recent
آخر المشاركات

خطبة االجمعة القادمة: وُلِدَ الهُدى فَـالكائِناتُ ضِيـــــــاءُ --- للدكتـــــور/ محمـد حســــن داود (10 ربيع الأول 1446هـ - 13 سبتمبر 2024م

 

خطبة بعنــــوانِ:
وُلِدَ الهُدى فَـالكائِناتُ ضِيـــــــاءُ
للدكتـــــور/ محمـد حســــن داود
(10 ربيع الأول 1446هـ -  13 سبتمبر 2024م)

العناصـــــر :   
- ولد الهدى فالكائنات ضياء.

- من أخلاق الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ).

- أثر الأخلاق الحسنة وعواقب الأخلاق السيئة.

- دعوة إلى التأسي بأخلاق الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ).

الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي منَّ على هذه الأمة بنعمة خير البرايا، وجعل التمسك بسنته والاقتداء به عصمة من الفتن والبلايا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أَقْوَمُ الخلق سيرة، وأنقاهم سريرة، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

ففي مثل هذا الشهر - شهر ربيع الأنوار-، أشرق النور وبزغ الفجر، وولد خير البشر، وسيد الخلق (صلى الله عليه وسلمَ)، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، يقول الله جل في علاه: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 128) إنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي زكى الله به نفوس المؤمنين، وطهر به قلوب المسلمين، وجعله رحمة للعالمين، قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (آل عمران: 164) فقد كان ميلاده فتحا، وبعثته فجرا، هدى الله به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا؛ فلم يكن ميلاده ميلاد فرد، بل كان ميلاد أمة، وأي أمة، إنها خير أمة؛ قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران:110).

وُلِدَ الهُدى فَـالكائِناتُ ضِيـــــــــاءُ *** وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَنـــــاءُ

الـــــــروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ *** لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَــــــراءُ

وَالـعَـرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي *** وَالـمُـنـتَـهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ

بِـكَ بَـشَّـــــــرَ الـلَهُ السَماءَ فَزُيِّنَت *** وَتَـضَـوَّعَـت مِـسكاً بِكَ الغَبـراءُ

إنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خليل الرحمن، وصفوة الأنام، لا تتحقق طاعة الله إلا بطاعته، فقد قال تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) (النساء: 80)، ولا يَتِمُ الإيمان إلا بتحقيقِ محبته؛ كما قال النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ".

شرح الله صدره، ورفع ذكره، ووضع وزره، ما ودعه ربه وما قلاه، بل اجتباه، وهداه، وأغناه، ووجده يتيما فآواه.

صانه (جل وعلا) من سفاح الجاهلية ونقله من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة جيلا بعد جيل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي" (رواه الطبراني في الأوسط)، ولما سُئِل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متى كنتَ نبيا، قال: "إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبِشَارَةُ عِيسَى قَوْمَهُ، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ " (رواه الحاكم)، واستمع لسيدنا حسان بن ثابت (رضي الله عنه)، وهو يتحدث عن مولد سيد ولد آدم فيقول: "وَاَللّهِ إنّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ أَعْقِلُ كُلّ مَا سَمِعْت، إذْ سَمِعْتُ يَهُودِيّا يَصْرُخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ عَلَى أَطَمَةٍ (أي: حصن) بِيَثْرِبَ يَا مَعْشَرَ يَهُودِ حَتّى إذَا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ قَالُوا لَهُ وَيْلَكَ مَا لَك؟ قَالَ طَلَعَ اللّيْلَةَ نَجْمُ أَحْمَدِ الّذِي وُلِدَ بِهِ" (سيرة ابن هشام) .

وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الأَرْضُ *** وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ

فَنَحْنُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ فِي الضِّيَاءِ *** وسُبْلِ الرَّشَـــادِ نَخْتَرِقُ

وإذا كنا في هذه الأيام المباركة الطيبة نحتفي ونحتفل بميلاد خير البشر، خير من وطئ الثرى، سيد ولد آدم، الحبيب المصطفى، والرسول المجتبى، السراج المنير، البشير النذير، الشفيع المشفع (صلى الله عليه وسلم)؛ فإن هذا الاحتفال لا يتحقق إلا بأن نتخلق بأخلاقه الشريفة في كل شئون الحياة.

وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني *** وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبـرأً مـــــنْ كلّ عيبٍ *** كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشـــاءُ

فلقد كانت أخلاق النبي (صلى الله عليه وسلم) في كل جوانب الحياة مشرقة عظيمة، إذ اتصف بأنبل الصفات، وأجمل الخصال، وأحسن الأخلاق، حتى أبهرت أخلاقه القريب والبعيد، قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4) ولما سئلت السيدة عائشة (رَضِيَ اللَّٰهُ عَنْها) عن خُلُقه، قالت: "كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ" واستمع ماذا تقول في حقه السيدة خديجة (رَضِيَ الله عَنْها): "إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحمِلُ الكَلَّ وتَكْسِبُ المَعدومَ، وتَقري الضَّيفَ، وتُعِينُ عَلَى نَوائِبِ الحَقِّ".

فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلـُقٍ *** ولم يدانوه في علمٍ ولا كـــــــــرمِ
وكلهم من رسول الله ملتمــــسٌ *** غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ

فلقد كان الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلم)؛ أحسن النَّاسِ خُلُقًا، لم يكن فَاحِشًا، وَلَا مُتَفَحِّشًا، بل كان أرجح الناس عقلا، وأكثرهم أدبا، وأوفرهم حلما، وأكملهم قوة وشجاعة وشفقة، وأكرمهم نفسا، وأعظمهم إنسانية ورحمة، عُرف بأسمى القيم، وأعظم المبادئ، وأطيب السلوك؛ فكان :

- أحسن الناس عشرة، وأعظمهم ألفة، وأكثرهم مودة: فهو القائل: "الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ، وَلَا يُؤْلَفُ". فتراه دائما مع أصحابه في أفراحهم وأتراحهم، في قوتهم وضعفهم، يشهد جنائزهم ويعود مرضاهم، فعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "يَأْتِي ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَزُورُهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ "(رواه الحاكم).

- رحيم بالصعير وموقر للكبير: فهو القائل: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا " (رواه أبو داود والترمذي) فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَفْعَلُهُ" (متفقٌ عليه)، ولما جاء سيدنا أبو بكر بأبيه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، قَالَ له: "هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِيَ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ أَنْتَ إِلَيْهِ (رواه أحمد).

- يجبر خواطرهم: ‌فَعَنْ ‌قُرَّةَ ‌بْنِ ‌إِيَاسٍ، قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ، يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَلَكَ، فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ فَحَزِنَ عَلَيْهِ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: "مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا فُلَانُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ، يَفْتَحُهُ لَكَ ", قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ , بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ: " فَذَاكَ لَكَ "(رواه النسائي).

- لا يَسْتَنْكِفُ أن يمشى في حاجة الفقير، والمسكين، وذي الحاجة، فعنْ أَنَسٍ (رضي الله عنه): "أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً،" فَقَالَ يَا أُمَّ فُلَانٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ" فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا " (رواه مسلم ) وعَنْ ‌عَبْدِ ‌اللَّهِ ‌بْنِ ‌أَبِي ‌أَوْفَى (رضي الله عنه) أن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كان "لا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَتَهُ".

- ألين الناس كلاما، وأحسنهم قولا، وأجملهم حديثا: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)، قَالَ :لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا" (رواه البخاري) وتقول عنه أم المؤمنين عائشة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْها) " لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا صَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَح " (رواه الترمذي).

- أصدق الناس حديثا، وأكثرهم أمانة: فهو القائل: "اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ".  

فلقد كان الصدق صفة ملازمة للرسول (صلى الله عليه وسلم)، حتى لقب قبل البعثة بالصادق الأمين، شهد بذلك القريب والبعيد؛ فلما سأل هرقل (ملك الروم) أبا سفيان قبل إسلامه قائلا: " هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟، قال: لا، فقال هرقل: لَمْ يَكُنْ ‌لِيَدَعَ ‌الْكَذِبَ ‌عَلَى ‌النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ (رواه البخاري) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)، صَعِدَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: "يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ " (لِبُطُونِ قُرَيْشٍ) حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: "أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟" قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، (وفي رواية ما جربنا عليك كذبا) قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ " فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) (المسد: 1- 2) (رواه البخاري ومسلم) وها هو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يأتيه الأمر بالهجرة، فيوصى عليا (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) بالانتظار في مكة حتى يرد الأمانات التي كانت عنده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأهل مكة؛ فهو القائل: "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ" .

- أجود الناس وأكرم الناس؛ بل كان أجود بالخير من الريح المرسلة: فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يبخل بمال ولا طعام على قريب أو جار أو فقير، فهو القائل: "لو كانَ عَدَدُ هذه العِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمتُهُ، ثم لا تَجِدوني بَخيلًا، ولا كَذَّابًا، ولا جَبانًا" (العِضاهِ: شَجَرٌ كَثيرُ الشَّوكِ). وعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْها)، أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "مَا بَقِيَ مِنْهَا؟" قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا، قَالَ" بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا" (رواه الترمذي).

- يحفظ المعروف، ويعرف لكل ذي حق حقه: فهو القائل: "لا يَشْكُرُ الله من لا يَشْكُرُ النَّاس" (رواه أبو داود) إذ يقول عن أم المؤمنين خديجة (رضي الله عنها): " مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ" (رواه أحمد) ويقول في أبى بكر (رضي الله عنه): "إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ "(رواه البخاري) كما أنه لم يجحد دخوله مكة في جوار المطعم بن عدي، بعد عودته من رحلة الطائف، حتى بعد وفاته، ففي أسرى بدر، أخبر الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لو كان المطعم بن عدى حيا، ثم كلمه فيهم لتركتهم له.

- أوفر الناس حلما: فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ" (رواه البخاري).

= إن خيرية العبد لا تقاس بصلاته وصيامه فحسب، بل لا بد من النظر في أخلاقه وسلوكه، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا" وإذا سألت من أقرب الناس مجلسا من الرسول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لوجدت الجواب في قوله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا) (رواه الترمذي)، فصاحب الأخلاق الحسنة يصل بها المراتب العالية ويربح بها الأجور العظيمة؛ إذ يقول النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ" (رواه ابو داود).  

وكما أن للأخلاق الحميدة والسلوك الحسنة الأثر الطيب على العبد فان لسوء السلوك الأثر السيئ؛ فلقد قال النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ يُفْسِدُ الْعَمَلَ، كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ". وقال: "إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ‌مَنْ ‌تَرَكَهُ ‌النَّاسُ، ‌أَوْ ‌وَدَعَهُ ‌النَّاسُ، اتِّقَاءَ فُحْشِهِ" (رواه البخاري).

فما أحوجنا أن نعيش بالقلب والجوارح أخلاق الرسول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فنأخذ من مشكاته، ونقتدي به في سيرته وسرِيرَتِهِ، وفي سائِرِ أحوالِهِ، حتى تستقيمَ دُنيانا وآخرتنا، فقد قال اللهُ تعالى ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) (الأحزاب: 21).

اللَّهُمَّ اهْدِنا لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لا يَهْدِي لأحسنها إِلاَّ أَنْتَ
 وَاصْرِفْ عنا سَيِّئَها لا يَصْرِفُ عنا سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ
واحفظ اللهمَ مِصْرَ مِنْ كُلِ مَكْرُوهٍ وسوءٍ

=== كتبه ===
محمد حســـــــن داود

إمام وخطــيب ومدرس
دكتوراه في الفقه المقارن

 لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 



google-playkhamsatmostaqltradent