خطبة بعنـــــــوان :
فضل الشهادة، وواجبنا نحو أسر الشهداء
للشيخ / محمد حســـن داود
فضل الشهادة، وواجبنا نحو أسر الشهداء
للشيخ / محمد حســـن داود
العناصـــــــر:
- فضل الشهادة ومكانتها .
- فضل الشهيد ومنزلته.
- واجبنا نحو أسر الشهداء.
- فضل الشهادة ومكانتها .
- فضل الشهيد ومنزلته.
- واجبنا نحو أسر الشهداء.
الموضـــــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في
كتابه العزيز (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا
بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن
فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ
وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران 169-171)
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده
ورسوله، القائل في حديثه الشريف " مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ
شَيْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ
مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ " رواه مسلم ) اللهم صل وسلم وبارك
عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن مجالات التضحية من أجل الوطن كثيرة؛ إلا أن التضحية بالنفس طلبا
للشهادة في سبيل الله أعلى التضحيات واسماها؛ فإن من أعظم أبواب التكريم والتفضيل:
أن يبذل المرء روحه دفاعا عن دينه ووطنه وأرضه طلبا لأعلى المقامات وارفعها، وهي
الشهادة؛ فهي اصطفاء من الله جل وعلا وتشريف وتكريم وتفضيل، ولقد قال الله تعالى (
وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء ) آل
عمران 140) وقال تعالى وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ
وَنُورُهُمْ) الحديد 19) فان كان أغلى ما يملكه الإنسان روحه التي بين جنبيه، فقد
تقربوا بها إلى ربهم، شهادة في سبيله، سمعوا قول الله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ
اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا
عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى
بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ
وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾التوبة111) فعقدوا البيعَ مع الله، السلعة
الأرواح، والثمن الموعود عند الله هو الجنة، ومَن أوفى بعهده من الله .
أولئك شهداء الحق، فعن أبي موسى
الأشعري قال: سُئل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : عن الرجلِ يقاتل شجاعةً
، ويقاتل حمِيَّةً ، ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل اللهِ؟ فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " منْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ". وعن سعيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرو بنِ نُفَيْلٍ، أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ،
ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ،
ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ "رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي
وصححه) ومن ثم فالناظر في السنة النبوية يجد أن الشهادة غير مقصورة على شكل واحد،
بل لها أشكال متعددة ففي الحديث النبوي:" الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ،
سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ،
وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ،
وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ
".
ويقول صلى الله عليه وسلم:" مَنْ سَأَلَ اللَّهَ، تعالَى الشِّهَادَة بِصِدْقٍ
بَلَّغهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهدَاء، وإِنْ مَاتَ عَلَى فِراشِهِ" رواه مسلم).
إن شرف الشهادة لا يحصره قلم، ولا يصفه
لسان، ولا يحيط به بيان، شرفا قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:" لوَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا
قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ،
ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ " رواه
البخاري) وإن للشهيد عند الله مكانة عالية ودرجات رفيعة، علمها الصحابة فكانت
غايتهم، ففي غزوة بدر: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ
" فيَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ؟ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : بَخٍ
بَخٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" مَا
يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ ؟قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ : " فَإِنَّكَ مِنْ
أَهْلِهَا " ، فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ
، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا
لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ ، قَالَ : فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ ثُمَّ
قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. رواه مسلم) نعم، للشهيد مكانة ومنزلة علمها الشهداء
فتمنوا الرجوع إلى الدنيا فيقتلوا مرارا، لما أيقنوه من الكرامة والرفعة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا
وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى
أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ
"رواه مسلم) وقال صلى الله عليه وسلم" مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا
عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا إِلا الشَّهِيدُ
فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى
لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ " متفق عليه ) .
-
بشرهم ربهم بخصال فقال تعالى (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ *
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ) محمد 4-6) وبشرهم النبي صلى الله
عليه وسلم بخصال فقال " للشهيد عند الله ست خصال : يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ
دَفْعَةٍ من دمه، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَيُحَلَّى بحِلْيَة
الإِيمَانِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ،
وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ
الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ من أهل بيته ) رواه الطبراني)
- فدماء الشهداء أحب شيء إلى الله، كما
جاء عن أبي أمامه الباهِليِّ ، رضيَ اللَّه عنه ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم أنه قال:" لَيْسَ شَيءٌ أَحَبَّ إِلى اللَّه تعالى من قَطْرَتَين.
وأَثَرَيْنِ : قَطْرَةُ دُمُوعٍ من خَشيَةِ اللَّه وَقَطرَةُ دَمٍ تُهرَاقُ في
سَبِيلِ اللَّه تعالى ، وأما الأثران فأثر في سبيل الله تعـالى وَأَثَرٌ في
فَرِيضَةٍ منْ فَرَائِضِ اللَّه تعالى " رواه الترمذي وقال حديثٌ حسنٌ) .
- دماء الشهداء وان كان لونها لون الدم
إلا أن ريحها ريح المسك، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ : " لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ، وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ
مِسْكٍ " رواه مسلم )
- يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم،
فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
قَالَ : " ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ
وَيَسْتَبْشِرُ بِهِمْ ، الَّذِي إِذَا انْكَشَفَتْ فِئَةٌ، قَاتَلَ وَرَاءَهَا
بِنَفْسِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ ، وَإِمَّا أَنْ
يَنْصُرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَكْفِيهِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى
عَبْدِي كَيْفَ صَبَّرَ لِي نَفْسَهُ ، وَالَّذِي لَهُ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ
وَفِرَاشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ، فَيَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَذَرُ شَهْوَتَهُ،
فَيَذْكُرُنِي وَيُنَاجِينِي وَلَوْ شَاءَ لَرَقَدَ ، وَالَّذِي يَكُونُ فِي
سَفَرٍ وَكَانَ مَعَهُ رَكْبٌ، فَسَهَرُوا وَنَصَبُوا ثُمَّ هَجَعُوا، فَقَامَ فِي
السَّحَرِ فِي سَرَّاءٍ أَوْ ضَرَّاءٍ " رواه الحاكم، والبيهقي )
- لا يجدون ألم القتل، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ إِلا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ
مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ " رواه الترمذي وقال حسن صحيح)
- تظلهم الملائكة، فعن جابر رضي الله
عنه قال " جِيءَ بِأَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ ، وَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَذَهَبْتُ أَكْشِفُ عَنْ
وَجْهِهِ ، فَنَهَانِي قَوْمِي ، فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ ، فَقِيلَ : ابْنَةُ
عَمْرٍو ، أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو ، فَقَالَ : لِمَ تَبْكِي ، أَوْ لا تَبْكِي ، مَا
زَالَتْ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ " البخاري
ومسلم)
- لا يفتنون في قبورهم، عَنْ رَاشِدِ
بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّ رَجُلًا قَالَ " يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ
يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلَّا الشَّهِيدَ قَالَ" كَفَى بِبَارِقَةِ
السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً" رواه النسائي)
- لا يصعقون في نفخة الصور، فعن أبي
هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبريل عليه السلام عن
هذه الآية )وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ) (الزمر: 68 ) من
الذين لم يشأ الله أن يصعقهم ؟ قال : هم شهداء الله " مستدرك الحاكم)
- تجرى عليهم أعمالهم، فعَنْ سَلْمَانَ
رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ " رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ
وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ" رواه مسلم ) وعن فَضَالَةَ بْنُ
عُبَيْدٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ " كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ ، إِلاَّ الَّذِي
مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى
يَوْمِ القِيَامَةِ ، وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ " رواه الترمذي وقال
حسن صحيح)
- اعد الله لهم أعلى المقامات وارفعها:
قال تعالى﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ
وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ
فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ ﴾ التوبة 111) وعن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
انه قال : " إِنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ " رواه
مسلم )
- أول من يدخلون الجنة: عنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : شَهِيدٌ ،
وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ، وَعَبْدٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ وَنَصَحَ
لِمَوَالِيهِ " رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن )
- أحياء عند ربهم يرزقون: قال تعالى ( وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ )
البقرة154)، وقال سبحانه (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ
اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ
أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ
اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران
169-171) وعن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ بِبَابِ
الْجَنَّةِ ، فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ
الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا " رواه احمد) وعَنْ مَسْرُوق قَالَ : إِنَّا
سَأَلْنَا عَبْد اللَّه عَنْ هَذِهِ الْآيَة . " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ
" فَقَالَ : أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " أَرْوَاحهمْ فِي جَوْف طَيْر خُضْرٍ لَهَا
قَنَادِيل مُعَلَّقَة بِالْعَرْشِ تَسْرَح مِنْ الْجَنَّة حَيْثُ شَاءَتْ ، ثُمَّ
تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيل فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبّهمْ إِطْلَاعَة
فَقَالَ : هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا ؟ فَقَالُوا : أَيّ شَيْء نَشْتَهِي وَنَحْنُ
نَسْرَح مِنْ الْجَنَّة حَيْثُ شِئْنَا ؟ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاث مَرَّات
فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يَسْأَلُوا قَالُوا : يَا
رَبّ نُرِيد أَنْ تَرُدّ أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا حَتَّى نُقْتَل فِي سَبِيلك
مَرَّة أُخْرَى فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَة تُرِكُوا " . رواه
مسلم)
- للشهيد دار ما أحسن منها : روى البخاري، من حديث سمرة رضي الله عنه قال :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : رأَيْتُ
اللَّيْلَةَ رجُلين أتَياني، فَصعِدا بِي الشَّجرةَ، فَأدْخَلاني دَارًا هِي
أحْسنُ وَأَفضَل، لَمْ أَر قَطُّ أَحْسنَ مِنْهَا، قالا: أَمَّا هذِهِ الدَّار
فَدارُ الشهداءِ"
- هم في الفردوس الأعلى: عن أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ ، أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهِيَ أُمُّ
حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فَقَالَتْ : " يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ
وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ ، فَإِنْ كَانَ فِي
الْجَنَّةِ صَبَرْتُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي
الْبُكَاءِ ، قَالَ : يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ ،
وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى " .البخاري)
إننا ابدآ لا ننسى من قدموا أرواحهم
دفاعا عن الوطن الحبيب الغالي، وتحقيقا لعزة البلاد، و كرامة العباد؛ وفاء لهم
واعترافا بفضلهم وتقديرا لحسن صنيعهم؛ فلا شك أن من اقل حقوق هؤلاء الشهداء علينا
جميعا تخليد أسماءهم، وذكراهم ،ليس في سجلات التاريخ فحسب، بل في كل قلب وعلى كل
لسان، ليس من قبيل سرد البطولات التي قاموا بها فحسب، بل من أجل أن يكونوا أيضا
نموذجا للاقتداء بهم، وحافزا للأجيال بعدهم على التضحية من أجل الوطن، ورفعته
،وتقدمه، وقد
قال رسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" عَيْنَانِ لَا
تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ؛ وَعَيْنٌ بَاتَتْ
تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". رواه الترمذي والطبراني والبيهقي) غير أن من
حقوق أسرهم علينا أن ننظر إليهم نظرة إكبار وتقدير بكل ما تحمله الكلمات من معنى، إعترافا
بالجميل والفضل الذي قدمه الشهيد ووفاء له، فأي جميل أعظم من هذا الجميل الذي قدمه
الشهيد، وأي فضل أعظم من هذا الفضل الذي قدمه الشهيد، وقد ضحى بنفسه من أجل
حمايتنا واستقرار حياتنا وأمن وطننا وأرضنا وعرضنا، فكان أجره عند الله كريما،
وفضله علينا عظيما، وحقه علينا كبيرا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ". وعنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ،أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ
خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا " متفق عليه) وهذا هو منهج الحبيب النبي صلى الله
عليه وسلم؛ فقد
جاء عن عَبْد اللهِ بْن جَعْفَرٍ أنه قال: أَنَا أَحْفَظُ حِينَ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّي فَنَعَى لَهَا أَبِي فَأَنْظُرُ إِلَيْهِ
وَهُوَ يَمْسَحُ عَلَى رَأْسِي وَرَأْسِ أَخِي وَعَيْنَاهُ تُهْرَاقَانِ الدُّمُوعَ،
حَتَّى تَقْطُرَ لِحْيَتُهُ، ثُمَّ قَالَ: "اللهُمَّ إِنَّ جَعْفَرًا قَدْ قَدِمَ
إِلَيْكَ إِلَى أَحْسَنِ الثَّوَابِ، فَاخْلُفْهُ فِي ذُرِّيَّتِهِ بِأَحْسَنِ مَا
خَلَفْتَ أَحَدًا مِنْ عِبَادِكَ فِي ذُرِّيَّتِهِ". ثُمَّ قَالَ: "يَا أَسْمَاءُ،
أَلَا أُبَشِّرُكِ؟ " قَالَتْ: بَلَى، بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ: "إِنَّ
اللهَ جَعَلَ لِجَعْفَرٍ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ"، قَالَتْ:
فَأَعْلِمِ النَّاسَ ذَلِكَ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَخَذَ بِيَدِي يَمْسَحُ بِيَدِهِ رَأْسِي، حَتَّى رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَجْلَسَنِي
أَمَامَهُ عَلَى الدَّرَجَةِ السُّفْلَى وَالْحُزْنُ يُعْرَفُ عَلَيْهِ، فَتَكَلَّمَ
فَقَالَ: "إِنَّ الْمَرْءَ كَثِيرٌ بِأَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ، أَلَا إِنَّ جَعْفَرًا
قَدِ اسْتُشْهِدَ وَقَدْ جُعِلَ لَهُ جَنَاحَانِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ"
ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بَيْتَهُ وَأَدْخَلَنِي
مَعَهُ، فَأَمَرَ بِطَعَامٍ، فَصَنَعَ لِأَهْلِي وَأَرْسَلَ إِلَى أَخِي فَتَغَدَّيْنَا
عِنْدَهُ غَدَاءً طَيِّبًا مُبَارَكًا، عَمَدَتْ سَلْمَى خَادِمَتُهُ إِلَى شَعِيرٍ
فَطَحَنَتْهُ ثُمَّ نَسَفَتْهُ ثُمَّ أَنْضَجَتْهُ وَأَدَمَتْهُ بِزَيْتٍ، وَجَعَلَتْ
عَلَيْهِ فُلْفُلًا، فَتَغَدَّيْتُ أَنَا وَأَخِي مَعَهُ، فَأَقَمْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
فِي بَيْتِهِ نَدُورُ مَعَهُ كُلَّمَا صَارَ فِي بَيْتِ إِحْدَى نِسَائِهِ، ثُمَّ رَجَعْنَا
إِلَى بَيْتِنَا، فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا
أُسَاوِمُ شَاةَ أَخٍ لِي، فَقَالَ:"اللهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي صَفْقَتِهِ"
قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَمَا بِعْتُ شَيْئًا وَلَا اشْتَرَيْتُ شَيْئًا إِلَّا بُورِكَ
لِي فِيهِ"دلائل النبوة؛ للبيهقي) وعلى هذا المنهج النبوي الكريم كان الصحابة
رضي الله عنهم؛ فعنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ
عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى السُّوقِ ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ
امْرَأَةٌ شَابَّةٌ ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ
صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا ، وَلاَ لَهُمْ زَرْعٌ وَلاَ
ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمُ الضَّبُعُ، وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ
الغِفَارِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ ، ثُمَّ قَالَ :مَرْحَبًا
بِنَسَبٍ قَرِيبٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ
، فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلَأَهُمَا طَعَامًا ، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً
وَثِيَابًا ، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ ، ثُمَّ قَالَ : اقْتَادِيهِ ، فَلَنْ يَفْنَى
حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ بِخَيْرٍ ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ
، أَكْثَرْتَ لَهَا ؟ قَالَ عُمَرُ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى
أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا ، قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ ، ثُمَّ
أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ " رواه البخاري ) .
إن المخلص لوطنه؛ تراه وفيا أعظم ما يكون
الوفاء للشهداء وأسرهم، اعترافا بالفضل والجميل، ففي هذا الوفاء دليل على صدق الحب
للوطن، وفيه دليل على حسن الخلق، وفيه حُسن استجابة لأوامر ديننا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ".
( نسأل الله أن يحفظ مصر وقائدها وجيشها وشرطتها وشعبها من كل مكروه وسوء،
وان يتغمد شهداءنا الأبرار بواسع رحمته)
===== كتبه =====
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس