خطبة بعنوان:
دروس عظيمة من يوم أحد
للشيخ
/ محمد حســــن داود
16 من شوال 1442هـ - 28 مايو 2021م
العناصـــــر : مقدمة
- دروس عظيمة
من يوم أحد :
(وجوب طاعة القائد - مدى محبة الصحابة للنبي (صلى الله عليه وسلم) – خطورة الشائعات - التضحية في سبيل الحق
- المداومة والإكثار من الدعاء وذكر الله (عز وجل))
الموضـــــوع: الحمد لله رب العالمين،
القائل في كتابه العزيز: (إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ
فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
(ال عمران 160)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا
محمدا عبده ورسوله، كان من دعائه يوم أحد: "اللهُم لَك الحَمدُ كُلُه اللهُمَّ
لَا قَابِضَ لِما بَسطتَ وَلَا مُقرِبَ لِما بَاعَدتَ وَلَا مُباعِد لِما قَربتَ، وَلَا
مُعطِي لِما مَنعتَ وَلَا مَانِع لِما أَعطيتَ، اللهُم ابسُط عَلينَا مِن بَركَاتِك
ورحمَتِك وفَضلِك ورِزقِك، اللهُم إِنِّي أَسألُك النَّعيمَ المُقيمَ الَّذِي لَا يَحولُ
وَلَا يَزولُ، اللهُمَّ إِنِّي أَسأَلُك النَعيمَ يَومَ العَيْلَةِ والأمنَ يَوم الخَوف،
اللهُمَّ عَائذاً بِك مِن سُوء مَا أَعطيتَنَا وشَرِ مَا مَنعتَ مِنَّا، ..."
(رواه البخاري في الأدب المفرد)اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فلما أنهزم المشركون في يوم بدر ( تلك الغزوة التي كانت في شهر رمضان
من السنة الثانية من الهجرة) عزموا على إعداد العدّة لملاقاة المسلمين، ثم
جمعوا جمعهم واتجه جيشهم إلى المدينة المنورة في شوال من السنة الثالثة للهجرة، ليأخذوا
بالثأر لأنفسهم ولأصنامهم، فيعتدوا على المدينة ويقتلوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه، لكن حفظ الله (عز وجل) لنبيه فوق كل
كيد، فكان لقاء المسلمين لهم على مشارف المدينة، عند جبل أحد، وفي هذه الدقائق المعدودة
نتدارس سويا شيئا من دروس هذا اليوم، ففي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة وآثاره
الجميلة الجليلة النضرة أسوة وقدوة للأخيار والصالحين. ومن ذلك:
وجوب طاعة القائد: فلما جعل النبي (صلى
الله عليه وسلم) على جبل "
عينين" (وهو الجبل المقابل لجبل أحد) خمسين راميا، وكان قد أمّر عليهم سيدنا
عبد الله بن جُبير، قائلا له: "انْضَحِ الْخَيْلَ عَنَّا بِالنَّبْلِ لا يَأْتُونَا
مِنْ خَلْفِنَا، إِنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا فَاثْبُتْ مَكَانَكَ، لا نُؤْتَيَنَّ
مِنْ قِبَلِكَ". وأكد النبي (صلى الله عليه وسلم) على هذا الأمر قائلا له
ولمن معه" إِنْ
رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلاَ تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ، هَذَا حَتَّى
أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا القَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ،
فَلاَ تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ) (رواه البخاري) إذا بالرماة وقد
خالفوا الأمر فنزلوا بعد أن هُزم جيش المشركين، وهنا، استغلّ خالد بن الوليد هذه
الفرصة والثغرة – وكان لم يسلم بعد- فحمل بمن معه من الرجال على الموقع، وباغت جيش
المسلمين من خلفهم في شكل مفاجئ، ضربا بالسيوف وطعنا بالرماح، ما أدّى إلى استشهاد
سبعين من جيش المسلمين، منهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله، ومصعب بن عمير، كما
أصيب النبي (صلى الله عليه وسلم) وشجّ رأسه، وكلم في وجنته، وكسرت رباعيته.
ومن هذه الدروس ايضا: مدى محبة الصحابة
للنبي صلى الله عليه وسلم: فلم تكن
هذه المحبة كلمات، بل ترجم الصحابة (رضي الله عنهم) حب النبي ( صلى الله عليه وسلم) ترجمة
عملية، ورضي الله عن علي بن أبي طالب، فلما
سئل كيف كان حبكم لرسول الله( صلى الله عليه وسلم) ؟، قال: " كان والله أحب إلينا
من أموالنا وأولادنا، وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ ". ففي هذا
الموقف العصيب الذي تغيرت فيه الموازين وصار هناك جرحى وشهداء، هذا الموقف الذي اجتمع
فيه جيش قوامه ما يقرب من ثلاثة آلاف رجل -في تلك اللحظة- كلهم يبحث عن النبي (صلى
الله عليه وسلم) فقط, كلهم يريد قتله، والنبي (صلى الله عليه وسلم) كالجبل الأشمِّ،
يدافع ويُجالِد جموعَ المشركين المحيطين به من كل ناحية، سارع الأحبة إلى حبيبهم
يدافعون عنه، نحورهم دون نحره، فأقاموا حوله سياجاً بأجسادهم وسلاحهم، فقام أبو طلحة
يسور نفسه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويرفع صدره ليقيه من سهام العدو،
ويقول: "نحري دون نحرك يا رسول الله". هذا وأبو دجانة يحمي ظهر رسول الله
(صلى الله عليه وسلم)والسهام تقع عليه ولا يتحرك، ومالك بن سنان يمتص الدم من وجنته
(صلى الله عليه وسلم) حتى أنقاه، وعرضت لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم) صخرة من الجبل
فنهض إليها ليعلوها فلم يستطع، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض عليه، فقال (صلى الله
عليه وسلم) " أوجب طلحة " أي الجنة. أما أم عمارة نسيبة بنت كعب فعندما رأت
النبي صلى الله عليه وسلم في أرض المعركة وقد تكالب عليه أعداؤه من يمنة ويسرة ؛ رمت
القراب التي كانت تسقي بها جرحى المسلمين، وأخذت تدافع عنه. وفي ذلك يقول صلى الله
عليه وسلم عنها: "ما رأيت مثل ما رأيت من أم عمارة في ذلك اليوم، ألتفتُ يمنة
وأم عمارة تذود عني، والتفت يسرة وأم عمارة تذود عني"، وقال لها النبي في أرض
المعركة: "من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟! سليني يا أم عمارة" قالت: "أسألك
رفقتك في الجنة يا رسول الله" قال: "أنتم رفقائي في الجنة ". (الرحيق
المختوم) وهذه: امْرَأَة مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي دِينَارٍ؛ قَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا
وَأَخُوهَا يَوْمَ أُحُدٍ ، فَلَمَّا نُعُوا لَهَا، قَالَتْ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: خَيْرًا يَا أُمَّ فُلَانٍ، فَقَالَتْ:
أَرُونِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَأَشَارُوا لَهَا إِلَيْهِ حَتَّى إِذَا رَأَتْهُ
قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ جَلَلٌ – أي صغيرة – " (دلائل النبوة للبيهقي)
.
خطورة الشائعات: فكم أقلقت من أبرياء، وكم
هدمت من بيوت، وفرقت من أسر، وشردت أطفال ،وكم ضيعت من أموال، وكم تسببت في جرائم،
وكم فككت علاقات وصداقات، وتسببت في طلاق ومشكلات، وكم أوهنت من عزيمة وأضعفت من همة؛
ففي هذه المعركة أشيع أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قتل، فكانت تلك الشائعة كالصاعقة
في قلوب المسلمين، حتى أن بعضهم فترت همته وماتت عزيمته فألقى السلاح وترك القتال،
واستمرت هذه الشائعة في أرض المعركة تصطلي نارها نفوس كل من كان بعيدا في موقعه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن رآه كعب بن مالك رضي الله عنه ، فنادي بأعلى
صوته "يا معشر المسلمين أبشروا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ومن
ثم فالواجب على كل مسلم أن يحذر الوقوع في مخالب الشائعات؛ ليكن منهجه في حديثه قول
الرسول صلى الله عليه وسلم "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" متفق عليه) وليكن منهجه في سمعه قول الله
عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا
أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(الحجرات6)
التضحية في سبيل الحق: فلقد ضرب رسول الله
(صلى الله عليه وسلم )وصحابته (رضي الله عنهم)أروع الأمثلة في التضحية، ومن ذلك تضحية
عمرو بن الجموح: فلقد كان شيخاً من الأنصار أعرج، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم
إلى غزوة بدر قال لبنيه : أخرجوني ( أي للقتال ) فذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم عرجه
، فأذن له في البقاء وعدم الخروج للقتال ، قلما كان يوم أحد خرج الناس للجهاد ، فقال
لبنيه أخرجوني، فقالوا له : قد رخص لك رسول الله
صلى الله عليه وسلم في عدم الخروج للقتال
، فقال لهم هيهات هيهات، منعتموني الجنة يوم بدر والآن تمنعونيها يوم أحد ، فأبى إلا
الخروج للقتال ، فأخرجه أبناؤه معهم ، فجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قُتِلَ الْيَوْمَ دَخَلَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ "نَعَمْ
" قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أرجعُ إِلَى أَهْلِي حَتَّى أَدْخُلَ
الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا عَمْرُو، لَا تَألَّ عَلَى
اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَهْلًا يَا عُمَرُ، فَإِنَّ
مِنْهُمْ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَّره، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ
يَخُوضُ فِي الجنة بعرجته "(صحيح ابن حبان )
ومنها: تضحية سعد بن الربيع: فبعد
المعركة يقول النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لِي مَا
فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ؟ أَفِي الْأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ فَقَالَ
رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنَا أَنْظُرُ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ مَا فَعَلَ سَعْدٌ
فَنَظَرَ فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى وَبِهِ رَمَقٌ. قَالَ فَقُلْت لَهُ إنّ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ أَفِي الْأَحْيَاءِ
أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ قَالَ: أَنَا فِي الْأَمْوَاتِ فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنّي السّلَامَ وَقُلْ لَهُ: إنّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ
يَقُولُ لَك: جَزَاك اللّهُ عَنّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيّا عَنْ أُمّتِهِ؛ وَأَبْلِغْ
قَوْمَك عَنّي السّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ إنّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ:
إنّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ إنْ خَلُصَ إلَى نَبِيّكُمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ. قَالَ: ثُمّ لَمْ أَبْرَحْ حَتّى مَاتَ. قَالَ:
فَجِئْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرْته خَبَرَهُ"(
سيرة ابن هشام).
المداومة والاكثار من الدعاء وذكر الله
عز وجل في الشدة والرخاء ، فبالدعاء تفتح أبواب الخير، وفي الدعاء الفوز والفلاح،
وفي ذكر الله طمأنينة القلوب وحياتها ورقيها، فعن عبيد بن رفاعة الزرقي عن أبيه (رضي
الله عنه) قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "استَوُوا حَتى أُثنِي عَلى رَبِي عَز
وجَل" فَصَارُوا خَلفَهُ صُفوفاً (فكان مما قال): "اللهُم لَك الحَمدُ كُلُه
اللهُمَّ لَا قَابِضَ لِما بَسطتَ وَلَا مُقرِبَ لِما بَاعَدتَ وَلَا مُباعِد لِما
قَربتَ، وَلَا مُعطِي لِما مَنعتَ وَلَا مَانِع لِما أَعطيتَ، اللهُم ابسُط عَلينَا
مِن بَركَاتِك ورحمَتِك وفَضلِك ورِزقِك، اللهُم إِنِّي أَسألُك النَّعيمَ المُقيمَ
الَّذِي لَا يَحولُ وَلَا يَزولُ، اللهُمَّ إِنِّي أَسأَلُك النَعيمَ يَومَ العَيْلَةِ
والأمنَ يَوم الخَوف، اللهُمَّ عَائذاً بِك مِن سُوء مَا أَعطيتَنَا وشَرِ مَا مَنعتَ
مِنَّا، اللهُمَّ حَبب إِلينَا الإيمَانَ وزَينْهُ فِي قُلوبِنا، وكَرِّه إِلينا الكُفرَ
والفُسوقَ والعِصيان، واجعَلنَا مِن الرَّاشِدين، اللهُمَّ تَوفَنَا مُسلِمينَ وأَحيِنَا
مُسلِمينَ وأَلحِقنَا بِالصَالِحينَ غَير خَزايا وَلَا مَفتُونِين" (رواه
البخاري في الأدب المفرد)
فاللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين،
وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين
واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء
=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
ماجستير في الدراسات الإسلامية