recent
آخر المشاركات

خطبة بعنوان: مفهوم الهجرة بين الماضي والحاضر - للشيخ محمد حسن داود


خطبة بعنـــــــوان :
مفهوم الهجرة بين الماضي والحاضر
للشيخ / محمد حســـن داود

                     ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا

                     ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا


العناصــــر :
- الهجرة بالمعني الاسمي والأعم؛ ستبقي متجددة، وستظل دروسها خالدة.
-
صور من معاني الهجرة ،التي نحتاج إليها في حاضرنا  .
-
الهجرة الغير شرعية وأثارها   .
- اغتنام مواسم الطاعات، وفضل صيام يوم عاشوراء  .      
الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)التوبة 40 ) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف " وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ " رواه البخاري) لغير البخاري " وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ". وفي رواية " وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ " رواه احمد وبن حبان والحاكم وغيرهم ) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد :
يحل شهر الله المحرم، فيتذكر المسلمون ذلك الحدث العظيم، الذي غير موازين التاريخ؛ إنه حادث الهجرة النبوية المباركة، من مكة إلى المدينة؛ فلقد كانت الهجرة سبيلا إلى بناء الدولة وتحقيق معاني وقيم وحدة الصف والمؤاخاة والتعايش السلمي بين البشر جميعهم على اختلاف الأعراق والعقائد، ورعاية الحقوق والواجبات؛ فعندما هاجر الرسول صلي الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة، مؤيدا بنصر الله جل وعلا انتقلت الدعوة الإسلامية من الدور المحلي إلي الدور العالمي، ومن ضعف إلي قوة؛ ولقد عبر القرآن الكريم عنها بذلك، حيث قال الله سبحانه وتعالي (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)التوبة 40 )
إن الهجرة من مكة إلى المدينة، وإن كانت قد انتهت بفتح مكة، لما ورد أن مُجَاشِعٌ جاء بِأَخِيهِ مُجَالِدِ بْنِ مَسْعُودٍ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَذَا مُجَالِدٌ يُبَايِعُكَ عَلَى الهِجْرَةِ، فَقَال " لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَلَكِنْ أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلاَمِ "  رواه احمد والنسائي) ولمَّا قيل لصفوان بن أمية وهو بأعلى مكة وذلك بعد الفتح " إِنَّهُ لا دِينَ لِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ " قَالَ :" لا أَصِلُ إِلَى مَنْزِلِي حَتَّى أَجِيءَ الْمَدِينَةَ " فخرج إلى المدينة فنزل على العباس رضي الله عنه، فلما وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال له " مَا جَاءَ بِكَ أَبَا وَهْبٍ ؟ " قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لا دِينَ لِمَنْ لا يُهَاجِرْ ، فَجِئْتُ مُهَاجِرًا فَقَالَ : " ارْجِعْ أَبَا وَهْبٍ إِلَى أَبَاطِحِ مَكَّةَ ، فَقِرُّوا عَلَى سَكَنَتِكُمْ فَقَدْ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ".
إلا أن معاني الهجرة ستبقي متجددة، وستظل دروسها خالدة بقاء الدهر لأن الذي أذن بها ويسر السبل لها هو المولى جل وعلا؛ القائل في كتابه (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) يس82) والذي كان قائدا لهذا الحدث، من نزل عليه قول المولى جل وعلا ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)المائدة 67)والذي قام بهذه الهجرة رجال ونساء امتدحهم القرآن وعظم أجورهم، ورفع درجاتهم؛ قال تعالى ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة 100)
فالهجرة من مكة إلى المدينة وان كانت قد انتهت إلا أن مفهوم الهجرة بمعناها الاسمي، والأعم لا تنتهي؛ فالهجرة بالمعنى الاسمي والأعم والتي نحتاج إليها في حاضرنا بل وفي كل وقت: هي هجرة المعاصي والذنوب، هجرة الخطايا والآثام، هجرة السلبية إلى الايجابية، هجرة البطالة إلى العمل، هجرة الأفكار المغلوطة، هجرة المنكرات وفعل الخيرات، هجرة من اللغو إلى الجد والهمة ،هجرة من الرذائل إلى الفضائل، هجرة من البعد إلى الصلة بالله سبحانه، هجرة من البخل إلى البذل والعطاء إذ يقول جل وعلا (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ )الذاريات50) ويقول سبحانه ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا * ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا ) النساء 96/70) ولعل هذا ظاهر جلي في الحوار الذي دار بين جعفر بن أبى طالب، والنجاشي ملك الحبشة؛ فلقد كان على رأس من هاجر إلى الحبشة، الصحابي الجليل ؛ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؛ وهاهو يتحدث ويعدد ما جاء به الإسلام من صفات حميدة وخصال نبيلة وأخلاق طيبة كريمة هاجروا إليها، وهجروا غيرها ذميم الأخلاق؛ إذ يقول " أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، وَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفُحْشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنَّ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ ، قَالَ : فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الإِسْلامِ فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا ".
إذا فمن حقيقة الهجرة بمعناها الاسمي والأعم؛ حقيقة الهجرة التي نحتاج إليها ، في عصرنا الحاضر بل وفى كل زمان:
- التوبة إلى الله جل وعلا، فعَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم " لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ ) فمن فضل الله تعالى انه يقبل التوبة عن عبادة ويعفو عن السيئات قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) الشورى25) ويبسط يده ليتوب إليه من أساء، فعن أبي مُوسى عَبْدِ اللَّهِ بنِ قَيْسٍ الأَشْعَرِيِّ، رضِي الله عنه، عن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن الله تَعَالَى يبْسُطُ يدهُ بِاللَّيْلِ ليتُوب مُسيءُ النَّهَارِ، وَيبْسُطُ يَدهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مغْرِبِها"  رواه مسلم) و هاهو إمام التائبين وسيد المستغفرين صلى الله عليه وسلم ، يقول كما في صحيح مسلم "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّة" فإذا كان هذا حاله وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أفلا نتوب ونستغفر آناء الليل وأطراف النهار حتى نكون من أهل الفلاح والله جل وعلا يقول ( ‏‏وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ‏النور 31‏)
- هجر الخطايا والذنوب على اختلاف صورها وألوانها، قولا كانت أو عملا؛  فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ " الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ " رواه البخاري) وفى رواية لغير البخاري" الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ" وعَنْ أُمِّ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالتْ : يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِينِي، قَالَ " اهْجُرِي المَعَاصِيَ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ الْهِجْرَةِ " وعن فَضَالَة بْن عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ" أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ " رواه احمد وبن حبان والحاكم وغيرهم )وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ " أَنْ تَهْجُرَ مَا كَرِهَ رَبُّكَ " . ولك أن ترى الفرق جليا في آيات القران الكريم بين من هجر الذنوب والمعاصي واستجاب لله في طاعته، وبين من عصى واعرض عن طاعته سبحانه، قال جل وعلا ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ )النساء13/14) وقال سبحانه (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى  وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )طه 123/124)
- هجرة الأخلاق الذميمة إلى الأخلاق الحميدة على اختلاف صورها؛ ولعل ذلك واضحا في قول جعفر رضي الله عنه " وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفُحْشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ". إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فخيرية العبد لا تقاس بصلاته وصيامه فحسب، بل لا بد من النظر في أخلاقه وشيمه، فقد قال صلى الله عليه وسلم "خياركم أحاسنكم أخلاقًا " متفق عليه) وإذا سألت من اقرب الناس مجلسا من الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة لوجدت أن أحسن الناس أخلاقا هم اقرب مجلسا إلى الرسول وأحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا" رواه الترمذي)
- ومما يظهر من قول النبي صلى الله عليه وسلم " لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّة " رواه البخاري) أن النية الخالصة الصادقة الصالحة باب من أبواب تحصيل الخير وخصلة من خصاله ولقد قال الله سبحانه (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء) البينة5) وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امْرِئٍ مَا نَوَى؛ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ"متفق عليه) ومن ثم فان من معاني الهجرة التي ينبغي للإنسان تحقيقها: إخلاص النية  لله وصدقها وصلاحها.
- ولعل من معاني الهجرة السامية؛ هجرة أصحاب السوء: ولقد فصلنا القول في ذلك الخطبة الماضية؛ نظرا لما لذلك من أهمية إذ يقول صلى الله عليه" الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكمْ مَنْ يُخَالِل " رواه أبو داود والترمذي، وقال حسن)   
إن الهجرة بمعناها الاسمي إن كانت تتحقق بفعل الصالحات والبعد عن السيئات، والتمسك بالفضائل والبعد عن الرزائل، إلا أن هناك نوعا أخر من الهجرة وجب علينا أن نحذر منه وهو" الهجرة الغير شرعية "؛ لما فيها من إرهاق للنفوس بل وإلقاء لها في التهلكة والله تعالى يقول( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) البقرة 195) ويقول تعالى ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا )النساء 29) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلَّ نفسه ", قالوا: يا رسول الله, وكيف يُذلُّ نفسه؟ قال" يَتعرَّض من البلاء لِمَا لا يُطِيق ".غير أن فيها تجرؤ على خرق القوانين والتشريعات المنظمة لعلاقات الدول بالتسلل إلى بلاد أخر خفية عبر بحار أو محيطات وانهار أو الجبال، أو مثل ذلك.
المصلون: لقد استقبلنا بالأمس القريب هذا العام الهجري وها نحن في هذه الأيام نودعه، فالأيام تمر والأعوام تمر، تدنى الإنسان من اجله؛ فالفطن يعلم أن أنفاسه محدودة وأيامه معدودة، وهو مسئول عنها أمام الله تعالى فيقضي هذا العمر في طاعة وعبادة يغتنمه في الخير، يهاجر فيه إلى الله ورسوله بفعل الصالحات والبعد عن السيئات، يسارع فيه إلى الطاعات، يغتنم وقته قبل العوائق والعوارض ، فقد قال صلى الله عليه وسلم " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابُكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتُكَ قَبْلَ سِقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغُكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتُكَ قَبْلَ مَوْتِكَ " فخذوا من شبابكم لهرمكم ،و من صحتكم لمرضكم، ومن غناكم لفقركم ،ومن فراغكم لشغلكم، ومن حياتكم لموتكم .
ولعل من المواسم التي ينبغي للإنسان أن يغتنمها: شهر الله المحرم؛ ‏فعَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏قَالَ : ‏قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: " ‏أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ " رواه مسلم) وعَنْ ‏عَلِيٍّ رضي الله عنه ‏، ‏سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : " أَيُّ شَهْرٍ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصُومَ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ " قَالَ لَهُ " مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَسْأَلُ عَنْ هَذَا إِلَّا رَجُلًا سَمِعْتُهُ يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،‏ ‏وَأَنَا قَاعِدٌ عِنْدَهُ فَقَالَ " يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ أَيُّ شَهْرٍ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصُومَ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ ؟ " قَالَ "‏ ‏إِنْ كُنْتَ صَائِمًا بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصُمْ الْمُحَرَّمَ فَإِنَّهُ شَهْرُ اللَّهِ فِيهِ يَوْمٌ تَابَ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ وَيَتُوبُ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ " رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ غَرِيبٌ) وفي هذا إشارة إلى اغتنام هذا الشهر بالأعمال الصالحة على اختلاف ألوانها، وخاصة الصيام فيستحب الإكثار منه في هذا الشهر عامة، وصيام يوم عاشوراء خاصة؛ فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم عاشوراء ؛ لما له من المكانة ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ" رواه البخاري ) ففي فضله يقول النبي صلى الله عليه وسلم " صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ " رواه مسلم ) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : " قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ " رواه البخاري) وعنه أيضا، انه قال : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ " ، قَالَ : فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رواه مسلم).
فَبَـــادِرْ شَبَابَـــكَ أَنْ يَهْرَمَـــا *** وَصِحَّةَ جِسْمِـــــــكَ أَنْ تَسْقَمَا
وَأَيَّامَ عَيْشِكَ قَبْلَ الْمـَمَـــــاتِ *** فَمَا دَهْرُ مَنْ عَاشَ أَنْ يَسْـلَمَا
وَوَقْـتَ فَـرَاغِـــــكَ بَـادِرْ بِــهِ *** لَيَـالِيَ شُغْلِكَ فِــــي بَـعْضِ مَا
وَقَـدِّمْ فَكُلُّ امْـرِئٍ قــــــــــَادِمٌ *** عَلَى بَعْضِ مَا كَانَ قَدْ قَدَّمــَا
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
google-playkhamsatmostaqltradent