خطبة بعنـــــــوان :
من دروس الهجرة النبوية: بناء الدولة
للشيخ / محمد حســـن داود
ولتحميل
الخطبة : word اضغط هنا
من دروس الهجرة النبوية: بناء الدولة
للشيخ / محمد حســـن داود
العناصــــــر:
- الهجرة النبوية تحولا ايجابيا نحو بناء الدولة المدينة .
- من الأسس التي بني عليها النبي صلى الله عليه وسلم الدولة :
- بناء المسجد ، - المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
- القوة الاقتصادية ، - التكافل ، - وثيقة المدينة
- حب الوطن ، وأثره في بناء الدول .
- الهجرة النبوية تحولا ايجابيا نحو بناء الدولة المدينة .
- من الأسس التي بني عليها النبي صلى الله عليه وسلم الدولة :
- بناء المسجد ، - المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
- القوة الاقتصادية ، - التكافل ، - وثيقة المدينة
- حب الوطن ، وأثره في بناء الدول .
الموضــــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل
في كتابه العزيز ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ
لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )التوبة 100) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد
أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف " يَا أَيُّهَا
النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ" رواه الترمذي) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه،
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد :
لقد كانت
الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة تحولا ايجابيا إلى بناء الدولة المدينة، وتحقيق
اسمي معاني وقيم وحدة الصف والمؤاخاة والمساواة، والتعايش السلمي بين البشر جميعهم
على اختلاف الأعراق والعقائد، ورعاية الحقوق والواجبات، وعمارة الأرض، ويظهر هذا لنا واضحا جليا إذا
ما نظرنا إلى الأسس والمقومات التي بني عليها النبي صلى الله عليه وسلم الدولة .
ولعل منها ما جاء في كلام النبي صلى الله
عليه وسلم في أول ساعة دخل فيها المدينة، فعن عبد الله بن
سلام قال: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ
انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ وَقِيلَ: قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، ثَلَاثًا
فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ
لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ
قَالَ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ،
وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ" رواه الترمذي) ففي
قوله صلى الله عليه وسلم" وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ "
إشارة إلى أهمية توثيق الصلة بالله جل وعلا . وفي قوله " وَصِلُوا الْأَرْحَام"
إشارة إلى أهمية توطيد العلاقات بين الأهل والأرحام . وفي قوله" وَأَطْعِمُوا
الطَّعَامَ" إشارة إلى أهمية المودة والتكافل والإخوة من جانب، ومن جانب
آخر إلى أهمية العمل والكسب، فلن يستطيع الإنسان إنفاقا وإطعاما إلا إذا كان يعمل
ويكسب من عمل يده ؛ غير أن إطعام الطعام وصلة الأرحام إشارة إلى التماسك والترابط
والوحدة والمودة . وفي قوله" أَفْشُوا السَّلَامَ"؛
إشارة إلى نشر المحبة وحفظ الحقوق وحسن معاملة الناس جميعا على اختلاف الألوان
والأعراق والمعتقد، فلن يحقق مسلم معاني الإسلام وحقيقته، إلا أن يسلم الناس من
لسانه ويده. غير أن في كل ما ذكر دعوة عظيمة إلى حسن الأخلاق؛ ولله در القائل :
إنما الأمم الأخلاق
ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ومن ثم؛ فمن أهم الأسس والمقومات التي بني
عليها النبي صلى الله عليه وسلم الدولة :
بناء المسجد: وذلك
لتوثيق الصلة بالله جل وعلا؛ فحسن صلة العبد بمولاه تمنعه الرزائل وتحثه على الفضائل،
فهي طاعات وعبادات وقربات، بعد عن السيئات والذنوب والآثام، يقظة للضمير ، أخلاق حسنة؛
معاملة طيبة، وسطية وبعد عن الغلو والتشدد؛ ولا شك أن لكل ذلك أثره على المجتمع،
غير أن فيها عون وتوفيق ولقد قال الله جل وعلا (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا
يَشْقَى) طه123)
- المؤاخاة
بين المهاجرين والأنصار: ولعل ذلك كان سبيل إلى الوحدة والتماسك والترابط، وما
أعظم اثر التماسك والترابط في بناء
المجتمع؛ فليست
ثمة قضية أجمع عليها العقلاء قديما وحديثا مثلما أجمعوا على عظم شأن التماسك
والوحدة وخطر التفرق، وأن الوحدة قوة تتضاءل إلى جانبها كل القوى المتفرقة، وان التفرق
ضعف لا يضاهيه ضعف؛ فالاتحاد يصنع التقدم والنجاح، وينهض بالأمم والحضارات،ومن ذلك
أكد الإسلام على أهمية الوحدة، قال تعالى ( وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ
بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام
153)
- كما أن في هذه
المؤاخاة تكافل، ولا شك أن التكافل بين أبناء المجتمع من مقومات البناء؛ فهو قيمة عظيمة، تتضمن تقديم يد الخير والعون
على اختلاف صنوفه وألوانه، كإطعام الجائع وكساء العاري ودواء المريض وتفريج الكربات
ورعاية الأيتام والأرامل والمساهمة في بناء المستشفيات والمدارس وإصلاح الطرق وكل ما
يعود بالخير على المجتمع، ولقد قال الله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ
وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة ٢) وعن أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قَالَ: بينَمَا
نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ
لَهُ، فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَال رسولُ اللَّه صلى الله
عليه وسلم:" مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا ظَهْرَ
لَهُ، وَمَن كانَ لَهُ فَضْلٌ مِن زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا زَادَ لَهُ،
فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ المَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لا حَقَّ لأحدٍ
مِنَّا في فَضْلٍ" رواه مسلم) .
- القوة الاقتصادية: فهي عماد أول من أعمدة
البناء وعامل أول من عوامل القوة، ولن يقوى الاقتصاد في وطن إلا بالعمل والإنتاج؛ لذلك
أقام النبي صلى الله عليه وسلم سوق المدينة؛ فعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : لَمَّا
أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ لِلْمَدِينَةِ
سُوقًا أَتَى سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ ، ثُمَّ جَاءَ سُوقَ الْمَدِينَةِ فَضَرَبَهُ
بِرِجْلِهِ وَقَالَ : هَذَا سُوقُكُمْ ، فَلَا يُضَيَّقُ". ومع أن النبي صلى
الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار ؛ فآخى بين سعد بن الربيع وعبد الرحمن
بن عوف رضي الله عنهما؛ لكن عبد الرحمن بن عوف لم يقبل شيئا من ذلك ، إذ أن الأوطان
لا تزدهر ولا ترقى ولا تتقدم إلا باستثمار طاقات الأبناء كل حسب قدراته ومواهبه ؛ فقد
روى أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ المَدِينَةَ
فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ
الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ،
فَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلَّنِي
عَلَى السُّوقِ، فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، ..." رواه البخاري ومسلم
) وفي هذا درس عظيم لكل من ترك العمل، إذ أن اليد التي لا تعمل عملا ولا تزاول حرفة
ولا تسهم في التعمير والبناء وتقدم الأمة هي يد شلاء، وإن العقل الذي لا يسهم في عمل
أو اختراع وابتكار وإبداع وتجديد هو عقل أغفل مهمته، وفقد رسالته، روى أن شقيق البلخي،
ذهب في رحلة تجارية، وقبل سفره ودع صديقه إبراهيم بن أدهم حيث يتوقع أن يمكث في رحلته
مدة طويلة، ولكن لم يمض إلا أيام قليلة حتى عاد شقيق ورآه إبراهيم في المسجد، فقال
له متعجباً: ما الذي عجّل بعودتك؟ قال شقيق: رأيت في سفري عجباً، فعدلت عن الرحلة،
قال إبراهيم: خيراً ماذا رأيت؟ قال شقيق: أويت إلى مكان خرب لأستريح فيه، فوجدت به
طائراً كسيحاً أعمى، وعجبت وقلت في نفسي: كيف يعيش هذا الطائر في هذا المكان النائي،
وهو لا يبصر ولا يتحرك؟ ولم ألبث إلا قليلاً حتى أقبل طائر آخر يحمل له العظام في اليوم
مرات حتى يكتفي، فقلت: إن الذي رزق هذا الطائر في هذا المكان قادر على أن يرزقني، وعدت
من ساعتي، فقال إبراهيم: عجباً لك يا شقيق، ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى
الكسيح الذي يعيش على معونة غيره، ولم ترض أن تكون الطائر الآخر الذي يسعى على نفسه
وعلى غيره من العميان والمقعدين؟ أما علمت أن اليد العليا خير من اليد السفلى؟ فقام
شقيق إلى إبراهيم وقبّل يده، وقال: أنت أستاذنا يا أبا إسحاق، وعاد إلى تجارته
" .
وإذا كان العمل من أسس بناء الدول وتقدمها
فان ذلك لن يتحقق إلا بإتقانه، إذ أن إتقان العمل، وتجويده، من أهم الواجبات العملية
التي حث عليها الإسلام، فقد قال رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ
اللهَ عز وجل يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ " .
- وثيقة المدينة: إذ تراه صلى الله عليه
وسلم يبرم وثيقة المدينة مع جميع الطوائف التي كانت تسكن المدينة إقرار للحقوق
والواجبات وتأصيلا للتعايش السلمي، فلقد أقر الإسلام حرية الاعتقاد، قال تعالى (لَا
إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ )( البقرة 256)
جاء في أسباب النزول للواحدى: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ
نِسَاءِ الْأَنْصَارِ تَكُونُ مِقْلَاةً فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إِنْ عَاشَ لَهَا
وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ فَلَمَّا أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ
الْأَنْصَارِ ، فَقَالُوا : لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا . فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) . الْآيَةَ
. فالإسلام يعترف بصورة واضحة بوجود (الغير)
المخالف في العقيدة وحقه في الاعتقاد والتصور؛ ولقد كان من بين بنود وثيقة المدينة
" وَإِنّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارَبِينَ،
وَإِنّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمَيْنِ
دِينُهُمْ مَوَالِيهِمْ وَأَنْفُسُهُمْ إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ " ومنها
" وَإِنّ الْجَارَ كَالنّفْسِ غَيْرَ مُضَارّ وَلَا آثِمٌ" . ولقد صان النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه لغير المسلمين أماكن عبادتهم ورعوا حرمة شعائرهم، ولم
نسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه الأطهار قد اكرهوا أحدا على دخول هذا
الدين ، أو أنهم هدموا مكان عبادة لغير المسلمين؛ بل ما علمناه وثبت لدينا هو
احترام هذه الأماكن والحفاظ عليها وصيانتها؛ بل لم يقف الأمر في الإسلام عند هذا
الحد|؛ فتجد أمر الإسلام بحسن معاملتهم، قال الله جل وعلا ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ
عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ
أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
)الممتحنة 8) وعلى هذه المعاملة الحسنة والسماحة كان الصحابة رضوان الله عليهم قد جاء
عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ فِي أَهْلِهِ
فَلَمَّا جَاءَ قَالَ " أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ ؟ أَهْدَيْتُمْ
لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ " مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ
سَيُوَرِّثُهُ ".
، كما تضمنت وثيقة المدينة تحالف الجميع
للعمل من اجل الوطن والدفاع عنه والحفاظ على أمنه واستقراره؛ حيث كان من بنودها
" وإِنّ بَيْنَهُمْ النّصْرَ عَلَى مَنْ حَارَبَ أَهْلَ هَذِهِ الصّحِيفَةِ
"
- إن من أعظم الأسس التي تبنى عليها
الدول حب الوطن ، فلقد وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى إجادة الانتماء للوطن، وحسن
الولاء له، وإخلاص الوفاء له والبر به، داعيا إلى ترجمة هذا الحب، هذا الوفاء، هذا
البر، إلي عمل وجد؛ إذ يلقى صلى الله عليه وسلم درسا بليغا يقرع كل الآذان، ويتردد
صداه في كل زمان ومكان، وذلك عندما خرج صلى الله عليه وسلم مهاجرا، ووصل أطراف مكة،
التفت إليها، وقال "وَاللهِ إِنَّي أَعْلَمُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبَّهَا
إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ"وفي
رِوَاية "مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِليَّ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي
أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ"، بل انظر إلى حاله صلى الله عليه
وسلم حينما وطأت قدمه المدينة، إذ يتوجه إلى الله داعيا أن يحبب إليهم المدينة كما
حبب إليهم مكة ، كما في صحيح البخاري، عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،".
فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعيش هذا الحب والانتماء الوطني بكل وجدانه وجوارحه؛
فقد جاء في (البخاري ومسلم) عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يقول في الرقية: " باسم الله، تُرْبَةُ أَرْضِنا، ورِيقَةُ بَعْضِنا، يَشْفَى
سقيمُنا بإذن ربنا "، وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، انه قَالَ"
كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ
المَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ - أَيْ أَسْرَعَ بِهَا - وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا
"، ولم يقتصر هذا الحب عند العاطفة فحسب؛ بل كان ذلك ظاهرا جليا في أقواله وأفعاله
صلى الله عليه وسلم، حفاظا على الوطن، ودفاعا عنه، وتضحية من اجله، فلقد جاء عن انس
رضي الله عنه انه قال " وَلَقَدْ فَزِعَ
أَهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ
، وَهُوَ يَقُولُ : لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ
عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ ، فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ ، فَقَالَ : لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا
. أَوْ : إِنَّهُ لَبَحْرٌ "
ومن ثم فان حب الوطن وخدمته والوفاء له
ليس كلمات؛ بل إن حب الوطن وخدمته والوفاء له مرتبط بعمل الفرد وسلوكه ارتباطا لا انفكاك
منه، يلازمه في كل مكان، فيظهر في إخلاص الوفاء للوطن، في احترام أنظمته وقوانينه،
في طاعة ولى الأمر؛ فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم" مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ
أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ
أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي" رواه البخاري) كما يظهر في
المحافظة على منشآته ومنجزاته، وفي الاهتمام بنظافته وجماله، وفي المحافظة على أمواله
وثرواته، فالمال العام اشد حرمة من المال الخاص وذلك لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد
الذمم المالكة له، كما يظهر في نشر الخير والقيم والأخلاق الفاضلة، ونشر روح المحبة
والأخوة بين أبنائه، والمشاركة الايجابية في بنائه، يظهر في مناهضة الأفكار المتطرفة،
ففي مناهضتها توجيه للعقول والقلوب إلى الوسطية والاعتدال والسلم والسلام والمحبة والمودة،
يظهر في التنافس في خدمة الوطن كل حسب طاقاته وقدراته والمحافظة على أمنه واستقراره،
بأن يكون كل منا قدوة للأبناء والأجيال في حب الوطن وخدمته والحفاظ عليه والدفاع عنه
والبر به والوفاء له .
نسأل الله أن
يحفظ مصر وجيشها وشرطتها وشعبها من كل مكروه وسوء
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس