recent
آخر المشاركات

قيمة الوقــت - للشيخ / محمد حســـن داود


قيمة الوقــت
للشيخ / محمد حســـن داود
 وللتحميل : word  اضغط هنا
وللتحميل : pdf     اضغط هنا

الموضــــوع : 
إن نعم الله على الإنسان كثيرة، قال تعالى(وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) النحل 18) وقال تعالى (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) لقمان20) وان من أعظم هذه النعم واجلها "نعمة الوقت " فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ" رواه البخاري)
وان من أعظم ما دل على أهميته؛ أن الله تعالى اقسم به في كتابه العزيز، فقال تعالى (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ )الفجر1-3) وقال تعالى (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى )الضحى1-5) وقال سبحانه(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) سورة العصر) وقال جل وعلا (وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ) المدثر34) وقال أيضا (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى )الليل1/2)
فالوقت هو عمر الإنسان، هو حياته، هو رأس ماله ،يقول الحسن البصري رحمه الله "يا ابن آدم، إنَّما أنت أيَّام، كلَّما ذهب يومٌ ذهب بعضُك" فالفطن يعلم أن أنفاسه محدودة وأيامه معدودة، وهو مسئول عنها أمام الله تعالى فيقضي هذه الأيام في طاعة وعبادة يغتنم فيها الخير، قال تعالى (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )الزلزلة7/8) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "  لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمْرهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ" رواه الطبراني) ويقول الحسن: " ما من يوم يمرُّ على ابن آدم إلا وهو يقول: يا ابن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدِّم ما شئت تجده بين يديك، وأخِّر ما شئت فلن يعود إليك أبداً".
ولقد ذكر لنا القرآن الكريم موقفين للإنسان يندم فيهما على ضياع وقته حيث لا ينفعه الندم، الموقف الأول ساعة الاحتضار ؛ حيث يستدبر الإنسان الدنيا وما فيها، ويستقبل الآخرة بما أَعد لها من عمل، ويتمنى لو أعطي مهلة من الزمن ويؤجل إلى أجل قريب ليصلح ما أفسد ويتدارك ما فات، وفي هذا يقول ربنا تبارك وتعالى  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )المنافقون8-11) وفيه يقول أيضا جل وعلا (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )المؤمنون 99/100) فحرى بالعبد أن يعي هذا المقام، فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ ، فَقَالَ : " مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْقَبْرِ ؟ " فَقَالُوا : فُلانٌ ، فَقَالَ : " رَكْعَتَانِ أَحَبُّ إِلَى هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ "رواه الطبراني)  قيل (أن الربيع بن خثيم حفر في بيته قبرا، فكان إذا وجد في قلبه قساوة أو استهوته الدنيا دخل القبر وكان يمثل نفسه أنه قد مات وندم وسأل الرجعة فيقول ( رب ارجعون لعلي أعمل صلحا فيما تركت ) ثم يجيب نفسه فيقول : قد رجعت يا ربيع ، فيخرج من القبر ويقول تذكر يا ربيع يأتي يوم تقول رب ارجعون فيقال لك كلا)
والموقف الثاني: يكون في الآخرة، يوم توفى كل نفس ما عملت، وتجزى بما كسبت ويدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، هنالك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى الحياة الدنيا ليجتهدوا في كل عمل صالح، ولكن هيهات هيهات لما يطلبون فقد انتهى زمن العمل وجاء زمن الجزاء، يقول تعالى ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ) فاطر37).
فيما يجب علينا أن نبين أن اغتنام الأوقات ليس المقصود به اغتنامها بالعبادات وفقط، بل إن من أبواب طاعة الله وعبادته والوصول إلى مرضاته السعي والكسب والعمل؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " كفى بالمرء إِثما أن يُضَيِّع مَن يقوتُ" وفى المقابل يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ " رواه البخاري) ومن ذلك كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى العمل والكسب فقال " إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَفي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ ،فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا؛ فَلْيَغْرِسْها " ويقول سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه" إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شي من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة " غير أن هذا الكسب هو باب الإنفاق وقضاء الحاجات طمعا في رضا الرحمن، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ "
فالإسلام دين يدعو الناس ويحثهم على عمارة دنياهم وأخراهم على السواء، ففي الاهتمام بالعاجلة وإغفال الآجلة أو العكس بعد عن التوازن وشرود، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يعمر دنياه وأخراه، فما أكثر ما كان يدعو بهذا الدعاء القرآني الكريم (  رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)البقرة201)  وكان من دعائه أيضا " وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي " رواه مسلم) وحين صرف قارون همه إلى الدنيا وانصرف عن الآخرة نصحه بعض الذين أوتوا العلم من قومه وذكروه بأن انصرافه عن الاهتمام بالآخرة واهتمامه بالدنيا فقط، فيه جنوح عن الحق وشطط، فالمؤمن حقا هو من يعمل لأخراه ولا ينسى دنياه، فقالوا له كما حكي القرآن الكريم (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)القصص77)
إن اللبيب من امتثل لأمر الله تعالى في قوله (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) آل عمران 133) فيغتنم وقته قبل العوائق والعوارض ، فالصحة يفجؤها السقم، والقوة يعتريها الوهن، والشباب يعقبه الهرم، فقد قال صلى الله عليه وسلم " بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ"، وقال أيضا " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابُكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتُكَ قَبْلَ سِقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغُكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتُكَ قَبْلَ مَوْتِكَ "
فخذوا من شبابكم لهرمكم ،و من صحتكم لمرضكم ،ومن غناكم لفقركم ،ومن فراغكم لشغلكم، ومن حياتكم لموتكم .
فَبَـــادِرْ شَبَابَـــكَ أَنْ يَهْرَمَــا  ***  وَصِحَّـــةَ جِسْمِـــكَ أَنْ تَسْقَمَا
وَأَيَّامَ عَيْشِكَ قَبْلَ الْمـَمَــاتِ  ***  فَمَا دَهْرُ مَنْ عَاشَ أَنْ يَسْـلَمَا
وَوَقْـتَ فَـرَاغِــكَ بَـــادِرْ بهِ  ***  لَيَــــالِيَ شُغْلِكَ فِي بَـعْضِ مَا
وَقَــدِّمْ فَكُـــلُّ امْـرِئٍ قـَــادِمٌ  *** عَلَى بَعْضِ مَا كَانَ قَدْ قَدَّمَـــــا
===== كتبه =====
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
google-playkhamsatmostaqltradent