خطبة بعنــــوان:
حال النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) مع ربه
للشيخ / محمد حســــن داود
(23 صفر 1445هـ - 8 سبتمبر 2023م)
العناصــــــر: مقدمة
- نماذج وصور من حال النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) مع ربه.
- الاقتداء بالنبي (صلى اللهُ عليه وسلم) وأثره.
الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز:
(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) (الحجر
99)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا
محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "أَمَا
وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ" (رواه البخاري)، اللهم صل
وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن جوانب حياة النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) كلها مشرقة عظيمة،
ومن هذه الجوانب: حاله صلى اللهُ عليه وسلم مع ربه (عز وجل):
- فالنبي (صلى اللهُ
عليه وسلم) أكثر الناس خشية لله (سبحانه وتعالى)، وأعظمهم تقوى: إذ يقول: "أَمَا
وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ"(رواه البخاري)،
ومن ذلك لما سأل عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنهما):
"أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ
لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي، قَالَ: يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ
اللَّيْلَةَ لِرَبِّي قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَأُحِبُّ مَا
سَرَّكَ، قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ
يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي
حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى
بَلَّ الْأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَآهُ
يَبْكِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا
تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟، قَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا، لَقَدْ
نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ
فِيهَا: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ
وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ
هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار)"(ابن حبان).
- ولا شك أن الخوفَ
مِن اللهِ (عز وجل) حال الأنبياءِ والمرسلين، ومنهم النبي (صلى اللهُ عليه وسلم)، فقد قال تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ
وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الأنبياء 90).
- فلقد كان (صلى اللهُ عليه وسلم)
أحرص الناس على الصلاة، فقد قال في الحديث
الشريف:" وَجُعِلَتْ قُرَّةُ
عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ" (رواه أحمد).
فهي أول ما
يسأل عنه العبد، كما قال صلى اللهُ عليه وسلم: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ
النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلَاةُ" (رواه أبو
داود)
- كما كان صلى
اللهُ عليه وسلم أحرص الناس على قيام الليل: فعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)
قالت: كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُصَلِّي مِنَ
اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْهَا الوِتْرُ، وَرَكْعَتَا الفَجْرِ"
(رواه البخاري) فلقد قام النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) حتى تفطرت قدماه؛ فعَنْ
عَائِشَةَ (رضي الله عنها)؛ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ
عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ
مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: "أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ
أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا" (رواه البخاري) لم يتركه قط، حتى في مرضه، فقد قَالَتْ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "لَا تَدَعْ قِيَامَ اللَّيْلِ فَإِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ لَا يَدَعُهُ، وَكَانَ إِذَا
مَرِضَ، أَوْ كَسِلَ، صَلَّى قَاعِدًا" (رواه أبو داود).
ففضل قيام
الليل عظيم؛ قال فيه صلى اللهُ عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ
فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ،
وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ"(رواه الترمذي)، ويقول:
"أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ فِي
جَوْفِ اللَّيْل" (رواه أبو داود).
- يكثر من
الصيام، إذ تقول أم المؤمنين
عائشة (رضي الله عنها): "كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ،
وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ، وَمَا صَامَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) شَهْرًا كَامِلًا مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إِلَّا
رَمَضَانَ" (رواه مسلم)، حتي في السفر؛ فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ (رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ
يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا
كَانَ مِنَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم)، وَابْنِ رَوَاحَةَ"
(رواه البخاري ومسلم)، إذ يحب أن يعرض عمله وهو صائم؛ فقد قال: "تُعْرَضُ
الأَعْمَالُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي؛
وَأَنَا صَائِمٌ" (الترمذي).
فما صام عبد
يوما إلا وباعد الله به وجهه عن النار، إذ
يقول صلى اللهُ عليه وسلم "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ
اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا" (رواه البخاري ومسلم).
- كان مبادرا
بالخير: فعَنْ عُقْبَةَ
بن الحارث، قَالَ : صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى
رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ
سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقَالَ:
"ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي
فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ" (البخاري).
فللمبادرة
والمسارعة بالخير فضل كبير، قال تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن
رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ
لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن
يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد 21) وقال سبحانه:
(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)(البقرة 148)، قال السَّعْدِي: "فَمَنْ سَبَقَ
في الدُّنْيا إلى الخيرات فَهُوُ السابقُ في الآخرةِ إلى الجنات، فالسابقون أعلى
الْخَلْقِ دَرَجَة" (تفسير السعدي) وفي قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ
السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (الواقعة:
10 – 12) يقول السعدي أيضا: السابقون إلى الخيرات في الدنيا هم السابقون إلى
الدرجات في الآخرة"(تفسير السعدي) .
- كثير قراءة
القرآن الكريم: حتى كان يقرأه وهو يسير على دابَّته، فعن عبد الله بْن مُغَفَّلٍ (رضي
الله عنه) أنه قال: "رَأَيْتُ النبيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
يَقْرَأُ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ أَوْ جَمَلِهِ، وَهِيَ تَسِيرُ بِهِ، وَهُوَ
يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ - أَوْ مِنْ سُورَةِ الفَتْحِ- "(رواه البخاري).
يتدبر معانيه: فعَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) كَانَ إِذَا مَرَّ بِآيَةِ خَوْفٍ تَعَوَّذَ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ
رَحْمَةٍ سَأَلَ" (رواه أحمد). يحب أن يسمعه من غيره: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):
"اقْرَأْ عَلَيَّ القُرْآنَ"، قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ
أُنْزِلَ، قَالَ: "إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي" (رواه
البخاري ومسلم).
فمن قرأ حرفا
من كتاب الله كان له به أجر، كما قال صلى اللهُ عليه وسلم: "مَنْ قَرَأَ
حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ
أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ
وَمِيمٌ حَرْفٌ" (رواه الترمذي).
- كثير
الاستغفار والتوبة: فعن أَبي هُرَيْرَةَ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: "وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً" (رواه
البخاري)، وفي صحيح مسلم: "وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ
مِائَةَ مَرَّةٍ"، وفيه أيضا: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى
اللهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ، فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ، مَرَّةٍ".
فالاستغفار
باب الخيرات، إذ يقول عز وجل: ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ
غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ
وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)(نوح 10 –
12).
- كثير ذكر
الله (عز وجل) فعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): "كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ" (رواه
البخاري ومسلم)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا
طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ" (رواه مسلم)، ويقول صلى اللهُ عليه وسلم: "لأَنْ
أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ (تَعَالَى) مِنْ صَلَاةِ الغَدَاةِ
حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ
وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ
صَلَاةِ العَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ
أُعْتِقَ أَرْبَعَةً" ( رواه أبو داود).
ففي الحديث
النبوي الشريف: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ
رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ" (رواه البخاري).
- كثير الدعاء
في كل أحواله: فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ (صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (رواه
البخاري ومسلم)، وعَنْ أَنَسٍ أيضا: قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ
ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا
بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِنَّ
القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ
يَشَاءُ" (رواه الترمذي)، ولما سئلت أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): مَا
كَانَ أَكْثَرُ مَا يَدْعُو بِهِ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) قَبْلَ مَوْتِهِ، قَالَتْ: "كَانَ أَكْثَرُ مَا كَانَ يَدْعُو
بِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ، وَمِنْ شَرِّ مَا
لَمْ أَعْمَلْ " (رواه النسائي).
فقد قال
تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ
يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) (غافر 60).
- يداوم على
صالح العمل: إذْ تقولُ عائشةُ (رضي الله عنها): "كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ (صلى
اللهُ عليه وسلم) إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا"
(رواه مسلم) وعَنْ عَلْقَمَةَ، قُلْتُ لِعَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا): هَلْ
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، يَخْتَصُّ مِنَ
الأَيَّامِ شَيْئًا؟ قَالَتْ: "لاَ، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً" (رواه
البخاري ومسلم)، وعنها رضي الله عنها، قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ" (رواه مسلم).
فقد قال تعالى:
(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر 99)، وعَنْ عَائِشَةَ،
أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ
أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: "أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ" (رواه مسلم).
- يحسن الظن بالله (عز وجل): إذ يقول صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ (جَلَّ وَعَلا) يَقُولُ: أَنَا
عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا
فَلَهُ" (رواه ابن حبان)، ويتجلى حسن ظنه صلى اللهُ عليه وسلم بالله (عز وجل)
في مواضع كثيرة، لعل منها ما كان في الهجرة، فعندما سكن النبي (صلى اللهُ عليه
وسلم) وصاحبه الغار، وجَدَّ المشركون في طلبهما، وتعقّبوا كل مكان يمكن أن يختبئا
فيه، ووصلوا إلى باب الغار، اشتد الأمر على أبي بكر، فعاجله النبي (صلى اللهُ عليه
وسلم) بأن عناية الله تحوطهما، قال تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ
الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي
الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ
اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ
كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا)
(التوبة40)، وفي هذا يقول أبو بكر الصديق (رضي الله عنه): نَظَرْتُ إِلَى
أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ
قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ
ثَالِثُهُمَا" (رواه مسلم)، ومن ثم فقد أوصانا النبي (صلى اللهُ عليه وسلم)
أنه لا ينبغي للمؤمن إلا أن يحسن الظن بالله (عز وجل) " لَا يَمُوتَنَّ
أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ" (رواه مسلم).
- كان صابرا
على الابتلاء راضيا بقضاء الله (عز وجل): فلما سئل: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ
بَلَاءً؟ قَالَ: "الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَل" (رواه
الترمذي)، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا؟ قَالَ: "أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا
يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ" قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ قَالَ: "أَجَلْ،
ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا،
إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا"
(رواه البخاري)، وحينما رأى ولده إبراهيم يجود بنفسه، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ
اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
فَقَالَ: "يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ"، ثُمَّ أَتْبَعَهَا
بِأُخْرَى، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ العَيْنَ
تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا،
وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ" (رواه البخاري). فهو
صلى اللهُ عليه وسلم القائل: "إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ،
وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ
الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ" (رواه الترمذي).
فما أحوجنا
إلى أن نعيش بالقلب والجوارح حال النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) مع ربه فنأخذ من
مشكاته، ونقتدي به في سيرته وسريرته، حتى تستقيم دنيانا وآخرتنا، فقد قال تعالى: (لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب 21)
فاللهم ارزقنا شفاعته ومرافقته في الجنة
واحفظ مصر من كل مكروه وسوء.
=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ---- اضغط هنا