خطبة بعنــوان :
مفهوم عهـــــد الأمان
في العصر الحاضـــــــــــر
للشيخ / محمد حســن داود
مفهوم عهـــــد الأمان
في العصر الحاضـــــــــــر
للشيخ / محمد حســن داود
الموضـــوع:
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز ( بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ الله يُحِبُّ المُتَّقِينَ ) آل عمران 76) ويقول جل وعلا (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾الإسراء 34) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف " لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ " رواه احمد) ويقول صلى الله عليه وسلم " أُولَئِكَ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُوفُونَ الْمُطِيبُونَ " رواه احمد) . اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد :
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز ( بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ الله يُحِبُّ المُتَّقِينَ ) آل عمران 76) ويقول جل وعلا (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾الإسراء 34) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف " لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ " رواه احمد) ويقول صلى الله عليه وسلم " أُولَئِكَ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُوفُونَ الْمُطِيبُونَ " رواه احمد) . اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد :
لقد جاء الإسلام داعيا إلى أحسن الخلق وأجمل
الصفات، وأنبل القيم وأفضل السمات، ومن ذلك " الوفاء بالعهود " فهو من أعظم
الأخلاق واشملها ومن أسمى القيم وأحسنها، هو خلق يحمل في طياته أخلاق وأخلاق؛ قيمة
تحمل في طياتها قيم وقيم، صفة تحمل في طياتها صفات وصفات؛ فمن نقض العهد فما صدق وما
اتقى؛ وقد قال الله جل وعلا في صفات عباده أهل البر والصدق والتقوى(... وَالْمُوفُونَ
بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ
الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة
177) فالوفاء: اخو الصدق، والغدر: أخو الكذب؛ ذلك أن الوفاء صدق القول والفعل .
ولقد مدح الله جل وعلا بالوفاء بالعهود الأنبياء
والصالحين، وبين انه من صفاتهم فقال في إبراهيم عليه السلام ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي
وَفَّى ﴾ النجم 37) و في إسماعيل عليه السلام
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ
رَسُولًا نَبِيًّا ﴾ مريم 54) وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يضرب
لنا أروع الأمثلة في الوفاء بالعهود؛ فعن حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قَالَ: مَا مَنَعَنِي
أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ ، قَالَ: فَأَخَذَنَا
كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا فَقُلْنَا مَا نُرِيدُهُ
مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ
إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ " انْصَرِفَا نَفِي لَهُمْ
بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ " رواه مسلم) كذلك مدح الله جل وعلا به أهل الإيمان وبين انه
من صفاتهم قال تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)المؤمنون
8) ويقول سبحانه(مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ
)الأحزاب 23) ويقول جل وعلا ( بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ الله
يُحِبُّ المُتَّقِينَ ) آل عمران 76) ومن جانب آخر يذم القران الكريم أهل نقض العهود،
فيقول الله جل وعلا (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا
قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِى الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ الله وَلَا
يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)آل
عمران 77) .
ولما كان الوفاء بالعهود قيمة إنسانية كبيرة
وقيمة أخلاقية عظيمة؛ فهو يقوى دعائم الثقة بين الناس، ويؤكد أواصر التعاون في المجتمع؛
جاءت الآيات والأحاديث تدعونا إليه؛ فقد قال الله جل وعلا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) المائدة1) وقال سبحانه (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ
إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ
اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾النحل 91) و
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، قَالَ : " اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ
: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ
، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ
" رواه احمد ) ومما يجلى لنا مكانة الوفاء بالعهود، أن كان من أول ما دعا إليه
النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم،أن هرقل - ملك الروم-
، سئل أبا سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ" فقال أبو سفيان
" يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَانَا
عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَفَافِ
وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ " ولقد أشار القرآن إلى أن الله
سيحاسب الناس على مدى وفائهم بالعهد قال تعالى( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ
كَانَ مَسْئُولًا)الإسراء34) .
إن للوفاء بالعهود أثرا جليلا على العبد
في دنياه وأخراه، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم " أُولَئِكَ خِيَارُ عِبَادِ
اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُوفُونَ الْمُطِيبُونَ " رواه
احمد) ففي الوفاء بالعهود محبة الله جل وعلا،
قال سبحانه ﴿ بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
﴾ آل عمران 76) وفيه تعظيم الأجور وقد قال الله تعالى ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ
عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ الفتح 10) وفيه الفوز والفلاح فقد
قال الله تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ
هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ ) المؤمنون 8-11 ) غير أن به تصان الأعراض والأرواح ،وتصل الحقوق إلى أصحابها
كما أن له أثرا بالغا على المجتمع إذ يقوى العلاقات والروابط بين أبناء المجتمع وينشر
قيم الثقة بينهم، فكل مجتمع ساد فيه الوفاء بالعهود ، كانت الأخوة والمودة والألفة
له عنوان والتقدم له فيه وسام.
كما أن لنقضه أثرا وخيما على العبد ،فنقضه
من صفات المنافقين؛ إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم" أربع مَنْ كُنَّ فيه فَهُوَ
مُنَافِقٌ خالص ، ومن كانت فيه خلة منهن كان فيه خلة من نفاق حتى يدعها: إذَا حَدَّثَ
كَذَبَ ، وَإذَا وَعَدَ أخْلَفَ ، وَإذَا ائتُمِنَ خَانَ ، وإذا خاصم فجر " رواه
أبو داود) ويقول أيضا " آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا
وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) رواه البخاري ومسلم) وطريق الخسران فقد
قال الله تعالى (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ
مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَل وَيُفْسِدُونَ فِي الأْرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
) البقرة27) ويقول سبحانه (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ
وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ
لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ )الرعد 25) ولو لم يكن في الغدر إلا موقف
صاحبه يوم القيامة أمام الخلائق لكفى أن يكون زاجرا فعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ الْغَادِرَ
يَنْصِبُ اللَّهُ لَهُ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ أَلَا هَذِهِ غَدْرَةُ
فُلَانٍ "
إنَّ الوفاءَ على الكريمِ فريضــــةٌ
*** واللؤمُ مقرون بذي الإخلافِ
وترى الكريم لمن يعاشرُ منصفًا *** وترى اللئيمَ مجانبَ الإنصافِ
وترى الكريم لمن يعاشرُ منصفًا *** وترى اللئيمَ مجانبَ الإنصافِ
إن للوفاء بالعهود صورا كثيرة ومجالات
عديدة؛ إلا أن من اجلها "الوفاء بعهد الأمان " لكل من دخل بلادنا سائحا أو
زائرا أو مقيما، إذ تعد تأشيرة الدخول أو تصريح الإقامة، عهد أمان، الوفاء به واجب
شرعي وواجب وطني؛ وليس من واجبنا فقط الامتثال لأوامر الإسلام بالتعاون لحفظ ماله وعرضه
ودمه وخصوصيته، بل ومن واجبنا أيضا إكرامه وحسن استقباله وحسن معاملته؛ فقد قال
الله جل وعلا (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) البقرة83) ويقول النبي صلى الله عليه
وسلم" خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ "رواه الترمذي) ليرى منا ما نحب
أن يتصوره عن ديننا وحضارتنا وإنسانيتنا الراقية، وبما يسهم في تكوين الصورة الذهنية
التي نريدها لديننا ووطننا ومجتمعنا، ومن خالف فواجبنا ينحصر في إبلاغ ما يتضح من مخالفته
لأجهزة الدولة المعنية، دون المساس بحرمته أو خصوصيته على أية حال، وهذا هو حال الأمم
والشعوب الراقية المتحضرة .
ولقد رسخ النبي صلى الله عليه وسلم لهذه
القيمة النبيلة لما فيها من حفاظ على الدماء والأموال والأعراض، ولما فيها من
تحقيق الأمن والأمان، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا
لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ
عَامًا" و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ لَمْ يَرَحْ
رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا"
رواه بن ماجه )
ومن ينظر التاريخ والسير، يجد في حياة النبي
صلى الله عليه وسلم، وكذلك في حياة الصحابة الأطهار رضوان الله عليهم، أجمل المواقف
وأروعها، في الوفاء بكل عهد يضمن للناس حقوقهم ويحفظ لهم أموالهم وأعراضهم ودماءهم
، دون نظر إلى عرق أو جنس أو لون أو معتقد؛ أمرا يحثنا ويدعونا إلى السير على هذا الهدى
النبوي الكريم؛
فعن سُلَيْم بْن عَامِرٍ، قال : كَانَ بَيْنَ
مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ أَهْلِ الرُّومِ عَهْدٌ، وَكَانَ يَسِيرُ فِي بِلَادِهِمْ، حَتَّى
إِذَا انْقَضَى الْعَهْدُ، أَغَارَ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ
عَلَى فَرَسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، وَإِذَا هُوَ
عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، فَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
قَوْمٍ عَهْدٌ، فَلَا يَحُلَّنَّ عَهْدًا وَلَا يَشُدَّنَّهُ، حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ،
أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ، قَالَ فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بِالنَّاسِ "رواه
الترمذي وقال حسن صحيح )
وفي قصة الحديبية، ذلك الصلح الذي أبرمه
النبي صلى الله عليه وسلم، مع مندوب قريش سهيل بن عمرو، فقد كان من بنود هذا الصلح
أنه من يأتي إلى النبي ، من قريش خلال مدة الصلح يرده إليهم وإن كان مسلما، وقد جاء
أبو جندل بن سهيل بن عمرو بن يوسف في الحديد، كان أبوه قد حبسه فأفلت، فلما رآه سهيل
قَالَ: " يَا مُحَمَّدُ ، قَدْ وَلَجَتِ الْقَضِيَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَبْلَ
أَنْ يَأْتِيَكَ هَذَا . قَالَ : " صَدَقْتَ
"، ثم وجه النبي صلى الله عليه وسلم قوله إلى أبى جندل فقال " اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ،
فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ
فَرَجًا وَمَخْرَجًا ، إِنَّا قَدْ صَالَحْنَا هَؤُلاءِ الْقَوْمَ وَجَرَى بَيْنَنَا
وَبَيْنَهُمُ الْعَهْدُ ، وَإِنَّا لَا نَغْدِرَ "
كما كان من بنود هذا الصلح أن توضع الحرب بين الطّرفين لمدّة عشر سنوات، وأن
يعود المسلمون هذه السنة إلى المدينة ثمّ يأتوا إلى مكة في السنة القادمة لأداء مناسك
العمرة؛
وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يفي بالعهد
بما يتضمنه من حفظ للأموال والأعراض والدماء فعن الْبَرَاء بن عازب رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمَّا أَرَادَ
أَنْ يَعْتَمِرَ أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَسْتَأْذِنُهُمْ لِيَدْخُلَ مَكَّةَ
فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقِيمَ بِهَا إِلَّا ثَلَاثَ لَيَالٍ ، وَلَا يَدْخُلَهَا
إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ وَلَا يَدْعُوَ مِنْهُمْ أَحَدًا ، قَالَ : فَأَخَذَ
يَكْتُبُ الشَّرْطَ بَيْنهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَى
عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالُوا : لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ
اللَّهِ لَمْ نَمْنَعْكَ وَلَبَايَعْنَاكَ وَلكِنِ اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ : أَنَا وَاللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ وَأَنَا وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ ، قَالَ : وَكَانَ لَا يَكْتُبُ ، قَالَ
: فَقَالَ : لِعَلِيٍّ امْحَ رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : عَلِيٌّ وَاللَّهِ لَا أَمْحَاهُ
أَبَدًا ، قَالَ : فَأَرِنِيهِ ، قَالَ : فَأَرَاهُ إِيَّاهُ فَمَحَاهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَلَمَّا دَخَلَ وَمَضَى الْأَيَّامُ أَتَوْا
عَلِيًّا ، فَقَالُوا : مُرْ صَاحِبَكَ فَلْيَرْتَحِلْ فَذَكَرَ ذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : نَعَمْ
، ثُمَّ ارْتَحَلَ " رواه البخاري)
لقد جاء الإسلام بتشريع يحفظ للناس، كل
الناس حقوقهم، دون نظر إلى عرق أو جنس أو لون أو معتقد؛ فعنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ
الْخُزَاعِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: " مَنْ آمَنَ رَجُلا عَلَى دَمِهِ ، فَقَتَلَهُ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ
، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا " المعجم الصغير للطبراني) فالإسلام دين
في جوهره ورسالته، وأحكامه وتشريعاته، وجملته وتفصيله؛ يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يشتت،
يقوي ولا يضعف، يبنى ولا يهدم، رحمة كله، إنسانية كله، سماحة كله ؛ فلقد اعتبر الإسلام
أن النفوس كلها واحدة وان اختلفت في معتقداتها؛ من قدم لإحداها خير فكأنما قدم الخير
للإنسانية كلها ومن اعتدى على واحدة فكأنما اعتدى على البشرية كلها قال الله جل وعلا
﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا
بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا
وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾المائدة32) ويقول النبي
صلى الله عليه وسلم: " أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ
كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ؛ فَأَنَا
حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "
رواه أبو داود)
لقد دعانا الإسلام وحثنا على الوفاء بالعهود
وأوصانا بذلك وحذرنا من خطورة نقض العهد والتفلّت منه، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِك رضي
الله عنه، قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم، إِلاَّ قَالَ " لاَ إِيمَانَ لِمَنْ
لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ " رواه احمد)
فحرى بنا أن نمتثل أمر الله جل وعلا
فنفى بالعهود على اختلاف ألوانها وأشكالها فالوفاء بالعهود طريق لاستقامة دنيانا
وآخرتنا .
إنَّ الوفـــــاءَ على الكريمِ فريضةٌ
*** واللؤمُ مقرون بذي الإخلافِ
وترى الكريم لمن يعاشرُ منصفًا *** وترى
اللئيمَ مجانبَ الإنصافِ
(نسأل الله أن يحفظ مصر وجيشها،
وان يهدنا إلى أحسن الأخلاق )
وان يهدنا إلى أحسن الأخلاق )
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس