recent
آخر المشاركات

مواقف من حياة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قبل البعثة -- للدكتور / محمد حســــــن داود

 

مواقف من حياة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قبل البعثة

للدكتور / محمد حســــــن داود



الموضـوع: الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

ففي مثل هذا الشهر- شهر ربيع الأنوار -، أشرق النور وبزغ الفجر، وولد خير البشر (صلى الله عليه وسلم)، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، يقول الله جل في علاه: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)( آل عمران: 164).

فلقد صانه الله جل وعلا من سفاح الجاهلية و نقله من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة جيلا بعد جيل، فعَنْ عَلِيٍّ (رضي الله عنه)، أَنّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: "خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي" (رواه الطبراني في الأوسط وابن عدي وغيرهما وللحديث شواهد وطرق كثيرة ). فهو من أشرف الأنساب ومن أكرم بيوتات العرب؛ فعن وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ" (رواه مسلم) وكتبه الله (جل وعلا) خاتم الأنبياء والمرسلين قبل أن تنفخ الروح في سيدنا آدم (عليه السلام)؛ فعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ، يَقُولُ: " إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَأَنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ"، وعَنْ مَيْسَرَةَ الْفَخْرِ ، قَالَ : قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : مَتَى كُنْتُ نَبِيًّا ؟ قَالَ: "وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ" (رواهما الحاكم) .

لقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم، وصفاته قبل بعثته، تشير إلى مكانته وعظيم أمره، فقد عرف بأحسن الخصال، وأسمى القيم، وأعظم المبادئ و أطيب الأخلاق، إذ ضرب أروع الأمثلة في الحرص على العمل والكسب، فلم يتركه طوال حياته، فالعمل هو أساس البناء والتقدم، ولن يستطيع إنسان أن يبنى حياته، أو يتقدم بها، فضلا عن أن يبنى أسرة أو يشارك في بناء مجتمع أو يتقدم به، دون عمل، فلقد عمل النبي (صلى الله عليه وسلم) في صغره راعيا للأغنام، جاء عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلّى الله عليه وسلم) قال: "مَا بعَثَ اللهُ نَبِيًّا إلاّ رَعَى الغَنَم" فقال أصحابُه: وأنتَ ؟ فقَال: "نَعم، كُنتُ أَرعَاها على قَرارِيطَ لأهْلِ مَكَّةَ" (رَوَاهُ البُخَارِيُّ) ولما بلغ النبي (صلى الله عليه وسلم)، مرحلة الشباب، كان يخرج مع عمه أبي طالب في رحلاته التجارية إلى الشام وما حولها، فاستطاع خلال فترة قصيرة أن يتعلم فنون التجارة ويعرف مداخلها، حتى أصبح من التجار المعروفين، كما استطاع صلى الله عليه وسلم أن يكتسب ثقة الناس من خلال صدقه وأمانته، و حسن خلقه، فانتشر خبره بين الناس، فسمعت السيدة خديجة (رضي الله عنها)، بأمانته وصدق حديثه، فعرضت عليه أن يتاجر لها ، فقبل ذلك ، ولم تمض فترة قصيرة حتى تزوجها .

نشأ النبي (صلى الله عليه وسلم) متحليا بكل خلق كريم، مبتعدا عن كل وصف ذميم، فكان أرجح الناس عقلا، وأكثرهم أدبا، وأكثرهم أمانة وأصدقهم حديثا، حسن المعاملة ، طيب السيرة يفي بالوعد ، يصل الرحم ، ويجيب السائل ، يكرم الضيف، يقضى الحوائج ، شهد له بذلك القريب والبعيد، تقول ام المؤمنين خديجة (رضي الله عنها) في حقه: " إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ "  ولما سأل هرقل - ملك الروم - أبا سفيان قبل إسلامه قائلا: "هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟، قال: لا، فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله" (رواه البخاري) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) ، قَالَ : " قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلْدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إِنَّهُ وَاللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مَا ابْتُلِيتُمْ بِمِثْلِهِ ، لَقَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلامًا حَدَثًا أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا ، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشَّيْبَ ، وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ ، قُلْتُمْ : سَاحِرٌ ، لا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ ، قَدْ رَأَيْنَا السَّحَرَةَ وَنَفْثَهُمْ وَعَقْدَهُمْ ، وَقُلْتُمْ : كَاهِنٌ ، لا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنٍ ، قَدْ رَأَيْنَا الْكَهَنَةَ وَحَالَهُمْ ، وَسَمِعْنَا سَجْعَهُمْ ، وَقُلْتُمْ : شَاعِرٌ ، لا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ : لَقَدْ رَأَيْنَا الشِّعْرَ وَسَمِعْنَا أَصْنَافَهُ كُلَّهَا هَزَجَهُ ، وَرَجَزَهُ وَقَرِيضَهُ ، وَقُلْتُمْ : مَجْنُونٌ ، وَلا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ لَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ وَلا وَسْوَسَتِهِ وَلا تَخْلِيطِهِ.

ورغم أن كثيرا من مظاهر الأخلاق السيئة، كانت منتشرة في مكة قبل الإسلام، إلا أن الله جل وعلا عصم نبيه، فكان عظيم الخلق، حسن القول جميل الفعل، فما سجد لصنم وما شرب خمرا؛ قال ابن هشام في "السيرة النبوية": "فشب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والله تعالى يكلؤه ويحفظه، ويحوطه من أقذار الجاهلية، لما يريد به من كرامته ورسالته، حتى بلغ أنْ كان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم حسباً، وأحسنهم جواراً، وأعظمهم حلماً، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال، حتى سمي في قومه الأمين ، لِما جمع الله فيه من الأمور الصالحة "اهـ.. فعن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: "مَا هَمَمْتُ بِقَبِيحٍ مِمَّا يَهُمُّ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِلا مَرَّتَيْنِ مِنَ الدَّهْرِ، كِلْتَاهُمَا عَصَمَنِي اللَّهُ مِنْهُمَا، قُلْتُ لَيْلَةً لِفَتًى كَانَ مَعِي مِنْ قُرَيْشٍ بِأَعْلَى مَكَّةَ فِي غَنَمٍ لأَهْلِنَا نَرْعَاهَا: أَبْصِرْ لِي غَنَمِي حَتَّى أَسْمُرَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِمَكَّةَ كَمَا يَسْمُرُ الْفِتْيَانُ، قَالَ: نَعَمْ، فَخَرَجْتُ، فَلَمَّا جِئْتُ أَدْنَى دَارٍ مِنْ دُورِ مَكَّةَ سَمِعْتُ غِنَاءً، وَصَوْتَ دُفُوفٍ، وَمَزَامِيرَ، قُلْتُ: مَا هَذَا ؟ قَالُوا: فُلانٌ تَزَوَّجَ فُلانَةَ، لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَهَوْتُ بِذَلِكَ الْغِنَاءِ، وَبِذَلِكَ الصَّوْتِ حَتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنِي، فَنِمْتُ، فَمَا أَيْقَظَنِي إِلا مَسُّ الشَّمْسِ، فَرَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي، فَقَالَ : مَا فَعَلْتَ ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، ثُمَّ فَعَلْتُ لَيْلَةً أُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَخَرَجْتُ، فَسَمِعْتُ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقِيلَ لِي: مِثْلُ مَا قِيلَ لِي، فَسَمِعْتُ كَمَا سَمِعْتُ، حَتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنِي، فَمَا أَيْقَظَنِي إِلا مَسُّ الشَّمْسِ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي، فَقَالَ لِي: مَا فَعَلْتَ ؟ فَقُلْتُ: مَا فَعَلْتُ شَيْئًا "، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَوَاللَّهِ، مَا هَمَمْتُ بَعْدَهُمَا بِسُوءٍ مِمَّا يَعْمَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ ، حَتَّى أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِنُبُوَّتِهِ " (رواه بن حبان) .

كما كان للنبي (صلى الله عليه وسلم) الكثير من المشاركات الايجابية الفعالة منها :  مشاركته صلى الله عليه وسلم في إعادة بناء الكعبة المشرفة : فها هي القبائل من قريش لما بنت الكعبة حتى بلغ البنيان موضع الركن - الحجر الأسود - اختصموا فيه، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون القبيلة الأخرى حتى تخالفوا وأعدوا للقتال، فمكثت قريش على ذلك أربع ليالي أو خمسا، ثم تشاوروا في الأمر، فأشار أحدهم بأن يكون أول من يدخل من باب المسجد هو الذي يقضي بين القبائل في هذا الأمر، ففعلوا، فكان أول داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد، فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبر، قال صلى الله عليه وسلم "هلم إلي ثوبا، فأتي به، فأخذ الركن، فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كلُّ قبيلة بناحية مِن الثَّوب، ثمَّ ارفعوه جميعًا، ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده، ثمَّ بني عليه" السيرة النبوية لابن هشام ) ولا شك أن قبول قريش لتحكيمه يدل على مدى معرفتهم بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، وثقتهم في رجحان عقله ، كما أن قبولهم لما قاله صلى الله عليه وسلم يدل على توفيق الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في حفظ الدماء، كما هو حاله بعد البعثة فقد كان صلى الله عليه وسلم، أرقي الناس إنسانية وأعظمهم رحمة ، فقد قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (الأنبياء:  107).

=== كتبه ===
محمد حســــن داود
إمام وخطيـــب ومدرس
دكتوراه في الفقه المقارن

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 



 

 

google-playkhamsatmostaqltradent