خطبة
بعنـــــــوان:
الإســـــــلام
دين الســــــلام
للدكتـــــور/ محمد حســــن داود
(9 محرم 1447 هـ - 4 يوليو 2025م)
العناصــــــر:
- قيمة السلام، مكانتها ودرجتها ودعوة الإسلام
إليها.
- النبي (صلى
الله عليه وسلمَ) نبي الرحمة ورسول السلام.
- السلام في
الرسالة المـحمدية، صور ومجالات ومواقف.
- دعوة إلى
تحقيق معاني السلام.
الموضــــــوع:
الحمد لله رب العالمين، الملك القدوس السلام، رفع السماء بلا عمد، والأرض وضعها
للأنام، ودعا عباده إلى دار السلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، نبي الرحمة ورسول
السلام، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى
يوم الدين، وبعد
فإن من القيم النبيلة التي حث عليها الإسلام
ودعا إليها: "الســــــلام"؛ فهو قيمة راقية، مكانتها عالية، ودرجتها
رفيعة، وفي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ما يبين مدى اهتمام الإسلام بها،
إذ يقول الله (عز وجل): (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190)، وعَنْ سيدنا عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه)، أن
النبي (صَلى الله عليه وسلم) قال: "أَلَا أُخْبِرُكم بمَن يَحْرُمُ على
النَّارِ، وبمَن تَحْرُمُ عليه النَّارُ؟ على كلِّ قريبٍ هيِّنٍ سهْلٍ".
- والسلام اسم من أسماء الله الحسنى، قال تعالى:
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ
الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ
اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الحشر: 23)، وكان النبي (صَلى الله عليه وسلم) إِذَا
انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ: "اللهُمَّ أَنْتَ
السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ"
(رواه مسلم)، يقول الإمام أبو بكر بن العربي (رحمه الله): "السلام به ومنه وله، وليس في الوجود سلام
إلا وهو إليه منسوب، وعليه محسوب".
- والجنة دار السلام، قال تعالى: (وَاللَّهُ
يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
(يونس: 25)، ويقول سبحانه: (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ
وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 127).
- وتحية أهل الجنة السلام، قال تعالى:
(وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا
وَهُمْ يَطْمَعُونَ) (الاعراف: 46)، وقال سبحانه: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ
يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ) (الأحزاب: 44).
- وهو التحية التي شرعها الله لعباده في
الدنيا؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه)، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: "خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ
سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ، قَالَ: اذْهَبْ، فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ
النَّفَرِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا
تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ،
فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ
اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ
الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ " (رواه البخاري).
- والقول
الحسن من السلام، والفعل الحسن من السلام؛ قال تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا
عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ
لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) (القصص: 55) وهذا سيدنا إبراهيم (عليه السلام) لما قال له أبوه كما حكى القرآن
الكريم: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) (مريم:
46)، كان جوابه كما حكى القرآن أيضا: (سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ
رَبِّى إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيًّا) (مريم: 47).
- ومن
أسباب نشر المودة والمحبة السلام: فعن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم)َ "لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى
تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى
شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ"
(رواه مسلم).
- ولمنزلة السلام ومكانته وصف النبي (صلى الله
عليه وسلمَ) من بخل بالسلام بأنه أبخل الناس؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله
عنه)، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "إِنَّ أَعْجَزَ
النَّاسِ مَنْ عَجَزَ بِالدُّعَاءِ، وَإِنَّ أَبْخَلَ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ
بِالسَّلامِ".
ومن ثم فإن السلام لا يقف عند تحية الإسلام؛ بل
هو معنى أشمل وحقيقة أوسع؛ ولا شك أن النبي (صلى الله عليه وسلمَ) بعث رحمة
للعالمين، وحملت رسالته السلام والأمان. جاء بدين السلام، ودعا إلى العيش بين
الناس بسلام، فقد قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)
(الأنبياء: 107)، وقال عز وجل: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ
رَّحِيمٌ) (التوبة: 28)، وقال تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ
يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن
تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:
8) ويقول صلى اللهُ عليه وسلم: "يا أيها الناسُ إنما أنا رحمةٌ مُهداةٌ".
وإن من استقرأ سيرته، وجد دعوتَه إلى السلم
والسلام ظاهرة جليلة في حياته، قبل البعثة وبعدها، إذ يسعى إلى تحقيق معاني السلام
بالمشاركة في فضائل الأخلاق، والإصلاح بين الناس، كمشاركته في حلف الفضول قبل
البعثة. ولما طلب المشركون
عام الحديبية الصلح، ووضع الحرب أجابهم النبي (صلى الله عليه وسلمَ) إلى ذلك، مع
ما اشترطوا من شـروط مجحفة في حق المسـلمين. وعندما دخل مكة فاتحا منتصرا إذ به يقول: "مَا تَظُنُّونَ
أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: خيرًا، ونظنُّ خيرًا، أخٌ كريمٌ، وابنُ أخٍ كريمٍ، فقال
صلوات ربي وسلامه عليه: "فإنِّي أقولُ كما قال أخي يوسفُ: (لَا تَثْرِيبَ
عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
(يوسف: 92)".
وفي رسالته صلىَ الله عليه وسلم ترى كل معاني
السلام؛ إذ إن السلام هو معنى حقيقي للإسلام، والإيمان، كما في قول النبي (صلى
الله عليه وسلمَ): "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ
وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ" (رواه النسائي)، وعَنْ أَنَسٍ (رضي الله عنه) عَنِ النَّبِيِّ
(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى
يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" (رواه البخاري) وعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):
"مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ،
وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ،
وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ
لِيَصْمُتْ" (رواه البخاري ومسلم).
- فكان من دعوة الإسلام إلى السلام أن دعا إلى
السلام مع النفس: بالتصالح معها وتوجيهها إلى ما فيه الخير، وإبعادها عن كل ما فيه
ضر، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ
غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا
يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6)، وقال عز وجل: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا *
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ
خَابَ مَن دَسَّاهَا) (الشمس 7- 10).
كذلك من السلام مع النفس: إلزامها شكر الله (عز
وجل) على نعمه، والرضا بقضائه سبحانه، ففي الرضا راحة النفس واستقرارها، ولقد قال
رسولُ اللهِ (صَلى الله عليه وسلم): "عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ
أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ
أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ
صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ" (رواه مسلم).
- كذلك من دعوة الإسلام إلى السلام أن دعا إلى
السلام مع الناس، مع المجتمع: فالمؤمن سهل لين قريب يألف ويؤلف، كما قال النبي (صَلى
الله عليه وسلم) يحب الخير للناس، يعاملهم بأحسن الأخلاق؛ وقد قال تعالى:
(وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة: 83) وقال جل وعلا: (وَقُل لِّعِبَادِي
يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (الإسراء: 53)، ويقول النبي (صلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ): "اتَّق الله حيثما كنت، وأَتْبِعِ السَّيئةَ الحسنةَ تَمْحُها،
وخالقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ"( رواه الترمذي)، ويقول أيضا: "إِنَّ شَرَّ
النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ، أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ، اتِّقَاءَ
فُحْشِهِ" (البخاري ومسلم).
إن مفهوم السلام مع الناس لا يقف عند تقديم
الخير فقط، بل يشمل ترك كل عمل أو قول من شأنه أن يلحق ضررا بالغير، ولقد سئل
النبي (صَلى الله عليه وسلم): "أرَأَيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عن بَعْضِ العَمَلِ؟
قالَ: تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فإنَّها صَدَقَةٌ مِنْكَ علَى نَفْسِكَ"(
البخاري) ولما سئل: أيُّ المسلمين خَير؟ قال: "مَنْ سَلِمَ المسلِمُونَ مِنْ
لسانِهِ ويدِه"، ولما سئل: أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ
سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ". ولقد قال يحيى بن معاذ (رضي الله
عنه): "ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة: إِنْ لم تَنْفَعْهُ فلا تَضُرَّهُ، وإن لم
تُفْرِحْهُ فَلا تَغُمَّهُ، وإن لم تَمْدَحْهُ فَلا تَذُمَّهُ".
أما من لا يمنع الناس بوائقه وأذاه وشروره فانظر
حاله ومآله؛ فعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) قَالَ: "وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ،
وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ" قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
"الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ" (رواه البخاري)، فكم من
عابد لله (عز وجل) يصوم النهار ويقوم الليل وينفق القليل والكثير إلا أنه يؤذى
الناس بقول أو فعل، فانظر كيف صار أمره، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه): قِيلَ
لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ
فُلَانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ،
وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "لَا خَيْرَ فِيهَا، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ"،
قَالُوا: وَفُلَانَةٌ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ، وَلَا
تُؤْذِي أَحَدًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):
"هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّة"ِ (رواه البخاري في الأدب المفرد) وعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ:
"أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟" قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا
دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي
يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ
شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا،
وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ،
فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ
خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" (رواه مسلم)
- كذلك من السلام: السلام مع البيئة: وذلك
بالحفاظ على نظافة البيوت والأفنية، والطرق بل وإماطة الأذى عنها: فعَنْ أَبِي ذَرٍّ
(رضي الله عنه)،عَنِ النَّبِيِّ (صَلى الله عليه وسلم)، قَالَ: "عُرِضَتْ
عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ
أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ"(رواه مسلم).
- ولم يقف السلام هنا، بل يمتد ليكون مع النبات،
مع الحيوان، مع الكون كله: فلقد دخل النبي (صلى الله عليه وسلمَ) حَائِطًا
لِرَجُلٍ من الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ (صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ
(صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ) فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ:
"مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟"، فَجَاءَ فَتًى
مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: "أَفَلَا
تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؟،
فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ" (رواه أبو داود)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ
لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا،
فَجَاءَتِ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: "مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا
وَلَدَهَا إِلَيْهَا" (رواه أبو داود).
- بل انظر معي هذا الموقف العظيم الذي لن تراه
إلا من صاحب الخلق العظيم (صلى الله عليه وسلمَ) نبي الرحمة ورسول السلام لمّا شقّ
عليه طول القيام، استند إلى جذعٍ بجانب المنبر، فكان إذا خطب الناس اتّكأ عليه، ثم
ما لبث أن صُنع له منبر، فتحول إليه وترك ذلك الجذع، فحنّ الجذع إلى النبي (صَلى
الله عليه وسلم) فأنظر ماذا كان منه: اذ يقول أنس بن مالك (رضي الله عنه): فَحَنَّ
الْجِذْعُ حَتَّى أَتَاهُ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)،
فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ): " لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ، لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
" (رواه أحمد).
فما أحوجنا إلى أن نتأسى برسول الله (صَلى الله
عليه وسلم) فنعيش بالقلب والجوارح معاني وصاياه التي تدعونا إلى تحقيق معاني السلام،
حتى نفوز في الدنيا وفي الآخرة.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، واصرف عنا سيئها
واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومـــدرس
دكتوراة في الفقه المقارن
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ----- اضغط هنا