خطبة بعنـــــوان :
عالمية الرسالة المحمدية كما يجب أن نفهمها
للشيــــخ / محمد حســـن داود
عالمية الرسالة المحمدية كما يجب أن نفهمها
للشيــــخ / محمد حســـن داود
الموضـــــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه
العزيز (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )سبأ28) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف " يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ " مستدرك الحاكم) اللهم صل وسلم وبارك
علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
إن الناظر في آيات القرآن الكريم،والسنة
النبوية الشريفة، يجد التأكيد القرآني والنبوي، على عالمية الرسالة المحمدية، فلم تكن
يوما خاصة بمكان دون آخر أو مقيدة بزمان دون آخر أو موجهة لقوم دون آخرون ،بل تخاطب
كافة الأمم، في كل زمان ومكان؛ وهاهو القران الكريم في غير موضع، بإخلاص العبودية لله
وتقديم كل خير للإنسانية جميعها دون النظر إلى لون أو جنس أو عرق أو معتقد، يوجه الخطاب
للناس جميعا، ومن ذلك قول الله جل وعلا ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )البقرة21
)وقول الله جل وعلا ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) فاطر3) وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) الحج1) ولم لا؟ وفى بيان أن
القران الكريم لم يكن لقوم دون غيرهم، يقول الله جل وعلا (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ
مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ) يوسف104) ويقول تعالى ( وَمَا
هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ)القلم68) ويقول سبحانه﴿
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ
نَذِيراً ) الفرقان1) ويقول عن نبيه، صلى الله عليه وسلم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ )سبأ28) ويقول سبحانه وتعالى(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي
رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)الأعراف 158) ويقول سبحانه( وَهَٰذَا كِتَابٌ
أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ
الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا) الانعام92) وفى الحديث الذي رواه مسلم، عن أبى هريرة
رضي الله عنه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم " فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ
بِسِتٍّ: ...، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ"
فلم يخص الله جل وعلا بالرسالة زمن النبي دون ما بعده من الأزمان، فالرسالة
المحمدية صالحة لكل زمان، ولم يخص بها بلده صلى الله عليه وسلم دون سائر البلدان،
فالرسالة المحمدية صالحة لكل مكان، ولم يخص بها من عاشوا وقت نزول القران دون غيرهم، ومن
اجل مظاهر عالمية الرسالة المحمدية
الإنسانية؛ فلقد جاءت الرسالة المحمدية
باسمي القيم الإنسانية؛ فأكدت على تكريم الإنسان، قال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي
آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) الاسراء70) وأكدت على
الإخوة الإنسانية، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم
مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا
وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) النساء1) ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف
" أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ " ويقول صلى
الله عليه وسلم " أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ إِخْوَةٌ " رواه
أبو داود) .
ومن ثم ترى أن الرسالة المحمدية قد حذرت
من سوء الفعل والقول مع الناس جميعا دون النظر إلى جنس أو لون أو عرق أو معتقد، وتدعو
إلى حسنهما مع الناس جميعا، يقول الحق جل وعلا( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) البقرة83)
للناس كل الناس ؛ وقال سبحانه ( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
)الاسراء53) وقال صلى الله عليه وسلم
" شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ
أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ " رواه مسلم )
كما تدعو الرسالة المحمدية إلى حسن الصلة
مع الناس جميعا، إذ يقول الله جل وعلا (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ
يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ
وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )الممتحنة8) ويتضح هذا
أكثر بالنظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه المدينة ، إذ كان صلى الله
عليه وسلم يجيب دعوة مخالفيه ويحضر مجالسهم ويعود مرضاهم ويواسيهم في مصابهم؛ يعاملهم
بأرقى قيم الإنسانية لا يفرق في مثل هذه المعاملة بينهم وبين غيرهم ولما مرض هذا الغلام
الذي كان يخدمه، (وكان لم يسلم قبلها) عاده النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما مرت جنازة
فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له يا رسول الله إنها جنازة يهودي، فقال:
" أليسَتْ نفسًا؟ "؛ ولقد مات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونا عند
يهودي؛ مما يؤكد على قيم التعايش السلمي بين الناس في مجتمعهم، حتى وان اختلف اللون
أو العرق أو العقيدة .
كما رغبت الرسالة المحمدية في كل ما كان
فيه نفع للناس بعظيم الأجر ولو قل العمل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"بيْنَما رجُلٌ يمْشِي بِطريقٍ وَجَدَ غُصْن شَوْكٍ علَى الطَّرِيقِ، فأخَّرُه
فشَكَر اللَّهُ لَهُ، فغَفر لَهُ" فخير الناس انفعهم لكل الناس دون تقييد بلون
أو جنس أو غير ذلك ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " خيرُ الناسِ أنفعُهم
للناسِ " رواه القضاعي في مسند الشهاب)كما عد الاعتداء على أية نفس اعتداء على
الإنسانية كلها، وتقديم الخير لنفس كتقديم الخير للبشرية كلها، قال تعالى (مِنْ أَجْلِ
ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ
نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ
ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ) المائدة32)
كما كان من تمام الإيمان أن يحب العبد للناس
ما يحبه لنفسه فقد قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ
مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" متفق عليه ) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن ترك
جاره دون رعاية أو تكافل مع حاجته " ما ءامَنَ بِي مَنْ باتَ شَبْعانَ وجارُهُ
جائِعٌ إِلى جَنْبِهِ وهُوَ يَعْلَمُ بِهِ "رواه الطبراني في الكبير عن أنس بن
مالك)وعن بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لَيْسَ الْمُؤْمِنُ
الَّذِي يَشْبَعُ ، وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ " ولم يقتصر ذلك على جار
دون غيره فقد جاء عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ذُبِحَتْ لَهُ
شَاةٌ فِي أَهْلِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ " أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ
؟ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى
ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ ".
وما زالت الرسالة المحمدية تؤكد على الإنسانية
وحسن الأخلاق مع كل الناس حتى كان من تمام الإيمان حسن الخلق مع الناس جميعا فقال صلى الله عليه وسلم
" وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" رواه احمد والترمذي) وقال "أَكْمَلُ
المُؤمِنِينَ إِيمَاناً أَحسَنُهُم خُلُقاً" كما كان أفضل الإسلام، بل وتمامه،
أن يسلم الناس من يد العبد ولسانه، فعن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعاصِ رضي
الله عنه قال : إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: "مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ".
ولأن الرحمة من أهم قيم الرسالة
المحمدية،ومن مظاهر عالميتها؛ كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم البشر رحمة فقد قال
تعالى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)التوبة 128) ويقول حبيبنا، صلى
الله عليه وسلم، عن نفسه " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ
" مستدرك الحاكم) فلقد شملت الرحمة في الرسالة المحمدية كل الناس دون تقييد بقوم
أو أهل زمان أو أهل مكان، وهذا واضح
جلي في قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)الأنبياء107)
فشملت القريب والبعيد والصديق والغريب، والصغير والكبير؛ فلما قَبَّل النبي صلى الله
عليه وسلم الحسن بن على رضي الله عنه والأقرع بن حابس، جالس، فإذ بالأقرع، يقول: إن
لي عشرة من الولد، ما قبلت منهم أحدا، فينظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له"
مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ " رواه البخاري) ولما جاءته أسماء بنت أبى بكر
كما قالت " قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ
عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ ، أَفَأَصِلُ
أُمِّي ؟ قَالَ : نَعَمْ ، صِلِي أُمَّكِ " رواه مسلم) ويأتي أبو بكر رضي الله
عنه بأبيه عام الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ بالنبي صلى الله عليه وسلم
يقول له : " هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه" ، فيجيب أبو
بكر رضي الله عنه " هو أحق أن يمشي إليك يا رسول الله من أن تمشي إليه
" و لقد كان أشد يوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد يوم احد؛ يوم أن اعتدى
عليه أهل الطائف وسلطوا عليه الصبيان والغلمان يسبونه ويقذفونه بالحجارة ،ومع ذلك لما
خيره مَلَكُ الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين فانظر ماذا كان جوابه صلى الله عليه وسلم
إذ يقول "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ
اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" (متفق عليه) ولمّا قِيلَ له: ادْعُ
عَلَى الْمُشْرِكِينَ، قَالَ : "إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا
بُعِثْتُ رَحْمَةً "رواه مسلم) ولما جاءه، "الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو" فَقَالَ: إِنَّ دَوْسًا قَدْ هَلَكَتْ عَصَتْ وَأَبَتْ
فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ ، قَالَ" اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ
"رواه البخاري) وما أعظم أخلاقه ورحمته وإنسانيته في قوله صلى الله عليه وسلم،
أهل مكة يوم الفتح " اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ".
ولأن هذه الرحمة عالمية، نال الجميع منها
حتى الحيوان، فعن بن مسعود قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق
لحاجتِه، فرأينا حُمَّرَةً ( عصفورة ) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمَّرةُ
فجعلت تفرِّش، فجاء صلى الله عليه وسلم فقال: " من فجع هذه بولدِها ؟ ردُّوا ولدَها
إليها " ولا يزال صلى الله عليه وسلم يوصى بالرحمة بالحيوان حتى قال " عُذِّبَتْ
امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا
هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ
مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ"( متفق عليه)، وفي المقابل، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ
بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ
لَهَا بِهِ "(متفق عليه) .
كما قررت الرسالة المحمدية مبدأ المساواة
بين البشر، ونبذ العنصرية، والمفاخرات العرقية، وهذا مما أعلنه النبي صلى الله عليه
وسلم يوم عرفه فسمع صوته هناك الغني والفقير، والأبيض والأسود ، قال صلى الله عليه
وسلم "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ
وَاحِدٌ ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى
عَرَبِيٍّ ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ ، إِلاَّ
بِالتَّقْوَى" ففي هذا إعلام إلى جميع الناس بأن أصلهم واحد ومرجعهم واحد، وان
التفاضل بينهم جميعا أمام الله جعل وعلا بالتقوى وصالح الأعمال، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
خَبِيرٌ )الحجرات13) ويقول صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ
أَنْ تَوَاضَعُوا ، حَتَّى لَا يَبْغِي بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَلَا يَفْخُر أَحَدٌ
عَلَى أَحَدٍ " رواه مسلم) ، وقال صلى الله عليه وسلم " إن اللَّهَ قَدْ
أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ ، إِنَّمَا
هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ ، النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ ، وَآدَمُ
خُلِقَ مِنْ تُرَاب) رواه الترمذي)
ومن ينظر في التاريخ والسير يرى جيدا أن
مبدأ المساواة لم يقف عند النظرية والقول، بل له من التاريخ والسيرة ما يشهد عليه واقعا
عمليا،ومن ذلك ما حدث من تنازع بين سيدنا عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وهو أمير
على المؤمنين مع يهودي ، فاحتكما إلى شريح قاضي المسلمين، فسأل أمير المؤمنين البيّنة
فعجز عن إقامتها، فوجّه اليمين إلى خصمه اليهودي فحلف ، فحكم بالدرع لليهودي، فتعجب
اليهودي من الأمر ، وقال: قاضي أمير المؤمنين
يحكم لي عليه، ونطق بالشهادتين وأسلم لما رأى من عظمة الإسلام وعظمة مبادئه وأحكامه
التي تضع الإنسانية دائما في اعتباراتها .
ولقد جاءت الرسالة المحمدية بالتسامح والاعتدال،
ترفض التشدد، فقد قال صلى الله عليه وسلم " انَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ
الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا
بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ ) رواه البخاري ومسلم ) كما
ترفض العنف ولو في اقل صوره وأضعفها بل ولو كان مزاحا، فعن عبد الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
لَيْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ
، فَفَزِعَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا
يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا " رواه أبو داود ) وكيف لا تدعو الرسالة المحمدية إلى هذه الصورة من
السماحة وقد أكدت على اقل من ذلك، فحث المصطفى صلى الله عليه وسلم على مراعاة شعور
الناس، عَنِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " إِذَا كُنْتُمْ ثَلاثَةً، فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ
إِلا بِإِذْنِهِ ، فَإِنَّ ذلِكَ يُحْزِنُهُ " . ولما صعد عبد الله بن مسعود شجرة
فضحك القوم من دقة ساقيه، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يسأل " مِمَّ تَضْحَكُونَ
؟ " قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ ، فَقَالَ :
" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ
" رواه احمد).
إن الرسالة المحمدية، جاءت بما فيه مصلحة
العباد جميعهم، ودعت إلى ما فيه المودة والتالف والتماسك والتكافل ونشر السلام والرحمة
والإنسانية بين الناس، فما أحوجنا أن نعيش بالقلب والجوارح، هذه القيم النبيلة طاعة
لله جل وعلا واقتداء بالرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستقامة لحياتنا ودنيانا،
وفوزا في آخرتنا .
( الدعـــــاء )
===== كتبه =====
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس