recent
آخر المشاركات

خطبة الجمعة القادمة: (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) - للدكتـــــور/ محمـد حســــن داود (3 ربيع الأول 1446هـ - 6 سبتمبر 2024م)

خطبة بعنــــوان:
(وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)
للدكتـــــور/ محمـد حســــن داود
(3 ربيع الأنور 1446هـ -  6 سبتمبر 2024م)


العناصـــــر :   
- رعاية الإسلام للأسرة.
- ضوابط في استقرار الحياة الزوجية؛ إهمالها من أسباب وجود الشقاق والطلاق.
- العلاج من الكتاب والسنة عند الشقاق بين الزوجين.
-  مخاطر الطلاق وعواقبه.

الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، لك الحمد يا ربنا مِلْء السموات والأرض ومِلْء ما شئت من شيء بعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، نبي الرحمة ورسول السلام، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

لقد أولى الإسلام الأسرة اهتماما بالغا، حيث تكفل بتنظيم بنائها ورعاية أفرادها، وتوضيح الحقوق والواجبات التي تحافظ على استقرارها واستمرارها؛ قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21)، وقد وصف الله (عز وجل) هذه الألفة والمودة التي تحصل بين الزوجين، وما ينشأ عن هذه المشاعر الفياضة من وحدة الأرواح، وكمال الامتزاج العاطفي بـ "اللباس"، فقال سبحانه وتعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّـهُنَّ) (البقرة: 187) وإن هذا من أبلغ الوصف لحقيقة الرابطة الزوجية، فاللباس من صفته أنه يقي صاحبه المكروه من برد وحر، ويستره عن أعين الناس ...

 وما زال الإسلام يؤكد على مكانة الأسرة، ووجوب الحفاظ عليها حتى وصف عقد الزواج بالميثاق الغليظ، قال تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) (النساء:20-21)، هذا الوصف الذي وصف الله به الميثاق الذي أخذه من النبيين، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) (الأحزاب: 7)، وفى ذلك إشارة إلى قوة ومتانة هذا العقد، مما يضفي عليه هيبة، وتقديرًا واحترامًا.

وحتى تستقيم الحياة الزوجية، وتستمر؛ أكد الإسلام على أمُورٍ إنْ تسألْ عن أسباب وجود الشقاق والطلاق والفراق بين الزوجين، كان الجواب: إهمال هذه الأمور، والتي  منها:

- اختيار أركان الأسرة بما يحقق لها استقرارها ونجاحها وسعادتها، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ) " تَخَيَّروا لِنُطَفِكُم" (رواه الحاكم وغيره) ومن ذلك أن حث الإسلام، على اختيار الزوجة الصالحة، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" (رواه البخاري ومسلم)، على الجانب الآخر: حث الإسلام الزوجة ووليها على اختيار الزوج على نفس المعيار والأساس؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)" إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ" (رواه الترمذي).

- أن يصارح كل من الزوجين الآخر بصفاته وأحواله حتى يتبين كل طرف من الطرفين كيف يمكن أن يتأقلم ويتعايش مع الآخر، ومن هذا لما خطب النبي (صلى الله عليه وسلمَ) أم سلمة (رضي الله عنها)، حدثته عن سنها، وغيرتها، وأولادها. بكل وضوح تحدثت أم سلمة (رضي الله عنها)، وكذلك كان جواب النبي (صلى الله عليه وسلمَ) واضحا في دلالة على تفهمه كل ما ذكرتْ، فقَالَ لها: "‌أَنَا ‌أَكْبَرُ ‌مِنْكِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ فَيُذْهِبُهَا اللَّهُ، وَأَمَّا الْعِيَالُ فَإِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ".

- وإذا كان الزواج: فلأن اختلاف الطباع سنة في خلق الله (تعالى)، كان من أهم عوامل تحقيق معاني المودة والمحبة، واستقرار الأسرة، معرفة الزوجين طبيعة بعضهما البعض، أي أن يدرس كل منهما طباع الآخر، من أول يوم في زواجهما، وما يحب وما يكره، وما يسعده وما يحزنه... الخ؛ فعندما جاء الوحي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) في غار حراء، رجع النبي إلى السيدة خديجة (رضي الله عنها) وفؤاده يرجف وحكي لها ما حدث، فماذا قالت؟ قَالَتْ: "وَاللهِ لَنْ يُخْزِيكَ اللهُ أَبَداً، إِنَّكَ لِتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحَمِلُ الكَلَّ، وتُعِينُ عَلَى نَوائِبِ الدَّهْرِ"، فقد ذكرت رضي الله عنها صفات زوجها، وميزاته وهذا يعني أنها كانت ترقب زوجها، وتعلم طباعه جيدا، فقد عددت ما فيه من أمور لا يطلع عليها إلا من عاشر الإنسان وعرفه معرفة تامة، وتدبر قول النبي (صلى الله عليه وسلم) لأم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): "إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى"، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: "أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ"، قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَك (رواه البخاري).

ومما يدخل في معرفة كل طرف للآخر: معرفة الرجل لطبيعة المرأة وتكوينها العاطفي، إذ إنه يعتريها أمور خاصة تغير من مزاجها النفسي والعصبي، ولذا أرشد الله (عز وجل) إلى هذه الأعذار لتكون راسخة في أذهان الرجال، فرفع الله (عز وجل) عن النساء الصوم والصلاة عند المحيض والنفاس، وذلك لعلم الله (سبحانه وتعالى) بحال المرأة في هذه الأوقات، ومن باب الرحمة: خفف الله عنها برفع هذه التكاليف عنها في هذه الأوقات، فما بال بعض الأزواج يتغافلون؟.

- حسن العشرة بين الزوجين، فقد قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْـمَعْرُوفِ) (النساء: 19) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عن النبي (صَلى الله عليه وسلم)، قال" خيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى" (رواه ابن ماجه) ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ) "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا" (رواه البخاري) ويقول أيضا: "لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا" (رواه أحمد).

- أن يحفظ الزوجين ما بينهما من أسرار؛ فعَنْ أبى سعيد الخدري، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ) :إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا" وعنه أيضا أن النبي (صَلى الله عليه وسلم) قال: "إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا" (رواه مسلم).

- أن ينفق الرجل على بيته فقد قال تعالى: ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) (الطلاق: 7)، ويقول النبي (صَلى الله عليه وسلم): "كَفي بِالمرْءِ إِثْماً أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يقُوتُ" (رواه أبو داود).

- الصبر على الهفوات والتسامح والتغاضي عن الزلات؛ فمن الوارد في الحياة الزوجية حدوث الخلافات والمشادات، وأن يخرج أحد الزوجين عن هدوئه وحلمه، فعندئذ وجب على الزوج مراعاة اللحظة التي يعيشها زوجه من الضيق والغضب، وَقد رُوِيَ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ: "إِذَا رَأَيتِينِي غَضِبْتُ فَرَضِّينِي، وَإِذَا رَأَيْتُكِ غَضِبْتِ رَضَّيْتُكِ، وَإِلَّا لَمْ نَصْطَحِبْ".

 فلا بجدر بنا أن ننسى هذا المعيار المهم بين الزوجين، وهو معيار تذكر الفضل، فهو أساس في التعامل بين الزوجين قال تعالى: (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (البقرة: 237)، فليتذكر كل من الطرفين أن زوجه الذي أكرمه الله به إن كان ساءه يوما، فقد سره أياما، وإن أحزنه عاما، فقد سره أعواما، وأنه أعطى من صحته وجهده الكثير، ومن ثم فلا ينبغي أن تكون هفوة أو زلة حاملة لأحد الزوجين على الشقاق والفراق، بل تُغفر السيئة للحسنة، ويتغاضى كل منهما عما يكره لما يحب، ويُغَلِّب النظر إلى المحاسن بقلبه وعقله، وما أروع ما قاله الحافظ العراقي، في تخريجه لأحاديث "الإحياء": "واعلم أنه ليس حسنُ الخُلُقِ معها كفُّ الأذى عنها، بل احتمالُ الأذى منها، والحِلم عن طيشها وغضبها، اقتداءً برسول الله (صلى الله عليه وسلم)".

 وتدبر معي ما جاء عن النعمان بن بشير (رضي الله عنه) قال: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ وَتَنَاوَلَهَا أَتَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: فَحَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا: "أَلَا تَرَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ" قَالَ: ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا، قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا" (رواه أحمد).

فإن زاد الأمر وطال فاعلم أخي الحبيب أن الحياة لا تسير على الأسرة بوتيرة واحدة، ولا تمر الأيام على نسق واحد، ولا يهب النسيم عليلا داخل البيت على الدوام، فربما يَعصِف بالبيت السعيدِ عواصف وزعازع تحاول أن تذهب بالوفاق، أو تزرع الافتراقَ، وهنا لا ينبغي للزوجين إلا اللجوء إلى التفاهم للوصول إلى الوفاق، فالخير كله في الصلح والتوافق والتراضي والإحسان، قال تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء: 128)، ولقد جاء رجل إلى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وقال: إنني لا أحب زوجتي وأريد طلاقها، فظل عمر (رضي الله عنه) يناقش الرجل، وفي نهاية حواره معه قال له: "ويحك ألم تبن البيوت إلا على الحب؟!، فما أعظم قول الله (سبحانه وتعالى) علاجا لمثل هذا (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْـمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء19) وقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" (لا يفرك: أي لا يبغض) ففي ذلك الحكمة البالغة والعظة النابغة؛ لعلاج الهفوات، وتدَارك الزَلات بين الأزواج والزوجات، وفيه الموازَنة العاقلة المنصفة بين الإيجابيات والسلبيات، والحسنات والسيئات، والنقائص والكمالات، فمَن الذي ما ساء قطُّ، ومَنِ الذي له الحسنى فقط. ورضي الله عن "خولة بنت ثعلبة" فقد رأينا في كتب السنة مدى حرصها على بيتها وأولادها، وقد لجأت إلى الله (عز وجل) ورسوله، فنزلت الآيات في أمرها، قال تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ...الآيات).

وإن تَطَلَّب الأمر تدخل أهل الزوجين، فليكن تدخلا كريما بنية الإصلاح وإزالة أسباب الخلاف، قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) (النساء: 35)، فقد عول القرآن الكريم هنا على نية المصلحين من طرفي الأهل بقوله: (إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا)، ومن ثم فإن الأهل لا ينبغي لهم الوقوف موقف المتفرج على ما يدور من مشكلات أسرية يستطيعون إزالتها، بل إن دورهم في ذلك السعي للإصلاح، وليس كما يفعل بعض الناس من تحريض أحد الزوجين على الطلاق، والنبي (صلى اللهً عليه وسلم) يقول: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا".

إن الطلاق ليس دائما هو العلاج الصحيح للمشكلات الأسرية، فقد يكون قرار الطلاق أكثر شرا من بقاء الحياة الأسرية على ما هي عليه، ومن ثم فإن الصبر، والحكمة، وأخذ الأمور بالروية هو الحل الصحيح، والنبي (صَلى الله عليه وسلم) يقول: "إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شيءٍ إلَّا شانَهُ" (رواه مسلم) وعنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ لِأَشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ: "إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الحِلْمُ، وَالأَنَاةُ".

إن عواقب الطلاق وجراحه وآلامه لا تنال من أحد أفراد الأسرة وحده، بل الحقيقة أنها تنال من الأسرة جميعها، بما فيها الأولاد، إذ يصطلون نار هذا الفراق بما يقعون فيه من مشكلات نفسية، واجتماعية، واقتصادية، وغيرها.

فالطلاق معول صُلب يهدم صرح الأسر والبيوتات، ينقل الأسرة من سعادة وهناء، إلى محنة وشقاء، فكم أبكى عيونا، وأجهش قلوبا، وروع أفئدة، وضيع أطفالا وبدل الفرح ترحا، والبسمة غصة؛ وزرع الشقاق بين الأرحام؛ ومن ثم فإن الشيطان حين يفلح في فك روابط أسرة فهو لا يهدم بيتا واحدا و لا يحدث شرا محدودا، وإنما يؤثر ذلك على المجتمع كله، لذلك كان أحب الأعمال إلى الشيطان هو هدم البيوت، فعن جَابِرِ بن عبد الله (رضي الله عنهما) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ" (رواه مسلم).

 فتعاونوا على المودة والوئام، وابتعدوا عن كل ما يؤدي للتباغض، وغضوا الطرف عن الهفوات والزلات، ولا تنسوا الفضل بينكم؛ تهنأ أسركم وتسعد أولادكم.

ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين وأجعلنا للمتقين إماما
واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســـــــن داود

إمام وخطــيب ومدرس
دكتوراه في الفقه المقارن

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 



google-playkhamsatmostaqltradent