمر بعبادته، قال تعالى ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ
كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا
كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا
كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )الاسراء23/24) فلقد قرن المولى سبحانه وتعالى بر الوالدين
بعبادته، تكريما لهما وحثا على رعاية حقوقهما وإشارة إلى مكانة برهما ودرجته، فعنْ
عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قالَ"رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي
سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ" رواه الترمذي) قال ابن عباس رضي الله عنهما:" ثلاث
آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها أي إحداهما. قول الله تعالى(
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه. الثانية قول
الله تعالى( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه. الثالثة قول
الله تعالى( أن اشكر لي ولوالديك ) فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه".
إن بر الوالدين وصية إلهية قال تعالى ﴿وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي
عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِنْ جَاهَدَاكَ
عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا
فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان14/15) وقال تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي
الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) البقرة83)و عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ,
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ " إِنَّ اللَّهَ
يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ ثَلَاثًا , إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ, إِنَّ
اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ " رواه بن ماجة) ووصية نبوية
فعَنْ مُعَاذٍ قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ قالَ: "...، وَلا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ
أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ،... " رواه احمد) ولما جاءه رجل، فقال:
يا رسول اللّه، مَن أحقّ النّاس بحسن صحابتي؟ قال " أمّك " قال: ثمّ مَن؟
قال: " أمّك "، قال: ثمّ مَن؟ قال: " أمّك "، قال: ثمّ مَن؟ قال:
" أبوك " رواه البخاري) ومن أحب الطاعات إلى رب البريات؛ فعن عبد الله ابْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: "الصَّلاةُ عَلَى
وَقْتِهَا" قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: " بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ".
قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: " الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" متفق عليه)
وهو هدى الأنبياء وخلق الأولياء وحلية الأصفياء وسلوك الأتقياء، فمن دعاء نوح عليه
السلام(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا )نوح 28) ومن دعاء إبراهيم عليه السلام( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي
وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)ابراهيم41) ومن دعاء سليمان
عليه السلام (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ
وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ
فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ) النمل19) وعن يحي
عليه السلام يقول الله جل وعلا ( وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا
عَصِيًّا)مريم14) وهذا عيسى عليه السلام عن بره بأمه يقول كما حكي القران (وَبَرًّا
بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا)مريم 32) ومن هذا يتجلى لنا مكانة
الوالدين وعظم أمرهما؛ إذ قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : لاَ يَجْزِي وَلَدٌ
وَالِدَهُ، إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ" وذاك
رجل يطوف بالكعبة حاملا أمه على رقبته، إذ قال لابن عمر رضي الله عنهما: يا ابن عمر
أترى أني جزيتها ؟ قال : لا، ولا بطلقة واحدة، ولكنك أحسنت والله يثيبك على القليل
كثيراً . ففضل برهما عظيم ومكانته رفيعة، ودرجته عالية، عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو
بْنِ الْعَاصِ ، قَالَ : " أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي
الْأَجْرَ مِنَ اللَّهِ ، قَالَ : فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ ؟ قَالَ :
نَعَمْ ، بَلْ كِلَاهُمَا ، قَالَ : فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللَّهِ ؟ قَالَ :
نَعَمْ ، قَالَ : فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا " رواه
مسلم)و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ ، فَقَالَ :
" أَلَكَ وَالِدَانِ ؟ " ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ " فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ
"رواه الترمذي) وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ ، قَالَ : أَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ
الْآخِرَةَ ، قَالَ : " وَيْحَكَ ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ " قُلْتُ : نَعَمْ
، قَالَ : " ارْجِعْ ، فَبَرَّهَا " ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْجَانِبِ
الْآخَرِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ
أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ، قَالَ" وَيْحَكَ،
أَحَيَّةٌ أُمُّكَ " قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " فَارْجِعْ
إِلَيْهَا فَبَرَّهَا " ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ
وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَ " وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ " قُلْتُ :
نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ" وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ
" ابن ماجة) ومن هذا يتضح جليا عظم أمر بر الوالدين ودعوة الإسلام إلى صلتهما
حتى لو كانا على غير الإسلام فعَنْ أَسْمَاءَ، قَالتَ: قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ
فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَمُدَّتِهِمْ إِذْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَعَ ابْنِهَا، فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ" نَعَمْ،
صِلِي أُمَّكِ"البخاري)
ومن صور برهما: طاعتهما، والاعتراف بفضلهما،
وتوقيرهما، وتقديمهما بالخير، واحترامهما، وإدخال السرور عليهما، والدعاء لهما، وصلة
أهل ودهما، وإنفاذ عهدهما، والإنفاق عليهما، فقد قال الله تعالى (وَصَاحِبْهُمَا فِي
الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان 15) ولا يقف برهما عند حياتهما فحسب بل يمتد إلى ما بعد
مماتهما، فعنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ: بَيْنَا
نَحْنُ جلوس عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, إِذْ جَاءَهُ
رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ
أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فقَالَ:" نَعَمْ، الصَّلَاةُ
عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا, وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا
بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا"رواه أبو داود) - " الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا
" اى الدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما فقد قال تعالى (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا
كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)الإسراء 24) وورد عن أبى هريرة رضي الله عنه انه كان إذا
أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته،
فتقول: وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً،
فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيراً. ، - " وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا "
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ
فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى لِي هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ".
أخرجه أحمد، وابن ماجه، والبيهقي وغيرهم),- " وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا
تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا" عن عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة ، فسلم عليه عبد الله بن عمر ، وحمله على
حمارٍ كان يركبه ، وأعطاه عمامة كانت على رأسه ، قال ابن دينار : فقلنا له أصلحك الله
إنهم الأعراب وهم يرضون باليسير ، فقال عبد الله بن عمر : إن أبا هذا كان وداً لعمر
بن الخطاب رضي الله عنه، وإني سمعت رسول الله يقول: " إن أبر البر صلة الرجل أهل
ود أبيه " -.
- فمن فضائل بر الوالدين أن فيه : زيادة
العمر والرزق، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ ، وَيُزَادَ
لَهُ فِي رِزْقِهِ ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ "رواه احمد)
- تحصيل للخير ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم" ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ
لَهُنَّ، لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ
الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ"
- غفران الذنوب، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ
رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا ، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٌ ؟ قَالَ :
" هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ ؟ قَالَ
: نَعَمْ ، قَالَ : فَبِرَّهَا "رواه الترمذي)
- تفريح الكربات وإجابة الدعوات، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : " بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَاشَوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ فَمَالُوا
إِلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ
فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا
لِلَّهِ صَالِحَةً ، فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يَفْرُجُهَا ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ
: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ
كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ فَحَلَبْتُ بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ
أَسْقِهِمَا قَبْلَ وَلَدِي ، وَإِنَّهُ نَاءَ بِيَ الشَّجَرُ فَمَا أَتَيْتُ حَتَّى
أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا ، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَجِئْتُ
بِالْحِلَابِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا ، أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا
، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ
عِنْدَ قَدَمَيَّ ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ
، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا
فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ ، فَفَرَجَ اللَّهُ لَهُمْ فُرْجَةً حَتَّى يَرَوْنَ
مِنْهَا السَّمَاءَ ، وَقَالَ الثَّانِي : اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِي ابْنَةُ
عَمٍّ أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ فَطَلَبْتُ إِلَيْهَا
نَفْسَهَا فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ
مِائَةَ دِينَارٍ فَلَقِيتُهَا بِهَا ، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ
: يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ ، وَلَا تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إلا بحقه فَقُمْتُ
عَنْهَا ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ
وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فَفَرَجَ لَهُمْ فُرْجَةً ، وَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ
إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ
أَعْطِنِي حَقِّي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ فَتَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ ، فَلَمْ
أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا ، فَجَاءَنِي فَقَالَ
: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَظْلِمْنِي وَأَعْطِنِي حَقِّي ، فَقُلْتُ : اذْهَبْ إِلَى
ذَلِكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا ، فَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَهْزَأْ بِي ، فَقُلْتُ
: إِنِّي لَا أَهْزَأُ بِكَ فَخُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرَاعِيَهَا فَأَخَذَهُ فَانْطَلَقَ
بِهَا ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ
مَا بَقِيَ فَفَرَجَ اللَّهُ عَنْهُمْ " رواه البخاري)
- سبب لدخول الجنة، وعقوقهما سبب للبعد
عنها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ"
رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ" قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ قَالَ" مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ
كِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ"رواه مسلم) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ، قَالَ : قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ" أَيُّ الأَعْمَالِ أَقْرَبُ
إِلَى الْجَنَّةِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا، قُلْتُ: وَمَاذَا يَا نَبِيَّ
اللَّهِ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قُلْتُ: وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ:
الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" رواه مسلم) وعَن عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ" دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ فِيهَا قِرَاءَةً قُلْتُ مَنْ هَذَا
قَالُوا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ كَذَاكُمْ الْبِرُّ كَذَاكُمْ الْبِرُّ"
رواه احمد)
وكما جعل المولى سبحانه للبر فضائل، كان
للعقوق عواقب، وكيف لا وقد عده المصطفى صلى الله عليه وسلم من الكبائر؛ فعن عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ
الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا ، الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَشَهَادَةُ
الزُّورِ ، أَوْ قَوْلُ الزُّورِ " ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا ، فَجَلَسَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا ، حَتَّى قُلْنَا
: لَيْتَهُ سَكَتَ . ويكفى من عواقبه انه نذير شؤم في الدنيا وفى الآخرة فقد قال الله
تعالى( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ
مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ
اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)الرعد25)وقال سبحانه |( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ
تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ
الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾محمد 22/23) وعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم: "إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ" قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ
وَالِدَيْهِ قَالَ: " يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ،
وَيَسُبُّ أَمَّهُ " رواه البخاري ومسلم )وعَن أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُلُّ ذُنُوبٍ
يُؤَخِّرُ الله مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْبَغْيُ وَعُقُوقُ
الْوَالِدَيْنِ أَوْ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ يُعَجِّلُ لَصَّاحِبِهَا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ
الْمَوْتِ" وعن بن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ ،
وَالدَّيُّوثُ " وقال أيضا " لا يدخلُ الجنةَ عاقٌّ، ..."
لقد أمرنا الله تعالى ببر الوالدين فقال
تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ)لقمان14) ودعانا إلى شكرهما فقال تعالى
(أن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ )لقمان14) وحثنا على صحبتهما بالمعروف
فقال (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا )لقمان 15) وأرشدنا إلى حسن المعاملة
معهما فقال( وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ
مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الاسراء23/24)
ونهانا عن عقوقهما فقال ( فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا)الاسراء23)
فاعلموا أن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان فبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، فقد حكي
أن شابا كان بصحبة والده في رحلة الحج وفى رجوعهما أراد الأب أن يقضى حاجته، فقال لابنه
انطلق مع القافلة وسألحق بكم، وﻣﻀﻰ ﺍﻹﺑﻦ مع
القافلة ﻭﺑﻌﺪ وقت يسير ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺖ الشاب فوﺟﺪ ﺃﻥ الأب قد تأخر كثيرا عن
القافلة، فأسرع الشاب إلى والده فحمله على ﻛﺘﻔيه ورجع إلى القافلة مهرولا ،وفى رجوعه
حاملا والده شعر بدموع والده تتساقط على رأسه، ﻓﻘال يا أبى، والله ما أجد مشقة في حملك
فقال له الأب، ليس لهذا بكيت يا بني ولكن في هذا المكان حملت أنا والدي. وذاك آخر ضاق
بوالده المسن فصنع له وعاء خشبيا؛ حتى لا تنكسر منه الأطباق لرعشة يديه، فسأله اصغر
أبنائه عن سبب صنع هذا الإناء، قال لنضع فيه الطعام فإذا وقع من يديه لا ينكسر، فقال
الولد: نعم، حتى إذا صرت في سن جدي وارتعشت يداك وضعنا لك فيه الطعام .
( الخطبة الثانية ) إن الإسلام دين السماحة
والرحمة والإنسانية في أسمى معانيها، ومن مظاهر هذه الإنسانية والرحمة والسماحة؛
اهتمامه بإكرام ذوي الشيبة ورعايتهم، فلقد نظر الله إلى ضعفهم وقلة حيلتهم فرحمهم ويسر
عليهم، قال تعالى ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ
)البقرة185 ) وقال تعالى(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا
كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)البقرة286) ففي الصلاة قال النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ، فَلْيُخَفِّفْ،
فَإِنَّ فِيهِمْ، الصَّغِيرَ، وَالْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ، وَالْمَرِيضَ، فَإِذَا صَلَّى
وَحْدَهُ، فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ "رواه مسلم) وفى الصيام قال تعالى (وَعَلَى
الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)البقرة184) وفى الحج أجاز لغيرهم
الحج عنهم، تيسيرا ورحمة بهم، فعن ابن عباس " جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ
عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى
عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ
عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَالَ: " نَعَمْ
"رواه البخاري)
إن توقير كبار السن ورعاية حقوقهم من
صور السماحة والإنسانية في الإسلام ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
"إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ، وَحَامِلِ
الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ
الْمُقْسِطِ "رواه أبو داود) وانظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن دخل مكة،
وإذا بأَبي بَكْرٍ -رضي الله عنه وأرضاه- آخذاً بيدي أبيه أَبِي قُحَافَةَ، ذلك الشيخ
الكبير،إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّبِيُّ
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أَلَا تَرَكْتَهُ حَتَّى نَكُونَ نَحْنُ
الَّذِي نَأْتِيهِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هُوَ أَحَقُّ
أَنْ يَأْتِيَكَ. رواه أحمد).وها هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يضربون لنا
أروع الأمثلة في احترام كبير السن وتوقيره ، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه,
يخرج في سواد الليل كلَّ يوم إلى احد البيوت, فرآه طلحةُ في يومٍ من الأيام, فلما جاء
الصبح ذهب إلى ذلك البيت, فإذا هو بعجوزٍ عمياءَ مقعدة, فقال لها: ما بال هذا يأتيكِ؟
قالت: إنه يتعهدني منذ كذا وكذا, يأتيني بما يُصلحني, ويخرج عني الأذى. وها هي كتب
التاريخ تسطر بأحرف من نور، موقف أخر لعمر رضي الله عنه في حسن معاملة المسنين ورعايتهم دون نظر إلى لون
أو جنس أو معتقد، إذ مر بباب قوم وعليه رجلا مسنا من أهل الكتاب يسأل الناس فقال والله ما أنصفنا هذا إن أكلناه في شبيبته وضيعناه
في شيبته ، ثم أخذه فذهب به إلى منزله فأعطاه شيئا يسد به حاجته ثم أرسل إلى خازن بيت
المال فأجرى عليه من بيت المال ما يصلحه. وهذا ما اقره خالد ابن الوليد رضي الله
عنه في صلحه لأهل الحيرة " وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته
آفة من الآفات، أو كان غنيًّا فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته، وعيل
من بيت مال المسلمين) وفى هذا إشارة عظيمة أن الإسلام لم يفرق بين ذي الشيبة
المسلم وغير المسلم في المعاملة، فالإسلام دين الأخلاق الفاضلة والمعاملة الحسنة
وتكريم الإنسان بغض النظر عن لونه أو جنسه أو معتقده فقد قال الله تعالى( وَلَقَدْ
كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ
الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)
الاسراء70)
فما أحوجنا إلى الالتزام بتعاليم ديننا،
والاقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم، حتى تسود السماحة والإنسانية .
(الدعـــــــاء)
===== كتبه =====
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس
===== كتبه =====
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس