recent
آخر المشاركات

من دروس شهر رمضان أخلاق الصائمين

 

                   من دروس شهر رمضان أخلاق الصائمين




 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

إن الصيام عبادة وثيقة الصلة بالقلب والجوارح، فهو مدرسة عظيمة تقوي الجوانب الإيمانية في قلب المسلم، والأخلاق الراقية والسلوك الطيبة في معاملاته مع الناس؛ إذ إن العبادات في الإسلام لم تشرع مجردة من المقاصد والغايات، بل إنها لتحمل في جوهرها قيم سامية، وغايات نبيلة، وحكم باهرة، وأسرار جليلة؛ ومن ذلك: تهذيب النفوس، وتزكيتها، وتربيتها على الأخلاق الفاضلة، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ"

فالصلاة تعالج النفس البشرية من نوازع السوء حتى تصفو من الرذائل، ويبتعد صاحبها عن كل منكر، قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت 45) ولهذا لما قيل للنبي (صَلى الله عليه وسلم): إِنَّ فُلانًا يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ، قَالَ:  "سَيَنْهَاهُ مَا تَقُولُ" (رواه ابن حبان). وفي الزكاة تطهير النفوس من الرذائل وتنقيها من الآفات؛ كالشُّح والبخل، وتحليها بالفضائل ومكارم الأخلاق، فقد قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة 103). وكذلك في الحج؛ حيث قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (البقرة 197).

والإسلام لم يقصر النظرة إلى الصيام على أنه حرمان مؤقت من الطعام والشراب، وهذا ما بينه المصطفى (صلى الله عليه وسلمَ) في قوله: " لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ " (رواه ابن خزيمة) بل إن الإسلام اعتبر الصيام مدرسة عظيمة، يسمو الإنسان فيها بالنفس إلى درجة التقوى، ويعود نفسه فيها الصبر على طاعة الله، ويتعلم فيها الأمانة في العبادات، يشعر فيها بالفقير والمحتاج، ويقضى حاجة الأرملة واليتيم، يصون فيها الحواس عن الشرور والآثام، يلتزم فيها بالسلوك الحسنة، والمعاملات الطيبة، فقد قال (صَلى الله عليه وسلم): "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " (رواه البخاري).

فمن صام عن الطعام والشراب، ولم يصم لسانه عن أذى الناس والخوض في أعراضهم، ولم تصم يده عن إيذاء الآخرين والنيل منهم، فما أتم حقيقة الصيام؛ فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ" (رواه ابن ماجه)، ولذلك يقولَ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ (رضيَ اللهُ عنْهُمَا): "إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلاَ تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً"،

فأين حقيقة الصيام والقيام وسائر العبادات، إن كان المرء يصوم عن الطعام والشراب، ولم يحسن معاملة الناس والرسول (صلى الله عيه وسلم): يقول "وإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ، كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ". إن كان يصوم عن الطعام والشراب ولكنَّه لا يصوم عن السباب والفحش وإيذاء الناس في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، والرسول (صلى الله عليه وسلمَ) يقول: "إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ" (رواه البخاري) ويقول أيضا: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ". وعن أَبَى هُرَيْرَةَ قال " قِيلَ لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "لا خَيْرَ فِيهَا، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، قَالُوا: وَفُلانَةٌ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ، وَلا تُؤْذِي أَحَدًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ " .

لذلك ولغيره لما سئل النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الْإِنْسَانُ؟ قَالَ: "خُلُقٌ حَسَنٌ" (مستدرك الحاكم) فبحسن الأخلاق والسلوك، يصل العبد إلى درجة الصائم القائم، فعَنْ عَائِشَةَ (رضِي اللهُ عنها) قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ) يَقُولُ "إنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ" (رواه أبو داود).

إذا لم يكن في السمع مني تصــــاون *** وفي بصري غضٌّ وفي منطقي صمت

فحظِّي إذاً من صومي الجوع والظما *** فإن قلت: إني صمت يومي فما صمـت

إن خيرية العبد لا تقاس بصلاته وصيامه فحسب، بل لا بد من النظر في أخلاقه، فقد قال صلى الله عليه وسلم "خيارُكم أحاسِنُكم أخلاقًا" (متفق عليه) ومن ثم: فمن سره أن يخرج من صيام رمضان وقد غفرت له الذنوب، ورفعت له الدرجات، فليلحق بركب أقرب الناس إلى الحبيب المصطفى مجلسا، وأحبهم إليه يوم القيامة، فقد قال صَلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا ".

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت

واصرف عنِّا سيِّئها، لا يصرف عنِّا سيِّئها إلا أنت

وأكتبنا اللهم من عتقاء هذا الشهر من النار

واحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود

إمام وخطيب ومـــــــــــدرس

باحث دكتوراه في الفقه المقارن

 لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر       -----        اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى)    اضغط هنا 
لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر       -----         اضغط هنا 


لتحميــل الخطبة  word   جوجل درايف     -----        اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   جوجل درايف (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf    جوجل درايف     ----         اضغط هنا

google-playkhamsatmostaqltradent