خطبة بعنـــــــوان :
ضوابط الأسـواق وآدابها
للشيخ / محمد حســــن داود
ضوابط الأسـواق وآدابها
للشيخ / محمد حســــن داود

العناصـــــر :
- دعوة الإسلام إلى الصدق والأمانة والسماحة في البيع والشراء .
- من ضوابط الأسواق وآدابها: الإكثار من ذكر الله ، إفشاء السلام ،
التزام الآداب الشرعية في القول والفعل ، نبذ الغش والتدليس ، تجنب كثرة الحلف ، الوفاء بالعهود والعقود ، عدم بيع الرجل على بيع أخيه،
عدم المماطلة بالدين ، وفاء الكيل والميزان، تجنب الاحتكار .
- دعوة لتحرى الحلال في التجارة والتزام ضوابط الأسواق .
- دعوة الإسلام إلى الصدق والأمانة والسماحة في البيع والشراء .
- من ضوابط الأسواق وآدابها: الإكثار من ذكر الله ، إفشاء السلام ،
التزام الآداب الشرعية في القول والفعل ، نبذ الغش والتدليس ، تجنب كثرة الحلف ، الوفاء بالعهود والعقود ، عدم بيع الرجل على بيع أخيه،
عدم المماطلة بالدين ، وفاء الكيل والميزان، تجنب الاحتكار .
- دعوة لتحرى الحلال في التجارة والتزام ضوابط الأسواق .
الموضــوع: الحمد
لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا
أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ
وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ
ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)
النساء29/30) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد
أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف " التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ " رواه الترمذي) اللهم صل وسلم
وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد اهتمت
الشريعة الإسلامية بكل شئون الحياة، فما من أمر من أمورها إلا وللشريعة فيه التوجيهات
الطيبة؛ والضوابط والآداب القيمة، ومن ذلكم
شأن الأسواق، بيعا وشراء، إذ أن الإسلام لا يرضى للأسواق أن يتغالب
الناس فيها بغش أو تدليس أو خديعة، طلبا للمال وجمعا له، بل حث الإسلام على إعلاء
قيم الصدق، والأمانة، والتقوى، والبر، والسماحة، في البيع والشراء، إذ يقول الله
جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ
إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ
نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ
يَسِيرًا) النساء29/30) وعن رِفَاعَةَ بن رافع، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم إِلَى الْمُصَلَّى ، فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ
" يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ" ، فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ " إِنَّ
التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً ، إِلاَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ
وَبَرَّ وَصَدَقَ "رواه الترمذي وقال حسن صحيح) ففي الصدق والسماحة بركة
التجارة؛ إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ
مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا في بَيْعِهِمَا،
وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ". وفى الصدق
والأمانة فلاح التاجر، فعن أبى سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
" التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ
" رواه الترمذي) كما
أن أبواب الرحمة مفتحة لأهل السماحة بيعا وشراء، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ" رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا، إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا
اقْتَضَى " رواه البخاري)وفى رواية( للترمذي) قَالَ رَسُولُ للَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ، كَانَ قَبْلَكُمْ، كَانَ سَهْلًا
إِذَا بَاعَ سَهْلًا، إِذَا اشْتَرَى سَهْلًا، إِذَا اقْتَضَى"و قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ،
فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ
وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ،
قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ" نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا
عَنْهُ" إلا أن مما يؤسى له عظيم الأسى؛ أن من يتتبع ما عليه بعض التجار اليوم
قد يجد الغلظة والشدة والتجرؤ من البعض على اكتساب المال الحرام وتحصيله من أي طريق
أو وسيلة، إذ ليس لهؤلاء هم إلا تكديس الأموال وتضخيم الثروات؛ فالحلال في عرفهم ما
قدروا عليه، والحرام ما تعذر وصولهم إليه، يسلكون في طلبه مسالك معوجة، ولقد قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم" يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ
مَا أَخَذَ مِنْهُ؛ أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ" رواه البخاري )
ولعلنا في هذه السطور نذكر شيئا من
آداب وضوابط الأسواق، فمن ذلك :
-الإكثار من ذكر الله تعالى: إذ يقول النبي
صلى الله عليه وسلم" مَنْ دَخَلَ السُّوقَ ، فَقَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ
، وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ ، بِيَدِهِ الخَيْرُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ
، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ "
- إفشاء السلام: فعن عبد الله بن عمرو رضي
الله عنهما: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ
الْإِسْلَامِ خَيْرٌ قَالَ: " تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى
مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ " متفق عليه)ولقد ورد أن عبد الله بن عمر كان يأتي السوق، فقال له أحد أصحابه: وما شأنك والسوق،
لا تقف على السلع ولا تَسُوم؟ قال" آتي لأسَلّم، وليُرَدّ السلامُ عليّ".
- التزام الآداب الشرعية في القول والفعل،
فقد قال الله تعالى (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الاسراء53)
ولما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، قالت
" لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ،
وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ " رواه
الترمذي)
- نبذ الغش والخداع فلا يبيع بائعا معيبا
إلا بينه؛ إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ
لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ
لَهُ ". وفى الحديث الذي ذكرنا آنفا يبين المصطفى صلى الله عليه وسلم للتجار جميعا
أثرا ليس بهين من آثار إخفاء عيوب السلع فيقول " الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا
لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ،
وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا "رواه البخاري) وكأن
الجزاء من جنس العمل؛ يحتالون ابتغاء مكسب أكثر، فتكون العاقبة أن محقت بركة البيع
والكسب، وهذا كله غير ما أعده الله لهم عقابا على أفعالهم فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ ذَنْبٍ
أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا
يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ " رواه الترمذي
وقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ)وها هو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، يكشف عن سر بركة ماله
ويسر حاله اثر التجارة ، لما قيل له بما أيسرت؟ قال: " ما رددتُ ربحاً قط، وما
كتمتُ عيباً قط "، انه لمثال طيب لحال الصالحين من التجار، يكشفون للمشترى عن
عيوب سلعتهم حتى وان ضر بنفاذ بيعهم، فهذا جرير بن عبد الله كان إذا قام إلى سلعته
يبيعها ، بصَّر المشتري بعيوبها، ثم خيرَّه، وقال: إن شئت فخذ، وإن شئت فاترك، فقيل:
إنك إذا فعلت هذا لم ينفذ لك بيع. فقال:" إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم على النصح لكل مسلم " رواه بن سعد في الطبقات الكبرى، والطبراني في
الكبير) كما
كان لمحمد بن المنكدر وهو من معادن الصدق والأمانة، سلع تباع بخمسة، وسلع تباع بعشرة،
فباع غلامه في غَيبته شيئا من سلع الخمسة بعشرة ، فلما عرف ابن المنكدر ما فعل غلامه
اغتمّ لصنيعه، وطفق يبحث عن المشتري طوال النهار، حتى وجده، وكان من الأعراب، فقال
له ابن المنكدر : إنَّ الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة، فقال الأعرابي: يا
هذا قد رضيت. فقال ابن المنكدر: وإن رضيت فإنّا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا، فاختر
إحدى ثلاث: إما أن تستعيد مالك وتعيد السلعة، وإما أن تُردَّ إليك خمسة، وإما أن تأخذ
من سلعة الخمس سلعة العشر. فقال الأعرابي: أعطني خمسة، فرد عليه الخمسة وانصرف؛ فسأل
الأعرابي أهل السـوق عن هذا التاجـــر الأمين؟ فقيل له: هذا محمد بن المنكدر، فقال:
لا إله إلا الله، هذا الذي ملأ الآفاق ذكره.
- كما أن من الغش والخداع أن يخلط التاجر
ردئ سلعته بالحسن تدليسا على المشترى بإخفاء الردئ، فلقد مَرّ رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ
بَلَلًا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ،
مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي "رواه مسلم) ومن ثم فمن باع أنواعا متعددة من السلع
- كالحبوب والثِّمار وغيرها، فيها الطيب والرديء - وجب عليه أن يعزل الطيب عن الرَّدِيء،
اى أن يبيع هذا على حده وهذا على حده ، فيكون المشتري على بينة من أمر السلعة، وليسمع
معي كل تاجر هذا الدرس من أبى هريرة رضي الله عنه، إذ يبين فيه حال كل مخادع في بيعه
يوم ألقيامه وما يكون عليه من خزي و أسف وندامة ، فقد مر أبو هريرة رضي الله عنه بناحية
" الحرة " فإذا إنسان يحمل لبنا يبيعه فنظر إليه أبو هريرة فإذا هو قد خلطه
بالماء ، فقال له أبو هريرة : كيف بك إذا قيل لك يوم القيامة خلص الماء من اللبن ؟
(رواه البيهقى والاصفهانى بإسناد قال عنه المنذرى في الترغيب والترهيب لا باس به )
- تجنب كثرة الحلف : إذ يزداد الإثم إثما
وتلحق بالمعصية معصية إذا روج التاجر هذا الغش بكثرة الحلف فقد قال تعالى ( وَلَا تَجْعَلُوا
اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ ) البقرة 224) وقال صلى الله عليه وسلم "إِيَّاكُمْ
وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ ، فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ ".
وعن أبي هريرة رضِي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلَّىَّ الله عليْه وسلَّم - يقول
"الحلف مَنْفَقَةٌ للسلعة مَمْحَقَة للبركة" رواه البخاري) فإذا كان الإسلام
نهى عن كثرة الحلف في البيع والشراء صدقا فكيف يرضى به كذبا ، وكيف يكون حال من تجرأ
عليه كذبا يوم القيامة ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول" ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ
اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ
لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهُوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى
يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ
مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللَّهُ الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ
فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ "فقد خاب وخسر من انفق سلعته بالحلف الكاذب
؛فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى : أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً فِي السُّوقِ
، فَحَلَفَ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطَ لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ،
فَنَزَلَتْ (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا
قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ
وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ)( آل عمران/77)أسباب النزول للواحدي)
- الوفاء بالعهود والعقود، فقد قال
الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)المائدة1) وقال
سبحانه (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ
بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ
مَا تَفْعَلُونَ) النحل91)ففي الوفاء بالعهود والعقود ما يزيد الثقة بين الناس،
وينشر المحبة بينهم، وعليه ففي نقض العهود
والعقود، ما يذهب بالثقة بين الناس، وينشب الخلافات، ولقد قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم "المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا
أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً " .
- عدم بيع الرجل على بيع أخيه، فقد قال
صلى الله عليه وسلم " لَا يَبِعْ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ "رواه
مسلم) وَفِي رِوَايَةٍ " لَا يَسِمْ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ " وصورة هذا
البيع والسوم المنهي عنهما كما جاء في فتح الباري" قَالَ الْعُلَمَاءُ الْبَيْعُ
عَلَى الْبَيْعِ حَرَامٌ وَكَذَلِكَ الشِّرَاءُ عَلَى الشِّرَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ
لِمَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً فِي زَمَنِ الْخِيَارِ افْسَخْ لِأَبِيعَكَ بِأَنْقَصَ، أَوْ
يَقُولَ لِلْبَائِعِ افْسَخْ لِأَشْتَرِيَ مِنْكَ بِأَزْيَدَ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ،
وَأَمَّا السَّوْمُ فَصُورَتُهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا لِيَشْتَرِيَهُ فَيَقُولَ لَهُ
رُدَّهُ لِأَبِيعَكَ خَيْرًا مِنْهُ بِثَمَنِهِ أَوْ مِثْلِهِ بِأَرْخَصَ، أَوْ يَقُولَ
لِلْمَالِكِ اسْتَرِدَّهُ لِأَشْتَرِيَهُ مِنْكَ بِأَكْثَرَ وَمَحَلُّهُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ
الثَّمَنِ وَرُكُونِ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ ".قال المرداوي في الإنصاف:
" ولا يجوز بيع الرجل على بيع أخيه، وهو أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة : أنا أعطيك
مثلها بتسعة، ولا شراء الرجل على شراء أخيه، وهو أن يقول لمن باع سلعة بتسعة : عندي
فيها عشرة ، ليفسخ البيع ويعقد معه .اهـ)
- عدم المماطلة بالدين ما دام المدين
موسرا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ "
متفق عليه)
- وفاء الكيل والميزان ، فلقد اهتم القرآن
بهذا الجانب من المعاملة، وجعله من وصاياه، قال تعالى (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ
بِالْقِسْطِ)الأنعام:152) وقال تعالى(وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم
ذلك خير وأحسن تأويلا) الإسراء35)أما التطفيف فهو من الكبائر، ونوع من السرقة ، وضرب
من الخيانة، له عاقبة وخيمة، قال تعالى( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفينَ * الَّذينَ إِذا اكْتالوا
عَلى النّاسِ يَسْتَوْفونَ * وَإِذا كالوهُمْ أو وَزَنوهُمْ يُخْسِرونَ * أَلا يَظُنُّ
أولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعوثونَ * لِيَوْمٍ عَظيمٍ* يَوْمَ يَقومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمينَ
)المطففين1-6)ولنأخذ العبرة والعظة من قصة هذا المطفف كيف يكال له في الدنيا ووجه لنفسك
سؤالا كيف سيكال له في الآخرة؟ فذلك رجل فقير زوجته تصنع الزبد و هو يبيعها في المدينة
لأحد البقالات وكانت الزوجة تعمل الزبد على شكل كرة وزنها كيلو وهو يبيعها لصاحب البقالة
ويشتري بثمنها حاجات البيت؛ وفي أحد الأيام شك صاحب المحل بالوزن فقام ووزن كل كرة
من كرات الزبده فوجدها تسعمائة جرام فغضب من الفقير؛ وعندما حضر الفقير في اليوم الثاني
قابله بغضب وقال له لن اشتري منك يا غشاش تبيعني الزبد على أنها كيلو ولكنها أقل من
الكيلو بمائة جرام، حينها حزن الفقير ونكس رأسه ثم قال نحن يا سيدي لا نملك ميزان ولكني
اشتريت منك كيلو من السكر وجعلته لي مثقال كي ازن به الزبد( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي
الْأَبْصَارِ) .
- عدم احتكار السلع: فقد قَالَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ
" رواه مسلم ) إذ أن احتكار السلع سلوك ذميم يحمل في طياته بذور الهلاك لما يسببه
من غلاءٍ في الأسعار، وإهدار للتجارة، وتضييق لأبواب العمل والرزق، ونشر الشحناء والأحقاد
بين الناس، غير انه دليل على محبة الذات وتقديم النفس على حساب الآخرين ، ولقد قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم" لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ
" رواه البخاري) حب لا أثرة فيه ولا استغلال، ولا غش، ولا تدليس أو احتكار وهذا
ما كان عليه الصحابة و السلف من امة المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛ فعن بعض السلف أنه
جهز سفينة حنطة إلى البصرة وكتب إلى وكيله: بع هذا الطعام في يوم تدخل البصرة فلا تؤخره
إلى غد، قال: فوافق السعر فيه سعة، قال له التجار: إن أخرته جمعة ربحت فيه أضعافاً
فأخره جمعة فربح فيه أمثاله، وكتب إلى صاحبه بذلك فكتب إليه صاحب الطعام: يا هذا قد
كنا قنعنا أن نربح الثلث مع سلامة ديننا وإنك قد خالفت أمرنا وقد جنيت علينا جناية،
فإذا أتاك كتابي فخذ المال كله فتصدّق به على فقراء أهل البصرة وليتني أنجو من الاحتكار
كفافاً لا عليّ ولا لي. إحياء علوم الدين للغزالي) فليتق الله كل من تسول له نفسه احتكار
السلع،فقد قال صلى الله عليه وسلم " مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً
فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ ، وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ ، وَأَيُّمَا أَهْلِ عَرْصَةٍ
أَصْبَحَ فِيهِمُ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ ، تَعَالَى
". و عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ " رواه بن ماجه )
إن الإسلام لا يرضى للأسواق أن يتهارش الناس
فيها تهارش السباع، ولا أن يتغالب الناس فيها بالمكر والخديعة والنوايا الخبيثة، كما
أن الإسلام في تشريعاته لا يستكثر على التجار أن تكون لهم تجاراتهم الرابحة؛ ولكنه
جعل لها طرقَها المشروعةَ التي لا يهضم بها حق، ولا يؤكل فيها مال بالباطل، فطرق الكسب
المشروع ليست بضيقة على مبتغيها حتى توسع بحيل الكذب والغش والخديعة فإن الإسلام يحرم
ذلك بكل صوره، في بيع وشراء وفي سائر أنواع المعاملات، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ,
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَطْيَبَ
الْكَسْبِ كَسْبُ التُّجَّارِ الَّذِينَ إِذَا حَدَّثُوا لَمْ يَكْذِبُوا ، وَإِذَا
ائْتُمِنُوا لَمْ يَخُونُوا ، وَإِذَا وَعَدُوا لَمْ يُخْلِفُوا ، وَإِذَا اشْتَرُوا
لَمْ يَذِمُّوا ، وَإِذَا بَاعُوا لَمْ يُطْرُوا ، وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَمْطُلُوا
، وَإِذَا كَانَ لَهُمْ لَمْ يُعَسِّرُوا " فلا يحملن أحدكم حب المال أن يطلبه من غير حله؛
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لا يَسْتَبْطِئَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ رِزْقَهُ،
أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَلْقَى فِي رُوعِيَ أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ
يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا
النَّاسُ ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنِ اسْتَبْطَأَ أَحَدٌ مِنْكُمْ رزْقَهُ،
فَلا يَطْلُبْهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُنَالُ فَضْلُهُ بِمَعْصِيَةٍ
" مستدرك الحاكم) فالكسب الحلال يبارك الله فيه وإن كان قليلا، فينمو ويكون عونا
لصاحبه على طاعة الله، والمال الحرام لا خير فيه، ولا منفعةَ فيه،إن أنفق منه صاحبه
لم يؤجر عليه، وإن تصدق منه لم تقبل صدقته، إن أمسكه لم يباَك له فيه، وإن خلّفه وراءه
خلّف وراءه البلاء، وانتفع به من انتفع، وتحمل جامعهَ الأوزار والآثام ،وقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم "مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ، فَالنَّارُ أَوْلَى
بِهِ " وقال يحي بن معاذ - مصيبتان لم يسمع الأولون والآخرون بمثلهما للعبد في
ماله عند موته. قيل: وما هما؟ قال: يؤخذ منه كله، ويسأل عنه كله.
المـالُ ينفدُ حِلّـهُ وحرامــــــــــهُ
*** يومـا ويبقى بعد ذاكَ آثامُــــــهُ
ليـسَ التقـيُّ بمتّقٍ لإِلـهـــــــــــهِ
*** حتى يطيـبَ شرابُهُ وطعامُــهُ
ويطيب ما يجني ويكسبُ أهلــهُ *** ويَطيب
من لفظِ الحديثِ كلامُهُ
( الدعـــــاء )
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس