خطبة بعنــــوان:
حــق
الرحـــم
للشيخ /
محمد حســــن داود
(21 أبريل 2023م)
العناصـــــر : مقدمة.
- مكانة صلة الرحم، ودعوة القرآن والسنة إليها.
- حق الرحم، وفضل القيام به.
- التحذير من قطع الأرحام وعواقب قطعها.
- صل رحمك وإن قطعوك فليس الواصل بالمكافئ.
الموضــــــوع:
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ
وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ
السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا
فَخُورًا) (النساء36)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" (رواه البخاري)، اللهم صل وسلم
وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن الناظر في الشريعة الإسلامية يرى أنها
في تشريعاتها ووصايها دائما تهدف إلى بناء مجتمع متماسك مترابط متراحم تسوده المحبة
والألفة وتقديم الخير، ومن ذلك كان من أعظم الحقوق التي أوصى بها الكتاب والسنة:
"حق الرحم"؛ فقال
تعالى (وَاعْبُدُوا
اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ
وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ
بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) (النساء36)، حيث قرن الله (عز وجل) الدعوة إلى
الصلة بالدعوة إلى عبادته ووحدانيته، ولقد سأل رجل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن عمل
يدخله الجنة (كما في صحيح البخاري) فقال "تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا،
وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ " .
إن لصلة الرحم مكانة عظيمة، ودرجة
رفيعة؛ فهي من حسن الأخلاق وركائز الفضائل وأبواب الخيرات، يحبها الله (عز وجل) فعَنْ رَجُلٍ مِنْ
خَثْعَمَ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ
فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ: قُلْتُ: أَنْتَ الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ
اللَّهِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ، قَالَ : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ
الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ: " إِيمَانٌ بِاللَّهِ"، قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ مَهْ ؟ قَالَ: " ثُمَّ صِلَةُ الرَّحِمِ"
(رواه أبو يعلى) كما أنها دليل على الإيمان، فقد قال رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ): "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ
رَحِمَهُ" (رواه البخاري) كذلك هي من خصال الخير، وأبواب البر، وصفات الصادقين
المتقين، قال تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ
وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ
وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي
الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ
هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة 177) وقال جل وعلا (فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ
وَابْنَ السَّبِيلِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَٰئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الروم 38) بل لمكانتها ودرجتها وفضلها، كانت في مقدمة ما نادي
به المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ودعا إليه، فمما
قاله سيدنا جعفر بن أبى طالب للنجاشي لما سأله عن دعوة النبي (صلى الله عليه وسلم):
" أَمَرَ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ
الْجِوَارِ " ولما سأل هرقل أبا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ عن دعوة الرسول (صلى الله
عليه وسلم) قال "... وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ
وَالصِّلَةِ" ولما هاجر النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة كان من أول ما
أوصى به صلة الأرحام، فعن عبد الله بن سلامٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ (صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْمَدِينَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ
: قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ
اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، ثَلَاثًا، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ
فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ, عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ،
فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ, أَنْ قَالَ: "يَا أَيُّهَا
النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا
بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ " (رواه ابن
ماجه) كما أنها شاهدة يوم القيامة بما كان من العبد في حقها؛ فقد قال صلى الله
عليه وسلم: "وَإِنَّ كُلَّ رَحِمٍ آتِيَةٌ أَمَامَ صَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
تَشْهَدُ لَهُ بِصِلَةٍ إِنْ كَانَ وَصَلَهَا، وَفِي قَطِيعَةٍ إِنْ كَانَ قَطَعَهَا".
إن الإنسان واجب عليه فعل الخيرات ولا
شك أن رحمه هم من أولى الناس بالرعاية ومن أحقهم بالعناية ومن أجدرهم بالإكرام وقضاء
الحاجات؛ فتكون صلتهم بالسلام، ولين الكلام، والتزاور، والمشاركة في الأفراح،
والمواساة في الأحزان، وتوقير الكبير، والرحمة بالصغير والضعيف، والتناصح، وبذل المال،
وطلاقة الوجه، والدعاء، وفي معنى جامع ( تكون بتقديم كل ما أمكن من الخير، ودفع ما
أمكن من الضر) فللصدقة على المسكين أجر، وعلى ذي الرحم أعظم أجرا وفضلا، فقد قال تعالى:
(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ
وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا
مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة215)، وعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:
"إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَإِنَّهَا عَلَى ذِي الرَّحِمِ
اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ" (مستدرك الحاكم).
ومن ثم فإن لصلة الرحم فضائل عظيمة وفوائد
جليلة، منها عظم أجر الصدقة (كما تقدم)، ومنها :
- السعة في الرزق والبركة في العمر: فعن
انس بن مالك، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ
"مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ
فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" (رواه مسلم) وعَنْ عَائِشَةَ (رضي الله عنها) أَنّ النَّبِيَّ
(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ لَهَا: "إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ
مِنَ الرِّفْقِ، فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَصِلَةُ
الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ
فِي الْأَعْمَارِ" (رواه أحمد).
- تكفير السيئات: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا
أَتَى النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ :يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٌ؟ قَالَ: "هَلْ لَكَ
مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ: لَا ، قَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ،
قَالَ : فَبِرَّهَا" (رواه الترمذي).
- دفع نوائب الدهر: فلما عاد النبي (صلى
الله عليه وسلم) من غار حراء إلى بيته يرجف، بعدما نزل عليه الوحي، قالت له السيدة
خديجة (رضي الله عنها): "كَلا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ
لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ،
وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ".
- صلة الرحم تدفع ميتة السوء: فقد قال صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُوَسَّعَ
لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُدْفَعَ عَنْهُ مِيتَةُ السُّوءِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَلْيَصِلْ
رَحِمَهُ " (رواه احمد).
- من وصل رحمه وصله الله: فعن عبد الرحمن
بن عوف قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ
: قَالَ اللَّهُ : " أَنَا اللَّهُ، وَأَنَا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ
، وَشَقَقْتُ لَهَا مِنَ اسْمِي ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا
بَتَتُّهُ" (رواه الترمذي).
- باب لدخول الجنة فقد قال تعالى: (الَّذِينَ
يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا
أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ
*وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا
مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ
أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ
مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ
بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ
فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد20-24) وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: جَاءَ
رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى
عَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْنِينِي مِنَ الْجَنَّةِ ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ:
" تَعْبُدُ اللَّهَ، لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي
الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ "، فَلَمَّا أَدْبَرَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : " إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ " (رواه مسلم).
- نبذ الكراهية وتوطيد العلاقات ونشر المحبة
والألفة: فبصلة الأرحام، تنشرح الصدور وتقوى المودة، وتزيد المحبة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "تَعَلَّمُوا مِنْ
أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ
فِي الْأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ" (رواه الترمذي)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ: "مَنِ اتَّقَى رَبَّهُ، وَوَصَلَ رَحِمَهُ، نُسِّئَ
فِي أَجَلِهِ، وَثَرَى مَالُهُ، وَأَحَبَّهُ أَهْلُهُ " (الأدب المفرد للبخاري)
- وكما أن لصلة الرحم فضائل وفوائد، فان
لقطعها عواقب وآثار وخيمة: قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا
فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ
فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) (محمد22-23) وقال سبحانه (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ
عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ
يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون) (البقرة27). وعنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
قَالَ : "إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ
فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ " (رواه أحمد).
- من قطع رحمه قطعه الله: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ
الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ: الرَّحِمُ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ
بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ قَالَ : نَعَمْ ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ
وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ ، قَالَتْ : بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ فَهُوَ لَكِ ، قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)
(سورة محمد آية 22) " (رواه البخاري).
- قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا
مع ما يدخر له في الآخرة، فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ
تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ
مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ" (رواه الترمذي وأبو داود).
عَنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ؛
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ) يَقُولُ:
"إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ،
ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، ثُمَّ يوصيكم بالأقرب فالأقرب" وفي هذا درس عظيم
لا ينبغي لنا أن نتجاهله، بل وجب علينا أن نؤكد عليه وهو أن الواصل ليس من يعامل رحمه
بالمثل، ليس بالمكافئ إن أحسن رحمه أحسن إليهم وان أساءوا أساء، إذ يقول النبي (صلى
الله عليه وسلم) "لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي
إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا" (رواه البخاري) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ
رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي
وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ
فَقَالَ "لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا
يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ"(رواه
مسلم) ومن ثم فصلة الأرحام من أعظم القربات إلى الله وأجلها، وقطيعتها من أعظم الذنوب
وأخطرها، فصلوا أرحامكم قدر استطاعتكم، فعَنْ سُوَيْدِ بْنِ عَامِرٍ، أَنّ رَسُولَ
اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : " بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ
وَلَوْ بِالسَّلامِ " (رواه البيهقى).
فاللهم اكتبنا من عبادك البارين
بآبائهم الواصلين لأرحامهم
واحفظ مصر من كل مكروه وسوء
=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ---- اضغط هنا