recent
آخر المشاركات

خطبة الجمعة القادمة : إنسانية الحضارة الإسلامية - للشيخ/ محمد حســـــن داود (28 ربيع الآخر 1443هـ - 3 ديسمبر 2021م)

 

خطبة بعنــــوان:
إنسانية الحضارة الإسلامية
للشيخ/ محمد حســـــن داود
28 ربيع الآخر 1443هـ - 3 ديسمبر 2021م 

العناصــــــر:  مقدمة :
- الإسلام دين الإنسانية.
- من مظاهر الإنسانية في الحضارة الإسلامية
- دعوة إلى تحقيق معاني الإنسانية.

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الاسراء70)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلاَّ بِالتَّقْوَى" (رواه أحمد)، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

لقد جاء الإسلام بأنبل القيم وأفضل السمات، وأحسن الخلق وأجمل الصفات، فهو دين في جوهره ورسالته، وأحكامه وتشريعاته، وجملته وتفصيله؛ يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يشتت، يقوي ولا يضعف، يبنى ولا يهدم، دين الإنسانية دين يحترم الإنسان وآدميته بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات13)، وقال سبحانه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الاسراء70)  ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم) "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلاَّ بِالتَّقْوَى"(رواه أحمد) ولما مَرَّتْ جِنَازَةٌ بالنبي (صلى الله عليه وسلم) قَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا". وها هي السيدة خديجة (رضي الله عنها) تعدد شيئا من جوانب الانسانية في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم)، إذ تقول: " إِنَّكَ لِتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحَمِلُ الكَلَّ، وتُعِينُ عَلَى نَوائِبِ الدَّهْرِ". واما أعظم إنسانيته صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو بِهَا، وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الآخِرَةِ" (متفق عليه)

- ومن مظاهر الإنسانية في الحضارة الإسلامية: أن دعانا الإسلام إلى حسن القول والفعل مع الناس جميعا، إذ يقول الله (جل وعلا) (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة83) ويقول سبحانه (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة8)

- وجعل أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم).

- وعظّم أجر كل ما كان فيه نفع للناس ولو قل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ" (رواه البخاري)

- وعد الاعتداء على أية نفس اعتداء على الإنسانية كلها، كما عد تقديم الخير لنفس كتقديم الخير للبشرية كلها، قال تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ) (المائدة32)

- وجعل أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا مع الناس فقال صلى الله عليه وسلم "أَكْمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَاناً أَحسَنُهُم خُلُقاً" (رواه أبو داود) كما جعل أفضل الإسلام، بل وتمامه، أن يسلم الناس من يد العبد ولسانه، فعن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعاصِ (رضي الله عنه) إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"(رواه أحمد)

- ومن مظاهر إنسانية الحضارة الإسلامية إقرارها لمبدأ حرية الاعتقاد؛ قال تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ )( البقرة 256) وقد جاء في أسباب النزول للواحدي: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ تَكُونُ مِقْلَاةً فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ فَلَمَّا أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا: لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ )الْآيَةَ . فالإسلام يعترف بأحقية الاعتقاد من غير إكراه أو إجبار، قال تعالى (ولَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ )(يونس 99).

- الرحمة بالضعفاء وأصحاب الهمم ومعرفة قدر كبار السن والتأدب معهم؛ فقد قال النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):"هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ" (رواه البخاري) ويقول أيضا: "إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ"(رواه أبو داود) فهو منهج الأنبياء، وخلق الأصفياء من الناس، فهذا سيدنا موسى (عليه السلام)، يقول جل وعلا حكاية عنه (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) فكيف كانت الإنسانية والمروءة أمام حاجة بدت من ضعيفين: المرأة والشيخ الكبير؟ قال تعالى (فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص23) وهذا نبينا (صلى الله عليه وسلم)، فعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: "يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ" فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا" (رواه مسلم)

ومن هؤلاء الضعفاء أيضا الأرامل واليتامى، فلقد دعانا الإسلام إلى رعايتهم، عن أبي هُريرة (رضي الله عنه) قال: قَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وأحسِبُه قال: - كَالقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ" (متّفقٌ عليه) وعنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ"، وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ يَعْنِي: السَّبَّابَةَ وَالوُسْطَى.

- ومنها: مراعاة مشاعر الناس، فلم يقف الإسلام عند النهي عن كل ما يؤذى الناس في المال أو العرض، بل امتد الأمر فنهى عن كل ما يؤذي المشاعر ويذهب بمعاني الاحترام: كالاحتقار أو التصغير أو السخرية أو الغمز واللمز، وأنزل في ذلك قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات11-12) ومنه أيضا: قوله صلى الله عليه وسلم لرجلٌ جاء يتخطّى رقابَ النّاس يومَ الجمعة والنبيّ يخطب: "اجلِس فقد آذيت" (رواه أبو داود والنسائي) ومنه أيضا ما جاء عن ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مِمَّ تَضْحَكُونَ؟" قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ" (رواه أحمد) وتدبر قوله صلى الله عليه وسلم "إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً، فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ " (رواه مسلم)

ومنها: الإنسانية في التعامل مع النساء: أما وأختا وزوجة وبنتا، فقد قال صلى الله عليه وسلم "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا".

ومنها: الإنسانية في التعامل مع الأطفال: فلقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يحب الأطفال ويداعبهم ويسلم عليهم ويقبلهم ويضاحكهم؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). وعنه أيضا: أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ" (رواه مسلم)، وعنه أيضا، قال:" كانَ رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ) أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكانَ لي أَخٌ يُقَالُ له: أَبُو عُمَيْرٍ، قالَ: أَحْسِبُهُ، قالَ: كانَ فَطِيمًا، قالَ: فَكانَ إذَا جَاءَ رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ) فَرَآهُ، قالَ: أَبَا عُمَيْرٍ ما فَعَلَ النُّغَيْرُ(طائر صغير كالعصفور) قالَ: فَكانَ يَلْعَبُ بهِ". (رواه مسلم).

- ولم تقف هذه المظاهر الإنسانية في الحضارة الإسلامية عند حدود البشر، بل امتدت لتشمل الحيوان؛ فلقد دخل النبي (صلى الله عليه وسلم) بُسْتَانًا لِرَجُلٍ من الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ: "مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟"، فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: "أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؟، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ" (رواه أبو داود) وعَنْ عَبْدِ اللَّه بن مسعود، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا" (رواه أبو داود) ولما مَرَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ قَالَ: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً" (رواه أبوداود وابن خزيمة)، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ " (رواه البخاري )

- ولم تقف جوانب الإنسانية عند كل ما فيه روح، بل طال الأمر كل خلق الله فتراه صلى الله عليه وسلم يتعاطف مع جبل أُحُد، الصخر الأصم، ولا يريد أن ينفر منه أحد لما حدث عنده للمسلمين في غزوة أحد، فيقول صلى الله عليه وسلم: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ" (رواه البخاري). ولمّا اتخذ منبرا، وترك الجذع الذي كان يخطب إليه ويتكأ عليه، حنّ الجذع إليه، فأنظر ماذا كان منه صلى الله عليه وسلم اذ يقول أنس بن مالك (رضي الله عنه) أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَحَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى أَتَاهُ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ، لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " (رواه أحمد).

إن الإسلام يدعونا في كل قول وفعل إلى التحلي بالقيم السامية النبيلة، إلى تحقيق معاني الانسانية؛ فما أحوجنا أن نعيش بالقلب والجوارح، هذه القيم النبيلة طاعة لله (عز وجل) واقتداء بالنبي (صلى الله عليه وسلم)، واستقامة لحياتنا ودنيانا، وفوزا في آخرتنا.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت
 
واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت
 
واحفظ مصر من كل مكروه وسوء.

=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
ماجستير في الدراسات الإسلامية

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----        اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----         اضغط هنا 


لتحميــل الخطبة  word   جوجل درايف    -----        اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word جوجل درايف (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf    جوجل درايف     ----         اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent