خطبة
بعنــــوان:
لغة القرآن والحفاظ على الهوية
للدكتـــــور/ محمد حســــن داود
(5 جمادى الآخرة 1446هـ - 6 ديسمبر 2024م)
العناصـــــر :
- أثر اللغة العربية في فهم صحيح الدين.
- لغة القرآن والحفاظ على الهوية.
الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد
لله الذي جعل العربية لنا لسانا، وزادها شرفا وجمالا وبيانا، وأنزل بحروفها القرآن
الكريم، قال سبحانه: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ) (يوسف: 2) وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا
ونبينا محمدا عبده ورسوله، أفصح الناس لسانا وأجملهم بيانا، وهبه ربه جوامع الكلم
ففاق الناس فضلا وجمالا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه،
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فمن عظيم قدرة الله (عز وجل) وحكمته اختلاف
ألسنة الناس ولهجاتهم ولغاتهم، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)
(الروم: 22)؛ فاللغة هي الوعاء الحامل للمعاني والثقافات، مرآة العقل، أداة التفكير،
هي الرابط بين المسافات، الركن الأول في التواصل والتخاطب، الوسيلة الأولى للتفاهم
وبث المشاعر، هي أحد أهم العوامل المؤثرة في بناء الشخصية، ولقد كتب بعض الحكماء لبنيه:
"يَا بَنِيَّ، أَصْلِحُوا أَلْسِنَتَكُمْ، فَإِنَّ الرَّجُلَ تَنُوبُهُ النَّائِبَةُ،
فَيَسْتَعِيرُ دَابَّةَ أَخِيهِ وَثَوْبَ أَخِيهِ، وَلا يَجِدُ أَحَدٌ يُعِيرُهُ لِسَانَهُ".
وهذا القدر من أهمية اللغة مشترك بين الإنسان واللغات
كافة في كل مكان وزمان، إلا أن اللغة العربية هي أصلح اللغات، وأدقها في التعبير،
وأطربها للآذان، وأجملها في النظم والخط، هي أجمل الكلمات، وأجمع المعاني والعبارات،
وأحسن إشارة وأوجز عبارة، هي أغنى اللغات بالمفردات والمترادفات؛ لها عذوبة في
اللفظ، ونغم في النطق، وجمال في الحديث؛ وفي قول الحق (سبحانه وتعالى): (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ
بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ
عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء: 192- 195)، وقوله عز وجل: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ
* خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (الرحمن: 1-4) دلالة على أن سائر اللغات
دونها في البيان، قال ابن فارس في (الصاحبي): "لما خص جل ثناؤه اللسان العربي
بالبيان عُلم أن سائر اللغات قاصرة عنه وواقعة دونه".
كذلك في مكانتها ودرجتها وأثرها يقول سيدنا عمر
(رضي الله عنه): "تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة" ( شعب الإيمان)،
ويقول مقاتل بن حيّان (رضي
الله عنه): "كَلَامُ أَهْلِ السَّمَاءِ الْعَرَبِيَّةُ، ثُمَّ قَرَأَ: (حم *
وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الزخرف:1-4)"
(مصنف ابن أبي شيبة)، ويقول شعبة (رضي
الله عنه): "تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل".
وإن تنظر التاريخ تجد مدى حب العرب للغتهم
العربية وفخرهم بها واهتمامهم بشأنها، مع أنهم كانوا يتكلمونها بالسليقة والوراثة والعادة
المستمرة، فصيحة سليمة من اللحن والاختلال، لا مشقة تعلم أو تعليم، ومع ذلك اهتموا
بها، فلقد كان من أسباب تهانيهم فيما بينهم نبوغ الشعراء، فلم نعرف من أقام أسواقا
للكلمة غيرهم، أسواق تتنافس فيها الكلمات، أسواق تتسابق فيها المعاني والفصاحة والبيان،
إذ كان من عاداتهم أن يتحدى بعضهم بعضا بالقصيد والخطب، مما يدل على أن الفصاحة والبلاغة
والبيان عندهم من أعظم ما درجوا على الافتخار به. ولقد سمع الأعمش رجلا يلحن في
كلامه؛ فقال: "من الذي يتكلَّم وقلبي منه يتألَّم".
ويكفي اللغة العربية شرفا وفضلا ارتباطها بالقرآن،
واتصالها بسنة النبي (صلى الله عليه وسلمَ)، فهي محفوظة بِحفظِ القُرآن الكَريم، واللهُ
تعالى يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون)
(الحجر: 9)، قال ابن كثير (رحمه الله) عنها في (تفسيره): "أفصحُ اللُّغات،
وأجلاها، وأحلاها، وأعلاها، وأبينُها، وأوسعُها، وأكثرُها تأدِيةً للمعاني التي
تقومُ بالنفوس، فلهذا أُنزِل أشرفُ الكتبِ بأشرفِ اللُّغات".
وإن كان كل نبي أُرسل بلسان قومه كما قال تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) (إبراهيم:
4) فلقد أُرسل نبينا بلسان عربي مبين، فكان أفصح العرب لسانا، وأبلغهم بيانا، فهو صلى
الله عليه وسلم القائل: "بُعِثْتُ بجَوامِعِ الكَلِم" (متفق عليه) فكانت
المعجزة الكبرى والمنة العظمى "القرآن الكريم"، إذ تحدى الحق (سبحانه) العرب
البلغاء الفصحاء أهل اللسان والبيان على أن يأتوا بمثله؛ قال تعالى: ( فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ)
(الطور: 34) أو أن يأتوا ببعض سوره، قال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا
بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (هود: 13) ثم أن يأتوا ولو بسورة من مثله، قال تعالى: (أَمْ
يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ
مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (يونس: 38)، وقال سبحانه (وَإِنْ كُنْتُمْ
فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا
شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا
وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (البقرة: 23-24).
وانظر ماذا قال الوليد بن المغيرة، لما طلبت قريش
منه أن يقول في القرآن قولا يبلغ قومه أنه كاره له، ومنكر له، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)،
أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ
أَبَا جَهْلٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا عَمُّ، إِنَّ قَوْمَكَ يَرَوْنَ أَنْ يَجْمَعُوا
لَكَ مَالًا. قَالَ: لَمَ؟ قَالَ: لِيُعْطُوكَهُ فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا لِتُعْرِضَ
لِمَا قِبَلَهُ قَالَ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا. قَالَ:
فَقُلْ فِيهِ قَوْلًا يَبْلُغُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لَهُ أَوْ أَنَّكَ كَارِهٌ
لَهُ قَالَ: وَمَاذَا أَقُولُ "فَوَاللَّهِ مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمَ بِالْأَشْعَارِ
مِنِّي، وَلَا أَعْلَمَ بِرَجَزٍ وَلَا بِقَصِيدَةٍ مِنِّي وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ،
وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَوَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ
الَّذِي يَقُولُ حَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ
مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا
تَحْتَهُ" (مستدرك الحاكم).
ولما خرج الأصمعي ذات ليلة، فرأى طفلة لم تتعد التاسعة من عمرها تنشد شعرا، فقال لها: يا هذه، ما أبلغك على صغرك! فأجابت: أو يعد هذا فصاحة بجانب قول الله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (القصص:7)؛ فَقد جَمَعَ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ خَبَرَيْنِ، وَأَمْرَيْنِ، وَنَهْيَيْنِ، وَبِشَارَتَيْنِ.
ولمكانة هذه المعجزة الالهية (القرآن الكريم)؛ تجد أن من أدعى النبوة في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) (كمسيلمة الكذاب) يميل بادعائه الى أمور منها ادعاء الإعجاز والفصاحة والبيان؛ لكن هيهات هيهات أن يأتي أحدهم أو جميعهم، بل لو اجتمعت الانس والجن ما جاءوا بمثله، قال تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء: 88).
إن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، قال تعالي:
(وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)
(الزمر: 27- 28)، وقال سبحانه: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ) (الزخرف: 3) ومن ثم فلا يمكن أن نفهم ديننا فهما صحيحا، ولا أن نستقي
أحكامه من الكتاب والسنة إلا بفهم لغتنا العربية فهما دقيقا، قال الإمام السيوطي
(رحمه الله): "ولا شكَّ أنَّ علم اللغة من الدين؛ لأنه من الفروضِ الكفايات،
وبه تُعرفُ معاني ألفاظ القرآن والسنة".
إذ إن القرآن نزل باللسان العربي، ولا شك أنه لا
يصح فهمه وتفسيره إلا عن طريق هذا اللسان، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال"
كُنْتُ لَا أَدْرِي مَا فَاطِرُ السَّمَوَاتِ حَتَّى أتَانِي أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ
فِي بِئْرٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا، أي ابْتَدَأْتُهَا " (شعب
الإيمان).
ورويَ عن الأصمعيِّ قال: "كنتُ أقرأُ
سورةَ المائدةِ ومعي أعرابيٌّ، فقرأتُ هذه الآيةَ: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ
فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة: 38)، فقلتُ: "واللهُ غفورٌ رحيمٌ" سهوًا،
فقال الأعرابيُّ: كلامُ مَن هذا؟ فقلتُ: كلامُ اللهِ، قال: أعدْ، فأعدتُ:
"واللهُ غفورٌ رحيمٌ"، ثم تنبهتُ، فقلتُ: (واللهُ عزيزٌ حكيمٌ) فقال:
الآن أصبْتَ، فقلتُ: أتحفظُ المائدةَ؟ قال: لا . فقلتُ: كيف عرفتَ؟ قال: يا هذا
(عزيزٌ حكيمٌ) فأمرَ بالقطعِ، فلو غفرَ ورحمَ لما أمرَ بالقطعِ. فلقد فهم هذا الأعرابي
أن مقتضى العزة والحكمة غير مقتضى المغفرة والرحمة، وأن الله تعالى يضع كل اسم
موضعه من كتابه.
وروى البخاري ومسلم، عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ
(رضي الله عنها)، أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلمَ) قُلْنَ
لِلنَّبِيِّ (صلَى الله عليه وسلم): أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟ قَالَ:
"أَطْوَلُكُنَّ يَدًا" فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَتْ
سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا، فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا
الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ، وَكَانَتْ تُحِبُّ
الصَّدَقَةَ. قال الإمام النووي، في (شرح صحيح مسلم): "معنى الحديث أنهن ظنن
أن المراد بطول اليد طول اليد الحقيقية، وهي الجارحة، فكن يذرعن أيديهن بقصبة،
فكانت سودة أطولهن جارحة، وكانت زينب أطولهن يدا في الصدقة وفعل الخير، فماتت زينب
أولهن فعلموا أن المراد طول اليد في الصدقة والجود، قال أهل اللغة: يقال فلان طويل اليد وطويل الباع إذا كان سمحا جوادا".
ولعل في ربطَ القرآن الكريم بين اللسانِ العربي
وإعمالِ العقلِ، في قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ) (يوسف: 2) وربطه بينَ اللغةِ العربيةِ والدعوةِ إلي طلبِ العلمِ، في قوله
تعالى: (كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ)
(فصلت: 3) إشارة عظيمة إلى وجوب الاعتناء باللغة العربية وبيان أهميتها في فهم القران
والسنة، فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: "تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ
كَمَا تَعَلَّمُونَ حِفْظَ الْقُرْآنِ" (مصنف ابن أبي شيبة) ومن ثم فإن الأصوليين
والفقهاء وغيرهم عدوا التمكن في اللغة العربية وأدواتها أحد أهم شروط الاجتهاد وحذروا
من تفسير كتاب الله (عز وجل) من غير علم بالعربية، يقول مجاهد (رضي الله عنه): "لا
يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب"
(البرهان في علوم القرآن)
نعم لقد أدرك الأئمة الأقدمون أهمية اللغة العربية
في فهم كلام الله (سبحانه وتعالى) وسنة نبيه (صَلى الله عليه وسلم) فهذا الإمام الشافعي
(رضي الله عنه) يقول عنه زوج ابنته: "أقام الشافعي علم العربية وأيام الناس عشرين
سنة، فقلنا له في هذا، فقال: ما أردت بهذا إلا استعانة للفقه" أي: ظل عشرين سنة
يتبحر في اللغة العربية وعلومها ليفقه ويفهم القرآن والسنة، فمعرفة كلام العرب يساعد
على فهم الشريعة فهما حقيقيا، قال تعالى: (كَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا
وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا)
(طه: 113) وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) "أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ،
وَمِثْلَهُ مَعَهُ"(رواه أبو داود)، وقد كتب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إلى
أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه)، فقال "فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ، وَتَفَقَّهُوا
فِي الْعَرَبِيَّة" وقال الإمام مالك (رضي الله عنه) "لَا أُوتَى بِرَجُلٍ
يُفَسِّرُ كِتَابَ اللَّهِ غَيْرِ عَالِمٍ بِلُغَةِ الْعَرَبِ إِلَّا جَعَلْتُهُ نَكَالًا" (البرهان في
علوم القرآن) كما لا ينكر أحد
أن عدم المعرفة باللغة العربية، وعدم التعمق في فهم النص، والاقتصار في العمل علي الأخذ
بظاهره يوقع في أخطاء جسيمة وعواقب وخيمة.
إن المتأمل في تاريخ الأمم والمجتمعات وتعاقب الأمجاد
والحضارات يجد أن في كل أمة ركنا ركينا، ألا وهو لسانها ولغتها، فاللغة نور اللسان
تقوى بعناية أهلها وحفظهم لها، وتضعف بإهمالهم لها، بل من المقرر بداهة أنه لا توجد
أمة دون لغة، ولا لغة دون أمة، وإننا أبناء هذه الأمة قد من الله علينا بأفصح لسان،
وأبلغ بيان، وأفضل لغة؛ لغة القرآن والسنة، فلا شك أنها تستحق الفخر والاعتزاز بها والحفاظ عليها، ومن ثم فالواجب
على كل فرد أن يسعى إلى غرس مفاهيم اللغة العربية داخل قلبه وروحه ووجدانه، والاعتزاز
بها داخله وفي قرارة نفسه، وان يعلمها أولاده وأحفاده.
اللهم
احفظ مصـــر مـن كل مكروه وسـوء
=== كتبه===
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
دكتوراة في الفقه المقارن
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ---- اضغط هنا