recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـوان : رمضان شهر الإيمان وصناعة الرجال للشيخ / محمد حسـن داود


خطبة بعنـــــــوان :
رمضان شهر الإيمان وصناعة الرجال
للشيخ / محمد حســـن داود

ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا

ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا 
العناصـــــــر
- رمضان شهر الإيمان  .               - الإيمان بضع وسبعون شعبة .
- اثر الإيمان وفضائله  .                 - رمضان شهر صناعة الرجال .
- العشر الأواخر من رمضان .
 الموضـــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَان) الحجرات 17) وقال جل وعلا (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً )الأحزاب23 )وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف"  الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً ، فَأَفْضَلُهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن نعم الله عز وجل على الإنسان لا يحدها حد، ولا يحصيها عد، قال تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ )النحل18) ويقول سبحانه (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) لقمان20) ومن أجل نعم الله عز وجل على العبد، وأعظمها؛ نعمة الإيمان؛ قال تعالى (بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَان) الحجرات 17) وقال سبحانه (وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )الحجرات 7/8) وعن حقيقة الإيمان يقول النبي صلى الله عليه وسلم،" أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ ، وَمَلَائِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ " وعليه فان الإيمان ليس مجرد فكرة تتخيلها بعض العقول، وليس حبرا على ورق سطرته بعض الأقلام، بل للإيمان حقائق تدل عليه، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : " كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ ؟ " قَالَ : أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا . فَقَالَ : " انْظُرْ مَا تَقُولُ ؟ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً ، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ ؟ " فَقَالَ : قَدْ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا ، وَأَسْهَرْتُ لِذَلِكَ وَاطْمَأَنَّ نَهَارِي ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا . فَقَالَ : " يَا حَارِثُ عَرَفْتَ فَالْزَمْ " "ثَلَاثًا "رواه الطبراني في الكبير) ولما سأل سُفْيَان بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ النبي صلى الله عليه وسلم : يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ بَعْدَكَ، قَالَ " قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ " رواه مسلم)
ولا شك أن شهر رمضان هو شهر الإيمان الحقيقي ولا أدل على ذلك من بدء آيات الصيام بوصف الإيمان في النداء قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة183) غير أن رمضان هو شهر الصبر كما جاء في الحديث النبوي " صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يُذْهِبْنَ وَحَرَ الصَّدْرِ "رواه البزار) ولا شك أن الصبر نصف الإيمان، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ " رواه مسلم)إذ تجتمع في شهر رمضان أنواع الصبر الثلاثة؛ وهى : الصبر على طاعة الله ، والصبر عن محارم الله، والصبر على الأقدار المؤلمة؛ ففي شهر رمضان، صبر على طاعة الله وعبادته، والتقرب إليه بصالح الأعمال من صيام، وقيام، وصلاة، وصدقات، وذكر ،وقراءة القرآن، وغيرها من صنوف الطاعات والقربات. وفيه صبر طوال النهار عن المفطرات ، وصبر عما حرم الله من الشهوات، كما أن في الصيام صبر على الأقدار، ومنها : ما يحصل للصائم من ألم الجوع والعطش، وضعف النفس والبدن، قال مجاهد وغيره في قوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ )الحاقة24) " قال "نزلت في الصائمين"
كما أن للشكر ارتباط وثيق بالإيمان كما في الحديث الذي ذكرنا، كما يقول الله جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ )البقرة172)،ولا شك أن بلوغ رمضان نعمة عظيمة وفضل كبير وجب علينا شكر الله تعالى على هذه الخيرات والبركات التي يفوز بها العبد في شهر الإيمان، والرحمات، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ " الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ" رواه مسلم ) ويقول أيضا " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " ويقول " فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا ، قَدْ حُرِمَ " رواه احمد) ويقول صلى الله عليه وسلم  " إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ " رواه بن ماجه) وفى مسند الإمام احمد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ ".
والإيمان شعب كثيرة  فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" " الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً ، فَأَفْضَلُهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ )" ولا شك أن عد إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان فيه إشارة إلى أن بذل الخير على العموم من الإيمان؛ فعن أَبي شُريْحٍ الخُزاعيِّ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إلى جارِهِ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ " وقال أيضا " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " متفق عليه ) وعلى الجنب الآخر نفى الإيمان عن من لم يقدم الخير لجاره وهو عليه قادر فقال صلى الله عليه وسلم" ما ءامَنَ بِي مَنْ باتَ شَبْعانَ وجارُهُ جائِعٌ إِلى جَنْبِهِ وهُوَ يَعْلَمُ بِهِ "
كما أن للإيمان ارتباط وثيق بالأخلاق والأدلة على ذلك لا عد لها ولا حصر فمنها  قول النبي صلى الله عليه وسلم " أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا "رواه أبو داود ) وقوله أيضا "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ "رواه أبو داود) وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ" مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ "رواه الترمذي) ويقول صلى الله عليه وسلم " وَاللهِ لا يُؤمِنُ، وَاللهِ لا يُؤمِنُ، وَاللهِ لا يُؤمِنُ " قِيلَ: مَن يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " الَّذِي لا يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ) وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" متفق عليه ) " لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ ، وَلَا الْبَذِيءِ "وقال صلى الله عليه وسلم " لا يَزني الزَّاني حِينَ يَزني وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَشرَبُ الخَمرَ حِينَ يَشرَبُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَسرِقُ حِينَ يَسرِقُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَنتَهِبُ نُهبَةً يَرفَعُ النَّاسُ إِلَيهِ فِيهَا أَبصَارَهُم حِينَ يَنتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ "رواه البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ)  ‏‏وسئل صلى الله عليه وسلم : أيكذب المؤمن ؟ قال: (لا) ثم تلا قوله تعالى : (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) النحل105) وقال أيضا " لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ " وإذا كان للإيمان علاقة وطيدة بالأخلاق، فمما لا شك أن فيه أن للأخلاق علاقة وطيدة بالعبادات ومنا الصيام فقد قال الله جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة183) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"رواه البخاري).
كما أن للإيمان ارتباط وثيق بالمعاملات فقد قال الله جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) النساء29/30) وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم انه قَالَ " التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ " وإذا كانت السماحة من الإيمان كما جاء عن جابر بن عبد الله رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنّ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِل: أيُّ الإيمان أفضل؟ قال: "الصَّبر والسَّماحة " فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "  رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى "
إن الإيمان هو نور الحياة الذي يضيء للعبد طريقه؛ إلى الخير يدفعه، ومن الشر يمنعه، ولقد بينت نصوص الكتاب والسنة أن للإيمان آثارا عظيمة وفضائل كبيرة ، فإن شجرة الإيمان إذا ثبتت وقويت أصولها وتفرعت فروعها، وزهت أغصانها، وأينعت أفنانها عادت على صاحبها وعلى غيره بكل خير عاجل وآجل في الدنيا والآخرة، فللإيمان حلاوة تسري في قلب المؤمن سريان الماء في العود، وتجري مجرى الدماء في العروق، فيأنس بها القلب وتطمئن بها النفس، وينشرح لها الصدر، فلا يشعر معها المرء بقلق ولا أرق ولا ضيق ولا هم ولا غم، فعَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ، رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا "رواه مسلم) وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ، الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ"رواه البخاري) وهو سر الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة فقد قال تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل 97) وقال سبحانه ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ  أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )الرعد28) و قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ )الانعام82) كما أن الإيمان هو باعث الثبات أمام الفتن، فقد قال تعالى( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)إبراهيم:27).
وكما أن شهر رمضان هو شهر الإيمان هو أيضا شهر صناعة الرجال ، حيث يتحرى العبد فيه الصبر وأداء الطاعات والعبادات وتهذيب السلوك وتقويم الأخلاق وتزكية النفوس والتقرب إلى الله جل وعلا بالقربات على اختلاف ألوانها قال تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً )الأحزاب23 )وقال جل وعلا (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ* رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور 36/37)  وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا ، جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ ، إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، قَالَ : " تَعْبُدُ اللَّهَ ، لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ " ، قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا أَبَدًا ، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ ، فَلَمَّا وَلَّى ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا "رواه مسلم) فالرجولة صِدق مع الله ومع الناس ووفاء بالعهود، الرجولة قيام على حق الأسرة، الرجولة صلة للأرحام وحسن جوار، أخلاق طيبة وسلوك كريمة، الرجولة في أسمى معانيها والشهامة في أعلى درجاتها في الحفاظ على الوطن والدفاع عنه والتضحية في سبيله طاعة لله وابتغاء مرضاته فقد قال الله جل وعلا ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة 111)
وإذا كان من حسن الإيمان أن يتقرب العبد إلى الله بالطاعات والعبادات؛ وكذلك من شيم وسمات الرجال التقرب إلى الله جل وعلا بالطاعات والعبادات، فما أعظم أن نتقرب إلى الله جل وعلا في أيام لها فضل كبير وشأن عظيم إلا وهى العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك؛ إذ تشير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر فتقول " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ " رواه مسلم) فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه العشر بمزيد من الطاعة والعبادة، أمرا يحثنا جميعا أن نهتدي بهديه، فنغتنم هذه العشر بصالح الأعمال، فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ ، شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ " رواه البخاري) وعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَخير من رَمَضَان " قال الترمذي حسن صحيح) وإن من اجل ما تفضل الله به على عباده في هذه العشر، ليلة القدر ، قال تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر* ِوَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ *تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ *سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) سورة القدر) و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، " أما عن ميعادها فهي في العشر الأواخر من شهر رمضان، فقد قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَحرُّوا ليلةَ القَدْر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ " البخاري)
إن هذه الفضائل العظمى والمنح الكبرى لتبعث في النفس الكثير والكثير من الإقبال على الطاعات والقربات؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر، وطمعا في مغفرة الذنوب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ " رواه الترمذي) فأحسنوا ختام شهركم، واغتنموا أيامكم بالطاعات والقربات، اطرقوا أبواب العمل الصالح، ولا تبخلوا على أنفسكم بالدعاء، فعَن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها، قالَتْ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أرَأيْتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ،مَا أقُولُ فِيها؟ قَالَ" قُولي: اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي " رواه الترمذي).
( اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا )
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
google-playkhamsatmostaqltradent