خطبة بعنـــــــوان :
الدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع
للشيخ / محمد حســـن داود
الدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع
للشيخ / محمد حســـن داود
العناصــــر : من الدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع :
- إعلاء قيمة السماحة والإنسانية. - حرمة الدماء والأموال والأعراض .
- ترسيخ مبدأ المساواة بين الناس . - الوحدة والتماسك والترابط . - مكانة الأمانة وبيان أثرها . - مكانة المرأة ووصية الإسلام بها .
- اغتنام يوم عرفة بالطاعات والعبادات .
- إعلاء قيمة السماحة والإنسانية. - حرمة الدماء والأموال والأعراض .
- ترسيخ مبدأ المساواة بين الناس . - الوحدة والتماسك والترابط . - مكانة الأمانة وبيان أثرها . - مكانة المرأة ووصية الإسلام بها .
- اغتنام يوم عرفة بالطاعات والعبادات .
الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين،
القائل في كتابه العزيز (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير) الحجرات13) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف "يَا
أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا
لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا
لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى".
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد جاء الإسلام لتحقيق أنبل القيم وأفضل
السمات، وأحسن الخلق وأجمل الصفات، فهو دين في جوهره ورسالته، وأحكامه وتشريعاته، وجملته
وتفصيله ؛ يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يشتت، يقوي ولا يضعف، يبنى ولا يهدم، سماحة
كله، رحمة كله، إنسانية كله؛ وهذا ظاهر جلي في آيات القران الكريم، كما هو ظاهر جلي في أقوال
النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعاله، فهاهو النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة
الوداع، يرسخ لعظيم القيم الإنسانية، وكريم المبادئ الأخلاقية، ويأخذ بيد الأمة
إلى المثل العليا، والقيم الفضلى؛ فكان من خطبته أعظم الدروس، التي تعد منهج حياة
. ومن هذه الدروس :
- إعلاء قيمة السماحة والإنسانية؛ ولعل هذا ظاهر في خطبة حجة الوداع
جميعها، كما يتجلى أكثر كلما نادي النبي صلى الله عليه وسلم جموع الحاضرين فقال
" أيها الناس " إذ أن الإسلام دين يحترم الإنسان وآدميته بغض النظر عن الجنس أو اللون
أو العرق أو المعتقد ،قال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ
فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى
كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) الاسراء70) ومن تأكيد الإسلام على قيمة
الإنسانية في اسمي المعاني دعانا إلى حسن الصلة مع الناس جميعا، إذ يقول الله جل وعلا
(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) البقرة83) وقال جل وعلا (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
) الاسراء53) وجعل أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا مع الناس جميعا فقال " وخَالِقِ
النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" رواه احمد والترمذي) وقال "أَكْمَلُ المُؤمِنِينَ
إِيمَاناً أَحسَنُهُم خُلُقاً":" وقال أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ
؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ " رواه أحمد) كما جعل أفضل الإسلام، بل وتمامه، أن يسلم الناس
من يد العبد ولسانه، فعن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعاصِ رضي الله عنه قال
: إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ:
"مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" رواه أحمد).
- حرمة الدماء والأموال والأعراض، فعَنْ
أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم
- يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ ، قَالَ:
أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ ؟ قُلْنَا : بَلَى قَالَ : أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا
: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ
اسْمِهِ ، فَقَالَ: أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ ؟ قُلْنَا : بَلَى ، قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ
هَذَا ؟ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ
سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ ، قَالَ : أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ ؟ قُلْنَا
: بَلَى ، قَالَ : فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ
يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ
رَبَّكُمْ أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَلْيُبَلِّغِ
الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي
كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"رواه البخاري)
فلقد أكد الإسلام على حرمة الدم البشرى،
قال تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ
)الأنعام15) وعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ:" أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
في الدِّمَاءِ". وعليه فان للدم المعصوم عند الله شأن عظيم وحرمة عظيمة لك أن
تتدبر مداها حينما تسمع قول الله جل وعلا (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي
إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ
فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ
جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم
بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ) المائدة32) فلقد اعتبر الإسلام النفوس
كلها واحدة، من اعتدى على إحداها فكأنما اعتدى عليها جميعا، ومن قدم لإحداها خيرا فكأنما
قدم الخير للإنسانية جميعها، وذلك دون نظر إلى جنس أو معتقد أو لون فقد قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ
، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا " وعَنْ عَمْرِو
بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " مَنْ آمَنَ رَجُلا عَلَى دَمِهِ ، فَقَتَلَهُ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ
الْقَاتِلِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا " .
وكما دعا النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة
الوداع إلى حفظ الدماء وبين رعاية الإسلام لهذا الحق، دعا إلى حفظ الأموال وجرم الاعتداء
عليها؛قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ
أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء 29) فمن شدة اهتمام
الشريعة الإسلامية وعنايتها بحق المال، حرمت مجرد المماطلة بقضاء الديون ما دام
المدين قادرا على ردها، فقال صلى الله عليه وسلم" مَطْلُ الغنيِّ ظُلمٌ "
فضلا عن نهي الإسلام عن الغش والتدليس والسرقة وغير ذلك من صور أكل أموال الناس
بالباطل؛ ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ
مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ " رواه الترمذي)
كذلك نادي المصطفى صلى الله عليه وسلم في
خطبة الوداع بحفظ الأعراض وصيانتها، وإذا رجعت إلى كتاب الله وسنة رسوله لعلمت إلى
اى مدى كانت رعاية الإسلام للأعراض والنهى الصريح عن الاعتداء عليها؛ فلقد حرم الإسلام
السب والشتم والغيبة والنميمة والقدح في الأعراض؛ إذ يحسبه البعض هينا وهو عند الله
عظيم قال تعالى (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ
لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ
رَحِيمٌ الحجرات: 12) وقال سبحانه(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ
الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
النور24) وفى الحديث النبوي " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ
". قيل يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ قَالَ: ...، " وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ
الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ " كما
أن الإسلام صيانة للأعراض وحفاظا عليها حرم الزنا وكل ما كان إليه سبيل، فقال تعالى
( وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً )الإسراء
32) إذ اقترن حال الزاني بحال المشرك في كتاب الله تعالى دلالة على عظم هذا الجرم فقال
تعالى ( ٱلزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ
يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ )النور3)
وفى آية أخرى قرنه المولى عز وجل بأعظم الموبقات: الشرك، وقتل النفس؛ قال تعالى (وَالَّذِينَ
لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا
* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا
مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ
حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
الفرقان68-70).
ولقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته
مبدأ المساواة بين البشر، ونبذ العنصرية، فسمع صوته هناك الغني والفقير، والأبيض والأسود
، إذ يقول صلى الله عليه وسلم "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ
وَاحِدٌ ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ
، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ ، وَلاَ أَسْوَدَ
عَلَى أَحْمَرَ ، إِلاَّ بِالتَّقْوَى". إذ أن التفاضل أمام الله جل وعلا بالتقوى،
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )الحجرات13).
كما أعلى النبي صلى الله عليه وسلم من
مكانة الوحدة والتماسك والترابط؛ فقال " إِنَّ الشَّيْطَانَ
قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا آخِرَ الزَّمَانِ وَقَدْ رَضِيَ مِنْكُمْ
بِمُحَقَّرَاتِ الْأَعْمَالِ فَاحْذَرُوهُ فِي دِينِكُمْ" وفي ذلك إشارة إلى أهمية الوحدة والتماسك
بين جميع أبناء الوطن، فليست ثمة قضية أجمع عليها قديما وحديثا مثلما أجمع على خطورة
التفرق، وأن الوحدة قوة تتضاءل إلى جانبها كل القوى المتفرقة، وان التفرق ضعف لا يضاهيه
ضعف ؛ فالاتحاد يصنع التقدم والنجاح، وينهض بالأمم والحضارات،ومن ذلك أكد الإسلام على
أهمية الاتحاد قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)آل عمران103) وحذر من التفرق
فقال سبحانه ( وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام 153) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم
" إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى
لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ
اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ
وَإِضَاعَةِ الْمَالِ" مسلم) ولله در القائل
كونوا جميعاً يأبني إذا اعتــرى *** خطب
ولا تتفرقوا آحــــادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً *** وإذا
افترقن تكسرت أفرادا
كما أكد النبي
صلى الله ليه وسلم على مكانة الأمانة فقال "، أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ كَانَتْ
عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا " إذ
أن أداء الأمانة طريق فلاح في الدنيا والآخرة قال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ
لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ
يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾المؤمنو8-11) وقال سبحانه ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ
هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ
عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ
﴾المعارج 32 – 35) وكما
مدح الله جل وعلا أهل أداء الأمانات ذم
النبي صلى الله عليه وسلم أهل الخيانة فقال" لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا
أَمَانَةَ لَهُ " رواه احمد) و قَالَ" آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ:" إِذَا حَدَّثَ
كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ "
- وما أروع ما قاله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في
خطبته الجامعة ،في أمر النساء، حيث أوصى بهن خيرا، فقال صلى الله عليه وسلم "
فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ ،
وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ" .
فلقد اهتم الإسلام بالمرأة أيما اهتمام
ورفع مكانتها، وأكرمها بما لم تكرم بمثله وأنصفها بما لا تجد له مثيلاً في القديم ولا
الحديث ؛ فقد جعل لها المشورة بعدما كانت تكره وتجبر، وجعل لها حق التملك بعدما كانت
ملكا، وحدد لها نصيبـًا في الميراث بعد أن كانت تورث، وجعل لها شأن إجتماعى بعدما كانت
لا تذكر، وكرمها في جميع مراحل حياتها، وجعل لمن حفظ لها حقها الفضل والأجر ؛ وقد لخص
أحدهم ذلك في قوله " ما رأيت كالأنثى فضلاً ؛ تُدخِلُ أباها الجنةَ طفلة ، وتُكملُ
نصف دين زوجها شابة ، والجنةُ تحت قدميها أُمّاً "
فلقد كرمها بنتا حين نهي عن وأدها، واستنكر تلك الفعلة
الشنعاء قال تعالى (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)، بل نهى
عن ما هو أقل من الوأد، وهو الحزن لقدوم الأنثى،قال تعالى( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ
بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن
سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ
سَاء مَا يَحْكُمُونَ )النحل58/59) ، كرمها بنتا حين جعل لها حق الموافقة على شريك
حياتها عن أبى هريرة قال ، قال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، :
" لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى
تُسْتَأْذَنَ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا ؟ قَالَ : أَنْ
تَسْكُتَ " البخاري) كرمها بنتا حين جعل لها الحق في التعليم وفى النشأة الحسنة
والتربية الحسنة و الحفاظ عليها و عدم التعدي على حقوقها، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ
وَسَلَّمَ " مَنْ وُلِدَتْ لَهُ أُنْثَى، فَلَمْ يَئِدْهَا، وَلَمْ يَنْهَهَا،
وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ يَعْنِي الذَّكَرَ عَلَيْهَا، أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ
"
وكرم الإسلام المرأة زوجة حين أولاها مسئولية
تربية الأولاد وتنشأتهم؛ لأن الأولاد هم أمل الأمة، وعمادها في المستقبل المنشود،كما
كرمها زوجة حين أوصى الرجال بهن خيرا و شدد على عدم التعدي علي حقوقهن قال تعالى (وَلَهُنَّ
مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْـرُوف )البقرة228 )و قال( وَعَاشِـرُوهُــنَّ
بِالْمَعْــرُوفِ) النساء19) وقال(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيـثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكمْ
وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُــوا عَلَيْهِنَّ ) الطلاق6) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ
خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ
تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ
خَيْرًا " رواه البخاري) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ
مِنْهَا آخَرَ" رواه مسلم)
إن الإسلام لم يغفل عن تكريم المرأة طرفة
عين؛ فهذه مرحلة جديدة من مراحل حياتها، يبين الإسلام فيها مكانة المرأة إذا صارت أما،
فيأمر ببرها وإكرامها، ويكفى في ذلك كله أن جعل الله تعالى بر الوالدين والإحسان إليهما،
في المرتبة الثانية بعد توحيده تعالى وعبادته، ومن النصوص في جملة ذلك قوله تعالى (
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً
إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا
أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ
الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)الإسراء23/24)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ
بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ" أُمُّكَ "قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ" ثُمَّ
أُمُّكَ "قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ "ثُمَّ أُمُّكَ "قَالَ ثُمَّ مَنْ
قَالَ" ثُمَّ أَبُوكَ" البخاري) ولم يقف الإسلام عند ذلك بل أمر ببرها أما
حتى بعد وفاتها فقد جاء رجل إلى النبي- صلى الله عبيه وسم - سائلا "هَلْ بَقِيَ
مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فقَال رسول الله
: نَعَمْ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا, وَصِلَةُ الرَّحِمِ
الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا".
فما أحوجنا أن نعيش بالقلب والجوارح هذه
التعاليم الدينية، والقيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية، في اسمي معانيها لتستقيم
حياتنا .
وما أحوجنا أن نغتنم مواسم الطاعات
والبركات، ولعل من أعظمها فضلا وأعلاها شأنا؛" يوم عرفة " فهو يوم عيد ؛
إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم " يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ
التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ
" رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ " وهو اليوم الذي أتم الله فيه
النعمة، وأكمل فيه الدين؛ وهو يوم المباهاة بأهل الموقف كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ
رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ:
" انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا " وهو يوم العتق من
النار؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ
يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو،
ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ ؟ "
رواه مسلم) قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى:" ويوم عرفة هو يوم العتق من النار،
فيعتق الله من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين "
لطائف المعارف لابن رجب ) فما أعظم أن نغتنم هذا اليوم بالصيام والذكر والدعاء،
وغير ذلك من صالح الأعمال فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " صِيَامُ يَوْمِ
عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ
الَّتِي بَعْدَهُ " رواه مسلم) ويقول صلى الله عليه وسلم " خَيْرُ الدُّعَاءِ
دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي:
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ،
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" رواه الترمذي )
( الدعاء )
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس