recent
آخر المشاركات

خطبة الجمعة القادمة : من دروس الهجرة النبوية المشرفة "التخطيط واعتماد الكفاءات" - للشيخ / محمد حســـــن داود (5 محرم 1443هـ - 13 أغسطس 2021م)

 


العناصــــــر:      مقدمة :
- 
 الهجرة النبوية درسا عمليا راقيا في التخطيط الجيد والأخذ بالأسباب.
- أثر التخطيط والأخذ بالأسباب.
-
التخطيط الجيد والأخذ بالأسباب من صميم التوكل على الله.
-
اعتماد الكفاءات وأثره.

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (التوبة40) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف:" لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا " (مستدرك الحاكم) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فإن المتأمل في أحداث الهجرة النبوية يرى في طياتها دروسا جليلة ومعان سديدة هي نبراس يهدينا إلى طريق الحياة الكريمة الرشيدة، ومن أجلها:

- "التخطيط " فلقد بدت أحداث الهجرة النبوية درسا عمليا راقيا في التخطيط الجيد والأخذ بالأسباب، إذ يذهب الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى أبي بكر (رضي الله عنه) في وقت شديد الحر حين يستريح الناس في بيوتهم حتى لا يراه احد ، فيأمر أبا بكر أن يُخرج من عنده حتى لا ينتشر الأمر ويظل طي الكتمان، بل لما حدثه عن الهجرة لم يفصح إلا عن الأمر بالهجرة فقط، وكتم تفاصيل الأمر، فعَنْ عَائِشَةَ (رضي الله عنها)، قَالَتْ: لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِي عَلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم)، إِلَّا يَأْتِي فِيهِ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَيِ النَّهَارِ، فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ فِي الخُرُوجِ إِلَى المَدِينَةِ، لَمْ يَرُعْنَا إِلَّا وَقَدْ أَتَانَا ظُهْرًا، فَخُبِّرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: مَا جَاءَنَا النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا لِأَمْرٍ حَدَثَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: "أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ، يَعْنِي عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ، قَالَ: "أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ". قَالَ: الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "الصُّحْبَةَ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِنْدِي نَاقَتَيْنِ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ، فَخُذْ إِحْدَاهُمَا، قَالَ: " قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ " (رواه البخاري)، كما جهز النبي (صلى الله عليه وسلم) الوسائل الضرورية للسفر قبل الموعد بزمن كاف، لتفادي السرعة والارتباك، الذين قد يكونا لحظة الهجرة، وحتى لا يلفت الأمر انتباه قريش ، كما حرص الرسول (صلى الله عليه وسلم) على توزيع الأدوار والاختصاصات وتحديد المسئوليات، فكان أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) يرافق الرسول (صلى الله عليه وسلم) ويعاونه ويساعده ،وهذا على (رضي الله عنه)، ينام في فراش النبي (صلى الله عليه وسلم) للتمويه ولرد الأمانات والودائع لأصحابها، وعبد الله بن أبي بكر لنقل أخبار قريش إلى النبي وصاحبه، وهذه أسماء بت أبى بكر تحمل الغذاء إلى النبي وصاحبه، ومن جميل التخطيط، تكليف الراعي عامر بن فهيرة أن يسلك بقطيعه طريق الغار، ليزيل آثار الأقدام المؤدية إليه، ثم يسقي النبي (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه من لبن غنمه كما استعان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعبد الله بن أريقط ألليثي؛ ليدله على أفضل الطرق الخفية إلى المدينة باعتباره خبيرا ماهرا في الطرق، غير أنه يتحلى بالرجولة ، فلا تضعف نفسه أمام مكافآت ترصدها قريش، ومن أجل ما كان في هذا التخطيط البارع، تهيئة التربة الصالحة في المدينة ، لاستقبال النبي  (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه، فكان لابد من اختيار من يجمع بين الكفاءة العلمية، والشجاعة النفسية، والجرأة الدعوية، والفطنة التواصلية، بحيث يستطيع أن يدخل الإسلام إلى كل بيت من بيوت المدينة فاختار النبي (صلى الله عليه وسلم)، لهذه المهمة مصعب بن عمير، الذي يعتبر نموذجاً للعلم والشجاعة والفطنة وفن التواصل.

كما أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يعتمد على الأسباب وترك رب الأسباب، إنما كان يعلم أن الأسباب وحدها لا تضر ولا تنفع ولا ترزق ولا تمنع إلا بأمر مسبب الأسباب، قال تعالى (وتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) (الفرقان58) كما أن فقدان التوكل ينافي أصل الإيمان، قال تعالى (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) (المائدة23) وقال تعالى (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) (يونس84) ولذا كانت عناية الله (عز وجل) تصاحبه صلى الله عليه وسلم وصاحبه، في كثير من مواطن الهجرة منها :

ما وقع له عند خروجه من مكة، وقد تآمر به كفار قريش ليقتلوه بضربة رجل واحد ليتفرق دمه في القبائل عملاً بمشورة أبي جهل، قال تعالى (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)الأنفال30) إذ يخرج (صلى الله عليه وسلم) من بيته بحفظ الله تعالى له ، وفي رعايته وعنايته وهو يخترق صفوف المشركين، وفي يده الشريفة حفنة من التراب، فجعل يذره على رؤوسهم، وهو يتلو قول الله تعالى (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ) (يس 9 )، فقد أعمى الله أبصار قريش عن مقره فلا يرونه مع سعيهم الدائب في البحث عنه، ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابًا، فلقد أخرج الإمام أحمد في مسنده، عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما)  قال : تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ يُرِيدُونَ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم)، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلِ اقْتُلُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ أَخْرِجُوهُ. فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَخَرَجَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا يَحْسِبُونَهُ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) يَعْنِي يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَقُومُ فَيَفْعَلُونَ بِهِ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَرَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ فَقَالُوا أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي فاقتصوا أَثَرَهُ. فَلِمَا بَلَغُوا الْجَبَلَ اخْتَلَطَ عَلَيْهِمْ فَصَعِدُوا الْجَبَلَ فَمَرُّوا بِالْغَارِ فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ العنكبوت فَقَالُوا لَو دخل هَا هُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ. فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ"

وفي خبر سراقة بن مالك وهو يلحق بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه، خير دليل على عناية الله ورعايته لنبيه (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه؛ فحينما اقترب منهما، وهو على فرس له، ورآه أبو بكر وقع في نفسه الخوف والحزن، فالتفت أبو بكر، فقال: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): ( لا تحزن إن الله معنا).  وفي ذلك، يقول أبو بكر (رضي الله عنه) ـ كما في صحيح مسلم ـ " فَارْتَحَلْنَا بَعْدَمَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ وَنَحْنُ فِي جَلَدٍ مِنْ الْأَرْضِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُتِينَا فَقَالَ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا أُرَى فَقَالَ إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ فَادْعُوَا لِي فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ فَدَعَا اللَّهَ فَنَجَا فَرَجَعَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ قَدْ كَفَيْتُكُمْ مَا هَاهُنَا فَلَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ". وتظهر اجل صور العناية الإلهية والرعاية الربانية للنبي (صلى الله عليه وسلم) في الهجرة؛ عندما استكن النبي وصاحبه الغار واشتد المشركون في طلبهما وتعقّبوا كل مكان يمكن أن يختبئا فيه، ووصلوا إلى باب الغار، اشتد الأمر على أبي بكر، فعاجله النبي (صلى الله عليه وسلم) بأن عناية الله تحوطنا، قال تعالى (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا) (التوبة40)، وفي هذا يروي الإمام مسلم بسنده عن أنس عن أبي بكر قال " نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ ، فَقَالَ "يَا أَبَا بَكْرٍ : مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا " قال تعالى (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (التوبة40).

ومن ثم فان عناية الله (عز وجل) ورعايته تلازم السعي والجد والأخذ بالأسباب، وها هو عمر بن الخطاب حين رأى من يترك الأسباب ويجلس في المسجد  ينتظر الرزق دون عمل أو سعى قال : لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول: " اللهم ارزقني " وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وإن الله تعالى يقول: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ ) (الجمعة 10).

ومما يجدر بنا التأكيد عليه أن التخطيط الجيد والأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله؛ بل إن الأخذ بالأسباب هو عماد التوكل على الله تعالى، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، فلا يُترك الأخذ بالأسباب ولا يُترك التوكل على الله، قال سهل بن عبد الله ألتستري" من طعن في الحركة - (يعني في السعي والكسب والأخذ بالأسباب ) - فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل، فقد طعن في الإيمان، فالتوكل حال النبي (صلى الله عليه وسلم)، والكسب سنته، فمن عمل على حاله، فلا يتركن سنته، وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رضي الله عنه)، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: " لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا " (مستدرك الحاكم) والمتدبر لحال الرسول (صلى الله عليه وسلم) يجده لم يترك الأخذ بالأسباب في أموره جميعها، وهذا مما دعا أصحابه إليه وحثهم عليه للوصول إلى حياة كريمة مشمسة بالخير والتقدم والرقى حتى في اقل الأشياء فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال: قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ (يعنى ناقته ) وكأنه كان يفهم أن الأخذ بالأسباب ينافي التوكل على الله تعالى، فوجه النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى أن مباشرة الأسباب أمر مطلوب ولا ينافي بحال من الأحوال التوكل على الله تعالى ما صدقت النية في الأخذ بالأسباب، فقال له صلى الله عليه وسلم: " اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ "

إن الأخذ بالأسباب من صميم التوكل على الله (سبحانه وتعالى)، وإن عناية الله (جل وعلا) وتوفيقه تصاحب أهل التوكل عليه، وإن التخطيط أساس نجاح أي عمل من الأعمال سواء في حياة الفرد أو المجتمع؛ فالتخطيط سلوك إسلامي قويم، ومنهج رشيد حثَّ الإسلام على ممارسته في جميع شئون الحياة؛ فبه يحقق المسلم فعالية في عمله وإنتاجه، وكفاءة في أدائه، وبه تتقدم الأمم وتزدهر وترقى فكما نوهنا أن الأسر والمجتمعات لا تنهض أبدا على الكسالى والمتواكلين بل تنهض على سواعد العاملين المتوكلين على الله الآخذين بالأسباب.

- اعتماد الكفاءات: إن الناظر في الشريعة الإسلامية يجد مدى الاهتمام بتقديم الكفاءات في شتى المجالات، فلا شك ان تقدم الامم و ازدهارها ورقيها ورفعتها ومصلحتها تقتضى وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، واسناد الامور الى اهلها من ذوي الخبرة والكفاءة، ولقد جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أنه قَالَ : " بَيْنَمَا النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) يُحَدِّثُ ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : سَمِعَ مَا قَالَ ، فَكَرِهَ مَا قَالَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ لَمْ يَسْمَعْ ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ ، قَالَ : أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ ؟ قَالَ : هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَإِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ ، قَالَ : كَيْفَ إِضَاعَتُهَا ؟ قَالَ : إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ " (رواه البخاري).ولقد أظهرت لنا أحداث هجرة النبي (صلى الله عليه وسلم) مدى أهمية هذا الدرس ومدى عناية النبي (صلى الله عليه وسلم) به، إذ تجده (صلى الله عليه وسلم)، قد استعان بعبد الله بن أريقط ألليثي؛ ليدله على أفضل الطرق الخفية إلى المدينة باعتباره خبيرا ماهرا في الطرق ، غير أنه يتحلى بالرجولة، فلا تضعف نفسه أمام مكافآت ترصدها قريش، كما أختار مصعب بن عمير لتهيئة التربة الصالحة في المدينة، لاستقبال النبي (صلى الله عليه وسلم) ، كونه نموذجاً للعلم والشجاعة والفطنة وفن التواصل، وعلى هذا الأساس (وهو الكفاءة) كان التكليف من النبي (صلى الله عليه وسلم) في الأمور كلها، وانظر ما جاء عن أبي ذَرٍّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) إذ يقول: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلا تَسْتَعمِلني؟ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى مِنْكَبي، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيْهَا" (رواه مسلم).

فما أحوجنا أن نقرأ بقلوبنا وعقولنا حياة النبي (صلى الله عليه وسلم)، فنأخذ من مشكاته، ونقتدي به في سيرته وسريرته، وفي سائر أحواله، حتى تستقيم دنيانا وآخرتنا، فقد قال الله تعالى ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )(الأحزاب21).

ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
واحفظ مصر وجيشها من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
ماجستير في الدراسات الإسلامية

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----        اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----         اضغط هنا 


لتحميــل الخطبة  word   جوجل درايف    -----        اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word جوجل درايف (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf    جوجل درايف     ----         اضغط هنا  

google-playkhamsatmostaqltradent