recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـــــــوان : الآداب العامة وأثرها في رقي الأمم- للشيـخ / محمد حســن داود


خطبة بعنـــــــوان :
الآداب العامة وأثرها في رقي الأمم
للشيـخ / محمد حســن داود
ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا

ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا


العناصــر:
- مكانة الآداب العامة وأثرها .
- من الآداب والأخلاق: (حسن الكلام- طلاقة الوجه- إكرام الضيف- الاستئذان – النظافة- الحياء- الاقتصاد وعدم الإسراف) .
- دعوة إلى تحقيق هذه الآداب .
الموضـــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)الأنعام 161) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف " إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا "مستدرك الحاكم) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد جاء الإسلام بكل ما فيه صلاح الأمم فما من خلق كريم، أو فضيلة معروفة، أو سلوك محمود، إلا ودعا إليه وحث عليه، ومن ذلك دعوته إلى الآداب العامة؛ فالآداب كلمة عظيمة، ذات دلالات عميقة، ففي معناها جمع العبد لخصال الخير، في الهيئة والمظهر والحركة والسكون، والفعل والقول، وفي معناها إصلاح الجوارح واللسان وتهذيب النفوس، وليس معنى تسميتها آدابا أنها على طرف الحياة، فالحق أنها من جملة القيم التي حث عليها الإسلام . ومن هذه الآداب:
- حسن الكلام : فقد قال الله جلا وعلا (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ) البقرة 83) وقال عز وجل (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً) الإسراء53) فمن أراد لنفسه فوزا وفلاحا، ولعمله قبولا وصلاحا، ولذنبه غفرانا، فعليه بحفظ اللسان عن سيء الكلام، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ؛ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ؛ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ" رواه البخاري) إذ أن حسن الكلام من علامات الإيمان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" متفق عليه)، سبيل لصلاح الأعمال، ومغفرة الذنوب، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) الأحزاب70/71) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّ موجِباتِ المغفرةِ بذلُ السلامِ، وحُسْنُ الكلامِ ". وقاية لصاحبه من النار، فعن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ؛ ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، ثَلاَثًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ " البخاري)
- الإقبال على الناس، وطلاقة الوجه في لقائهم، فقد قال تعالى (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) لقمان18) وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ" رواه مسلم ) وعَنْه أيضا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:" تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ" رواه الترمذي) ولقد ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطب بعض عظماء قريش، وقد طمع في إسلامه، وبينما هو يخاطبه إذ أقبل ابن أم مكتوم فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه، وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل؛ رغبة في هدايته. وعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه، وأقبل على الآخر، فنزل قوله تعالى (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى) سورة عبس 1/ 10) فإذا كان الله جل وعلا نهى عن العبوس في وجه من لا يرى فكيف يكون الأمر مع من يرى ؟
- إكرام الضيف: فهو مكرمة من مكارم الأخلاق، وخصلة من خصال الخير، وخلق من أخلاق الإسلام، يدل على سماحة في النفس، وكرم في الطبع، وشهامة ومروءة، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا "مستدرك الحاكم ) ويقول أيضا" ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ" ولعل من أعظم فضائل إكرام الضيف انه باب إلى نشر المودة والمحبة ونزع الأنانية من الصدور غير انه طريق إلى الجنة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرْفَةً ، قَدْ يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَلانَ الْكَلامَ ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " رواه ابن خزيمة)
- الاستئذان: ففي تشريع هذا الأدب ودقة تنظيمه ما يدل على عظمة هذا الدين الذي عني أشد العناية بخصوصية الناس، قال تعالى (يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) النور27/28) ولقد علمنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كيفيةَ الاستئذان، فعَنْ رِبْعِيِّ بنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أنَّ رجلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِه، فَقَالَ أَأَلِجُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِخَادِمِهِ " اخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الاِسْتِئْذَانَ، فَقُلْ لَهُ: قُلِ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ "  فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ " رواه احمد وأبو داود) وعليه فإن من آداب الاستئذان؛ إلقاء السلام، وكذلك تعريف المستأذن بنفسه، فعن جَابِر رضي الله عنه قال : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِى ، فَدَقَقْتُ الْبَابَ فَقَالَ : " مَنْ ذَا " ، فَقُلْتُ : أَنَا ، فَقَالَ : " أَنَا ، أَنَا " ، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا " متفق عليه) ومنه أيضا غض البصر فعَنْ هُزَيْلٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْذِنُ ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ، مُسْتَقْبِلَ الْبَابِ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " هَكَذَا عَنْكَ ، أَوْ هَكَذَا ، فَإِنَّمَا الاِسْتِئْذَانُ مِنَ النَّظَرِ " رواه أبو داود) ومنه قرع الباب برفق ولين، وان كان نداء فمن غير إزعاج أو إيذاء، ومن تمامه أن يكون الاستئذان ثلاثا فان لم يؤذن للمستأذن رجع؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ؛ فَلْيَرْجِعْ "رواه البخاري ومسلم )
- النظافة : فكما اهتم الإسلام بطهارة الباطن اهتم بنظافة الظاهر وطهارته، قال تعالى ( يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ * وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ ) المدثر1-5) وفى الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ " وعن حالِ أهلِ الجنّة يقول الله جل وعلا (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ) الإنسان11/12) إذ جمل وجوههم بالنضرة، وبواطنهم بالسرور، وأبدانهم بحسن الثياب . ومن مظاهر اهتمام الإسلام بالنظافة ودعوته إليها أن حث على نظافة الملبس: فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا عليه ثياب وسخة قال " أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثِيَابَهُ ؟ " وحث على نظافة البدن: فعَنْ جابر قَالَ : أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ زَائِرًا فِي مَنْزِلِي فَرَأَى رَجُلاً شَعِثًا ، فَقَالَ : " أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ رَأْسَهُ ؟ ..." رواه أحمد، وأبو داود، وابن حبان، والحاكم) ومنه نظافة الأسنان والفم بالسواك أو الفرشاة والمعجون؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم " لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي ، لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ." رواه البخاري ) ومنه التنزه من البول ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم " اِسْتَنْزِهُوا مِنْ اَلْبَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ اَلْقَبْرِ مِنْهُ "ومنه التخلص من الروائح الكريهة والتطيب والإتيان بسنن الفطرة فقد قال انس ابن مالك رضي الله عنه " وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ وَنَتْفِ الإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً " رواه مسلم ) ومنه نظافة البيوت والمساجد : فقد قال صلى الله عليه وسلم " طَهِّرُوا أَفْنِيَتَكُمْ " رواه الطبراني).
- الحياء: فهو خلق يبعث على فعل كل مليح ،وترك كل قبيح، خلق يبعد الإنسان عن الرذائل، ويحمله على الفضائل،هو شعبة من الإيمان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ" الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ " رواه مسلم ) بل هو قرين الإيمان فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " الْحَيَاءُ وَالْإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الْآخَرُ" رواه ابن ماجه) وهو خلق الإسلام، فعنْ أَنَس، رضي الله عنه، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ "رواه ابن ماجه) ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً، فعن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا". ولعلى أسمى صور الحياء تتجلى في الحياء من الخالق سبحانه وتعالى؛ والحياء من الله تعالى استشعار لعظمته، واستحضار لهيبته، ومراقبة لجلاله، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ‏"‏ ‏.‏ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ‏.‏ قَالَ ‏"‏ لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ‏"‏ رواه الترمذي) إن الحياء عنوان الوقار، ومنبع الفضيلة، وخلق الأنبياء، ومسلك الشرفاء، وشيمة الأتقياء، فهو من أفضل الأخلاق، وأجلها، وأعظمها قدراً، فعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ " رواه البخاري) فالحياء كله خير ولا يأتي إلا بخير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ " وقال أيضا "الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ".  فما كان في شيء إلا زانه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيءٍ إِلاَّ شَانَهُ وَمَا كَانَ الْحَيَاءُ فِى شَىْءٍ إِلاَّ زَانَهُ"، وكفى في فضله انه باب إلى الجنة إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم  "الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ وَالإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ"
- الاقتصاد وعدم الإسراف: إذ أن الإسراف، مفسدة للنفس والمال ، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا سعد ابن أبى وقاص " إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ" رواه البخاري ومسلم)  وجاء في الأثر ( مَا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ ) فلقد جاء التحذير من الإسراف والنهى عنه في غير موضع من كتاب الله جل وعلا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إشارة إلى خطره وبيانا لعواقبه، فقال سبحانه وتعالى (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا )الاسراء27) ويقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلُوا وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ " رواه النسائي) وعلى الجانب الآخر ترى أن الله تعالى مدح أهل الترشيد والاعتدال، فقال سبحانه( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) الفرقان67)
ولعل من ينظر في أحوال بعض الناس يرى ويشهد، من غنى، بل والأعجب أن ترى أيضا من فقير، الكثير من مظاهر الاقتصاد والترشيد في المأكل والمشرب والملبس والأفراح بل والأتراح مع أن الله جل وعلا يقول (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )الأعراف31)
لقد نهانا الإسلام عن الإسراف والتبذير سواء في مأكل أو مشرب أو ملبس، ودعانا إلى الاقتصاد والتوسط والاعتدال والترشيد، في أمور حياتنا، ولنا الدرس والعبرة فيما وجه به النبي، صلى الله عليه وسلم، في القصة المشهورة مع الرجل الذي جاء يسأله، فبعد أن باع له المتاع الذي عنده بدينارين، لم يقل له: أنفق هذا المال كله في طعام أهلك، بل قال له" اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ "، وما أعظم ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ : " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ " مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ " ؟ قَالَا : الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا قُومُوا " ، فَقَامُوا مَعَهُ فَأَتَى رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ : مَرْحَبًا وَأَهْلًا ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيْنَ فُلَانٌ " ؟ قَالَتْ ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنْ الْمَاءِ إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ ثُمَّ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي ، قَالَ : فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ فَقَالَ : كُلُوا مِنْ هَذِهِ ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ : فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ " ، فَذَبَحَ لَهُمْ فَأَكَلُوا مِنْ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ الْجُوعُ ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ " رواه مسلم)
هذه كانت جملة من الآداب التي يجب علينا أن نتحلى بها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "  وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ"  رواه الترمذي وقال حسن) فالتحلي بالآداب العامة دليل على الرقى وحسن الطباع وهو باب إلى التقدم والازدهار، وكفي في فضله قول النبي صلى الله عليه وسلم:" مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ " رواه الترمذي ) ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم " فَمَنْ أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ ؟ ، قَالَ : " أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا " رواه الطبراني)

اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق، واصرف عنا سيئها
وأحفظ مصر وجيشها وشعبها من كل مكروه وسوء .

===== كتبه =====
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومدرس

google-playkhamsatmostaqltradent