recent
آخر المشاركات

سيدنا النبي (صلى الله عليه وسلم) معلما ومربيا --- للدكتور / محمد حســــن داود

 

سيدنا النبي (صلى الله عليه وسلم)  معلما ومربيا

للدكتور / محمد حســــن داود


الموضـوع: الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فإن النبي (صَلى الله عليه وسلم) في كل جوانب حياته أسوة حسنة وخير قدوة، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب: 21) فكان صَلى الله عليه وسلم نعم المعلم والمربي، قال تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 151)، وقال سبحانه: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (الجمعة: 2)، وعن جابر بن عبد الله، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا" (رواه مسلم).

والناظر في سيرته صلى الله عليه وسلم يرى مدى اهتمامه بتعليم ما ينفع في الدنيا والآخرة، فعن أبي رفاعة، قال: "انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ يَخْطُبُ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ رَجُلٌ غَرِيبٌ، جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ، لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ، حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا، قَالَ: فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ، فَأَتَمَّ آخِرَهَا" (رواه مسلم)، فكان لا يدع وقتا مناسبا للتعليم والتوجيه دون أن يغتنمه في ذلك، مهما كان حاله؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (رضي الله عنهمَا)، قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، بِمِنًى، لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ، فَقَالَ: "اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ" ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، فَقَالَ: "ارْمِ وَلَا حَرَجَ" قَالَ: فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ، إِلَّا قَالَ: "افْعَلْ وَلَا حَرَجَ" (رواه مسلم) ويقول عبدُ الله بنُ مسعود: "إِنِّي لَأَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، يَتَخَوَّلُنَا " (رواه أحمد).

ولقد تنوعت أساليب التعليم في المدرسة النبوية المشرفة، ومن ذلك: الثناء على السائل وبيان مكانة السؤال؛ إذ يقول عن هذا الذي سأله: أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّار: "لَقَدْ وُفِّقَ، أَوْ لَقَدْ هُدِيَ".

ومنه: اهتمامه بالقدوة العملية والمبادأة بالخير؛ وهذا من أهم وأعظم الأساليب التعليمية والتربوية في المدرسة النبوية، إذ كان صلى الله عليه وسلم، يدعو أصحابه الى تقوى الله وهو أتقاهم، وينهاهم عن الشيء فيكون أشدّهم حذرا منه، وينصحهم بحسن العشرة مع الأهل، ثم تجده خير الناس لأهله، وتراه يدعو إلى حسن الخلق، ثم تجده أحسن الناس خلقا، وتراه يدعو إلى الصدقة والإنفاق والإطعام وإجابة السؤال وقضاء الحوائج، ثم تجده أكرم الناس وأجود بالخير من الريح المرسلة، إذ تقول له أم المؤمنين خديجة (رضي الله عنها): "كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ" (رواه البخاري) وتراه يدعو إلى قيام الليل، ثم تجده يقوم الليل حتى تورمت قدماه، ولما قالت له أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): يَا رَسُولَ اللهِ أَتَصْنَعُ هَذَا، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا" (رواه مسلم)، وتراه يدعو إلى الإكثار من التوبة، ثم تجده أكثر الناس توبة إلى الله (عز وجلَ).

فلم يقف الأمر في تعليم النبي (صَلى الله عليه وسلم ) لأصحابه عند القول والبيان فحسب، بل كان يشمل الفعل أيضا، فلا ريب أن التعليم بالفعل والعمل أقوى وأوقع في النفس وأعون على الفهم، وأدعى إلى الاقتداء والتأسي من التعليم بالقول؛ ومن ذلك: ما جاء عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطُّهُورُ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ، وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا"، ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ - أَوْ ظَلَمَ وَأَسَاءَ –" (رواه أبو داود) ومنه أيضا: قوله صلى الله عليه وسلم: " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" (رواه الدارقطني)

ومن يتأمل السنة النبوية يجد الرفق مصاحبا تعليم النبي (صَلى الله عليه وسلم) سواء مع الصغار أو الكبار، فهذا عمَر بْن أَبِي سَلَمَةَ، يقول: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ" فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. (رواه البخاري) ويقول معاوية بن الحكم السلمي (رضي الله عنه) بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ, فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ ؛ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي ، لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ؛ مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ؛ فَوَاللَّهِ: مَا كَهَرَنِي، وَلَا ضَرَبَنِي، وَلَا شَتَمَنِي ، قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ" (رواه مسلم).

لقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يهتم في تربيته وتعليمه بالصفات الحسنة والقيم الطيبة؛ فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي صَلاَةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا. فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: "لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا" يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ. (رواه البخاري)، كما كان يهتم في تعليمه بالأخلاق الكريمة، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟" قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) "أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ" (رواه ابو داود)، كما كان صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على مراقبة الله (جل وعلا) وخشيته والخوف منه سبحانه، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَوْمًا، فَقَالَ: "يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ" (رواه الترمذي) كذلك كان يهتم في تعليمه بأكل الحلال والبعد عن الحرام، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟" قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي" (رواه مسلم).

فما أحوجنا أن نعيش بالقلب والجوارح أخلاقه صلى الله عليه وسلم فنأخذ من مشكاته، ونقتدي به في سائر أحواله، حتى تستقيم دنيانا وآخرتنا.

===كتبه===
محمد حســـــن داود
إمام وخطيب ومــــدرس
دكتوراه في الفقه المقارن

 

  لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


google-playkhamsatmostaqltradent