recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـوان: الحقوق المتعلقة بالمال - للشيخ / محمد حســـــــن داود (23 ذو القعدة 1445هـ - 31 مايو 2024م)

 

خطبة بعنـوان:
 الحقوق المتعلقة بالمال
للشيخ / محمد حســـــــن داود
(23 ذو القعدة 1445هـ -  31 مايو 2024م)



العناصــــــر:      مقدمة :
- مكانة الإنفاق ودعوة الإسلام إليه.
الحقوق المتعلقة بالمال وأهميتها.
- فضل الصدقات والزكوات وعواقب البخل.

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُون) (البقرة 272)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"(متفق عليه)، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فلقد شرع الله لعباده من الطاعات ما يقربهم إليه، ويوصلهم إلى مرضاته، ويكون سبباً في دخولهم الجنة والنجاة من النار، وكان من ذلك فعل الخيرات، والإنفاق في وجوه الخير وصنوفه؛ تزكية للنفوس وتطهيرا لها، وتماما لمكارم الأخلاق، وفلاحا في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج 77)، وقال سبحانه: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) (الحديد 7)، ويقول النبي: (صلى  الله عليه وسلم): "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ". حيث مدح القرآن أهل العطاء بعطائهم، قال تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا )(الإنسان: 5-9).

فالإنفاق دليل على الإيمان كما بين ذلك النبي (صلى الله عليه وسلمَ) إذ يقول: "والصَّلاة نور، والصَّدقة بُرهان، والصَّبر ضياءٌ". وبه يصل العبد إلى حقيقة البر، فقد قال تعالى: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ )(آل عمران 92). وهو من أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله (جل وعلا)؛ إذ يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ): " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ( يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ) شَهْرًا" يقول عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): " ذُكِرَ لِي أَنَّ الْأَعْمَالَ تَبَاهِي فَتَقُولُ الصَّدَقَةُ: أَنَا أَفْضَلُكُمْ".

فالمؤمن الحق يدرك تماما أن للأموال حقوقا تتعلق بها، حيث قال تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ *  لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (المعارج: 24-25).

% وأول هذه الحقوق: الزكاة؛ فقد قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة103) وفي الحديث النبوي الشريف: "أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْفهي ركن من أركان الإسلام، وفريضة من فرائضه، اجتمع ذكرها مع الصلاة في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، وهذا من عظيم شأنها والترغيب في أدائها، والترهيب من تركها أو التساهل فيها، يقول ابن عباس (رضي الله عنهما): "ثلاث آيات نزلت مقرونات بثلاث لم تقبل منها واحدة بغير قرينتها، الأولى قوله تعالى: (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ) (المائدة: 92) فمن أطاع الله ولم يطع رسوله لم يقبل منه، والثانية قوله تعالى: (وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلَوٰةَ وَاتُواْ ٱلزَّكَـوٰةَ) (النور: 56) فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه، والثالثة قوله تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) فمن شكر الله ولم يشكر والديه لم يقبل منه". قال السعدي (رحمه الله) "في تفسيره": "كثيرا ما يجمع (تعالى) بين الصلاة والزكاة في القرآن، لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود، والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود، وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه، فلا إخلاص ولا إحسان".

ولقد حدثنا القرآن الكريم والسنة النبوية عن منع الزكاة وعواقبه، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهب والفضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) (التوبة: 34- 35) وقال سبحانه: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(آل عمران: 180) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ (يَعْنِي شِدْقَيْهِ)، ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلَا : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(آل عمران180)" (رواه البخاري).

% ولم يقف حق الله (عز وجل) في المال عند هذا الحد؛ فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّ في المالِ لَحَقًّا سِوى الزَّكاةِ"، ثم قرأ قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة: 177) (رواه الترمذي)، قال الإمام العيني (رحمه الله) في عمدة القاري: "ان المؤمنين يلزمهم القربة في أموالهم لله (تعالى) عند توجه الحاجة إليهم؛ ولهذا قال كثير من العلماء: إن في المال حقًّا سوى الزكاة، وورد في الترمذي مرفوعًا".

% الأضحية: فهي باب واسع من أبواب التكافل، وطريق لتوطيد العلاقات بين الناس، وزرع المحبة والألفة في القلوب، وكما يتحقق فعلها بيد المضحي يتحقق أيضا بالوكالة من خلال صكوك الأضاحي، وكفى في فضلها قول النبي (صَلى الله عليه وسلم): "مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ، أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ ، إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا، وَأَشْعَارِهَا، وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا" (رواه الترمذي، وغيره).

إن الناظر في القرآن والسنة يدرك ما للصدقات من الفضل والأجر ، ففضائلها لا تعد وبركاتها لا تحد:

- ففيها دواء للأمراض القلبية، كما في قوله صَلى الله عليه وسلم، لمن جاء يشكو إليه قسوة قلبه: "أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ وَتُدْرِكَ حَاجَتَكَ" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "ارْحَمِ الْيَتِيمَ وَامْسَحْ بِرَأْسِهِ وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ يَلِنْ قَلْبُكَ وَتُدْرِكْ حَاجَتَكَ"، بل ودواء للأمراض البدنية كما في قوله صلى الله عليه وسلمَ: "دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ".

- فيها نماء للحسنات والدرجات: فقد قال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة245)، وقال سبحانه: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (البقرة: 261). ويقول النبي (صَلى الله عليه وسلم) "مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ" (رواه البخاري)، وعن الْبَرَاءَ بنَ عَازِبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النبيّ (صلى الله عليه وسلمَ) يَقُولُ: "مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ لَبَنٍ أَوْ وَرِقٍ، أَوْ هَدَى زُقَاقَاً كَانَ لَهُ مِثْلُ عِتْقِ رَقَبَةٍ" (رواه الترمذي)، خير عظيم وفضل عميم، لا ينبغي لإنسان أن يسمع به ثم يزهد فيه، ولا ينبغى لصاحب مال مهما قلَّ يبلغه هذا الفضل ثم يمسك ماله عن الإنفاق ،فما تنفقوا من خير يوف إليكم .

- فيها تكفير للسيئات، قال تعالى: (ِإِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة271) ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ) "والصَّدقةُ تُطْفِئُ الخطيئةَ كما يُطْفِئُ الماءُ النَّارَ".

- وكل متصدق في ظل صدقته يوم القيامة، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ" (رواه ابن حبان)، وقد ذكر النبي (صَلى الله عليه وسلم) أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "رَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ" (رواه البخاري).

- كما أنها باب إلى الجنة، إذ يقول الله (عز وجل): (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ...) (آل عمران133-134). وفي الحديث النبوي الشريف: " مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ " (رواه مسلم)

- وحصن من النار، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): " اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ " (رواه البخاري).

- كذلك بالصدقات تحفظ الأموال من الآفات والهلكات والمفاسد، وتحل فيها البركة والنماء والزيادة بما هو أنفع وأكثر وأطيب، قال تعالى: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُون) (البقرة: 272)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: " بَيْنا رَجُلٌ بفَلاةٍ مِنَ الأرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا في سَحابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فَتَنَحَّى ذلكَ السَّحابُ، فأفْرَغَ ماءَهُ في حَرَّةٍ، فإذا شَرْجَةٌ مِن تِلكَ الشِّراجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذلكَ الماءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الماءَ، فإذا رَجُلٌ قائِمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بمِسْحاتِهِ، فقالَ له: يا عَبْدَ اللهِ، ما اسْمُكَ؟ قالَ: فُلانٌ، لِلاِسْمِ الذي سَمِعَ في السَّحابَةِ، فقالَ له: يا عَبْدَ اللهِ، لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فقالَ: إنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا في السَّحابِ الَّذي هذا ماؤُهُ يقولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، لاِسْمِكَ، فَما تَصْنَعُ فيها؟ قالَ: أمَّا إذْ قُلْتَ هذا، فإنِّي أنْظُرُ إلى ما يَخْرُجُ مِنْها، فأتَصَدَّقُ بثُلُثِهِ، وآكُلُ أنا وعِيالِي ثُلُثًا، وأَرُدُّ فيها ثُلُثَهُ. (وفي رواية): وَأَجْعَلُ ثُلُثَهُ في المَساكِينِ، والسَّائِلِينَ، وابْنِ السَّبِيلِ " (رواه مسلم).

- وفي الصدقات تفريج الكربات، ودفع الشدائد، فكم من صدقة دَفعت عن صاحبها أبوابا من البلايا لا يعلمها إلا الله، وكم من صدقة فرّج الله بها عن مهموم أو مكروب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ"(رواه مسلم ). ورضي الله عن ابن عباس إذ يقول : "صاحب المعروف لا يقع فإن وقع وجد متكئاً". ولله در القائل:

من يفعل الخيرَ لا يعدم جوازيه * * * لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ

- غير ما للصدقات من أثر اجتماعي؛ ففي الزكوات والصدقات طمأنينة القلب وراحته ،فيها طهارة النفس من البخل والشح ،فيها سلامة الصدر من الكراهية والحقد، فيها تأليف القلوب، وتأنيس النفوس، وإشاعة جو من التعاطف والتراحم، فهي وسيلة ما أقواها في التكافل الاجتماعي الذي حثنا عليه الإسلام، والنبي (صلى الله عليه وسلمَ) يقول: "مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى".

ومع كل هذه الفضائل الكبرى والدرجات العظمي، إلا أن بعض الناس قد يقع في شباك الشيطان، فيزن لهم الأمور بميزان المادة، ويصور لهم أن الزكاة والصدقات والإنفاق خسارة ومغرمًا، والحق غير ذلك كما بيَّن لنا الله (سبحانه وتعالى) وبين لنا رسوله الكريم، فقد قال تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة268)، وقال تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ )( سبأ39) ويقول صلى الله عليه وسلمَ: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ" (رواه مسلم ). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "قَالَ اللهُ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى): يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ" (متفق عليه) ويقول النبي (صَلى الله عليه وسلم): "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"(متفق عليه). فطوبى لمن وفقه الله لعمل الصالحات، والتقرب إليه بالصدقات، ولله در القائل

الناس بالناس ما دام الحياء بهــم *** والسعد لا شك تارات وهبــــــــات
وأفضل الناس بين الورى رجــــل *** تُقضى على يده للناس حاجـــــات
لا تمنعن يد المعروف عن أحـــــد *** ما دمت مقتدراً فالسعد تـــــــارات
واشكر فضائل صنع الله إذ جعلت *** إليك لا لك عند الناس حاجـــــــات
قد مات قوم وما ماتت مكارمهــم *** وعاش قوم وهم في الناس أموات

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


 

 

google-playkhamsatmostaqltradent