recent
آخر المشاركات

السماحة من قيم الإسلام - للشيخ / محمد حسن داود


السماحة من قيم الإسلام
للشيخ / محمد حسن داود


وللتحميل : word  اضغط هنا
وللتحميل : pdf     اضغط هنا  
 الموضــــــــــــوع :


لقد جاء الإسلام لتحقيق أنبل القيم وأفضل السمات، وأحسن الخلق وأجمل الصفات،فهو دين في جوهره ورسالته، وأحكامه وتشريعاته، وجملته وتفصيله؛ يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يشتت، يقوي ولا يضعف، يبنى ولا يهدم، رحمة كله، تيسير كله، إنسانية كله، سماحة كله؛ فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان؟ قال "الصَّبر والسَّماحة " رواه أحمد والبيهقي) والسماحة هي طيب في النفس عن كرم وسخاء، وهي سلامة الصدر عن تقى ونقاء، وهي لين في الجانب عن سهولة ويسر، وهي بشاشة في الوجه عن طلاقة وبشر، وهي صدق في المعاملة دون غبن وخيانة، وهي انقياد لدين الله دون تشدد أو غلو أو تطرف.
ومن يتدبر آيات القران الكريم، يرى مدى تأكيدها على قيم السماحة في اسمي المعاني، فلقد رفع القرآن الكريم من مكانة الإنسان بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو الدين، قال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) الاسراء70) ولقد خطب النبي في حجة الوداع خطبة جامعة مانعة تضمنت مبادئ وقيم السماحة جاءت في كلمات غاية البلاغة، فقال "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى" إذ ترى أن الإسلام دعانا إلى الإيمان بجميع الأنبياء والرسل؛ فدعوتهم واحدة ورسالتهم واحدة، يقول جل وعلا (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَ مَلآئِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لاَنُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَ قَالُواْ سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ )البقرة285) كما دعانا إلى التسامح وحسن الصلة مع الناس جميعا، إذ يقول الله جل وعلا (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) البقرة83) وجعل أحب الناس إلى الله انفعهم للناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ " كما أن أفضل الإسلام، بل وتمامه، أن يسلم الناس من يد العبد ولسانه، فعن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعاصِ رضي الله عنه قال : إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" وعد الاعتداء على أية نفس اعتداء على الإنسانية كلها، كما عد تقديم الخير لنفس كتقديم الخير للبشرية كلها، قال تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة32) وقال فيمن بات شبعان وجاره جوعان " ما ءامَنَ بِي مَنْ باتَ شَبْعانَ وَجارُهُ جائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِه" وفيمن لم يمنع جاره بوائقه " واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ: مَنْ يا رسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذي لا يأْمنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)
ومن صور السماحة التي دعانا إليها الإسلام: قضاء حوائج المحتاجين وكشف الكرب عن المكروبين، فقد قَالَ صلى الله عليه وسلم" أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْىٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ "رواه الترمذي) ومن السماحة ما كان في المعاملة؛ من بيع وشراء، فقد قال صلى الله عليه وسلم " رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى" رواه البخاري) ومن صدق في التجارة، بعدم الغش والتدليس أو الاحتكار، فقد قال صلى الله عليه وسلم " التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ" ومن صور السماحة في الإسلام حفظ الإسلام لحقوق الناس، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل اهتم بمراعاة مشاعر الناس، فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات11-12) ومن أعظم ما يظهر دعوة الإسلام إلى احترام مشاعر الغير ما جاء عن بن مسعود رضي الله عنه انه كان على شجرة فهبت الريح فكشفت ساقيه فضحك الصحابة من دقتهما, أي من نحالتهما, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا يُضْحِكُكُمْ " ؟ قَالُوا: دِقَّةُ سَاقَيْهِ. قَالَ " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ؛ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مُنْ أُحُدٍ " وتدبر قوله صلى الله عليه وسلم " إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ " وما جاء أن بعض الصحابة كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ ، فَأَخَذَهُ فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا" ومن أعظم صور السماحة والتعايش الإنساني في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا" وما جاء عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ " رواه البخاري) ولقد كان أشد يوم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم بعد يوم احد يوم أن اعتدى عليه أهل الطائف إذ سخروا أطفالهم في سبه وشتمه، ورميه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين،- كما ثبت في صحيح البخاري - فلما خيره مَلَكُ الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -:"بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" متفق عليه)  ولما قيل له يا رسول الله ادع الله على دوس فَقَالَ " اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ " وهاهو يدخل مكة فاتحا في السنة الثامنة من الهجرة فيسمع سعد بن عبادة رضي الله عنه يقول:" اليوم يوم الملحمة"، فيردّ النبي صلى الله عليه وسلم "بل اليوم يوم المرحمة" ثم ينظر إلى أهل مكة، فيقول لهم: "مَا تَرَوْنَ أَنِّى صَانِعٌ بِكُمْ؟ ". قَالُوا : خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ : " اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ".ومن سماحة الإسلام انه أجاز لنا مؤاكلة أهل الكتاب، والأكل من ذبائحهم، كما أباح مصاهرتهم والتزوج من نسائهم، مع ما قرره القرآن من قيام الحياة الزوجية على المودة والرحمة، قال تعالى ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾المائدة5) كذلك من صور سماحة الإسلام مع غير المسلمين أنه حرم التعرض بالأذى، ووعد وأغلظ في العقوبة لمن تعرض لهم بالأذى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا "رواه البخاري) بل إن الأمر لم يقف عند النهى عن الأذى فحسب بل شمل الحث على البر والإحسان إذ يقول جل وعلا ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )الممتحنة 8) ولقد صان الإسلام لغير المسلمين معابدهم ورعى حرمة شعائرهم، وقد رأينا كيف استقبل النبي صلى الله عليه وسلم نصارى نجران  وكف اشتمل عهده إليهم، أن لهم جوار الله وذمة رسوله على أموالهم وملَّتهم وبِيَعهم، ولما حانت صلاتهم سمح لهم النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة صلاتهم في مسجده، فأراد الناس منعهم فقال لهم صلى الله عليه وسلم " دعوهم " ففعلوا.
فما أحوجنا إلى أن نتمسك بقيم ديننا وهدى نبينا  حتى تستقيم حياتنا وآخرتنا .
 
===== كتبه =====
محمــــــد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس
google-playkhamsatmostaqltradent