recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـــــــوان : في رحاب سورة الإسراء للشيخ / محمد حســـن داود


خطبة بعنـــــــوان :
في رحاب سورة الإسراء
للشيخ / محمد حســـن داود
ولتحميل الخطبة : word  ( رابط مباشر) اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : word  (نسخة أخرى، برابط مباشر)اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf    ( رابط مباشر) اضغط هنا

ولتحميل الخطبة : word  ( جوجل درايف) اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : word  (نسخة أخرى، جوجل درايف)اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf    ( جوجل درايف) اضغط هنا
العناصـــــر :
- في طيات المحن منح .     - الله جل وعلا لا ينسى أولياءه ولا يضيع أحباءه.

- حسن الظن بالله .           - شرف العبودية لله . 
- ثمرات الأخذ بالأسباب .    - الصلاة هدية الإسراء والمعراج .
- مكانة المسجد الأقصى.     - بر الوالدين، وفضله، وعواقب العقوق.

الموضــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الإسراء 1) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فمن أجل المعجزات التي أيد الله جل وعلا بها نبيه صلى الله عليه وسلم: معجزة " الإسراء والمعراج " فهي اية باهرة، معجزة عظيمة، يجدر بنا أن نقف منها على بعض الدروس والعبر؛ وان كانت معجزة الإسراء والمعراج حافلة بالدروس، إلا أن من أعظمها :
- أن في طيات المحن منح، فبعد أن من الله تعالى على المؤمنين ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، إذ يقول جل وعلا ( لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) آل عمران 164) بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو قومه إلى عبادة الله وحده، فمنهم من آمن بدعوته، ومنهم من تعهده بالإيذاء وإلقاء الافتراءات والأكاذيب، وهكذا تواترت الابتلاءات على النبي صلى الله عليه وسلم ،وتضاعفت بوفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وبوفاة عمه أبي طالب، إذ يفقد في عام واحد مدافعا قويا خارج البيت، ومن يهون عليه المصاعب ويخفف عنه الآلام داخل البيت، وتشمت قريش، وتستغل موت عمه فتزيد من الإيذاء والتضييق عليه، حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، املا أن يجد قبولا بينهم، لكن كانت المفاجأة، فقد كان ردهم قاسيا، إذ أغروا به غلمانهم وصبيانهم فتبعوه يسبونه ويصيحون به ويرمونه بالحجارة، حتى أصيب صلى الله عليه وسلم في قدميه، فسالت منها الدماء، فرجع صلى الله عليه وسلم إلى مكة ولم يدخلها إلا في جوار المطعم بن عدى.
في ظل هذه الأجواء الكالحة، والظروف الحرجة، ومن هذه المحنة، كانت المنحة؛ إذ يمن الله عز وجل على نبيه بهذه المعجزة العظيمة، تصديقا له وتثبيتا لقلبه وتسرية عن نفسه، معجزة لعلو مكانتها خلد الله جل وعلا ذكرها في موضعين من القران؛ قال تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الإسراء 1) وقال سبحانه (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ﴾ النجم 1-14) وكأن لسان الحال يقول: إن كنت يا نبي الله فقدت مؤانسة الزوج فأنت مؤانس بالملأ الأعلى، وان كنت فقدت حماية العم فأنت محاط بحماية الرب، لا تظن أن جفاء بعض أهل الأرض يعني جفاء أهل السماء، فإن كان من أهل الأرض من لا يعرفون قدرك؛ فإن أهل السماء يعرفون منزلتك.
- كما يتضح لنا جليا درسا عظيما ألا وهو: أن الله جل وعلا، لا ينسى أولياءه ولا يضيع أحباءه، فلما أَخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمعجزة الإسراء، سألته قريش أن ينعت لهم المسجد الأقصى؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ، فَجَلَا اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ " رواه مسلم) وفى رواية احمد عن ابن عباس رضي الله عنه " قَالُوا: وَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ؟ وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَرَأَى الْمَسْجِدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ، فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ"، قَالَ: " فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عِقَالٍ أَوْ عُقَيْلٍ فَنَعَتُّهُ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ".
- ومن هاتين الروايتين تتضح لنا دعوة طيبة زكية إلى حسن الظن بالله ويتجلى ذلك،عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم " فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ "، قَالَ : " فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عِقَالٍ أَوْ عُقَيْلٍ فَنَعَتُّهُ ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ " كما يتجلى لنا أيضا في مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم ربه للتخفيف عن أمته في أمر الصلاة حتى صارت خمس في الأداء وخمسون في الأجر، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري عن انس، وفيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً" فحسن الظن بالله عبادة عظيمة، ولقد جاء في الحديث القدسي " أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي "رواه البخاري) ولمكانة هذه العبادة أكد عليها النبي صلى الله عليه وسلم أيما تأكيد، فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بثلاث يقول " لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ"  ففي حسن الظن بالله امتثال أمره، وتحقيق عبوديته، وللعبد من ربه ما ظن به، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلا يَقُولُ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، إِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ "رواه ابن حبان) يقول ابن مسعود رضي الله عنه (والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئاً خيراً من حسن الظن بالله عز وجل، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاه الله ظنه، ذلك بأن الخير بيده) ولقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم، على شاب وهو في آخر لحظات عمره وسأله عن حاله كما جاء عَنْ أَنَسٍ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ ، فَقَالَ : " كَيْفَ تَجِدُكَ " ، قَالَ : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَرْجُو اللَّهَ ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ "الترمذي وقال حسن غريب)
- كما يجدر بنا أن نقف قليلا عند أية سورة الإسراء لنوضح درسا من الأهمية بمكان؛ إلا وهو شرف العبودية لله، قال تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فنرى أن الله تعالى وصف نبيه بالعبودية في قوله ( بعبده ) كما وصفه بهذا الوصف في مقام إنزال القرآن عليه ، قال تعالى ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ )الفرقان 1) وقال سبحانه ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً )الكهف1) ومن هذا يظهر لنا جليا أن العبوديةَ لله هي مرتبة سامية ودرجة عالية، وصف الله جل وعلا بها أنبياءه فقال﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾ ص 45) وقال ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ ﴾ص 41)وقال (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ )ص17)
- وتظل معجزة الإسراء والمعراج حاملة في طياتها الكثير والكثير من العبر والدروس؛ منها: الأخذ بالأسباب، إذ يضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في ذلك، حين وصل بيت المقدس فربط البراق بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ولم يترك البراق هملا ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ (وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ. يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ) قَالَ، فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ. قَالَ، فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ. ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ...". إذ أن الآمال لا تتحقق بالتكاسل وان الرقى والتقدم لم يكن أبدا طريقه الخمول، فان الآمال الصادقة هي المقرونة بالأخذ بأسباب التقدم والرقى، وهذا مما وجهنا النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وحثنا عليه في كل وقت وحين لدوام حياة مشمسة بالخير والتقدم والرقى، فعَنْ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُوْلَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوْحُ بِطَاناً " رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما )وها هو صلى الله عليه وسلم يوجه إلى الأخذ بالأسباب حتى في اقل الأشياء فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ (يعنى ناقته ) وكأن هذا الرجل كان يظن أن الأخذ بالأسباب ينافي التوكل على الله تعالى، فوجهه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الأخذ بالأسباب أمر مطلوب، وهو من التوكل على الله تعالى، فقال له صلى الله عليه وسلم " اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ ". ولقد كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول :" لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول:" اللهم ارزقني وقد علمت أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة " كما ذكَرَ الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شُعَبِ الإِيْمَانِ أَنَّ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرَّ بِأَهْلِ اليَمَنِ فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ المُتَوَكِّلُوْنَ. فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمُ المُتَّكِلُوْنَ. أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالمُتَوَكِّلِيْنَ؟ رَجُلٌ أَلْقَى حَبَّةً فِي الأَرْضِ ثُمَّ تَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ" . يقول الشاعر
وليسَ أخُـــــو الحاجاتِ مَنْ باتَ نَائِما *** ولكــــــنْ أخُــــوها مَنْ يبِيتُ على وَجَل
الجَدُّ في الجدِّ والحِرمانُ في الكَسَــــلِ *** فانصبْ تُصِبْ عنْ قريبٍ غايةَ الأمـــــلِ
- كما ينبغي أن نشير إلى الهدية التي رجع بها المصطفى صلى الله عليه وسلم لامته، ألا وهى الصلاة: فهي عبادة جليلة يشترك فيها أهل السماء مع أهل الأرض، فعنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، قَالَ : بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ ، إِذْ قَالَ لَهُمْ : " تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ ؟ " قَالُوا : مَا نَسْمَعُ مِنْ شَيْءٍ ، قَالَ : " إِنِّي لأَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ ، وَمَا تُلامُ أَنْ تَئِطَّ ، وَمَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ "، هي أُم العبادات وأساس الطاعات، راحة كل مهموم وفرج لكل مكروب فيها يناجى العبد مولاه وهو منه اقرب ما يكون ولذا كان صلى الله عليه وسلم يقول:" أرحنا بها يا بلال". كما عند أحمد وأبو داود)و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ " هي صلة بين العبد وربه، هي رفعة في الدرجات و كفارة للسيئات " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا" رواه البخاري) فما أحوجنا إلى المحافظة على هذه الفريضة العظيمة التي أكرمنا الله بها في ليلة الإسراء والمعراج ،فهي أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ " رواه النسائي والترمذي )
- ومن دروس الإسراء والمعراج، مكانة المسجد الأقصى، فللمسجد الأقصى مكانة عظيمة في الإسلام فلقد شرفه الله تعالى ووصف أرضه بالبركة، قال تعالى في مستهلّ سورة الإسراء ( سُبْحٰنَ الَّذِيْ أَسْرٰى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْـمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى الْـمَسْجِدِ الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) فمن الآية يتضح انه منتهى إسراء سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، و بداية المعراج إلى الملأ الأعلى، وهو قبلة المسلمين الأولى، كما في حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قِبَلَ بيت المقدس ستة عشر شهرا او سبعة عشر شهرا، كما عظم الإسلام اجر الصلاة فيه، فعن أبي الدّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:"فَضْلُ الصًّلاَةِ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِائَةُ أَلْفِ صَلاَةٍ، وَفِي مَسْجِدِي أَلْفُ صَلاَةٍ، وَفِي مَسْجِدِ بَيْتِ المَقْدِسِ خَمْسُمِائَةِ صَلاَةِ " رواه الطّبرانيّ والبزّار) كما أنه ثاني مسجد وضع في الأرض، فعن أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَىُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ : "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ"، قُلْتُ : ثُمَّ أَىٌّ ؟ قَالَ : "الْمَسْجِدُ الأَقْصَى"، قُلْتُ : كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ سَنَةً ، وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ" صحيح مسلم)، كما أن له ارتباط وثيق وعلاقة قوية بالمسجد الحرام، فالأقصى هو ثالث الحرمين الشريفين، وفي ذلك كله توجيه للمسلمين بأن يقدروه حق قدره.
= إن من أجل القيم النبيلة التي دعت اليها سورة " الاسراء "وحثت عليها: بر الوالدين؛ قال تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) الاسراء15) فللوالدين في الإسلام منزلة سامية، ودرجة عالية، فلقد قرن الله سبحانه وتعالى ذكرهما بذكره وشكرهما بشكره، وجاء الأمر بطاعتهما بعد الأمر بعبادته، قال تعالى ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )الاسراء23/24) وفي هذا تكريما لهما وحثا على رعاية حقوقهما وإشارة إلى مكانة برهما ودرجته، فعنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ" رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ" رواه الترمذي)
- فمن فضائل بر الوالدين أن فيه : زيادة العمر والرزق، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ ، وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ "رواه احمد)
- تحصيل للخير ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم" ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ، لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ"
- مغفرة الذنوب، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا ، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٌ ؟ قَالَ : " هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَبِرَّهَا "رواه الترمذي)
- سبب لدخول الجنة، وعقوقهما سبب للبعد عنها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ" رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ" قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ" مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ" رواه مسلم)
وكما جعل المولى سبحانه للبر فضائل ، كان العقوق سببا في عواقب وخيمة، فعَن أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُلُّ ذُنُوبٍ يُؤَخِّرُ الله مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْبَغْيُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ يُعَجِّلُ لَصَّاحِبِهَا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْمَوْتِ" وعن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ ، وَالدَّيُّوثُ " وقال أيضا " لا يدخلُ الجنةَ عاقٌّ، ..."
اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت،
واصرف عنا سيئها إنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت،
وأحفظ مصر وشعبها من كل مكروه وسوء.
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس


google-playkhamsatmostaqltradent