خطبة بعنــــوان:
الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية المشرفة
للشيخ /
محمد حســــن داود
(3 محرم 1445هـ - 21 يوليو 2023م)
العناصـــــر : مقدمة.
- الهجرة النبوية درسا عمليا راقيا في الأخذ بالأسباب.
- أثر الأخذ بالأسباب.
- الأخذ بالأسباب من صميم التوكل على الله (عز وجل).
- الأخذ بالأسباب في حياة الأنبياء.
- الهجرة التي نحتاج إلى تحقيقها.
الموضوع: الحمد
لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ
اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي
الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ
اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ
كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا
وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (التوبة40) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في
حديثه الشريف:" لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ
تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ
بِطَانًا " (مستدرك الحاكم) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه،
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
------------------------------
فستظل السيرة النبوية
منبعا عذبا وموردا صافيا ينهل منه المسلمون الدروس والعبر في كل زمان ومكان، وإن كانت الهجرة من مكة إلى المدينة قد انتهت
بفتح مكة؛ إذ يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ
مَكَّةَ"، إلا أن معاني الهجرة ستبقي متجددة، وستظل دروسها خالدة بقاء الدهر؛
فالمتأمل في أحداث الهجرة النبوية يرى في طياتها دروسا جليلة، ومعان سديدة، من
أهمها: "الأخذ بالأسباب".
فلقد بدت أحداث الهجرة النبوية درسا
عمليا راقيا في الأخذ بالأسباب، إذ يذهب النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى أبي بكر
(رضي الله عنه) في وقت شديد الحر حين يستريح الناس في بيوتهم حتى لا يراه أحد،
فيأمر أبا بكر أن يُخرج من عنده حتى يكون الأمر بينهما فقط، فعَنْ عَائِشَةَ (رضي
الله عنها)، قَالَتْ: لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِي عَلَى النَّبِيِّ (صلى الله
عليه وسلم)، إِلَّا يَأْتِي فِيهِ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَيِ
النَّهَارِ، فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ فِي الخُرُوجِ إِلَى المَدِينَةِ، لَمْ
يَرُعْنَا إِلَّا وَقَدْ أَتَانَا ظُهْرًا، فَخُبِّرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ:
مَا جَاءَنَا النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا
لِأَمْرٍ حَدَثَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: "أَخْرِجْ
مَنْ عِنْدَكَ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ،
يَعْنِي عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ، قَالَ: "أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي
فِي الخُرُوجِ". قَالَ: الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:
"الصُّحْبَةَ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِنْدِي نَاقَتَيْنِ
أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ، فَخُذْ إِحْدَاهُمَا، قَالَ: " قَدْ أَخَذْتُهَا
بِالثَّمَنِ " (رواه البخاري)، كما جهز النبي (صلى الله عليه وسلم) الوسائل
الضرورية للسفر قبل الموعد بزمن كاف، لتفادي السرعة والارتباك، الذين قد يكونا
لحظة الهجرة، وحتى لا يلفت الأمر انتباه قريش، كما حرص الرسول (صلى الله عليه
وسلم) على توزيع الأدوار والاختصاصات وتحديد المسئوليات، فكان أبو بكر الصديق (رضي
الله عنه) يرافق الرسول (صلى الله عليه وسلم) ويعاونه ويساعده، وعلى (رضي الله
عنه)، ينام في فراش النبي (صلى الله عليه وسلم) للتمويه ولرد الأمانات والودائع
لأصحابها، وعبد الله بن أبي بكر لنقل أخبار قريش إلى النبي وصاحبه، وأسماء بت أبى
بكر تحمل الغذاء إلى النبي وصاحبه، وعامر بن فهيرة يسلك بأغنامه طريق الغار، ليزيل
آثار الأقدام المؤدية إليه، ثم يسقي النبي (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه من لبن هذه
الأغنام، كما استعان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعبد الله بن أريقط الليثي؛
ليدله على أفضل الطرق الخفية إلى المدينة باعتباره خبيرا ماهرا في الطرق، غير أنه
يتحلى بالرجولة، فلا تضعف نفسه أمام مكافآت ترصدها قريش، ومن أمر الأخذ بالأسباب
في أحداث الهجرة، تهيئة التربة الصالحة في المدينة، لاستقبال النبي (صلى الله عليه
وسلم) وأصحابه، فكان لابد من اختيار من يجمع بين الكفاءة العلمية، والشجاعة
النفسية، والجرأة الدعوية، والفطنة التواصلية، بحيث يستطيع أن يدخل الإسلام إلى كل
بيت من بيوت المدينة فاختار النبي (صلى الله عليه وسلم)، لهذه المهمة مصعب بن
عمير، الذي يعتبر نموذجاً للعلم والشجاعة والفطنة وفن التواصل.
كما أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم
يعتمد على الأسباب تاركا رب الأسباب إنما كان يعلم أن الأسباب وحدها لا تضر ولا
تنفع ولا ترزق ولا تمنع إلا بأمر مسبب الأسباب، قال تعالى: (وتَوَكَّلْ عَلَى
الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) (الفرقان58) فالتوكل من
الإيمان، فقد قال تعالى (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)
(المائدة23) وقال تعالى (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ
تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) (يونس84) ولذا كانت عناية الله (عز وجل)
تصاحبه صلى الله عليه وسلم وصاحبه، في كثير من مواطن الهجرة منها :
ما وقع له عند خروجه من مكة، وقد تآمرت
به قريش ليقتلوه بضربة رجل واحد ليتفرق دمه في القبائل، قال تعالى (وَإِذْ
يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ
يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ
الْمَاكِرِينَ)الأنفال30) إذ يخرج (صلى الله عليه وسلم) من بيته بحفظ الله تعالى
له، وفي رعايته وعنايته وهو يخترق صفوف المشركين، فلقد أخرج الإمام أحمد في مسنده،
عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال
: تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا أَصْبَحَ
فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ يُرِيدُونَ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم)، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ بَلِ اقْتُلُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ أَخْرِجُوهُ. فَأَطْلَعَ
اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ (صلى
الله عليه وسلم) تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَخَرَجَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم)
حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا
يَحْسِبُونَهُ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) يَعْنِي يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى
يَقُومُ فَيَفْعَلُونَ بِهِ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا أَصْبَحُوا
وَرَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ فَقَالُوا أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا؟
قَالَ: لَا أَدْرِي فاقتصوا أَثَرَهُ. فَلِمَا بَلَغُوا الْجَبَلَ اخْتَلَطَ عَلَيْهِمْ
فَصَعِدُوا الْجَبَلَ فَمَرُّوا بِالْغَارِ فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ
العنكبوت فَقَالُوا لَو دخل هَا هُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى
بَابِهِ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ"
وفي خبر سراقة بن مالك وهو يلحق بالنبي
(صلى الله عليه وسلم) وصاحبه، خير دليل على عناية الله ورعايته لنبيه (صلى الله
عليه وسلم) وصاحبه؛ فحينما اقترب منهما وهو على فرس له، ورآه أبو بكر وقع في نفسه
الخوف والحزن، فالتفت أبو بكر، فقال: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا، فقال النبي
(صلى الله عليه وسلم): ( لا تحزن إن الله معنا).
وفي ذلك، يقول أبو بكر (رضي الله عنه) ـ كما في صحيح مسلم ـ "
فَارْتَحَلْنَا بَعْدَمَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ
قَالَ وَنَحْنُ فِي جَلَدٍ مِنْ الْأَرْضِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُتِينَا
فَقَالَ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ
(صلى الله عليه وسلم) فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا أُرَى فَقَالَ
إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ فَادْعُوَا لِي
فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ فَدَعَا اللَّهَ فَنَجَا
فَرَجَعَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ قَدْ كَفَيْتُكُمْ مَا هَاهُنَا فَلَا
يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ".
وتظهر صورة من أجل صور العناية الإلهية
والرعاية الربانية للنبي (صلى الله عليه وسلم) في الهجرة؛ عندما استكن النبي
وصاحبه الغار واشتد المشركون في طلبهما وتعقّبوا كل مكان يمكن أن يختبئا فيه،
ووصلوا إلى باب الغار، إذ اشتد الأمر على أبي بكر، فعاجله النبي (صلى الله عليه
وسلم) بأن عناية الله تحوطنا، قال تعالى (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله
إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ
إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ
سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ
الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا) (التوبة40)،
وفي هذا يروي الإمام مسلم بسنده عن أبي بكر (رضي الله عنه) قال " نَظَرْتُ
إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ ،
فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ
أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ ، فَقَالَ "يَا أَبَا بَكْرٍ : مَا ظَنُّكَ
بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ".
ومن ثم فان عناية الله (عز وجل)
ورعايته تلازم السعي والجد والأخذ بالأسباب، وها هو عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)
يشير إلى هذا المعنى حين رأى من يترك الأسباب ويجلس في المسجد ينتظر الرزق دون عمل
أو سعى قال : لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول: " اللهم ارزقني " وقد
علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وإن الله تعالى يقول: فَإِذَا قُضِيَتِ
الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ ) (الجمعة
10).
ومما يجدر بنا التأكيد عليه أن الأخذ بالأسباب
لا ينافي التوكل على الله؛ بل إن الأخذ بالأسباب هو عماد التوكل على الله (تعالى)،
فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، فلا يُترك
الأخذ بالأسباب ولا يُترك التوكل على الله، فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رضي
الله عنه)، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ)،
قَالَ: " لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ،
لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا"
(مستدرك الحاكم)، يقول سهل بن عبد الله ألتستري" من طعن في الحركة - (يعني في
السعي والكسب والأخذ بالأسباب ) - فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل، فقد طعن
في الإيمان، فالتوكل حال النبي (صلى الله عليه وسلم)، والكسب سنته، فمن عمل على
حاله، فلا يتركن سنته.
والمتدبر لحاله صلى الله عليه وسلم
يجده لم يترك الأخذ بالأسباب في أموره جميعها، وهذا مما دعا أصحابه إليه وحثهم
عليه للوصول إلى حياة كريمة مشمسة بالخير والتقدم والرقى حتى في أقل الأشياء فعن
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَعْقِلُهَا
وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ (يعنى ناقته ) وكأنه كان يفهم أن
الأخذ بالأسباب ينافي التوكل على الله (تعالى) فوجه النبي (صلى الله عليه وسلم)
إلى أن مباشرة الأسباب أمر مطلوب ولا ينافي بحال من الأحوال التوكل على الله (تعالى)
ما صدقت النية في الأخذ بالأسباب، فقال له صلى الله عليه وسلم: " اعْقِلْهَا
وَتَوَكَّلْ ".
إن الأخذ بالأسباب من صميم التوكل على
الله (سبحانه وتعالى)، وإن عناية الله (جل وعلا) وتوفيقه تصاحب أهل التوكل عليه، فالأخذ
بالأسباب أساس النجاح والتقدم والرقي؛ لذلك إذا تدبرننا القرآن الكريم و نظرنا في حال
الأنبياء لوجدنا أن الأخذ بالأسباب من نهجهم وسنتهم؛ ومن ذلك: نبي الله أيوب (عليه
السلام) حينما أخذ بالأسباب فدعي الله (سبحانه وتعالى) بالشفاء و حينما أخذ بالأسباب
مرة ثانية فضرب الأرض برجله امتثالا لأمر الله (تعالى) فنبع الماء فأغتسل وشرب، فذهب
جميع ما كان في بدنه من الأذى وجميع ما كان في باطنه من السوء وتكاملت العافية ظاهرا
وباطنا، قال تعالى (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ
الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ
) (ص 41 -42)، قال السعدي في تفسيره: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ): "أي اضرب الأرض بها،
لينبع لك منها عين تغتسل منها وتشرب، فيذهب عنك الضر والأذى، ففعل ذلك، فذهب عنه الضر،
وشفاه الله تعالى" وهنا قد يقول العقل: رجل يضرب برجله الأرض فينبع الماء من تحت
قدمه؟ والأشد أن به من المرض ما به، فكيف ذلك ولو كان صحيحا ما نبع الماء تحت قدمه،
ليس ذلك فحسب، بل إن باغتساله (عليه السلام) بالماء وشربه منه يذهب الضر والأذى؟ إنها
قدرة مسبب الأسباب، إنه الأخذ بالأسباب، فلا ينبغي تركها وإن كانت ضعيفة.
ستبقى معاني
الهجرة متجددة، وستظل دروسها خالدة، فيما يجب أن نعلم أن من معاني الهجرة التي
نحتاج إلى تحقيقها في كل زمان: هجرة المعاصي والذنوب، هجرة الخطايا والآثام، إذ يقول صلى
الله عليه وسلم "وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى
اللَّهُ عَنْهُ" وفي رواية: "وَالْمُهَاجِرُ مَنْ
هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ"، كما تشمل: هجرة الأفكار
المغلوطة، هجرة المنكرات، هجرة الرذائل، هجرة الأخلاق السيئة. فما أحوجنا أن
نعيش بالقلب والجوارح الدروس والعبر من سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم)، فنأخذ من مشكاته،
ونقتدي به في سيرته وسريرته، وفي سائر أحواله، حتى تستقيم دنيانا وآخرتنا.
اللهم ارزقنا حسن التوكل عليك
واحفظ اللهم مصر
من كل مكروه وسوء
=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ---- اضغط هنا