خطبة بعنـــــــوان :
رمضان شهر الجود والكرم والانتصارات
للشيخ / محمد حســـن داود
رمضان شهر الجود والكرم والانتصارات
للشيخ / محمد حســـن داود
وللتحميل : pdf اضغط هنا
الموضـوع :
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (وَمَا
أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) سبأ39)
وقال جل وعلا (وَمَا
تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ
اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ
) البقرة272).وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا
عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف" مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كُتِبَ لَهُ مِثْلُ
أَجْرِهِ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ" رواه الترمذي
)وقال صلى الله عليه وسلم " مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ"
رواه مسلم) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
وبعد
لقد جاء الإسلام داعيا إلى أحسن الخلق وأجمل
الصفات، وأنبل القيم وأفضل السمات، ومن ذلك " الجود والكرم "
فالكرم من صفات الله تعالى، والكريم من
أسمائه؛ قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ
* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ
﴾الانفطار6 – 8) وعَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ،
وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الأَخْلاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا " رواه الطبراني والحاكم)وعَنْ
سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إِنَّ اللَّهَ
حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِى إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا
صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ" الترمذي وبن ماجه) فالله
سبحانه وتعالى، عظيم الفضل والعطاء، واسع الجود والكرم والسخاء، يشمل بخيره الناس أجمعين،
من سأله أعطاه، ومن طلب منه الهداية هداه، من استطعمه واستسقاه أطعمه وسقاه، ومن
استعان به أعانه، يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء
النهار، من استغفره غفر له وان بلغت الذنوب عنان السماء، ومن تقرب إليه شبرا تقرب منه ذراعا، ومن تقرب منه ذراعا تقرب منه
باعا، ومن مشي إلَيه هرول إليه، وفي الحديث القدسي " يَا عِبَادِي: إِنَّكُمُ
الَّذِينَ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ، وَلا
أُبَالِي، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي: كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا
مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي: كُلُّكُمْ عَارٍ
إِلا مِنْ كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي: لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ
وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْكُمْ
، لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، وَلَوْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ،
لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، وَلَوِ اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ
فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا سَأَلَ، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ
مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْبَحْرُ أَنْ يُغْمَسَ فِيهِ الْخَيْطُ
غَمْسَةً وَاحِدَةً " .
كما أن الكرم من سمات وأخلاق الأنبياء والمرسلين؛
قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ
* إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ )الذاريات 24-27) قال مجاهد"سمَّاهم
(مُكْرَمين) لخدمة إبراهيم إيَّاهم بنفسه" تفسير القرطبي) وهذا نبي الله موسى
عليه السلام، يجسد لنا صورة من صور الجود والكرم بمساعدته لامرأتين كانتا تستسقيان
لرعي أغنامهما، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً
مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا
خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ
* فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ
إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾القصص ٢٣/٢٤) وهذا نبي الله ذكريا عليه السلام، يشير القران
الكريم إلى شيء من جوده وكرمه إذ تطوع لكفالة مريم بنت عمران، قال تعالى﴿ وَكَفَّلَهَا
زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا
قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ آل عمران ٣٧) ولقد ضرب لنا نبينا المصطفى
صلي الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الجود والكرم، فهو مثل لا يضاهى، وقدوة لا تسامى؛
فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" مَا بَقِيَ مِنْهَا؟ " قَالَتْ: مَا
بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا، قَالَ" بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا
" ولم يكن الرسول كريما بماله فقط؛ بل بماله وبوقته وبجهده ونفسه؛ فعَنْ أَنَسٍ
رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللهِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ :" يَا أُمَّ فُلاَنٍ، انْظُرِي أَيَّ
السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ "، فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ
الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا " رواه احمد)
وعلى هذا المنهج الطيب كانت أخلاق الصحابة
رضي الله عنهم، فكانوا يتنافسون في الجود والكرَم، ويتسابقون إلى البذل والعطاء، فعَنْ
أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ
عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ
اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا
مِنْهُمْ " رواه مسلم) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا
أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ
مَا مَعَنَا إِلَّا الْمَاءُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
"مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا "فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَا
فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي فَقَالَ
هَيِّئِي طَعَامَكِ وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا
عَشَاءً فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا
ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ
أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ" ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ
أَوْ عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا "فَأَنْزَلَ اللَّهُ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ
)الحشر9)
إن الجود والكرم من مكارم الأخلاق ومن
أفضل الصفات، حثنا عليه القران الكريم والسنة النبوية المطهرة؛ قال اللهُ تعالى (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ
يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
البقرة:254) وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:" بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ
مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ
لَهُ قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ
عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ؛ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ
عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ. قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى
رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ" رواه مسلم) ويقول النبي
صلى الله عليه وسلم" إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا،
وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " هِيَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ،
وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " رواه
الترمذي وقال حَدِيثٌ غَرِيبٌ)
فما أعظم أن نكون من أهل هذا الخلق العظيم فقد قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم "
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ " ويقول أيضا " مَا ءَامَنَ بِي مَنْ باتَ شَبْعانَ وَجارُهُ جائِعٌ
إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ " خاصة ونحن في شهر الجود والكرم، فلقد كان النبي صلى الله عليه
وسلم أجود ما يكون في هذا الشهر المبارك، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال"
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا
يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ
مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ" فهو شهر الرحمات والبركات ومضاعفة الحسنات والرفعة في الدرجات ولقد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كُتِبَ لَهُ
مِثْلُ أَجْرِهِ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ"
رواه الترمذي )
الصائمون: إن الجود
والكرم خلق من أخلاق الإسلام الفاضلة، وخصلة من خصاله العظيمة، له من الفضائل مالا
يحصى، فبه تسود المحبة والمودة بين الناس، وتصفو النفوس؛إذ أن النفس مجبولة على محبة
أهل الكرم والسخاء والإحسان،
أحسن إلى الناس
تستعبد قلوبَهُم * * * فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
وكُنْ على الدّهرِ مِعْوَانًا لذي أملٍ * * * يرجو نَداكَ فإنّ الحُرَّ مِعـــْوانُ
وكُنْ على الدّهرِ مِعْوَانًا لذي أملٍ * * * يرجو نَداكَ فإنّ الحُرَّ مِعـــْوانُ
به تستر العورات،
وتفرج الكربات، وتدفع الشدائد، فكم من مبتلى دَفعت عنه جبال من البلايا بجوده وكرمه،
وكم من مكروب فرج الله كربه بجوده وكرمه؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً
مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللَّهُ
فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ "رواه مسلم)
وبه تضاعف الحسنات
فقد قال تعالى ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ
حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ
يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾البقرة261) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"مَنْ
تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ
وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي
أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ"
وبه يكون الأمن
من الخوف والحزنِ يوم القيامة؛ قال تعالى ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ البقرة 274) ويقول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ
النَّاسِ "ولقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من السبعة الذين يظلهم الله في
ظله يوم لا ظل إلا ظله "رَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ
مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ " رواه البخاري)
وفى الكرم دواء
للأمراض القلبية ،كما في قوله صلى الله عليه وسلم لمن شكى إليه قسوة قلبه " أَتُحِبُّ
أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ وَتُدْرِكَ حَاجَتَكَ " . قَالَ : نَعَمْ . قَالَ :
" ارْحَمِ الْيَتِيمَ وَامْسَحْ بِرَأْسِهِ وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ يَلِنْ
قَلْبُكَ وَتُدْرِكْ حَاجَتَكَ "
والكرم حصن للإنسان
من مصارع السوء فقد قال صلى الله عليه وسلم " صَنَائِعُ المعروفِ تقِي مصارعَ
السّوء" . (ذكر الإمام الشوكانى ، قصة عجيبة ونكتة غريبة في بلد شامي الحرجة تسمى
الحمرة وذلك أنه كان فيها رجل من الزرعة وكان ذا دين وصدقة فاتفق أنه بنى مسجدا يصلى
فيه وجعل يأتى ذلك المسجد كل ليلة بالسراج وبعشائه فإن وجد في المسجد من يتصدق عليه
أعطاه ذلك العشاء وإلا أكله وصلى صلاته واستمر على ذلك الحال... ثم انها اتفقت شدة
ونضب ماء الآبار وكانت له بير فلما قل ماؤها أخذ يحتفرها هو وأولاده فخربت تلك البير
والرجل في أسفلها خرابا عظيما حتى انه سقط ما حولها من الأرض إليها فأيس منه أولاده
ولم يحفروا له وقالوا قد صار هذا قبره .... وكان ذلك الرجل عند خراب البئر في كهف فيها
فوقعت الى بابه خشبة منعت الحجارة من أن تصيبه فأقام في ظلمة عظيمة ثم إنه بعد ذلك
جاءه السراج الذي كان يحمله إلى المسجد وذلك الطعام الذي كان يحمله كل ليلة وكان به
يفرق ما بين الليل والنهار واستمر له ذلك مدة ست سنين والرجل مقيم في ذلك المكان على
تلك الحال ثم انه بدا لأولاده أن يحفروا البئر لإعادة عمارتها فحفروها حتى انتهوا إلى
أسفلها فوجدوا أباهم حيا فسألوه عن حاله فقال لهم ذلك السراج والطعام الذي كنت أحمل
إلى المسجد يأتينى على ما كنت أحمله تلك المدة فعجبوا من ذلك فصارت قضية موعظة يتوعظ
بها الناس فى أسواق تلك البلاد ) من كتاب البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع
للشوكانى"
غير أن للكرم ثمرته
العظيمة وأثره الطيب في التكافل الاجتماعي إذ يعد باب عظيم من قضاء حوائج الناس والتطوع
بالخير في جميع مجالاته وميادينه ولقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم أَيُّ النَّاسِ
أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَحَبُّ النَّاسِ
إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ
تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ
دِينًا ، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا ، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ، (يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ)
، شَهْرًا ".
ومع هذا الفضل
الكبير والثواب العظيم إلا أن بعض الناس قد يقع في حبائل الشيطان، وشباك جلساء البخل
، فيزنوا لهم الأمور بميزان المادة، ويصوروا لهم أن البذل والكرم خسارة ومغرمًا، والحق
غير ذلك فقد قال تعالى(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء
وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )(البقرة268).
وقال تعالى (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
)( سبأ39) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"ما نقصت صدقةٌ من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله
إلا رفعه الله". وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ
فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا
خَلَفًا ، وَيَقُولُ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا " رواه البخاري ومسلم)
الناس بالناس ما
دام الحياة بهــم *** والسعد لا شك تارات وهبـــــــــــات
وأفضل الناس مابين الورى رجل *** تقضى على يده للناس حاجـــــــات
لا تمنعن يد المعروف عن أحـــــد *** ما دمت مقتدرا فالسعد تــــــــارات
وأشكر فضائل صنع الله إذا جعلت *** إليك لا لك عند الناس حاجـــــــات
قد مات قوم وما ماتت مكارمهـــم *** وعاش قوم وهم في الناس أموات
وأفضل الناس مابين الورى رجل *** تقضى على يده للناس حاجـــــــات
لا تمنعن يد المعروف عن أحـــــد *** ما دمت مقتدرا فالسعد تــــــــارات
وأشكر فضائل صنع الله إذا جعلت *** إليك لا لك عند الناس حاجـــــــات
قد مات قوم وما ماتت مكارمهـــم *** وعاش قوم وهم في الناس أموات
الخطبة الثانية=
إن الناظر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته الأطهار في رمضان، ليرى أنها
لم تكن كسلا وخمولا بل كانت عبادة وعملا واجتهادا، ولا أدل على ذلك من أن كثيرا من
غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في شهر رمضان؛ ومنها غزوة بدر؛ تلك الغزوة التي
كانت في أول رمضان يفرض فيه الصيام، إذ من الله جل وعلا على المسلمين بالنصر مع
قلة عددهم، قال تعالى(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا
اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ
أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَى
إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم
بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا
بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ
اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)آل عمران123-126)وفى شهر رمضان من السنة الثامنة من
الهجرة، كان فتح مكة؛ وفيه ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم، أروع المثال في العفو
والرحمة مبينا صفاء قلبه ومجليا للناس جميعهم سماحة الإسلام، ولا أدل على ذلك من قوله
لمن آذوه "مَا تَرَوْنَ أَنِّى صَانِعٌ بِكُمْ؟" قَالُوا: خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ
وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ" اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ"
وفى الخامس والعشرين من رمضان عام 658هـ ، كانت هزيمة
التتار وتحطيم أماله في عين جالوت، على يد الجيش المصري بقيادة السلطان سيف الدين قطز،
وتتوالى الانتصارات
في رمضان، التي كان من اجلها نصر العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر، عام ألف وتسعمائة
ثلاث وسبعين، حيث كان توفيق الله سبحانه وتعالى لقواتنا المسلحة في تتويج بلادنا بتاج
النصر، ورفع راية البلاد و تحطيم قيود العباد؛ تحرير الأرض وصيانة العرض، فلقد حققوا
نصرا عظيما وجسدوا أصالة القوات المسلحة المصرية وعظمة ولائهم للوطن بما قدموه من تضحيات،
وأثبتوا للعالم كله أنه لا تهاون مع معتدى مهما كان اسمه أو رسمه.
لقد تجلت في هذا اليوم قوة وإصرار وعزيمة القوات
المسلحة المصرية في قهر الصعاب و تحطيم آمال كل معتدى على صخرة العزة والكرامة، كما
تتجلى كل يوم قوتهم وإصرارهم وعزيمتهم وحسن ولائهم لوطنهم في كل ما يقومون به من تضحيات
في مواجهة الإرهاب وأهله حفاظا على الوطن والأرض والعرض إذ يسجل ذلك تاريخًا جديدًا
لمصر لا يقل عن نصر أكتوبر المجيد، وان هذا ليدعونا جميعا أن نكون صفا واحدا خلف وطننا
وقواتنا المسلحة حتى يستمر دائما الأمن والأمان في بلادنا، وتقدما وازدهارا ورفعة لبلادنا
وحياتنا؛ واستمرارا لزمان قال فيه يوسف عليه السلام لأبويه( ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن
شَاء اللَّهُ آمِنِينَ)؛
وإننا لا ننسى
ابدآ دماء الشهداء، لا ننسى أبدا الدماء التي حفرت على جدار التاريخ المجد لبلادنا
ووطننا، استمرارا لعزة البلاد ،و كرامة العباد، ولا شك أن من اقل حقوق هؤلاء الشهداء
على أبناء الوطن تخليد أسماءهم، وذكراهم ،وبطولاتهم، ليس في سجلات التاريخ فحسب، بل
في كل قلب وعلى كل لسان، ليس من قبيل سرد البطولات التي قاموا بها فحسب، بل من أجل
أن يكونوا نموذجا للاقتداء بهم، وحافزا للأجيال بعدهم على التضحية من أجل الوطن، ورفعته،
وتقدمه.
( حفظ الله مصر وجيشها من كل مكروه وسوء)
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس