recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـــــــوان : رمضان شهر البر والصلة والتعرض لرحمات الله للشيخ / محمد حســـن داود


خطبة بعنـــــــوان :
رمضان شهر البر والصلة
والتعرض لرحمات الله
للشيخ / محمد حســـن داود

ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا

ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا 
الموضـــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة177)وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف"  ويقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفَحَاتٌ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ "رواه الطبراني والبيهقي) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
هاهي أيام شهر رمضان تمر، ولياليه تنقضي؛ بالأمس القريب استقبلناه، وها هي أيامه الأخيرة تنادى أهل الهمم والعزائم، تنادى أهل الصيام والقيام، أهل البر والصلة، أهل الجود والكرم، أن يتعرضوا للنفحات والرحمات بصالح الأعمال؛ تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ " رواه مسلم) ويقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفَحَاتٌ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ " ويقول الحسن البصري " إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا "
وان من أعظم ما يتعرض به العبد إلى الرحمات والخيرات في هذه الأيام الكريمة " البر " والبر اسم جامع للطاعات والقربات قال تعالى ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة177) ولقد كان النبي صلى الله عليه ابر الناس بالفقراء؛ يطعم الطعام ويتصدق بالأموال ويقضى الحوائج ؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" مَا بَقِيَ مِنْهَا؟ " قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا، قَالَ" بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا ". وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ :" يَا أُمَّ فُلاَنٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ "، فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا " رواه احمد)؛ كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فعن بن عباس رضي الله عنهما قال "  كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ"
إن من ينظر في آيات القران الكريم يرى مدى اهتمام الإسلام بالبر بالفقراء والمحتاجين إذ يقول الله جل وعلا (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)الحج77) وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:" بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ؛ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ. قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ" رواه مسلم) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ : لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ قَبْلَهُ , فَقَالُوا : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ , فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لأَنْظُرَ إِلَى وَجْهِهِ ، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ: أَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَأَفْشُوا السَّلامَ ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ " .
 والبر لا يقف عند إطعام الطعام فحسب بل منه قضاء الحوائج وإعانة المحتاج وإجابة السائل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ "رواه مسلم) فما أحوجنا أن نمتثل هدى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة في هذا الشهر المبارك، فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ" رواه الترمذي ) وقال صلى الله عليه وسلم " مَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ"
كما أن من البر حسن الخلق، فعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ " الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ " رواه مسلم ) ومن ثم فان تحقيق البر يستلزم حسن الخلق، كما أن تحقيق الإيمان يستلزم حسن الخلق، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم " أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُمْ أَخْلاقًا" وتحقيق الإسلام يستلزم حسن الخلق، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم" َالْمُسْلِمُ : مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، "  كما أن تحقيق العبادات بمعانيها السامية ومنها الصيام يستلزم حسن الخلق، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم"  منْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْل فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " رواه البخاري ) ومن ثم فما من خير إلا وحسن الخلق له طريق، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم  " إِنَّ المُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِه درَجةَ الصَّائمِ القَائمِ " رواه أَبُو داود)  وعن أَبي الدَّرداءِ رضي الله عنه : أَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ" مَا مِنْ شَيءٍ أَثْقَلُ في ميزَانِ المُؤمِنِ يَومَ القِيامة مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وإِنَّ اللَّه يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيَّ رواه الترمذي وقال:حسنٌ صحيح) ويقول صلى الله عليه وسلم" إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا " رواه الترمذي )
ويزداد الفضل فضلا، والأجر أجرا، والبركة بركة، إذا جعل العبد لرحمه من البر نصيب، فيطعم الطعام ويتصدق بالأموال، يكون في حاجة المحتاج، وفى إجابة السائل، فقد قال تعالى (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) البقرة215) وعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ ، وَإِنَّهَا عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ : صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ "مستدرك الحاكم) وعن انس بْنَ مَالِكٍ ، قال : " كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ ، وَكَانَ أَحَبُّ مَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَ الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ ، قَالَ أَنَسٌ : فَلَمَّا نَزَلَتْ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) سورة آل عمران آية 92) . قَامَ أَبُو طَلْحَةَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) سورة آل عمران آية 92) وَإِنَّ أَحَبَّ مَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ أَوْ رَايِحٌ ، شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ ، وَفِي بَنِي عَمِّهِ " رواه البخاري )
لقد جاءت الآيات والأحاديث، توصى بالأرحام خيرا وتدعو إلى صلتهم والإحسان إليهم، قال تعالى ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ) النساء36) ولما سئل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن عمل يدخله الجنة(كما في البخاري) قال" تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ". وإن لفضل صلة الرحم، ومكانتها، كانت في مقدمة ما نادي به المصطفى صلى الله عليه وسلم ودعا إليه، فمما قاله سيدنا جعفر بن أبى طالب للنجاشي لما سأله عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم "َأَمَرَ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ " فهي من علامات الإيمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  " وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " رواه البخاري) ومن أحب الأعمال إلى الله عز وجل، فعَنْ رَجُلٍ مِنْ خَثْعَمَ ، قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، قَالَ : قُلْتُ : أَنْتَ الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ " ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ثُمَّ مَهْ ؟ قَالَ : " ثُمَّ صِلَةُ الرَّحِمِ " ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الأَعْمَالِ أَبْغَضُ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : " الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ " ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ثُمَّ مَهْ ؟ قَالَ : " ثُمَّ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ " ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ثُمَّ مَهْ ؟ قَالَ : " ثُمَّ الأَمْرُ بِالْمُنْكَرِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمَعْرُوفِ " رواه أبو يعلى)وإن في هذا درس عظيم لا ينبغي لنا أن نتجاهله، بل وجب علينا أن نؤكد عليه وهو أن الواصل ليس بالمكافئ إن أحسن رحمه أحسن إليهم وان أساءوا أساء، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم" لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا "رواه البخاري) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ "لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ"رواه مسلم)
إن لصلة الرحم فضائل عظيمة وفوائد جليلة، منها :السعة في الرزق والبركة في العمر، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ "رواه الترمذي) ومنها تكفير السيئات، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا ، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٌ ؟ قَالَ : " هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَبِرَّهَا " رواه الترمذي). ومنها الوقاية من ميتة السوء، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ ، وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، وَيُدْفَعَ عَنْهُ مِيتَةُ السُّوءِ ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " رواه احمد) فمن وصل رحمه وصله الله، فعن عبد الرحمن بن عوف قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ : " أَنَا اللَّهُ ، وَأَنَا الرَّحْمَنُ ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ ، وَشَقَقْتُ لَهَا مِنَ اسْمِي ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ "رواه الترمذي).
وكما أن لصلة الرحم فضائل وفوائد، فان لقطعها عواقب وآثار وخيمة ، قال الله تعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ )محمد22-23)  وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ : الرَّحِمُ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ قَالَ : نَعَمْ ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ ، قَالَتْ : بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ فَهُوَ لَكِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ سورة محمد آية 22 " رواه البخاري).
كن واصل الأرحام حتى لكاشحٍ *** توفر في عمر ورزق وتسعـد
ولا تقطع الأرحــــام إن قطيعة *** لذي رحـم كبرى من الله تبعـد
وان من صور البر والصلة والتعرض للرحمات والخيرات " صدقة الفطر " فهي عبادة عظيمة بين شعيرتين كبيرتين، هما: الصيام والعيد؛ فلها تعلق بالصيام، لما فيها من شكر لله تعالى على إدراك رمضان، وتلك نعمة عظيمة، ولما فيها من شكر لله تعالى على الإعانة لإتمام شهر رمضان صياما وقياما، قال تعالى (وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾البقرة185)  ومن تعلقها بالصيام أنها طهرة للصائم من لغو أو رفث؛ فقد  جَاءَ عَن بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما  قَالَ " فَرَضَ رَسُولُ اللهِ  صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الفِطرِ طُهرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعمَةً لِلمَسَاكِينِ، مَنْ أدَّاهَا قَبلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقبُولَةٌ، وَمَن أدَّاهَا بَعدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ " رواه أبو داود وبن ماجه) ومن تعلقها بالعيد، أن يومَ العيد يوم فرح وسرور لعموم المسلمين، فلا ينبغي أن يستأثر الأغنياء بهذه الفرحة دون الفقراء، فهي طعمة للمساكين، واغناء لهم عن السؤال؛ كما في الحديث ،غير أن فيها تطهير للنفس من أدران الشح، وفيها شكر لله على نعمة المال وفيها الجود والكرم .
ولعل من أعظم ما يتعرض به العبد إلى الرحمات والخيرات في هذه الأيام الكريمة الدعاء إذ أن مظان الإجابة تكثر في هذا الشهر المبارك؛ لقرب الإنسان من ربه بالصيام، والقيام، والصدقة، وقراءة القران، وغير ذلك من صالح الأعمال، قال تعالى( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة 186) فهذه الآية الكريمة جاءت بين آيات الصيام، إشارة إلى ما لرمضان من خصوصية بالدعاء، وما للصيام من ارتباط بالإجابة والقبول، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثُ دَعواتٍ لا تُرَدُّ : دعوةُ الوالِدِ لِولدِهِ ، ودعوةُ الصائِمِ ، ودعوةُ المسافِرِ " رواه البيهقي) فالدعاء شأنه عظيم، ونفعه عميم، ومكانته سامية، ومنزلته عالية؛ فما من شيء أكرم على الله تعالى منه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الدُّعَاءِ ". كما سماه الله تعالى دينا في غير موضع من القران، قال تعالى( هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) غافر 65) ومن ثم كان تحذير القران من تركه واضحا جليا، فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ، ثُمَّ قَرَأ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر60، رواه أحمد وغيره).
فحرى بنا أن نغتنم ما بقى من أيام شهر رمضان بالطاعات والعبادات خاصة ونحن في عشر الرحمات عشر النفحات إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها أكثر من غيرها ويخصها بمزيد من الطاعة والعبادة، أمرا يحثنا جميعا أن نهتدي بهديه، فنغتنم هذه الأيام بصالح الأعمال، فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ ، شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ " رواه البخاري) وعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَخير من رَمَضَان " قال الترمذي حسن صحيح) عسى أن نكون من أهل ليلة الفوز والرحمة والمغفرة فقد قال الله تعالى ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ". أما من فرط فحرم خيرها فهو المحروم، كما قال صلى الله عليه وسلم " إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ ".
إن هذه الفضائل العظمى والمنح الكبرى لتبعث في النفس الكثير والكثير من الإقبال على الطاعات والقربات؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطمعا في مغفرة الذنوب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ " رواه الترمذي) فأحسنوا ختام شهركم، واغتنموا أيامكم بالطاعات والقربات، اطرقوا أبواب العمل الصالح، ولا تبخلوا على أنفسكم بالدعاء، فعَن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها، قالَتْ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أرَأيْتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ،مَا أقُولُ فِيها؟ قَالَ" قُولي: اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي " رواه الترمذي).
 ( اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا )
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
google-playkhamsatmostaqltradent