recent
آخر المشاركات

خطبة بعنــوان : عوامل بنـاء الدول - للشيخ / محمد حسن داود


خطبة بعنــوان :
عوامل بنـــــاء الدول
للشيخ / محمد حسن داود
ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا
الموضـــــوع:
 الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) التوبة 105) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا " اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
إن من أعظم النعم واجلها، أن يكون للإنسان وطن يعيش تحت ظلاله، ويتنفس هواءه، يجد فيه معنى السكينة، وحقيقة الطمأنينة؛ فالوطن نعمة جليلة ومنة عظيمة؛ دعانا الإسلام إلى حبه والدفاع عنه والحفاظ عليه والسعي الجاد لبنائه والعمل من اجله؛ فللمولى سبحانه الحمد على نعمة الوطن، هذه النعمة التي لا تقدر بالأموال، ولا تساوم بالأرواح، بل تبذل الأموال لأجلها وترخص الأرواح في سبيل الدفاع عنها، فالمخلصون يؤمنون بضرورة تقديم كل ما بوسعهم، وبأقصى جهدهم، وبأعظم طاقتهم، لخدمة الوطن وبنائه، وحمايته، والدفاع عنه، والتضحية في سبيل أمنه واستقراره، ولقد قال رسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ؛ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" رواه الترمذي) وهذا من اجل عوامل بناء الدول.
- كما أن من عوامل بناء الدول : العلم، فهو من ركائز وأسس البناء والرفعة والتقدم، وبه تتفاضل الأمم؛ فقد قال تعالى ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) سورة الزمر9). ولله در القائل :
العلم يرفع بيوتا لا عماد لها *** والجهل يهدم بيوت العز والكرم
فلا يمكن أن تبنى حضارة دون أن يكون أحد أركانها العلم ؛ فبالعلم تنهض الأمم وتتقدم؛ لذلك ولغيره حث الإسلام على العلم وأكد عليه حتى كان أول آيات نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم داعية إلى العلم، قال تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )العلق1-5) وحتى قال النبي صلى الله عليه وسلم لِأَبِي ذَرٍّ " يَا أَبَا ذَرٍّ لأَنْ تَغْدُوَ فَتَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ العِلْمِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ " ( أَيْ مِنَ النَّوافِل) رواه ابن ماجه) بل انك لن تجد أن الله تعالى أمر بالاستزادة من شيء كما أمر بالاستزادة من العلم؛ قال تعالى (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ) طه114) وحتى في حالة الحرب لم يهمل الإسلام العلم بل دعا إليه وحث عليه، فقد قال تعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )التوبة122) ولذلك قال الإمام الشافعي رضي الله عنه " إِنَّ الاِشْتِغالَ بِطَلَبِ العِلْمِ أَفْضَلُ ما تُنْفَقُ فِيهِ نَفائِسُ الأَوْقاتِ " لأن نفع العلم يعم صاحبه بل والأمة جميعها، ولأن العلماء ورثة الأنبياء ، ولأن العلم يبقى أثره بعد موت صاحبه، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول" إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ، إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ "رواه مسلم)والعلم ميراث النبوة: ففي الحديث" وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ" .فيما يجب أن نعلم أن العلم الذي لا يقف عند العلوم الشرعية بل يشمل كل علم نافع في جميع المجالات التي فيها مصلحة البشرية، وتيسير أمور حياتها؛ كالطب والهندسة والكيمياء، والرياضيات، والميكانيكا، وعلوم الحاسوب والتكنولوجيا، والبناء، والملاحة ... الخ ؛ فحينما مدح الله تعالي داود وسليمان في القران بالعلم فقال( ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ) النمل 10) كان منه صناعة الحديد، ومنه منطق الطير كما قال تعالى (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) النمل16) كما أن قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ )فاطر28) جاء في معرض الحديث عن العلوم الكونية إذ يقول الله جل وعلا (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا  وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ )فاطر 27/28) ؛ مما يدل على اهتمام الإسلام ودعوته إلى العلم النافع في جميع المجالات .
- كما أن في العلم حفظ العقول مما يفسدها ويضر بها، من تصورات خاطئة وأفكار متطرفة ولا شك أن حفظ العقول من التصورات الخاطئة، ومناهضة الأفكار المتطرفة من أعظم سبل البناء والتقدم.
- العمل : فالقوة الاقتصادية ضرورية في تقدم الأوطان وهى عماد أول من أعمدة البناء وعامل أول من عوامل القوة، ولن يقوى الاقتصاد في امة إلا بالعمل والإنتاج؛ ولذا أمرنا الإسلام أن نبذل الجهد وان نستفرغ الوسع والطاقات والمواهب في العمل والإنتاج حتى في أحك الظروف؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ " إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا " الأدب المفرد للبخاري) ولو نظرت في كتاب الله تعالى لوجدت أن الله جل وعلا حث على العمل وطلب الرزق بعد الأمر بالصلاة، ولعل في ذلك إشارة قوية لأهمية ومكانة العمل قال تعالى (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الجمعة 10)، فكان سيدنا عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ ،رضي الله عنه إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ " اللَّهُمَّ إِنِّي أَجَبْتُ دَعْوَتَكَ وَصَلَّيْتُ فَرِيضَتَكَ، وَانْتَشَرْتُ كَمَا أَمَرْتَنِي، فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ"، وفى سطور تكتب بماء الذهب، ترى هدى الرسول صلى الله عليه وسلم مع من أهمل وعطل طاقته ؛ إذ دعاه أن يستخدم كل ما عنده من طاقات وإن صغرت، وأن يستنفد ما يملك من حيل وإن ضؤلت؛ فعن أنس: أن رجلاً من الأنصارِ أتى النبيَ صلى الله عليه وسلم يسألُه، فقال:" أما في بيتك شيءٌ؟" قال: بلى، حِلسٌ نلبسُ بعضَه، ونبسُط بعضَه، وقَعبٌ نَشربُ فيه الماءَ، قال: "ائتني بهما"، قالَ: فأتاه بهما، فأخذَهما رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيده، وقالَ: "من يشتري هذين؟" قالَ رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمٍ، قالَ: "من يزيدُ على درهمٍ؟" -مرتينِ أو ثلاثاً-، قالَ رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري وقالَ: "اشتر بأحدهما طعاماً فأنبذه إلى أهلك، واشتر بالآخرِ قَدوماً فأتني به"، فأتاه به، فشدَّ فيه صلى الله عليه وسلم عوداً بيده، ثم قالَ: "اذهب فاحتطِب وبع، ولا أرينَّكَ خمسةَ عشرَ يوماً"، فذهبَ الرجلُ يَحتطبُ ويبيعُ، فجاءَ وقد أصابَ عشرةَ دراهمٍ، فاشترى ببعضِها ثوباً وببعضِها طعاماً، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هذا خيرٌ لك من أن تجيءَ المسألةُ نكتةً في وجهكَ يومَ القيامةِ، إن المسألةَ لا تصلحُ إلا لثلاثةٍ، لذي فقرٍ مُدقِعٍ، أو لذي غُرمٍ مُفظِعٍ، أو لذي دَمٍ مُوجعٍ" رواه أبو داودَ والترمذيِّ وحسنَّه)
كما أن الصحابة الأخيار كانوا دائما في حرص على العمل واستثمار طاقاتهم ومواهبهم وهذا يظهر جليا في فعل عبد الرحمن بن عوف؛ فقد روى أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ المَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، فَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ، فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، ..." رواه البخاري ومسلم ).فلقد كان لأولئك رضوان الله عليهم، دور بارز في مجتمعهم في كافة الميادين،لما استثمروا طاقاتهم ومواهبهم في خدمة وطنهم، فاليد التي لا تعمل عملا ولا تزاول حرفة ولا تسهم في التعمير والبناء وتقدم الأمة هي يد شلاء، وإن العقل الذي لا يسهم في عمل أو اختراع وابتكار وإبداع وتجديد هو عقل أغفل مهمته، وفقد رسالته، روى أن شقيق البلخي، ذهب في رحلة تجارية، وقبل سفره ودع صديقه إبراهيم بن أدهم حيث يتوقع أن يمكث في رحلته مدة طويلة، ولكن لم يمض إلا أيام قليلة حتى عاد شقيق ورآه إبراهيم في المسجد، فقال له متعجباً: ما الذي عجّل بعودتك؟ قال شقيق: رأيت في سفري عجباً، فعدلت عن الرحلة، قال إبراهيم: خيراً ماذا رأيت؟ قال شقيق: أويت إلى مكان خرب لأستريح فيه، فوجدت به طائراً كسيحاً أعمى، وعجبت وقلت في نفسي: كيف يعيش هذا الطائر في هذا المكان النائي، وهو لا يبصر ولا يتحرك؟ ولم ألبث إلا قليلاً حتى أقبل طائر آخر يحمل له العظام في اليوم مرات حتى يكتفي، فقلت: إن الذي رزق هذا الطائر في هذا المكان قادر على أن يرزقني، وعدت من ساعتي، فقال إبراهيم: عجباً لك يا شقيق، ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى الكسيح الذي يعيش على معونة غيره، ولم ترض أن تكون الطائر الآخر الذي يسعى على نفسه وعلى غيره من العميان والمقعدين؟ أما علمت أن اليد العليا خير من اليد السفلى؟ فقام شقيق إلى إبراهيم وقبّل يده، وقال: أنت أستاذنا يا أبا إسحاق، وعاد إلى تجارته .
- وإذا كان العمل من أعظم أسباب تقدم الدول فان ذلك لن يتحقق إلا بإتقانه، إذ أن إتقان العمل، وتجويده، من أهم الواجبات العملية التي حث عليها الإسلام، فقد قال صلى الله عليه وسلم" إِنَّ اللهَ عز وجل يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ "
- حسن الخلق: إذ أن الأخلاق الحسنة الطيبة من صدق وأمانة، ... وغير ذلك من مكارم الأخلاق لهي أساس عظيم لبناء الدول فالسلوك الحسنة من شأنها أن تبني مجتمعًا قويا متماسكا لا تنال منه يد الأعداء، وما أجمل قول الشاعر
إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ومن ينظر في الشريعة الإسلامية؛ يجد اهتمامها الشديد بمكارم الأخلاق، بل لا تعجب إن قلت لك أن غاية هذه الرسالة هي إتمام وإصلاح مكارم الأخلاق، فهاهو النبي صلى الله عليه وسلم، يعلن هذا قائلا " إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ" رواه أحمد ) وحرى بنا أن نذكر أن الأخلاق التي تبنى بها الدول لا تشمل ترويج الشائعات والأراجيف والأباطيل ؛ فقد قال تعالى(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النور19) بل إن السلوك التي نحتاجها هي التي تبنى ولا تهدم، فليكن منهج كل واحد منا عند الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" .  وليكن منهج كل واحد منا في سمعه قول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)الحجرات6)
- الوحدة والتماسك والترابط؛ فليست ثمة قضية أجمع عليها العقلاء قديما وحديثا مثلما أجمعوا على عظم شأن التماسك والوحدة وخطر التفرق، وأن الوحدة قوة تتضاءل إلى جانبها كل القوى المتفرقة، وان التفرق ضعف لا يضاهيه ضعف؛ فالاتحاد يصنع التقدم والنجاح، وينهض بالأمم والحضارات،ومن ذلك أكد الإسلام على أهمية الوحدة، قال تعالى ( وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام 153)
- ولعل من أهم دعائم الترابط والتماسك والبناء: التكافل؛ فهو قيمة عظيمة، تتضمن تقديم يد الخير والعون على اختلاف صنوفه وألوانه، كإطعام الجائع وكساء العاري ودواء المريض وتفريج الكربات ورعاية الأيتام والأرامل والمساهمة في بناء المستشفيات والمدارس وإصلاح الطرق وكل ما يعود بالخير على المجتمع، فلقد تواترت الآيات تدعو إلى تعظيم قيم التكافل والترابط المجتمعي وتحث على ذلك ومنه قوله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) سورة المائدة ٢) وقوله تعالى (وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) البقرة ١٥٨) كما أن السنة النبوية المطهرة زاخرة بدعوات وحث على تعظيم قيمة المسئولية المجتمعية، منها ما جاء عن أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قَالَ: بينَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:" مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ، وَمَن كانَ لَهُ فَضْلٌ مِن زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا زَادَ لَهُ، فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ المَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لا حَقَّ لأحدٍ مِنَّا في فَضْلٍ" رواه مسلم) وما أعظم ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إذ تأتيه امرأة في عقلها شيء كما جاء عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه" أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ " رواه مسلم)
إن بناء الدول مرتبط بعمل الفرد وسلوكه ارتباطا لا انفكاك منه، يلازمه في كل مكان، في حله وترحاله، في المنزل والشارع، فيظهر في إخلاص الوفاء للوطن، في احترام أنظمته وقوانينه، كما يظهر في المحافظة على منشآته ومنجزاته، وفي الاهتمام بنظافته وجماله، وفي المحافظة على أمواله وثرواته، فالمال العام اشد حرمة من المال الخاص وذلك لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، كما يظهر في نشر الخير والقيم والأخلاق الفاضلة، ونشر روح المحبة والأخوة بين أبنائه، والمشاركة الايجابية في بنائه، يظهر في مناهضة الأفكار المتطرفة، ففي مناهضتها توجيها للعقول والقلوب إلى الوسطية والاعتدال والسلم والسلام والمحبة والمودة، يظهر في التنافس في خدمة الوطن كل حسب طاقاته وقدراته والمحافظة على أمنه واستقراره، بأن يكون كل منا قدوة للأبناء والأجيال في حب الوطن وخدمته والحفاظ عليه والدفاع عنه والبر به والوفاء له .
( حفظ الله مصر، وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن )
===== كتبه =====
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس
google-playkhamsatmostaqltradent