recent
آخر المشاركات

خطبة بعنــــوان: أمانة العامل والصانع وإتقانهما - للشيخ / محمد حســــن داود (24 شوال 1445هـ - 3 مايو 2024م)

 

خطبة بعنــــوان:
أمانة العامل والصانع وإتقانهما
للشيخ / محمد حســــن داود
(24 شوال 1445هـ -  3 مايو 2024م)


العناصــــــر:      مقدمة :
- الأمانة ومكانتها.
- مكانة العمل والصناعة.
- العمل والصناعة في حياة الانبياء والصحابة.
- إتقان العمل والصناعة واجب ديني ووطني.
- من صور الأمانة والإتقان في العمل والصناعة.
- دعوة إلى تحقيق الأمانة والإتقان في العمل.

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(البقرة 195)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ"، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

إن من أعظم الأخلاق والفضائل التي تُحفظ بها الحقوق، وتستقيم موازين الحياة: "الأمانة". فهي قيمة نبيلة، وخلق جليل، وصفة حميدة، فريضة عظيمة حملها الإنسان، بينما لم تحملها السماوات والأرض والجبال لعظمها وثقلها، قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب72).

وعليه فإن للأمانة مكانة عظيمة، وقدر جليل؛ فهي أم الفضائل، لؤلؤة نفيسة، خلق يجمع أخلاق، وصفة تجمع صفات؛ فالأمين صادقا، حييا، عفيفا، جوادا، رحيما، مخلصا، متقنا، وفيا، يجمع مكارم الأخلاق صغيرها وكبيرها، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، إِلَّا قَالَ: "لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ " (رواه أحمد والبزار).

وكما أن الأمانة عظيمه في قدرها فهي واسعة في دائرتها، فلم تكن الأمانة قاصرة على رد الودائع فقط، بل إن الأمانة لتسع المشارق والمغارب من أمور الدين والدنيا، فتشمل كل ما يوكل للمرء من عمل ويكلف به من أمر، فلها صور عديدة ومجالات واسعة، ومن ذلك أمانة العامل والصانع:

فما يتنفس الصباح، ويبزغ الفجر، إلا وترى الناس يخرجون من بيوتهم، إلى حرفهم وصناعاتهم، ومحل عملهم، كل عامل، كل صاحب صنعة أو حرفة يغدو، يسعى للكسب، يأمل أن ينال من رزق الله وفضله وعطائه، أولئك مدحهم القرآن الكريم، ومدحهم النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال تعالى: (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(المزمل 20) وعن رافع بن خديج (رضي الله عنه): قيل يا رسولَ اللهِ أيُّ الكسبِ أطيَبُ؟: قال: "عملُ الرَّجلِ بيدِه وكلُّ بيعٍ مبرورٍ"، وعنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ (أي لا ينقصه ويأخذ منه) إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ" (رواه مسلم)، وعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ (رضي الله عنه) أَنَّ رَجُلاً مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) مِنْ جَلَدِهِ وَنَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): "إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ لِيَعِفَّهَا فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَهْلِهِ فَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى تَفَاخُرًا وَتَكَاثُرًا فَفِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ"(المعجم الكبير للطبراني).

ومما لا شك فيه أن للصناعة والعمل على وجه العموم أهمية عظيمة في تقدم الفرد والمجتمع، ولهذه الأهمية والمكانة كان للأنبياء عليهم (الصلاة والسلام) حرفهم وصناعاتهم، فقد جاءت آيات وأحاديث تدل على ذلك، فهذا نوح (عليه السلام) كان يعمل في النجارة وصناعة السفن: قال تعالى: (وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (هود 37)، كذلك كان عمل زكريا (عليه السلام) في النجارة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: " كَانَ زَكَرِيَّا نَجَّارًا". وفي المستدرك عن ابن عبَّاس (رضي الله عنهما): أنه قال لرجل: "أُحَدِّثُكَ عَنْ آدَمَ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا حَرَّاثًا، وَأُحَدِّثُكَ عَنْ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا نَجَّارًا، وَأُحَدِّثُكَ عَنْ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا خَيَّاطًا، وَأُحَدِّثُكَ عَنْ دَاوُدَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا زَرَّادًا، وَأُحَدِّثُكَ عَنْ مُوسَى أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا رَاعِيًا، وَأُحَدِّثُكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا زَرَّاعًا، وَأُحَدِّثُكَ عَنْ صَالِحٍ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا تَاجِرًا" (عليهم الصلاة والسلام).

فهؤلاء هم الأنبياء، شرفوا هذه الصناعات باحترافهم لها؛ ومع ذلك لم تمنعهم عباداتهم عن أعمالهم وصناعاتهم، فهذا سيدنا داود يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) عن عبادته: "أَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُدَ، وَأَحبُّ الصيامِ إِلَى اللَّهِ صِيامُ دَاوُدَ، كانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْل وَيَقُومُ ثُلُثَهُ ويَنَامُ سُدُسَهُ وَيصومُ يَومًا وَيُفطِرُ يَومًا" (متفقٌ عليه) ومع هذه العبادة، ومع كثرة صيامه، إلا أنه لم يترك صناعته، أو يقصر فيها، فلم تمنعه عبادته هذه مع كثرتها عن عمله مع مشقته، فقد قال تعالى: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ) (الأنبياء 80)، ويقول النبي (صلَّى اللهُ عليه وسلم): "ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ" (رواه البخاري).

ولقد علمتم حاله صلى الله عليه وسلمَ فقد عمل راعيا للأغنام، وتاجرا، وانظر يوم بناء المسجد، فقد كان ينقل الطوب مع الصحابة حتّى قال أحدُهُم:

لئن قعدْنَا والنبيُّ يعملُ *** لذاك منا العملُ المضللُ

فالصحابة الكِرام من المهاجرين والأنصار كانوا أيضا أصحابَ مهن وحرف؛ فمنهم اللَّحَّام، ومنهم الجزَّار، ومنهم الحدَّاد، ومنهم الخيَّاط، ومنهم النَّسَّاج، ومنهم النَّجَّار ...؛ سعيا إلى الرزق والكسب وعفاف النفس عن الحاجة، وهذا مما أكد عليه النبي (صَلى الله عليه وسلم)، إذ يقول: "لَأَنْ يأخذَ أحدُكم حَبلَه، فيأتيَ بحُزمة الحَطبِ على ظهره فيبيعَها، فيَكُفُّ اللهُ بها وَجهَه، خيرٌ له من أن يسأل الناس، أَعطَوْه أو منعُوه" (متفق عليه)، وعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنه كان يقول: "إنِّي لأرى الرَّجل فيعجبني، فأقول: له حِرفة؟ فإن قالوا: لا، سَقَطَ من عيني".  ويقول عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): "يَا حَبَّذَا الْمَالُ أَصُونُ بِهِ عِرْضِي وَأُرْضِي بِهِ رَبِّي"، كما يُروَى أنَّ رجلًا مرَّ على أبي الدرداء (رضي اللهُ عنه) فوجدَهُ يغرسُ جوزةً، وهو في شيخوختِهِ وهرمِهِ، فقالَ لهُ: أتغرسُ هذه الجوزةَ وأنتَ شيخٌ كبيرٌ، وهي لا تثمرُ إلّا بعدَ كذا وكذا عامًا ؟! فقال أبو الدرداء: "وما عليَّ أنْ يكونَ لي أجرهَا ويأكلُ منهَا غيري".

ولقد كان النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)، يشيد بالمبدعين والمتقنين من أصحاب الصنائع، ويُوكلهم بالأعمال؛ فعَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَنَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ فَكَانَ يَقُولُ: "قَدِّمُوا الْيَمَامِي مِنَ الطِّينِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحْسَنِكُمْ لَهُ مَسًّا" (رواه ابن حبان)، وزاد أحمد: "وأشدُّكم منكبًا". وفي رواية قَال طلق بن علي: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ، وَهُوَ يُؤَسِّسُ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، فَجَعَلْتُ أَحْمِلُ الْحِجَارَةَ كَمَا يَحْمِلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) :"إِنَّكُمْ يَا أَهْلَ الْيَمَامَةِ أَحْذَقُ شَيْءٍ بِإِخْلَاطِ الطِّينِ، فَاخْلِطْ لَنَا الطِّينَ" فَكُنْتُ أَخْلِطُ لَهُمِ الطِّينَ وَيَحْمِلُونَهُ"(رواه الطبراني).

إذ إن إتقان العمل والصناعات والتحلي بروح الأمانة فيها من أهم الواجبات العملية التي حث عليها الإسلام، هو طاعة يتقرب بها المسلم إلى ربه، ويرقى بها إلى مرضاته سبحانه وتعالى، فقد قال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(البقرة 195) وعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ (رضي الله عنها) أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ".

اذا عمل المـرءُ المكلف مرةً *** عملًا فإنّ العيبَ ألّا يحسنه
فقــــدْ ذكرَ المختارُ أنّ إلهنَا *** يحـبُّ لعبــــدٍ خافَهُ أنْ يتقنَه

وليس الإتقان واجبا دينيا فحسب بل هو واجب وطني أيضا؛ نعم، إن إتقان العمل والصناعة والتحلي بروح الأمانة فيهما قيمة حضارية، عليها تقوم الحضارات، ويعمر الكون، وتثرى الحياة، وتتقدم الأمم، وتزدهر المجتمعات. فما كان لأي حضارة أن تنهض، ولا لأسرة أن ترقى، ولا لفرد أن ينجح، ما لم يأخذوا بهذا المبدأ العظيم ألا وهو مبدأ الإتقان في كل شيء.

والمتدبر في القرآن الكريم يجد أن الكون كله خلق بإتقان؛ فكلما تدبرت الخَلْق ترى التقدير بميزان، والحساب بإتقان، قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر49)، وقال جل وعلا: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ) (الملك 3)، وفي  ذلك دلالة واضحة إلى أهمية الإتقان وعلو مكانته ورفعة شأنه.

ولقد حكى لنا القرآن الكريم أن الالتزام بالإتقان من شيم وسمات الأنبياء والمرسلين، فهذا نبي الله موسى (عليه السلام) لما تعاقد مع الرجل الصالح على عمل محدد بزمن محدد، اذ يقول الله (عز وجل): (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ * فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارً) (القصص 27-29) لم يقصر في مهمته، ولم يترك وظيفته، ولم يغادر موقع عمله حتى قضى الأجل زمانا ومكانا، فلما انقضى الأجل غادر محمود السيرة... وهذا من أجل صور الإتقان في العمل.

كذلك من صور الاتقان في العمل والصناعات: الوفاء بالعهود والعقود كيفا وكما وموعدا، فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) (المائدة1) ففي الوفاء بالعهود والعقود ما يزيد الثقة بين الناس، وينشر المحبة بينهم، وفي نقض العهود والعقود، ما يذهب بالثقة بين الناس، وينشب الخلافات، ولقد قال صلى الله عليه وسلم "المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً".

- التعامل بالصدق والأمانة ويقظة الضمير: فالعامل والصانع التقي النقي الصادق الأمين يراقب الله (عز وجل) في عمله وصنعته وحرفته، يعلم أن الله (سبحانه وتعالى) مطلع عليه، فيؤدي عمله على الوجه المطلوب شرعا، وقد قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (النساء1) وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (المجادلة 7) وقال تعالى: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الحديد4) وروى الطبراني، عن زيد بن أسلم، أنه قال: " مرّ ابن عمر براعي غنم فقال : يا راعي الغنم هل مِن جَزرة ؟ قال الراعي : ليس ها هنا ربها ، فقال ابن عمر : تقول أكلها الذئب ! فرفع الراعي رأسه إلى السماء ثم قال : فأين الله ؟ قال ابن عمر : فأنا والله أحق أن أقول فأين الله ، فاشترى ابن عمر الراعي واشترى الغنم فأعتقه وأعطاه الغنم ".

فما أحوج الأمة وما أحوج شبابها وأجيالها أن تتحلى بالإتقان في كل عمل، فكل عمل أقيم بإتقان عاد على الأمة جميعها بالخير.

ولقد حُكي أن مقاولا معماريا يعمل في شركة عقارية كبيرة، وكان هذا المقاول متميزا بإتقانه في عمله، فلما تقدم به العمر رغب في التقاعد، فتقدم بطلب التقاعد، فحاول صاحب الشركة أن يثنيه عن هذا القرار، وأكثر له من المغريات ، إلا أن المقاول كان قد أنهى القرار، فوافق صاحب الشركة على طلبه شرط أن يقوم هذا المقاول ببناء منزل أخير، فيختم به سجل عمله الحافل، فوافق المقاول على هذا الشرط ولكن على مضض بعد أن أصر صاحب الشركة على هذا الأمر. ولأن المقاول كان يعلم أن هذا البيت هو آخر بيت يبنيه؛ ولأنه لا يعتبر هذا البيت إلا رقما صغيرا في عدد البيوت التي بناها، فقد تساهل في العمل ولم يتقنه، وأسرع في إنجاز مهمته على حساب الجودة والإتقان، وعندما انتهى المقاول من البناء أسرع إلى صاحب الشركة ليخبره بأنه أنجز ما عليه من مهمة وليسلمه مفتاح البيت، ولكن صاحب الشركة فاجأه بابتسامة، وقال له: اسمح لي أن أقدم لك هذا البيت هدية مني مقابل إخلاصك وتفانيك في السنوات الماضية، ولقد كان إصراري على أن تقوم أنت ببناء هذا البيت لما رأيته منك من إتقان للعمل !!!!!. لقد ندم المقاول كثيرا على تفريطه وعدم إتقانه هذا العمل .

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق واصرف عنا سيئها
واحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

 لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


 

google-playkhamsatmostaqltradent