recent
آخر المشاركات

خطبة بعنوان: شهادة النبي (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه وبيان فضلهم - للشيخ / محمد حســن داود


خطبة بعنوان
شهادة النبي (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه
 وبيان فضلهم
للشيخ / محمد حســن داود


                 ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
                 ولتحميل الخطبة : pdf   اضغط هنا
العناصـــــر :
- مكانة الصحابة ومنزلتهم وشهادة النبي (صلى الله عليه وسلم) لهم .
- صور من حب الصحابة للرسول (صلى الله عليه وسلم) وحبه لهم .
- واجبنا تجاه الصحابة (رضي الله عنهم ).
- الاقتداء بالصحابة (رضي الله عنهم) وأثره .
الموضـــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز ﴿ والسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ التوبة 100) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف"خَيْرُكُمْ قَرْنِى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " قَالَ عِمْرَانُ لاَ أَدْرِى أَذَكَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بَعْدُ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً . رواه البخاري) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
إن هذا الدين القويم الذي ارتضاه الله جل وعلا لعباده، قد اختار له نبيا كريما، وداعيا حكيما ومبلغا أمينا، ألا وهو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم؛ فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، فما من خير إلا دل عليه وحث عليه، وما من شر إلا حذر منه ونهى عنه.  ثم إن الله جل وعلا اختار لهذا النبي الكريم صحابة كراما، نصروه وأيدوه وبذلوا الغالي والنفيس؛ ففازوا بكل فضيلة، قال تعالى ﴿والسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ التوبة100) وعَنْ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ" إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اخْتَارَنِي وَاخْتَارَ بِي أَصْحَابًا، فَجَعَلَ لِي مِنْهُمْ وُزَرَاءَ وَأَنْصَارًا وَأَصْهَارًا، فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ " مستدرك الحاكم) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ" إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا، فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ " رواه احمد) فهم صفوة خلق الله تعالى بعد النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ففي قول الله عز وجل ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى )النمل59) يقول بن عباس وسفيان رضي الله عنهما" هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم " تفسير القرطبي) كما من الله عليهم وشرفهم وأكرمهم بسماع القران من النبي صلى الله عليه وسلم، كما شاهدوا فعله صلى الله عليه وسلم، وسمعوا حديثه وحفظوه ووعوه ونقلوه للأمة فنالوا الحظ الوافر والنصيب الكامل من دعوة النبي حين قال" نضَّرَ اللَّهُ امرأً سمِعَ منَّا حديثًا فحفِظَهُ حتَّى يبلِّغَهُ غيرَهُ" إنهم صحابة رسول الله، هذا الجيل العظيم الذي رباه النبي وأحسن تربيته، فأصبحوا في صدارة أهل الفوز والفلاح، إذ شهد الله جل وعلا لهم بصدقهم وإخلاصهم وسلامة قلوبهم قال تعالى ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)الفتح18)وقال سبحانه (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر8/9) كما شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية؛ عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم "خَيْرُكُمْ قَرْنِى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " قَالَ عِمْرَانُ لاَ أَدْرِى أَذَكَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بَعْدُ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً . رواه البخاري) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَىُّ النَّاسِ خَيْرٌ ؟ قَالَ " قَرْنِى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " رواه مسلم) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ " مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَبَّرَهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا ، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا ، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقْلِ دِينِهِ ، فَتَشَبَّهُوا بِأَخْلاقِهِمْ وَطَرَائِقِهِمْ فَهُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ " حلية الأولياء لأبي نعيم) كما وصفهم بأنهم أمنة لأمته، فعن أبى موسى الأشعري قال"  صَلَّيْنَا المَغْرِبَ مع رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُلْنَا: لو جَلَسْنَا حتَّى نُصَلِّيَ معهُ العِشَاءَ قالَ فَجَلَسْنَا، فَخَرَجَ عَلَيْنَا، فَقالَ:" ما زِلْتُمْ هَاهُنَا "؟ قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، صَلَّيْنَا معكَ المَغْرِبَ، ثُمَّ قُلْنَا: نَجْلِسُ حتَّى نُصَلِّيَ معكَ العِشَاءَ، قالَ" أَحْسَنْتُمْ، أَوْ أَصَبْتُمْ "قالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلى السَّمَاءِ، وَكانَ كَثِيرًا ممَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إلى السَّمَاءِ، فَقالَ: "النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ ما تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي ما يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتي ما يُوعَدُونَ "رواه مسلم)
وليس في الأمّة كالصحابهْ *** في الفضل والمعروف والإصابهْ
فإنّهم قد شاهدوا الْمُخْتَارا ***وعايَنُوا الأسرارَ والأنــــــــــوارا
ومع أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في حسن الأخلاق قدوة وفى فعل الصالحات أسوة، إلا أنهم كانوا في حب الله ورسوله أعظم الأسوة والقدوة، فلقد ترجم الصحابة رضوان الله عليهم  حبهم للرسول صلى الله عليه وسلم، ترجمة عملية، فلم يكن هذا الحب مجرد كلمات أو ادعاءات، بل كانوا يعدونه طريقهم إلى الفوز والفلاح، ويصف عروة بن مسعود الثقفي، شيئا من هذا الحب والإجلال والتقدير، فيقول " فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ؛ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا " رواه البخاري) فكان لسان حالهم ومقالهم عن النبي صلى الله عليه وسلم :
هو المُقَّدم في نفسي على نفسي *** وأهل بيتـي وأحبابـي وخِلانـي
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لما أذن الله عز وجل لنبيه بالهجرة قدم على أبي بكر يخبره بالأمر فقال له أبو بكر: "الصحبة يا رسول الله". فقال له: (الصحبة). تقول السيدة عائشة: " فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ" وفي الطريق كان الصديق رضي الله عنه يسير أمام النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم من خلفه، ثم عن يمينه، ثم عن شماله، فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك، فيقول: "يا رسول الله، أذكر الطلب فأمشي خلفك، وأذكر الرصد فأمشي أمامك". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان شيء أأحببت أن تقتل دوني)؟ فقال: "إي والذي بعثك بالحق" فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله حتى استبرىء لك الغار. فدخل فاستبرأه .
 وهذا زَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ أسره المشركون، فَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلَوهُ ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ ، حِينَ قَدِمَ لِيُقْتَلَ : نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ يَا زَيْدُ ، أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا عِنْدَنَا الآنَ بِمَكَانِكَ ، يُضْرَبُ عُنُقُهُ ، وَأَنَّكَ فِي أَهْلِكَ ؟ قَالَ : وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ مُحَمَّدًا الآنَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ، تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ ، وَأَنِّي جَالِسٌ فِي أَهْلِي ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ ، أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا " .
أما عن حب النبي صلى الله عليه وسلم وتكريمه لهم، فقد كان صلى الله عليهم وسلم نعم الصديق والصاحب؛ إذ يتواضع معهم، ويجيب دعوتهم، ويقضي حوائجهم، فعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلاةَ، وَيُقْصِرُ الْخُطْبَةَ، وَلا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَتَهُ "رواه النسائي) يدعوهم بأحب الأسماء إليهم، ويشفق عليهم ،و يسأل عنهم إذا غابوا، فعن قرة ابن إياس، قَالَ : كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ ، يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَلَكَ ، فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ فَحَزِنَ عَلَيْهِ ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا " ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : " يَا فُلَانُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ ، يَفْتَحُهُ لَكَ " ، قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ : " فَذَاكَ لَكَ "رواه النسائي ) كما كان يشهد جنائزهم بل ويبكى على فراقهم فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ وَهُوَ يَبْكِي" رواه أبو داود) معهم في أفراحهم وأتراحهم، في قوَّتهم وضعفهم، يشعر بآلامهم،ويعود مرضاهم، فعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ " يَأْتِي ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَزُورُهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ " مستدرك الحاكم) كان معهم أجود بالخير من الريح المرسلة؛ إن أرسلت إليه صدقة ، كانت للفقراء من أصحابه، وإن أهديت إليه هدية أشركهم فيها، بل كان يؤثرهم على نفسه، ويعطيهم العطاء وإن كان في حاجة إليه، فعَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ" أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا، أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟، قَالُوا: الشَّمْلَةُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ : نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ ، فَقَالَ : اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا ؟ ، قَالَ : الْقَوْمُ مَا أَحْسَنْتَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ ، قَالَ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي ؟ " قَالَ سَهْلٌ : فَكَانَتْ كَفَنَهُ . رواه البخاري)
إنّ الواجب علينا أن نحفظ لهؤلاء الأخيار قدرهم، ونعرف لهم مكانتهم؛ فعَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، قَالَ : خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي مِثْلِ مَقَامِي هَذَا ، فَقَالَ : " أَحْسِنُوا إِلَى أَصْحَابِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ..."رواه احمد) فكيف يحبهم رسول الله ولا نحبهم؟ وكيف يقدرهم رسول الله ولا نقدرهم؟ وتصفو وتسلم صدورنا تجاههم، فلا يشوبها حقد أو غل لهم، بل تملؤها المودة والمحبة قال جل وعلا ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾الحشر10) وعن انس بن مالك قال: قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ " رواه البخاري) وعن البراء رضي الله عنه قال: سمعت النبي قال في الأنصار : " الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله " ولقد سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى: حب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما سنة؟ قال: لا، فريضة " وما أعظم ما جاء عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ ، قَالَ : " وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ " قَالَ : لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ” . قَالَ أَنَسٌ : فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ " ، قَالَ أَنَسٌ : فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ " رواه البخاري) وان من حبهم توقيرهم والدعاء لهم، والدفاع عنهم، فالمؤمن يلزمه احترامهم، وعدم الخوض فيهم بلا أدب، فعن بن عباس، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " رواه الطبراني في الكبير) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ " متفق عليه) ويقول صلى الله عليه وسلم" اللهَ الله في أصحابي، لا تتَّخذُوهم غرضًا من بعدي، فمن أحبَّهُم فبحُبِّي أحبَّهم، ومن أبغضَهم فبِبُغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللهَ، ومن آذى الله فيُوشكُ أن يأخُذه" رواه الترمذي) وقال ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه "  لا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فَلَمَقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ أَحَدِكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً "  فضائل الصحابة للأمام أحمد)
إن هؤلاء الصحابة هم منارات لنا، فما أحوجنا أن نتدبر صالح أعمالهم وحسن أخلاقهم حتى نعيش الإيمانيات التي كانوا يعيشونها، وحتى نصل إلى درجة من درجات بلغوها، فان كان قد فاتنا شرف صحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم، كان لزاما علينا أن نعمل حتى لا يفوتنا هذا الشرف الذي جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم، عنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَتَى المقبرةَ فَقَال" السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَار قَومٍ مُؤْمِنينِ وإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّه بِكُمْ لاحِقُونَ، ودِدْتُ أَنَّا قَدْ رأَيْنَا إِخْوانَنَا  قَالُوا: أَولَسْنَا إِخْوانَكَ يَا رسُول اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابي، وَإخْوَانُنَا الّذينَ لَم يَأْتُوا بعد قالوا: كيف تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسولَ الله؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا لهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحجَّلَةٌ بيْنَ ظهْريْ خَيْلٍ دُهْمٍ بِهْمٍ، أَلا يعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قَالُوا: بلَى يَا رسولُ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهُمْ يأْتُونَ غُرًّا مَحجَّلِينَ مِنَ الوُضُوءِ، وأَنَا فرَطُهُمْ على الحوْضِ " فما أحوجنا إلى أن نترسم خطاهم،و نسير على اثارهم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ؛ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ؛ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ " رواه أحمد وأبو داود والترمذي وبن ماجه وبن حبان) عن بْنُ مَسْعُودٍ، انه قال " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَأَسِّيًا فَلْيَتَأَسَّ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الأُمَّةِ قُلُوبًا وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا وَأَقْوَمَهَا هَدْيًا وَأَحْسَنَهَا حَالا ، قَوْمًا اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ " .
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح

===== كتبه =====
محمد حســــــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
google-playkhamsatmostaqltradent