خطبة بعنــوان: فضائل الاستغفار
للشيخ/
محمد حســن داود
(26 ذو الحجة 1444هـ - 14 يوليو 2023م)
العناصـــــر : مقدمة.
- مكانة الاستغفار ودعوة القرآن والسنة إليه.
- الاستغفار في حياة الأنبياء والصحابة والسلف الصالح.
- فضائل الاستغفار وأثره على العبد.
- دعوة إلى الإكثار من الاستغفار.
الموضـوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في
كتابه العزيز: (لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون) (النمل 46)،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا
ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ،
تُوبُوا إِلَى اللهِ، وَاسْتَغْفِرُوهُ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ، وَأَسْتَغْفِرُهُ
فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ "(رواه
أحمد والنسائي)، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين، وبعد
---------
فإن الله (سبحانه وتعالى) لطيف بعباده،
فتح لهم باب العفو والمغفرة، وأمرهم أن يلجئوا إلى ساحات كرمه، وخزائن فضله
بالاستغفار، فهو سبحانه رحيمٌ بمن رجاه، قريبٌ ممن دعاه، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط
يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ومن ثم فإن من أعظم الطاعات وأنفع القربات " الاستغفار".
فمن عظيم أمره أن دعا إليه القرآن والسنة النبوية في غير
موضع، فقد قال تعالى: (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة
199) وقال تعالى: ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ) (هود
3) ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى
اللهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ".
ومن عظيم أمره أن حث عليه القرآن الكريم ختاما للحج، قال تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ
وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ) (البقرة 199) ومدح
أهل الليل المتهجدين به، فقال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ *
كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)( الذاريات
15-18)
كما أن من هدي النبي (صلى الله عليه
وسلم) إذا فرغ من صلاته الاستغفار؛ فعن ثَوْبَان
(رضي الله عنه)، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، إِذَا انْصَرَفَ
مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ: "اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ
السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ" (رواه مسلم)، كذلك ختم
مجالسه بالاستغفار؛ فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، يَقُولُ: بِأَخَرَةٍ إِذَا
أَرَادَ أَنْ يَقُومَ مِنَ الْمَجْلِسِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ،
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ"
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلًا مَا كُنْتَ تَقُولُهُ
فِيمَا مَضَى، فَقَالَ: "كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ"
(رواه أبو داود).
كذلك من عظيم أمره أنه كان جانبا من
أحوال الأنبياء، ومن دعوتهم: فقد قال الله (عز وجل) حكاية عن الأبوين
(عليهما السلام): ( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا
وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (الأعراف 23)، وقال حكاية عن نوح
(عليه السلام): (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا )
(نوح 28)، وقال حكاية عن نبيه إبراهيم (عليه السلام): (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ
لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (الشعراء 82)، وقال
حكاية عن نبيه داود (عليه السلام): (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)
(ص 24)، وحكاية عن نبيه سليمان (عليه السلام): (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي
مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (ص 35)، وقال
حكاية عن نبيه موسى (عليه السلام): (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ
لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (القصص 16)، وحكاية عن هود
(عليه السلام): (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ
السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ
مُجْرِمِينَ) (هود 52)، وعن صالح (عليه السلام): (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا
اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ
فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ)
(هود 61)، وعن شعيب (عليه السلام): (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ
إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) (هود 90)، ويقول مخاطبا نبيه سيدنا محمدا (صلى الله
عليه وسلم): (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ
لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) (محمد 19) وأيضا (فَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) (النصر 3) وأيضا (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ
وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ
) (غافر 55)، وتدبر كيف حال النبي (صلى الله عليه وسلم) مع الاستغفار، إذ
يقول: "وَاللَّهِ
إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ
مَرَّةً"
وعلى هذا كان الصحابة والسلف الصالح
فعن عكرمة قال: قال أبو هريرة (رضي الله عنه): "إني لأستغفرُ الله (عزَّ وجلّ)
وأتوبُ إليه كلَّ يوم اثني عشرَ ألفَ مرَّةٍ، وذلك على قدرِ ديَّتِي". ويقول قتادة (رحمه الله) : "إن هذا القرآن
يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم: فالذنوب، وأما دواؤكم: فالاستغفار". وعن الحسن
البصري قال: "أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وفي أسواقكم،
وفي مجالسكم، أينما كنتم فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة". ولقد استأجر رحمه
الله يومًا حمَّالًا؛ ليحمل متاعَه من السوق إلى البيت، فكان يسمعه طوال الطريق يُردِّد
كلمتين لا يزيد عليهما: (الحمدُ للهِ، أستغفرُ اللهَ) فلمَّا وصل إلى بيته وأعطاه أجره
سأله عن ذلك؟ فأجاب: أنا في حياتي كُلِّها مع الله بين أمرين: نعمة لله عليَّ تستحق
مني (الحمد)، وتقصير في حقِّ الربِّ يستحقُّ (الاستغفار)، فضرب الحسن كفًّا بكفٍّ،
وقال: حمَّالٌ أفقهُ منك يا حسن!.
كما كانوا يطلبون ممن يتوسمون فيه الصلاح
أن يستغفر لهم؛ أما سمعت قول إخوة يوسف (عليه السلام) لأبيهم يعقوب (عليه السلام):
(يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) (يوسف 97) فعَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا
أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟
حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ،
قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ
فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، يَقُولُ:
"يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ،
مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ
دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ،
فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ" فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ
لَهُ. (رواه مسلم).
- إن للاستغفار فضل كبير، وأجر عظيم، ومن
ذلك: أنه من أعظم أسباب مغفرة الذنوب والخطايا والسيئات؛ فبه تُكفَّر السيئات وتُحَطُّ
الخطيئات، وتُغفَر الزلَّات؛ كما قال الله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ
نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ) (النساء
110)، وفي الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ،
وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ "
(رواه مسلم).
فمهما بلغ العبد من الآثام فلا يعظم ذلك
مع مغفرة الله (عز وجل)؛ فعن أَنَس بْن مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: "قَالَ اللَّهُ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى):
يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ
فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ
ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ
أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا
لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً " (رواه الترمذي)، وفي الحديث الصحيح:
" مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ
الْقَيُّومَ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ"
(رواه أبو داود)، وفي
الحديث أيضا: " إِنَّ
الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ، لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ
أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ، قَالَ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَزَالُ
أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي ".
- أنه من أعظم أسباب نزول الخيرات والبركات
والرحمات؛ فبالاستغفار تكون الحياة الطيبة والمتاع الحسن؛ كما قال تعالى: ( وَأَنِ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى
أَجَلٍ مُسَمًّى ) (هود 3).
- وبالاستغفار تُفرَّج الهموم والكُرُبات؛
كما في الحديث: "مَن لَزِمَ الاستغفارَ جعل اللهُ له من كل ضِيقٍ مخرجًا، ومِن
كُلِّ هَمٍّ فرَجًا، ورزَقَه من حيثُ لا يحتَسِبُ". وقد ذكر الإمام القرطبي: أن
رجلًا شكا إلى الحسن البصري الجدب فقال له: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر، فقال
له: استغفر الله، وقال له آخر: ادْعُ الله أن يرزقني ولدًا، فقال له: استغفر الله،
وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله، فلما سُئِل عن ذلك؟ قال: إن الله
(عز وجل) يقول في سورة نوح: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا
* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا).
- من أعظم أسباب الأمن والنجاة من
العذاب: قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا
كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ (الأنفال 33)، وروى الترمذي
عن أبي موسى الأشعري أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):
" أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ أَمَانَيْنِ لِأُمَّتِي (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ
وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)
(الأنفال: 33) فَإِذَا مَضَيْتُ تَرَكْتُ فِيهِمُ الِاسْتِغْفَارَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ"،
وقال ابن عباس (رضي الله عنهما): كان فيهم أمانان: النبي (صلى
الله عليه وسلم)، والاستغفار، فذهب النبي (صلى الله عليه وسلم) وبقي الاستغفار" حتى عند الموت وحينما يُوضَع العبد في
قبره؛ ينتفع الميت باستغفار الناس له؛ كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "استغفِرُوا
لأخيكم؛ فإنَّه الآنَ يُسألُ" وعند تطايُر الصحف إذ بالمستغفرين في سعادة وحبور،
وفرح وسرور؛ لما وجدوا من كثرة الاستغفار في صحائفهم؛ ففي سنن ابن ماجه، أن النبي (صلى
الله عليه وسلم) قال: "طُوبى لِمَنْ وَجَد في صحيفته استغفارًا كثيرًا"،
وفي رواية: "مَنْ أحَبَّ أن تسرَّه صحيفتُه فَلْيُكْثِر من الاستغفار".
فالاستغفار من أسباب دخول الجنة؛ كما قال
تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا
اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ
وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ
مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (آل عمران: 135-136)؛ وعنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عن
النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) قالَ: " سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ:
اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ،
وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ،
أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ
لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ " قَالَ: "وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ
مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ،
وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ،
فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ" (رواه البخاري).
بل ويصل أثره وفضله حتى في الجنة؛ ففي الحديث
"إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟
فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ" (رواه ابن ماجه).
لا شك أن كلنا نال ذنب وتقصير، ولا يغفر
الذنب إلا الرحمن العفو القدير، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
(صلى الله عليه وسلم) "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا
لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ
لَهُمْ"(رواه مسلم)، وقد جاء أن إبراهيم بن أدهم دعا في طوافِه: اللهُمّ اعصمنِي
مِن المعاصِي حتى لا أعصيكَ أبدًا، فقِيلَ له في المنامِ: أنت تسألُنِي العصمةَ، وكلُّ
عبادِي يسألُونِي العصمةَ، فإذا عصمتُكُم مِن الذنوبِ فعلَى مَن أتفضلُ ولمَن أغفرُ؟.
فما أحوجنا إلى أن نزن أنفسنا، وأن نقيس
ما معنا من خير، فنحمد الله عليه، ونطلب الزيادة فيه، وما معنا من سوء وذنب، فنتخفف
منه بالإقلاع عنه والتوبة، وكثرة الاستغفار لله (عز وجل)، فإن الإنسان إذا غفل عن الاستغفار
أغرقته الخطايا والذنوب، فاذكروا الله كثيرا، واستغفروه كثيرا، فقد قال جل وعلا: (لَوْلا
تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون) (النمل 46).
اللهم أعنا
على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واحفظ مصر من كل مكروه وسوء
=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ---- اضغط هنا