recent
آخر المشاركات

الرحمة - للشيخ محمد حسن داود


الرحمة
للشيخ / محمد حســــن داود
وللتحميل : word  اضغط هنا
وللتحميل : pdf     اضغط هنا 

لقد جاء الإسلام داعيا إلى أحسن الخلق وأجمل الصفات، وأنبل القيم وأفضل السمات، ومن ذلك " الرحمة "
فالرحمة خلق عظيم، ووصف كريم، أُوتيه السعداء، وحرمه الأشقياء ، ذكرت بمشتقاتها في القران الكريم ثلاثمائة وخمس عشرة مرة، إشارة إلى مكانتها ودرجتها، فمن عظيم أمرها، وعلو شأنها أنها من صفات الله جل وعلا، قال تعالى (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ" الأنعام 54) وقال سبحانه (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ )الحشر22) وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي" رواه البخاري ) وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ " قُلْنَا " لَا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا " رواه مسلم) يالها من رحمة، بها يكون الغفران ،والرضوان، والفوز بالجنان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،قَالَ : " مَا مِنْ أَحَدٍ يُدْخِلُهُ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ " ، فَقِيلَ : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ" وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي رَبِّي بِرَحْمَةٍ " رواه مسلم )
أما عن رحمة المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فلقد جمع الله سبحانه وتعالى له صفات الجمال والكمال البشري، فتألقت روحه الطاهرة بعظيم الشمائل والخصال، وكريم الصفات والأفعال، حتى أبهرت أخلاقه القريب والبعيد، وشملت رحمته الغريب والصديق، ولقد صور لنا القران الكريم هذا جليا واضحا إذ يقول الحق سبحانه وتعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) الأنبياء107) ويقول جل وعلا (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)التوبة 128) ويقول صلى الله عليه وسلم، عن نفسه " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ " مستدرك الحاكم) فكان صلى الله عليه وسلم أكمل الناس خَلقا وخُلقا، وأعظمهم إنسانية ورحمة، يصل من قطعه، ويعطى من حرمه، ويعفو عمن ظلمه، ويحسن إلى من أساء إليه، تقول أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، في حقه " إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ " مستدرك الحاكم )
ولقد تجلت عظمة رحمته، صلى الله عليه وسلم، بأمته في الكثير من المواقف، إذ رق قلبه لجميع أبناء أمته حتى بكى خوفا عليهم، أن يصيبهم من الله عذاب؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) سورة إبراهيم آية 36 الآيَةَ )، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سورة المائدة آية 118 )، فَرَفَعَ يَدَيْهِ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ ، أُمَّتِي ، أُمَّتِي ، وَبَكَى ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا جِبْرِيلُ ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَسَأَلَهُ ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ ، فَقَالَ اللَّهُ : يَا جِبْرِيلُ ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ، فَقُلْ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوؤُكَ " رواه مسلم) ما أعظم رحمة النبي صلى الله عليه وسلم التي لم تترك بشرا إلا وكان له منها نصيب فكان رحيما بالآباء والأمهات، رحيما بالأطفال، رحيما بالمخالف له، رحيما بالخدم والعبيد، إذ يقول أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ وَلَا لِمَ صَنَعْتَ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ " رواه البخاري مسلم) وعن أنس بن مالك قال " إِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ" رواه البخاري )وعن أَنَسِ رضي الله عنه يضا، انه قال "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهّ عليه وسلم" وما أعظم رحمته صلى الله عليه وسلم إذ يوصى بالنساء خيرا، زوجة كانت ، إذ يقول "وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا " رواه البخاري) أو بنتا كانت ، فقد قال" مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا - يَعْنِي الذُّكُورَ - أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ "(رواه أبو داود) أو أما كانت، فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِىِّ أَنَّ جَاهِمَةَ جَاءَ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ فَقَالَ " هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟" قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ " فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا ".
كما تظهر لنا عظمة رحمته وإنسانيته صلى الله عليه وسلم، في معاملته مع مخالفيه، إذ كان يعاملهم بأرقى قيم الإنسانية لا يفرق في مثل هذه المعاملة بينهم وبين غيرهم ، فكان يجيب دعوتهم ويحضر مجالسهم ويعود مرضاهم ويواسيهم في مصابهم، فقد قال الله تعالى (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الحجرات8) ولما مرت جنازة فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له يا رسول الله إنها جنازة يهودي،‏ فقال: " أليسَتْ نفسًا؟ "؛ ولقد مات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونا عند يهودي؛ مما يؤكد على قيم التعايش السلمي بين الناس في مجتمعهم حتى وان اختلف اللون أو العرق أو العقيدة، كما سطر الصحابة الأطهار سيرا على نهج نبي الرحمة سطورا من نور في الرحمة معهم، فقد جاء عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ فِي أَهْلِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ " أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ ؟ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ " .
إن الرحمة، من قيم ديننا و أخلاق نبينا وهى إلى الغفران نهجنا والى الجنة طريقنا، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ رَحِمَ ، وَلَوْ ذَبِيحَةَ عُصْفُورٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "  وكما أنها مفتاح قلوب الناس؛ إذ يقول الله جل وعلا (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)آل عمران 159)هي أيضا مفتاح لباب رحمة الله تعالى، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : " ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرْ اللَّهُ لَكُمْ " وقال أيضا "  لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ " متفق عليه) فحرى بنا أن نتراحم فيما بيننا، بكل صنوف الخير وألوانه فالرحمة لا تنزع إلا من شقي، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لاَ تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلاَّ مِنْ شَقِيٍّ " رواه أبو داود) ومن لا يرحم لا يرحم، فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ لَا يَرْحَمْ النَّاسَ ، لَا يَرْحَمْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " مسلم ) وإذا كانت بغية من بغايا بني إسرائيل، غفر لها بسبب رحمتها للحيوان، فكيف يكون اجر ومقام من يرحم من كرمه الرحمن؛ إذ يقول الله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا )الاسراء70) فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ " رواه البخاري ) .
===== كتبه =====
محمــــــد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس
google-playkhamsatmostaqltradent