recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـــــــوان: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) --- للدكتور/ محمد حســــن داود (24 ربيع الأول 1446هـ - 27 سبتمبر 2024م)

 

خطبة بعنـــــــوان:
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
للدكتور/ محمد حســــن داود
(24 ربيع الأول 1446هـ - 27 سبتمبر 2024م)



العناصـــــر :    مقدمة.
   - مكانة العلم ودرجته.
   - اهتمام الإسلام بالعلم والتعلم.

   - فضل العلم والعلماء .
   - أثر العلم والتعلم على الفرد والمجتمع.

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، رفع شأن العلم فأقسم بالقلم، وامتن على الإنسان فعلمه ما لم يكن يعلم؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ" (رواه أبو داود والترمذي)، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فإن العلم من المصالح الضرورية والحاجات الملحة التي عليها تقوم حياة الأمم، وبه تستقيم أحوالها، ويصلح أمرها، وإن شئت فقل إن حاجة الأمم إلى العلم لا تقل شأنا عن حاجتها إلى الطعام والشراب والملبس والمسكن، بل أشد، فقد قال الإمام أحمد (رحمه الله): "الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب، فالرجل يحتاج إلى الطعام والشراب مرة أو مرتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه".

 ومن ثم فليس عجبا أن تكون أول آيات نزلت على النبي (صلى الله عليه وسلم) تدعو إلى العلم، وتهتم بوسائله وأدواته، قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق: 1-4) كما سمى المولى (جل وعلا) سورة كاملة باسم القلم وهو من أدوات طلب العلم، واستهلها سبحانه بقوله: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (القلم: 1) كما استهل سورة الرحمن بقوله تعالى: (الرَّحْمَٰنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (الرحمن:1-4) في بيان لمكانة العلم ومدى اهتمام القرآن به.

إذ إن الناظر في القرآن الكريم يرى مدى دعوته إلى العلم، إذ يقول الله (عز وجل): (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ) (ق: 6-8)، وقال سبحانه: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة: 164)، وقال عز وجل: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (يونس: 101). كما ذُكر لفظ " العلم " بمشتقاته في القرآن الكريم أكثر من سبعمائة وستين مرة، وفي ذلك إشارة إلى أهمية البحث العلمي ومكانته ودرجته.

إن من أهمية العلم ومكانته وفضله أن كان من تكريم الله لأنبيائه ورسله، فهذا خليل الرحمن إبراهيم (عليه السلام) يقول لأبيه: ( يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا) (مريم: 43)، وهذا يوسف الصديق (عليه السلام) يقول: (ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) (يوسف: 37) وهذان نبيا الله، داود وسليمان (عليهما السلام)، يقول عنهما ربنا (جل وعلا): (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) (النمل: 15) وفي بعثة الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول المولى (جل وعلا): (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (الجمعة: 2). وما زال الإسلام يؤكد على العلم والتعلم، حتى أنك لن تجد أن الله (تعالى) أمر نبيه (صلى الله عليه وسلم) بالاستزادة من شيء كما أمره بالاستزادة من العلم؛ قال تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً) (طه: 114)، فلهذا ولغيره الكثير قال الإمام الشافعي (رضي الله عنه): "إِنَّ الاِشْتِغالَ بِطَلَبِ العِلْمِ أَفْضَلُ ما تُنْفَقُ فِيهِ نَفائِسُ الأَوْقاتِ".

إن للعلم منزلة عالية رفيعة، ويكفي على ذلك دليل أن من لا يحسنه يفرح به إذا نسب إليه، يقول الإمام علي بن أبى طالب (رضي الله عنه): "كَفَى بِالْعِلْمِ شَرَفًا أَنْ يَدَّعِيَهِ مَنْ لا يُحْسِنُهُ، وَيَفْرَحُ إِذَا نُسِبَ إِلَيْه، وَكَفَى بِالْجَهْلِ ذَمًّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ مَنْ هُوَ فِيهِ". فالعلم أغلي وأطيب ما يجمعه الإنسان؛ ولهذا قال الإمام علي (رضي الله عنه): " العلم خيرٌ من المال؛ العلم يحرسك وأنت تحرس المال" ويقول معاذُ بنُ جبلٍ (رضي اللهُ عنهُ): "تعلمُوا العلمَ فإنَّ تعلمَهُ حسنةٌ، وطلبَهُ عبادةٌ، ومذاكرتَهُ تسبيحٌ والبحثَ عنهُ جهادٌ وبذلَهُ قربةٌ وتعليمَهُ من لا يعلمُهُ صدقةٌ"، وعن عبيد الله بن كثير يروي عن أبيه أنه قال: "ميراث العلم خير من ميراث الذهب والفضة، والنفس الصالحة خير من اللؤلؤ، ولا يستطاع العلم براحة الجسم".

ومن ينظر سيرة المصطفى (صلى اللهُ عليه وسلم) يجد مدى اهتمامه بالعلم والتعليم، ففي بدر جعل فداء كل أسير من أسرى بدر ممن يحسنون القراءة والكتابة، أن يعلم عشرة من أبناء الأنصار، كما دلنا النبي (صلى الله عليه وسلمَ) إلى أن العلم ميراث النبوة؛ ففي الحديث النبوي الشريف" وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ"، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) أَنَّهُ مَرَّ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، فَوَقَفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: "يَا أَهْلَ السُّوقِ، مَا أَعْجَزَكُمْ، قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا: هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: ذَاكَ مِيرَاثُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقْسَمُ، وَأَنْتُمْ هَا هُنَا لا تَذْهَبُونَ فَتَأَخُذُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْهُ؟ قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي الْمَسْجِدِ. فَخَرَجُوا سِرَاعًا إِلَى الْمَسْجِدِ، وَوَقَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَهُمْ حَتَّى رَجَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَلَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا يُقْسَمُ. فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَا رَأَيْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدًا؟ قَالُوا: بَلَى، رَأَيْنَا قَوْمًا يُصَلُّونَ، وَقَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَقَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَلالَ وَالْحَرَامَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَيْحَكُمْ، فَذَاكَ مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم" (رواه الطبراني في الأوسط).

- ولقد بين القرآن الكريم مكانة من سلكوا طريق العلم، وادخروا أوقاتهم في طلبه، فقال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة: 11) وقال أيضا: )قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الأَلْبَابِ) (الزمر: 9).

- كما ذكر الله (تعالى) العلماء، بعد ذاته العلية وملائكته في أعظم شهادة وأقدسها، قال تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُو العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) (آل عمران: 18).

- والعلماء هم من فازوا بالخيرية التي ذكرها النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) في قوله: "مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ "(رواه البخاري).

- فمن سلك طريقا يبتغى فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، كما قال رسولنا (صلى اللهُ عليه وسلم)" مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ ".

- كما أن العلماء يستغفر لهم من في السماوات ومن في الأرض؛ فقد قال رسول الله (صلى اللهُ عليه وسلم)" وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ".

- كما يبين لنا الرسول (صلى اللهُ عليه وسلم) مقام العالم من العابد فيقول: "وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ"، ومع كون هذه المقارنة عظيمة، إلا أن هناك مقارنة أعظم، ذكرها رسول الله (صلى اللهُ عليه وسلم) فَقَالَ: " فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ "، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ" (رواه الترمذي وقال حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ).

- كما أن الناظر في سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) يجد أن أجر العلم لم يقف عند حياة العبد بل يمتد إلى ما بعد موته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى اللهُ عليه وسلم) قَالَ: "إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" (رواه مسلم).

مَا الْفَضْلُ إِلا لأَهْلِ الْعِلْـمِ إِنَّهُــمُ *** عَلَى الْهُدَى لِمَنْ اسْتَهْـدَى أَدِلاَّءُ
فَفُـزْ بِعِلْمٍ وَلا تَطْلُبْ بِـهِ بَـــــدَلاً *** فَالنَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَـاءُ

إن للعلم أثرا طيبا على الفرد والمجتمع؛ فبه تتفاضل الناس، كما تتفاضل به الأمم؛ فقد قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) (الزمر: 9) ولله در القائل :

العلم يرفع بيوتا لا عماد لها *** والجهل يهدم بيوت العز والكرم

عن ابن عباس (رضي اللهُ عنهما) قال: "كانَ عُمَرُ (رضي اللهُ عنه) يُدْخِلُنِي مع أشْيَاخِ بَدْرٍ، فَكَأنَّ بَعْضَهُمْ وجَدَ في نَفْسِهِ، فَقالَ: لِمَ تُدْخِلُ هذا معنَا ولَنَا أبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟! فَقالَ عُمَرُ: إنَّه مَن قدْ عَلِمْتُمْ، فَدَعَاهُ ذَاتَ يَومٍ فأدْخَلَهُ معهُمْ، فَما رُئِيتُ أنَّه دَعَانِي يَومَئذٍ إلَّا لِيُرِيَهُمْ، قالَ: ما تَقُولونَ في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أنْ نَحْمَدَ اللَّهَ ونَسْتَغْفِرَهُ إذَا نُصِرْنَا وفُتِحَ عَلَيْنَا، وسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شيئًا، فَقالَ لِي: أكَذَاكَ تَقُولُ يا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقُلتُ: لَا، قالَ: فَما تَقُولُ؟ قُلتُ: هو أجَلُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعْلَمَهُ له، قالَ: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)، وذلكَ عَلَامَةُ أجَلِكَ، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)، فَقالَ عُمَرُ: ما أعْلَمُ منها إلَّا ما تَقُولُ" (رواه البخاري).

فطلب العلم والتفوق فيه من مقومات الحياة في المجتمع، فلا يمكن أن تبنى حضارة دون أن يكون أحد أركانها العلم؛ فبالعلم تتطور الأمم والمجتمعات وتنهض وتتقدم؛ وإن الناظر في تاريخ الأمم قديمها وحديثها، يلاحظ أن تحضرها ورقيها كان مرتبطا بالعلم ارتباطا وثيقا؛ فالعلم ابتكار وتطوير للصناعة والزراعة والصحة والطب والهندسة وغير ذلك من المجالات والتخصصات التي يحتاجها المجتمع، ومن ثم فليعلم كل منا أن طلب العلم لا يقف عند العلوم الشرعية فحسب، بل إن الأمم تحتاج إلى كل علم نافع في جميع المجالات التي فيها مصلحة البشرية، وتيسير أمور حياتها؛ كالطب والهندسة والكيمياء، والرياضيات، والميكانيكا، وعلوم الحاسوب والتكنولوجيا، والبناء، والملاحة ... الخ ؛ فحينما مدح الله (سبحانه وتعالي) داود وسليمان (عليهما السلام) في القرآن بالعلم، فقال تعالى: (لَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) (النمل: 10) لم يقتصر هذا على الدين فحسب؛ بل كان منه صناعة الحديد ومنه منطق الطير، كما قال تعالى: ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (النمل16) كما أن قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر: 28) جاء في معرض الحديث عن العلوم الكونية، إذ يقول الله (سبحانه وتعالى): (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) ( فاطر: 27، 28) مما يدل على اهتمام الإسلام ودعوته إلى العلم النافع في جميع المجالات.

فحرى بالآباء والأبناء الاهتمام بالعلم، والحرص على طلبه، فهو سبيل التقدم والرقى، ولله در القائل:

بالعلم والمال يبني الناس ملكهم *** لم يبن ملك على جهل وإقلال

نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا
وأن يحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومــدرس
دكتوراه في الفقه المقارن


  لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


google-playkhamsatmostaqltradent