recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـــــــوان: (وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ) - للدكتور/ محمد حســــن داود (1 ربيع الآخر 1446هـ - 4 أكتوبر 2024م)

 

خطبة بعنـــــــوان:
(وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ)
للدكتور/ محمد حســــن داود
(1 ربيع الآخر 1446هـ - 4 أكتوبر 2024م)



خطبة بعنـــــــوان:
(وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ)
للدكتور/ محمد حســــن داود
(1 ربيع الآخر 1446هـ - 4 أكتوبر 2024م)

العناصـــــر :  
   - نصر أكتوبر المجيد.
   - نعمة الوطن.

   - حب الوطن والوفاء له.

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران: 126)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ" (رواه البخاري)، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

إن في التاريخ أياما خالدة لا تنسى، وعلى رأسها يوم السادس من أكتوبر عام ألف وتسعمائة ثلاث وسبعين، فمهما مرت الأيام وتعاقبت السنين سيظل نصر أكتوبر المجيد فخرا لنا، تاجا على رؤسنا، وساما على صدورنا، حيث كان توفيق الله (سبحانه وتعالى) لقواتنا المسلحة خير أجناد الأرض، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ)، فحققوا نصرا عظيما، وتوجوا البلاد والعباد بتاج النصر، وحطموا آمال المعتدي، وأثبتوا للعالم كله أنه لا تهاون مع معتدي مهما كان اسمه أو رسمه.

وإننا مهما مرت الأيام وتعاقبت السنين لن تنسى أبدآ قلوبنا من المحبة وألسنتا مع قلوبنا من الدعاء شهداء أكتوبر المجيد، من قدموا أرواحهم من أجل حرية وكرامة البلاد، من رووا بدمائهم أرض الوطن دفاعا عن الأرض والعرض، ورغبة في عزة البلاد، و كرامة العباد، ولا شك أن من أقل حقوقهم علينا جميعا تخليد أسماءهم، وذكراهم، ليس في سجلات التاريخ فحسب، بل في كل قلب وعلى كل لسان، فقد اختاروا أرفعَ المقامات، وإن كان أغلى ما يملكه الإنسان روحه التي بين جنبيه، فقد قدموها دفاعا عن الوطن، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة: 111)، فما أعظم ما قدموا وما أعظم ما ربحوا.

إن نعم الله (عز وجل) علينا كثيرة ومن أجلها نعمة نصر أكتوبر المجيد، فما أعظم أن يكون للإنسان وطنه الذي يعيش تحت ظلاله، ويتنفس هواءه، يجد فيه معنى السكينة، وحقيقة الطمأنينة، فيه تتصل أمجاد الأجداد بالأحفاد، وتتلاحم قلوب الأهل والأحباب.

فالوطن نعمة جليلة ومنة عظيمة؛ من أراد أن يعرف علو قدرها وسمو مكانتها، فلينظر في كتاب الله (جل وعلا)، فقد قرن خروج الجسد من الوطن بخروج الروح من الجسد، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ) (النساء:66).

من أراد أن يعرف علو قدرها وسمو مكانتها، فليتدبر قوله تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (قريش: 3-4).

من أراد أن يعرف علو قدرها وسمو مكانتها، فليتدبر قول النبي (صلى الله عليه وسلمَ):" مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِه ،مُعَافى فِي بَدَنِهِ ،عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيا بِحَذَافِيْرِهَا".

من أراد أن يعرف علو قدرها وسمو مكانتها، فلينظر إلى حال من فقدها، وليتدبر قيمتها في ميزان من حرمها؛ فهي مهد الصبا ومدرج الخطى ومرتع الطفولة، وملجأ الكهولة، ومنبع الذكريات، وموطن الآباء والأجداد، ومأوى الأبناء والأحفاد، فكم زلزلت بحب الأوطان مكامن وجدان، وأطلق حبها قرائح شعراء، وسكبت في حبها محابر أدباء، وضحى من أجلها بالغالي والنفيس الأوفياء.

فتدبر معي معاني هذا الحب للأوطان، إذ أثر أن العرب كانت إذا غزتْ وسافرتْ حملتْ معها من تُربة بلدها رملاً وعفرا تستنشقه عند نزْلةٍ أو زكام أو صُداع "(الرسائل للجاحظ). ولقد قيل لأعرابي: كيف تصنعون في البادية إذا اشتد القيظ حين ينتعل كل شيء ظله؟ قال "يمشي أحدنا ميلا، فيرفض عرقا، ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساه، ويجلس في فيه يكتال الريح، فكأنه في إيوان كسرى". إنه حب خالص للأوطان، حب صادق، حب نابع من قلوب الرجال الأوفياء، كما قال الأصمعي: "إذا أرَدتَ أن تَعرِفَ وفاءَ الرَّجُلِ ووفاءَ عَهدِه، فانظُرْ إلى حَنينِه إلى أوطانِه".

وإننا لنجد في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ) أسمى الأمثلة لحب الوطن، وترجمته في الواقع عملا وبناء، حماية ودفاعا وتضحية، فلقد وجه المصطفى (صلى الله عليه وسلمَ) إلى إجادة الانتماء للوطن، وحسن الولاء والانتماء له، وإخلاص الوفاء له، داعيا إلى ترجمة هذا الحب إلي عمل وجد، من أجل الوطن، وحفاظ عليه، ودفاع عنه؛ إذ يلقى درسا بليغا يقرع كل الآذان، ويتردد صداه في كل زمان ومكان، وذلك عندما خرج مهاجرا، ووصل أطراف مكة، التفت إليها، وقال: "وَاللهِ إِنَّي أَعْلَمُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبَّهَا إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ" وفي رِوَاية "مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِليَّ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ"، ولما وصل المدينة توجه إلى الله داعيا أن يحببها إليهم كما حبب إليهم مكة، كما في (صحيح البخاري) عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا)، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ، كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ، أَوْ أَشَدَّ".

فلقد كان النبي (صلى الله عليه وسلمَ) يعيش هذا الحب والانتماء الوطني بكل وجدانه وجوارحه؛ فقد جاء في الصحيحين، عن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): أن النبي (صلى الله عليه وسلمَ) كان يقول في الرقية: "باسم الله، تُرْبَةُ أَرْضِنا، ورِيقَةُ بَعْضِنا، يَشْفَى سقيمُنا بإذن ربنا"، وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)، أنه قَالَ" كَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلمَ) إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ المَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ - أَيْ أَسْرَعَ بِهَا - وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا ".

يا له من حب، ويا له من وفاء، ويا له من انتماء، فللمولى سبحانه الحمد على نعمة الوطن، هذه النعمة التي لا تقدر بالأموال، ولا تساوم بالأرواح، بل تبذل الأموال لأجلها وترخص الأرواح في سبيل الدفاع عنها.

والمتدبر في سيرة النبي (صَلى الله عليه وسلم)، يجد أن جميع الغزوات التي شارك فيها كانت تحمل أسمى المعاني في حماية الوطن والدفاع عنه وعن استقراره وأمنه وأمانه، ورد عدوان أعدائه وإبطال حيلهم ومكرهم.

ولا شك أن المدافعين عن الوطن مرابطين محافظين على أمنه وأمانه واستقراره يسيرون على هديه صلى الله عليه وسلمَ وهدي أصحابه (رضي الله عنهم) خير الخلق بعد الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام)، فلقد أخبرنا النبي (صلى الله عليه وسلمَ) أن العين التي ما نامت، والأقدام التي اغبرت في حماية الوطن، محرمة على النار، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ) يقول: "عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (رواه الترمذي)، ويقول: (صلى الله عليه وسلمَ): "مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ" (رواه البخاري). وأن رباط يوم في سبيل الله أجره عظيم، حيث قال: "مَوقِفُ ساعةٍ في سَبيلِ اللهِ خَيرٌ من قِيامِ لَيلَةِ القَدْرِ عند الحَجَرِ الأسْوَدِ"، وقال: "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا" (رواه البخاري)، وفي صحيح مسلم: " رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ".

إن الواجب علينا ونحن في ذكرى نصر أكتوبر المجيد أن نستلهم أساب النصر، فنحققها في كل جوانب حياتنا، وإن من أعظمها: حب الوطن، وحسن الظن بالله، والإكثار من ذكره، والتوكل عليه والأخذ بالأسباب، والدعاء.

فالواجب علينا أن نتحلي دائما بروح نصر أكتوبر في كل أوقاتنا فنكون في خدمة وطننا الحبيب؛ فالمخلصين والشرفاء والعظماء الأوفياء يؤمنون بعظم حق الوطن، وبضرورة تقديم كل ما بوسعهم، وبأقصى جهدهم، وبأعظم طاقتهم، في خدمة الوطن وبنائه، وحمايته، والدفاع عنه، والتضحية من أجله.

إن حب الوطن والدفاع عنه والسعي من أجل تقدمه مرتبط بعمل الفرد وسلوكه ارتباطا لا انفكاك منه، يلازمه في كل مكان، في حله وترحاله، في المنزل والشارع، وفي مقر عمله، فيظهر في احترام أنظمته وقوانينه، يظهر في التشبث بكل ما يؤدي إلى وحدته وقوته، يظهر في المحافظة على منشآته ومنجزاته وأمواله، وفي الاهتمام بنظافته وجماله، يظهر في إخلاص كل عامل في عمله، في المحافظة على أمنه واستقراره، يظهر بالتمسك بالقيم والأخلاق الفاضلة، يظهر في مناهضة الأفكار المتطرفة، وعدم ترويج الشائعات والأراجيف والأباطيل، يظهر بالعمل والإنتاج.

وإن من أجل علامات صدق المحبة للوطن: أن يكون كل واحد منا قدوة صالحة في نفسه، وبين أهله وأبناء وطنه، ولا يكون معول هدم أو إفساد، كما أن تعزيز قيم الانتماء الوطني في قلوب الأجيال مطلب أساسي لا بد أن يوليه الآباء والدعاة عناية فائقة.

نسأل الله أن يحفظ مصر وجيشها من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومــدرس
دكتوراه في الفقه المقارن

  لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


google-playkhamsatmostaqltradent