recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـــــــوان : المسئـــولية - للشيخ / محمد حســـن داود


خطبة بعنـــــــوان :
المسئـــولية  
للشيخ / محمد حســـن داود
ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا
العناصـــــر :
حرص الإسلام على إعلاء قيمة المسئولية .
المسئولية الشخصية (الفردية )                           المسئولية الوظيفية .
المسئولية الأسرية .                                       المسئولية المجتمعية .
المسئولية الوطنية .                                       من فضائل شهر شعبان.
الموضــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا )الأحزاب72) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، حَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ" رواه ابن حبان)اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد حرص الإسلام على إعلاء قيمة المسئولية؛ فكل إنسان مسئول بقدر استطاعته ونطاق تحمله والمهام الموكلة إليه، خاطب الإسلام بهذه المسئولية كل فرد وأسرة ومجتمع وأمة، وجعل القيام على حقها سبيلا لكل تقدم ورقى، وسببا لحياة سعيدة وآخرة طيبة، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " متفق عليه) وللمسئولية في الإسلام صور، منها :
 - المسئولية الشخصية أو الفردية: وهي مسئولية كل فرد عن نفسه وجوارحه وبدنه وعقله، علمه وعملِه، عباداته وطاعاته (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )الزلزلة7-8) وقال تعالى (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) فصلت46)وعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ " رواه الترمذي) ومن ثم كان من لوازم هذه المسئولية أن يؤدى الإنسان ما كلف به من عبادات وطاعات فقد قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)الذاريات56)ومنها أيضا: أن يحفظ الإنسان جوارحه، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ". وفى هذا المقام يجدر بنا أن نؤكد على حفظ اللسان فانه مؤشر على استقامة إيمان العبد، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ " .
المسئولية الوظيفية: وذلك بالقيام بالواجب الوظيفي على الوجه الأكمل، فالموظف ملزم بان يتقن عمله وان يحسنه على الوجه الذي أمر الله تعالى به من حضور و جد، ومراعاة ما ألزم به، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ اللهَ عز وجل يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ " وفي رواية ( إن الله تعالى يُحب من العامل إذا عمل العمل أن يُحسن "رواه البيهقي)
- المسئولية الأسرية : ومن لوازم هذه المسئولية: حسن المعاملة بين الزوجين وقيام كل منهما بما عليه من واجبات، فلقد حرص الإسلام على إشاعة المحبة والمودة وحسن العشرة بين الزوجين؛ قال تعالى ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾الروم21 )وقال جل وعلا ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ النساء 19) وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انه قَالَ : " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي " رواه بن ماجة)
 وفي إطار المسئولية الأسرية، يأتي دور الأسرة في تحمل مسئولية التربية الصحيحة للأبناء، فهم أجيال المستقبل، يؤثرون على مجتمعهم سلبا وإيجابا، ولقد قال الله جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)التحريم6)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم" إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، حَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ" رواه ابن حبان).
- المسئولية المجتمعية: فهي قيمة عظيمة، إذ تتضمن تقديم يد الخير والعون على اختلاف صنوفه وألوانه، كإطعام الجائع وكساء العاري ومداواة المريض وتفريج الكربات ورعاية الأيتام والأرامل والمساهمة في بناء المستشفيات والمدارس وإصلاح الطرق وكل ما يعود بالخير على المجتمع، فلقد تواترت الآيات تدعو إلى تعظيم قيم المسئولية الاجتماعية وتحفز على ذلك ومنه قوله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) سورة المائدة ٢) وقوله تعالى (وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) البقرة ١٥٨) كما أن السنة النبوية المطهرة زاخرة بدعوات وحث على تعظيم قيمة المسئولية المجتمعية، منها ما جاء عن أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قَالَ: بينَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:" مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ، وَمَن كانَ لَهُ فَضْلٌ مِن زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا زَادَ لَهُ، فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ المَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لا حَقَّ لأحدٍ مِنَّا في فَضْلٍ" رواه مسلم) و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: ":فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً"" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ" (رواه مسلم) ولقد أشار القران الكريم إلى صور عدة من تعظيم الأنبياء للمسئولية الاجتماعية فمدح موسى عليه السلام بمساعدته للمحتاجين وطالبي العون؛ ومن ذلك تطوعه بمساعدة لامرأتين كانتا تستسقيان لرعي أغنامهما، وكان الشبان يقفون أمام منبع الماء، وهما تنتظران من بعيد، فلما رآهما موسى وهو قادم من سفره نحو " مَدْيَن " لم يرض بذلك، فتطوع بمهمة السقي لهما، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ القصص ٢٣/٢٤) وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم كما تحمل مسئولية الدعوة إلى الله عظم قيم المسئولية المجتمعية ، فلم يرد سائلا ولم يترك محتاجا، والأمثلة على ذلك كثيرة منها ما جاء عَنْ أَنَسٍ" أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ " رواه مسلم)
ومن لوازم المسئولية المجتمعية أيضا أن يرتقى الإنسان بأخلاقه وسلوكه ومعاملاته مع الناس؛ فقد قال تعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ الضحى7/10) وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ مِن أحَبِّكُم إِليَّ وأَقربِكُم مِنِّي مجلسًا يومَ القيامَة: أَحاسِنكم أخلاقا" وفى مقابل هذه الدرجة والمكانة يقول النبي صلى الله عليه وسلم محذرا من سوء السلوك والخلق "إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ" (قال ابن حجر: قَوْله : " اِتِّقَاء شَرّه" أَيْ قُبْح كَلَامه)
المسئولية الوطنية: فما أعظم حق الوطن في الدفاع عنه والمحافظة عليه والتضحية في سبيله بالمال والنفس، و يكفى القائم بذلك الشرف الذي صرح به المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله" عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".، وكما يظهر الدفاع عن الوطن في التضحية من اجله، يظهر في احترام أنظمته وقوانينه، وطاعة ولى الأمر؛ فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم" مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي" رواه البخاري)كما يظهر في التشبث بكل ما يؤدي إلى قوته ووحدة أبنائه ، فقد قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) آل عمران103) كما يظهر في المحافظة على منشآته ومنجزاته، وفي الاهتمام بنظافته وجماله، وفي المحافظة على أمواله وثرواته، فالمال العام اشد حرمة من المال الخاص وذلك لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، كما يظهر في التصدي للشائعات والأراجيف والأباطيل التي يقصد بها ملء القلوب من الفتن والمصائب، وشحْن القلوب بالأحقاد والبغضاء على المجتمع والتشكيك في الانجازات، والبناء والتعمير، فمروج الشائعات لئيم الطبع، منحرف التفكير، عديم المروءة، ترسب الغل في أحشائه، ساع في الأرض بالفساد، للبلاد والعباد؛ وقد قال تعالى (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ *الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) فليكن منهج كل واحد منا عند الحديث قوله صلى الله عليه وسلم "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ". وليكن منهج كل واحد منا في سمعه قول الله عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) يظهر في مناهضة كل دعوة هدامة، في مناهضة الأفكار المتطرفة، ففي مناهضتها توجيها للعقول والقلوب إلى الوسطية والاعتدال والسلم والسلام والمحبة والمودة، يظهر في مضاعفة الجهد في العمل والإنتاج.
 إن من علامات صدق المحبة للوطن: أن يكون كل واحد منا قدوة صالحة في نفسه، وبين أهله وبني وطنه، ولا يكون معول هدم في المجتمع، بل يكون أول من يدافع عن وطنه لمن يريد به الشر، فالمخلصون يؤمنون بضرورة تقديم كل ما بوسعهم، وبأقصى جهدهم، وبأعظم طاقتهم، لخدمة وطنهم .
- الخطبة الثانية : إن من فضل الله جل وعلا، أن جعل لنا مواسم للطاعات، أجزل لنا فيها العطايا والنفحات، ترفع فيها الدرجات، و تتضاعف فيها الحسنات؛ يتزود فيها المؤمن بخير زاد، ويسارع فيها إلى الخيرات والطاعات والقربات إلى رب البريات، فقد قال جل وعلا (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)آل عمران133) ومن هذه النفحات الطيبة، والأيام العطرة " شهر شعبان " فهو فرصة عظيمة من فرص الخير الوفير؛ شهر يتشعب فيه خير كثير، ويكفى في فضله ما جاء عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انه قَالَ " يَطْلُعُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ "رواه ابن حبان).
فلعظم هذا الشهر ودرجته ومكانته، خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمزيد من العبادة، فعن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ "رواه النسائي) إذ يشير المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى أنه لما توسط شعبان شهرين عظيمين هما (الشهر الحرام رجب، وشهر الصيام رمضان) انشغل الناس بهما عن شعبان؛ مع عظم مكانته ورفيع درجته، ولقد أشارت السنة النبوية إلى عظيم اجر الطاعة والعبادة في الوقت الذي قد يغفل بعض الناس عنه؛ أما ترى أن الله عظم اجر قائم الليل إذ الناس من حوله نيام، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِمْ ، ...، وَالَّذِي لَهُ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ وَفِرَاشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ ، فَيَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَذَرُ شَهْوَتَهُ ، فَيَذْكُرُنِي وَيُنَاجِينِي وَلَوْ شَاءَ لَرَقَدَ ، وَالَّذِي يَكُونُ فِي سَفَرٍ وَكَانَ مَعَهُ رَكْبٌ ، فَسَهَرُوا وَنَصَبُوا ثُمَّ هَجَعُوا ، فَقَامَ فِي السَّحَرِ فِي سَرَّاءٍ أَوْ ضَرَّاءٍ " مستدرك الحاكم) وعن أبى أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ "رواه الترمذي) و قال صلى الله عليه وسلم "أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ" رواه مسلم) أما ترى أن الله ينزل الرحمات و البركات، على المستغفر والسائل في الثلث الأخير من الليل، حيث الناس من حوله نيام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" متفق عليه) عَنْ جَابِرٍ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "  إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ "رواه مسلم)
أما ترى أن الله تعالى عظم اجر الذاكرين له في أوقات قد يغفل فيها الناس عن ذكره، فعن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ "  رواه الترمذي) كما عظم اجر الذاكرين له في اماكن قد يغفل فيها الناس عن ذكره كالأسواق، فقد قال صلى الله عليه وسلم" مَن دخل السُّوقَ فقال: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ يُحيي ويُميتُ وهو حيٌّ لا يموتُ، بيدِه الخيرُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، كتب اللهُ له ألفَ ألفِ حسنةٍ، ومحا عنه ألفَ ألفِ سيِّئةٍ، ورفع له ألفَ ألفِ درجةٍ" رواه الترمذي) .
كما انه هناك أسباب أخرى لاجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان؛ ومنها: انه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله؛ فالأعمال ترفع إلى الله (يومياً، وأسبوعياً، وسنوياً) فيرفع إليه سبحانه وتعالى عمل النهار، وعمل الليل ،فعَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ " رواه مسلم) وترفع إليه أعمال الأسبوع في يومي الاثنين والخميس، فقد قال صلى اللّه عليه وسلّم" تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ" وترفع أعمال السنة في شعبان، كما تقدم في الحديث؛ وإذا كان شهر شعبان ترفع فيه أعمال العام فمما لاشك فيه أن يجتهد العبد بأحب الأعمال إلى الله ليرفع عمله وهو عليها، وفى ذلك يشير النبي صلى الله عليه وسلم ويوجهنا إلى عبادة من أحب العبادات إلى الله تعالى فيقول" فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ " فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلاَ رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ"، رواه البخاري ومسلم)إذ أن الصيام من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى، ويشهد لذلك ما جاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه حيث قال : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ " عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ " ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ " عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ ". وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " رواه البخاري) و في صيام شعبان معنى آخر، ننوه عنه، وهو أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلاّ يدخل الإنسان في رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قَبْلَه حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط ،كما أن صيامه بالنسبة لرمضان كالسنة الراتبة القبلية للصلاة ، وصيام الست من شوال لرمضان كالراتبة البعدية لها .
إن المؤمن الفطن يعلم أن أنفاسه معدودة ، وان عمره هو رأس ماله ،ولا يمكن أن يسعد إذا أهمل هذا العمر الذي هو طريق سعادته، بل يغتنمه في  فعل الخيرات وعمل الصالحات، فقد قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾الحج 77) فسارعوا بالخيرات والطاعات، فالصحة يفجؤها السقم، والقوة يعتريها الوهن، والشباب يعقبه الهرم، ولقد قال صلى الله عليه وسلم" اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابُكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتُكَ قَبْلَ سِقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغُكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتُكَ قَبْلَ مَوْتِكَ " ويقول النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ لِرَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا ، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا "رواه الطبراني في المعجم الأوسط والكبير)
بَادِرْ بِخَيْرٍ إذا ما كُنْتَ مُقْتَدِرَا *** فَلَيْسَ في كُلِّ وَقْتٍ أَنْتَ مُقْتَدِرُ .
( الدعـــــاء )
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
google-playkhamsatmostaqltradent