خطبة بعنـــــوان :
خيرية الأمة وخيرية نبيها
وكيف نحقق خيرية الأمة الآن ؟
للشيــــخ / محمد حســـــــــــن داود
خيرية الأمة وخيرية نبيها
وكيف نحقق خيرية الأمة الآن ؟
للشيــــخ / محمد حســـــــــــن داود
الموضـــــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه
العزيز ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ )آل عمران110) وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل
في حديثه الشريف " إِنَّكُمْ تَتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا
وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ " رواه الترمذي وقال حديث حسن) ويقول صلى الله
عليه وسلم "جُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ " رواه احمد ) اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه،
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد فضل الله هذه الأمة بكثير من الخصائص
والفضائل فهي أقل الأمم عملا ، وأكثرهم أجرا وثوابا، امة لا تجتمع على ضلالة، أمة مصونة
مرحومة، فلا تهلك بقحط أو جوع، تجاوز الله لها عن الخطأ والنسيان ، هم شهداء الله في
الأرض وشهداء على الأمم يوم القيامة، أول من يجتاز الصراط، وكفى في فضلها أنها أكثر
أهل الجنة، وأول من يدخل الجنة من الأمم؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟
قَالَ فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟
قَالَ فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ،
وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، مَا الْمُسْلِمُونَ فِي الْكُفَّارِ إِلَّا كَشَعْرَةٍ
بَيْضَاءَ فِي ثَوْرٍ أَسْوَدَ، أَوْ كَشَعْرَةٍ سَوْدَاءَ فِي ثَوْرٍ أَبْيَضَ " رواه مسلم) وعَنْ بُرَيْدَةَ بن الحصيب، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ
وَمِائَةُ صَفٍّ، ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ
الْأُمَمِ" رواه الترمذي وقال حديث حسن) وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم" نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ " رواه مسلم) .
ولم لا؟ وهى خير امة أخرجت للناس، وحسبنا
في ذلك شهادة الله جل وعلا في كتابه، قال تعالى ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ
بِٱللَّهِ )آل عمران110)وعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ (حكيم بن معاوية البهزي
)، عَنْ جَدِّهِ (معاوية بن حيدة القشيري )، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ)( سورة آل عمران آية 110 ) قَالَ : " إِنَّكُمْ تَتِمُّونَ سَبْعِينَ
أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ " رواه الترمذي وقال
حديث حسن) وعن عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قال : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ
مِنَ الْأَنْبِيَاءِ "، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هُوَ ؟ قَالَ: "
نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ ، وَجُعِلَ
التُّرَابُ لِي طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ " رواه احمد )
.
ولا شك أن هذا التشريف، والتكريم،
والتفضيل، والخيرية؛ مستمدة من خيرية وفضل رسولها صلى الله عليه وسلم، خاتم
الأنبياء والمرسلين، سيد ولد ادم وصاحب الشفاعة يوم الدين، فعن أبى هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأوّل من ينشق عنه
القبر، وأوّل شافع وأوّل مشفع" مسلم) وعن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ
قَبْلِي ، نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا
وَطَهُورًا ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ
، وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ،
وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً
" رواه البخاري)
آياتُ أحمـدَ لا
تحدُّ لواصف *** ولوَ انَّه أُمليْ وعاش دهورَا
بشراكمُ يا أمة
المختار في *** يـــــوم القيامة جنة وحريرَا
فُضِّلتمُ حقًّا
بأشرف مرسَل *** خيــر البرية باديًا وحضورَا
صلـى عليه الله
ربي دائمًا *** ما دامــت الدنيا وزاد كثيرَا
إن مما ارتبط ارتباطا جزئيا وكليا بخيرية هذه
الأمة: وسطيتها؛ قال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء
عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا )143 البقرة ) فالأمة الإسلامية
وسطٌ بين طرفي الإفراط والتفريط، لا غلو ولا تقصير؛ و لهذه الوسطية معالمها الشاملة
الجامعة؛ فهي وسطية في الاعتقاد والتصور، ووسطية في الشعائر والتعبد، ووسطية في الأخلاق
والسلوك، ووسطية في النظم والتشريع، ووسطية في الأفكار والمشاعر، مجانبة للغلو والتقصير؛
ومن ذلك دعوة الناس إلى عمارة دنياهم وأخراهم على السواء وهذا من اجل السمات التي يجب
تحقيقها في الشخصية المسلمة، فلقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسأل ربه أن
يَعْمُرَ دنياه وأخراه، فما أكثر ما كان يدعو بهذا الدعاء القرآني الكريم(رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(البقرة201)
وكان من دعائه أيضا " وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ
لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي "رواه مسلم) وفى الأخلاق في الإنفاق، يقول
تعالى ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ
الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾الإسراء 29) ويقول﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا
لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾الفرقان 67) وفى
العبادة؛ فقد جاء عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، انه قال: جَاءَ ثَلاَثَةُ
رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ
عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ
تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ:
أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ
وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا،
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ:
" أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ
لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ،
وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي "رواه
البخاري) ولما دخل المسجد يوما فوجد حبلاً مربوطا بين ساريتين فَقَالَ " مَا هَذَا
؟ قَالُوا : لِزَيْنَبَ تُصَلِّي ، فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ
، فَقَالَ : حُلُّوهُ ، " لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ
فَتَرَ ، قَعَدَ " .
وبما أن هذه الوسطية والاعتدال من اجل
خصائص هذه الأمة، ومما كان له الارتباط الوثيق بخيريتها، كان حق علينا أن نحقق هذه
الوسطية والاعتدال، لا إفراط ولا تفريط، لا تقصير ولا غلو ولا تشدد ، فقد قال صلى الله عليه وسلم " إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ
، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ " وعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ . قَالَهَا ثَلَاثًا " رواه
مسلم ) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ
الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا
بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ" رواه البخاري).
وان هذه الوسطية هي التي أهلت هذه الأمة للشهادة
على غيرها من الأمم يوم القيامة، فمن خصائص هذه الأمة شهادتها على نفسها، وعلى
غيرها من الأمم، كما جاء عن انس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : " مَرُّوا
بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : وَجَبَتْ ، ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا ، فَقَالَ
: وَجَبَتْ ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا وَجَبَتْ
، قَالَ : هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، وَهَذَا
أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ
فِي الْأَرْضِ " رواه
البخاري) وعَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الخدري، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: " يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ الرجل ، يَجِيءُ النَّبِيُّ
وَمَعَهُ الرَّجُلَانِ ، وَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الثَّلَاثَةُ ، وَأَكْثَرُ
مِنْ ذَلِكَ وَأَقَلُّ ، فَيُقَالُ لَهُ : هَلْ بَلَّغْتَ قَوْمَكَ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ
فَيُدْعَى قَوْمُهُ ، فَيُقَالُ : هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : لَا ، فَيُقَالُ
: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ ، فَتُدْعَى أُمَّةُ مُحَمَّدٍ
، فَيُقَالُ : هَلْ بَلَّغَ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ : وَمَا عِلْمُكُمْ
بِذَلِكَ ؟ فَيَقُولُونَ: أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا بِذَلِكَ، أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا
فَصَدَّقْنَاهُ، قَالَ: فَذَلِكُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً
وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا
سورة البقرة آية 143 )رواه بن ماجه)
وان من مقومات هذه الخيرية : الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: فذلك
من صفات المؤمنين قال تعالى( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) التوبة71) وطريق
للفلاح في الدارين، قال
تعالى ﴿ وَلْتَكُنْ
مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾آل عمران 104) وقال سبحانه ﴿ وَالْعَصْرِ
*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ سورة العصر) ومن اجل ضوابط هذه
الدعوة أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة؛ فقد قال الله تعالى (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾
النحل 125 ) فالأمر بالمعروف لا يكون إلا
بالمعروف؛ فلما أرسل الله جل وعلا، موسى وهارون، عليهما السلام، إلى فرعون، قال
لهما جل وعلا ( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً
لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ طه43/44) وهذا كان منهج الحبيب صلى الله
عليه وسلم؛ قال الله تعالى ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ
فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾آل عمران 159) ويقول صلى
الله عليه وسلم " إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ
إِلا زَانَهُ ، وَلا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ " ومن صور دعوة النبي
صلى الله عليه وسلم بالحكمة والموعظة الحسنة؛ ما جاء عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ
السُّلَمِيِّ ، قَالَ : بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ
فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ : وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ ، مَا شَأْنُكُمْ
؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ
، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ، مَا رَأَيْتُ
مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ، فَوَاللَّهِ ، مَا
كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي ، قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا
يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ
وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم " رواه مسلم ) وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ
أعرَابِّي فَبَالَ في الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم -: " دَعُوهُ وَهَرِيْقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ
مَاءٍ، أوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا
مُعَسِّرِينَ " رواه البخاري ) وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: أِنَّ فَتًى
أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ
مَهْ، فَقَالَ: ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ قَالَ:
لَا وَاللَّهِ يا رسول الله، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ
لِأُمَّهَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ،
قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ،
قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ، قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟
قَالَ: لَا وَاللَّهِ يا رسول، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ
يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ
جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ،
قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ
قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى
شَيْءٍ " رواه احمد والطبراني)
كما أن النهى عن المنكر لا يكون أبدا
بمنكر، ولا يكون في مختلف فيه، بل يكون فيما كان مجمع على إنكاره، مع مراعاة
الاختصاص، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا
فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ " فاليد للسلطان، واللسان
للعلماء والقلب لعامة الناس، ولقد حذر المولى جل وعلا أن يدعو إنسان إلى معروف ولا
يأتيه، أو أن ينهى عن منكر ويأتيه، قال جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ
تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا
لَا تَفْعَلُونَ ) الصف2/3)
كما أن من مقومات هذه الخيرية الإيمان بالله
جل وعلا : فلا يمكن أن يتصور وجود أمة تتصف بالخيرية دون وجود الإيمان بالله في حياتها،
والله جل وعلا يقول في الآية التي ذكرنا ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ
)آل عمران110) ولعل من ينظر في آيات القران الكريم يجد ارتباطا وثيقا بين هذه
الدعوة والإيمان بالله جل وعلا ، فقد قال الحق سبحانه وتعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ
وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ
أُولَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة71)
.
إن الإيمان بالله جل وعلا نعمة من الله،
يمن بها على من يشاء من عباده، قال تعالى (بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ
لِلإِيمَان) الحجرات18) وهو طريق الفلاح في الدنيا والآخرة ؛ قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ ) المؤمنون1) ويقول سبحانه وتعالى (وعَدَ اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً
فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّـهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
)التوبة72 )
ومع أن الإيمان كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن عمر بن الخطاب وفيه
أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم قائلا " فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإيمَانِ ". فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم " أَنْ
تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ
بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ،" إلا أن تمام الإيمان وكماله؛ يظهر جليا في
سلوك العبد وأخلاقه ومعاملاته؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم " أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ
إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا "رواه أبو داود )
ففي الحفاظ على أموال الناس وأعراضهم ودمائهم،
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم" الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى
أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ" رواه بن ماجه) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ
يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ،
وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً،
يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ " رواه
البخاري ومسلم) .
وفى تقديم الخير للناس قال صلى الله
عليه وسلم " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"
متفق عليه) وقال صلى الله عليه وسلم " خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ " رواه
القضاعي في مسند الشهاب) ويقول
صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرمْ ضيفه " ويقول
صلى الله عليه وسلم "مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ والْيوْمِ الآخِرِ، فَلْيُحسِنْ
إلِى جارِهِ" ويقول صلى الله عليه وسلم " ما ءامَنَ بِي مَنْ باتَ شَبْعانَ
وَجارُهُ جائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِه".
وفى حسن القول للناس جميعا يقول الحق جل
وعلا( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) البقرة83) للناس كل الناس ؛ وقال سبحانه ( وَقُل
لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )الاسراء53) ويقول النبي صلى الله
عليه وسلم " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا
أَوْ لِيَصْمُتْ" متفق عليه ) .
وفى كف الأذى عن الناس يقول صلى الله
عليه وسلم " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلا يُؤْذِ جَارَهُ"
وعن أَبَى هُرَيْرَةَ انه قال : " قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ فُلانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ
، وَتَفْعَلُ ، وَتَصَّدَّقُ ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا خَيْرَ فِيهَا ، هِيَ مِنْ أَهْلِ
النَّارِ ، قَالُوا : وَفُلانَةٌ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ
، وَلا تُؤْذِي أَحَدًا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ " الأدب المفرد للبخاري).
مما يؤكد على حاجتنا إلى تحقيق مقومات خيرية هذه
الأمة، وحاجتنا الى صدق التأسي والاقتداء بحبيبنا صلى الله عليه وسلم، فنكون معاول
بناء لا هدم، ونكون قدوة حسنة للأجيال بعدنا، كما يؤكد على ضرورة التعايش السلمي
بين الناس وحفظ حقوق العباد وحسن الصلة بهم على اختلاف ألوانهم وعروقهم وعقائدهم،
فقد قال الله تعالى (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ
عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ
أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )الممتحنة8)
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ
السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ "
الترمذي وقال حديث حسن ) ولله در القائل
صلاحُ أمرِكَ للأخلاقِ مرجعُه *** فقوِّم النفسَ بالأخلاقِ تَسْتَقِمِ
( الدعـــــاء )
===== كتبه =====
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس