خطبة بعنـــوان :
هذا هو الإســـــــــلام
للشيخ / محمد حسـن داود
هذا هو الإســـــــــلام
للشيخ / محمد حسـن داود
العناصر :
- الإسلام منهج حياة . - الإسلام طاعة واستسلام وانقياد لله.
- الإسلام والعمل على اختلاف ألوانه وصنوفه .
- الإسلام والأخلاق. - الإسلام وجملة من القيم النبيلة .
- الإسلام دين السلام .
- الإسلام والعمل على اختلاف ألوانه وصنوفه .
- الإسلام والأخلاق. - الإسلام وجملة من القيم النبيلة .
- الإسلام دين السلام .
الموضـوع: الحمد لله رب
العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا
عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
وبعد
فان الإسلام دين يشمل حياة المسلم كلها،
ويستغرق جميع جوانبها صغيرها وكبيرها، فهو منهج حياة؛ للأخلاق فيه مكانة عظيمة، وللطاعة
فيه مكانة رفيعة، وللعمل فيه شأن كبير، وللتطوع فيه اثر عظيم؛ هو دين في جوهره ورسالته،
وأحكامه وتشريعاته، وجملته وتفصيله؛ يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يشتت، يقوي ولا يضعف،
يبنى ولا يهدم، رحمة كله، تيسير كله، إنسانية كله، سماحة كله؛ فلما سأل جبريل عليه
السلام النبي صلى الله عليه وسلم قائلا " يا محمَّدُ أخبرني عن الإسلام"
كان جوابه صلى الله عليه وسلم " الإسلامُ أن تشهدَ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ
محمدًا رسولُ اللهِ، وتُقيمَ الصلاةَ، وتؤتيَ الزكاةَ، وتصومَ رمضانَ، وتَحُجَّ البيتَ
إنِ استطعتَ إليهِ سبيلا..." وهاهو سيدنا جعفر ابن أبى طالب رضي الله عنه عندما
وقف أمام النجاشي (ملك الحبشة) مبينا شيئا
من قيم الإسلام النبيلة وأخلاقه الكريمة ورسالته السمحة، يقول " أَيُّهَا الْمَلِكُ،
كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ،
وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، وَيَأْكُلُ
الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، وَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى
إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ،
فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا
نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا
بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ،
وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفُحْشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ،
وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنَّ نَعْبُدَ اللَّهَ
وَحْدَهُ وَلا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ
..." .
فالإسلام انقياد لله ورسوله واستسلام، طاعة
وخشوع، إتباع وخضوع؛ قال تعالي (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
آل عمران132) وقال جل وعلا (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ
فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)التغابن 12)وقال جل وعلا (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ
تُحْشَرُونَ)الأنفال 24) وله أركان؛ قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم" بُنِيَ
الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ
رَمَضَانَ "البخاري)
فقد جاء الإسلام
داعيا إلي الطاعة والعمل الصالح فرضا كان أو نفلا فقال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾ الكهف30)
وقال جل وعلا ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ
الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴾ الكهف 107) وقال سبحانه ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ
أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ النحل 97) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ أَصْبَحَ
مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا" قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا
قَالَ " فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً " قَالَ أَبُو بَكْرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا قَالَ " فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا"
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا قَالَ " فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ
الْيَوْمَ مَرِيضًا" قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ
إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ" رواه مسلم )
وإن من أعظم ما
جاء به الإسلام انه دين يدعو الناس ويحثهم على عمارة دنياهم كما يدعوهم إلى الاهتمام
بأخراهم على السواء، قال تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي
مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) الملك 15)وهذا من اجل السمات
التي يجب تحقيقها في الشخصية المسلمة، ففي الاهتمام بالعاجلة وإغفال الآجلة أو العكس
بعد عن التوازن وشرود، ولقد كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يسأل ربه أن يَعْمُرَ
دنياه وأخراه، فما أكثر ما كان يدعو بهذا الدعاء القرآني الكريم (رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة201)
كما كان من دعائه صلى الله عليه وسلم" اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي
هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ
لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي" رواه مسلم )والناظر في القران الكريم يرى
جليا حين صرف قارون همه إلى الدنيا وانصرف عن الآخرة نصحه بعض الذين أوتوا العلم من
قومه وأرشدوه، وذكروه ونبهوه بأن انصرافه عن الاهتمام بالآخرة واهتمامه بالدنيا فقط،
فيه جنوح عن الصواب وشطط، فقالوا له كما حكي القرآن الكريم، قال تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا
آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ
كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ
لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) القصص75/76) .
ومن ينظر
القران والسنة يرى تأكيد الإسلام على التكافل والتراحم وتحقيق المودة والمحبة
والأخوة، إذ يقول الله جل وعلا( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا
تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ )المائدة2) وقال سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا
وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )الحج77) وعن
أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قَالَ: بينَمَا
نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ
لَهُ، فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَال رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم" مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا
ظَهْرَ لَهُ، وَمَن كانَ لَهُ فَضْلٌ مِن زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا زَادَ
لَهُ، فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ المَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لا حَقَّ
لأحدٍ مِنَّا في فَضْلٍ" رواه مسلم)
إن الإسلام دين
جاء بتزكية النفوس وتقويم الأخلاق وإصلاح الباطن والظاهر؛ جاء محققا لأنبل الطباع وأحسن
الأخلاق وأصلح الخصال، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم " إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ
صالحَ الأخلاقِ"رواه أحمد) وما زال الإسلام يؤكد على الأخلاق حتى كان لها الارتباط
الوثيق بالإيمان؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم " أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا
أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا"رواه أبو داود) وقال صلى الله عليه وسلم" لا يَزني
الزَّاني حِينَ يَزني وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَشرَبُ الخَمرَ حِينَ يَشرَبُ وَهُوَ مُؤمِنٌ،
وَلا يَسرِقُ حِينَ يَسرِقُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَنتَهِبُ نُهبَةً يَرفَعُ النَّاسُ
إِلَيهِ فِيهَا أَبصَارَهُم حِينَ يَنتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ " متفق عليه) وعنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا
أَوْ لِيَصْمُتْ" متفق عليه) والأعجب من ذلك أن ترى للعبادات ارتباطا بالأخلاق،
فمن حكمة مشروعية العبادات والطاعات تهذيب النفوس، و تزكيتها ،وتربيتها على الأخلاق
الفاضلة ،فكل عبادة فَرضها الله على المسلمين، ليس المقصود منها مجرد صورتها الظَّاهرية
وفقط، وإنما يقصد منها أيضا روحها ولبها، الذي يهذب الخلُق، ويصلح النفس، ويباعد بينها
وبين الشُّرور والآثام، فالصلاة بسجودها وركوعها وأذكارها تطهِّر النفس من الكبر، وتذكِّر
النفس بالاستقامة على أمر الله سبحانه وتعالى، وتذكرها دائما بوقوفها للحساب يوم القيامة
، فتنهى صاحبها ومقيمها عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ العنكبوت 45) ولهذا لما قيل للرسول صلى الله عليه وسلم،
إِنَّ فُلانًا يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ ، قَالَ :
" سَيَنْهَاهُ مَا تَقُولُ " رواه بن حبان) وكذلك الزكاة تطهير للنفس البشرية
من رذيلة البخل والطمع والجشع، وتجعل الإنسان متعاونا حريصا على أخيه المسلم، إذ يواسى
الفقراء ،و يسد حاجتهم ،و يساعد البؤساء منهم و المحرومين، ويقيم المصالح العامة التي
تتوقف عليها حياة الأمة وسعادتها ، قال تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ) التوبة 103. وفي الصيام تعويد للنفس على ضبط شهوتَي البطن والفرج، و الرقى
إلى أعلى درجة المتقين، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
﴾ البقرة 183) كما انه سبب مباشر لضبط سلوك الإنسان والرقى بأخلاقه ،فلا معنى لظاهر
الصيام إن لم تتأدب النفوس و تطهر القلوب؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ
الأَكْلِ وَالشُّرْبِ ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ" رواه
بن خزيمة) و انظر كيف أن الحج يبث القيم الأخلاقية الأصيلة في النفوس البشرية ،وكيف
أن له التأثير في تربية النفس الإنسانية ، قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ
فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ
) البقرة 197. ومن ثم كانت وصية لمصطفى صلى الله عليه وسلم " اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا
كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ
حَسَنٍ" .
ولا شك أن السماحة
والإنسانية من اجل قيم الإسلام، فقد قال الله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ
وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ
عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) الاسراء70) ولما سئل النبي صلى الله
عليه وسلم عن أفضل الإيمان؟ قال "الصَّبر والسَّماحة " رواه أحمد والبيهقي)
وما أعظم ما جاء
به الإسلام من تحقيق مبدأ المساواة بين البشر، ونبذ العنصرية، إذ يقول صلى الله عليه
وسلم "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ
وَاحِدٌ ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى
عَرَبِيٍّ ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ ، إِلاَّ
بِالتَّقْوَى".
إن من اجل القيم
التي كان لها نصيب وفير من اهتمام الإسلام: السلام؛ فالسلام اسم من أسماء الله الحسنى،
قال تعالى (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ
الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ
عَمَّا يُشْرِكُونَ )الحشر23) وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ السَّلامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ"
وهو التحية التي شرعها الله لعباده في الدنيا؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ " خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ
، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، فَلَمَّا خَلَقَهُ ، قَالَ : اذْهَبْ ، فَسَلِّمْ عَلَى
أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ ،
فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ
، فَقَالُوا : السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ
، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ
يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ " رواه البخاري ) وهو تحية أهل الجنة، قال الله
تعالى ( وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا
وَهُمْ يَطْمَعُونَ )الاعراف46) وقال سبحانه (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ)الاحزاب44)
بل وهو المعنى الاسمي للإسلام؛ فعن عَبْد اللَّهِ
بْن عَمْرِو بْنِ الْعاصِ رضي الله عنه قال : إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ
" رواه احمد)
وما زال الإسلام
يؤكد دائما على السلام حتى حث وأمر بمراعاة مشاعر الناس فقد قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم" الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ"
رواه البخاري) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَحَاسَدُوا ، وَلَا تَنَاجَشُوا ، وَلَا تَبَاغَضُوا
، وَلَا تَدَابَرُوا ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ، " رواه
مسلم) فلم يقف نهى الإسلام عن كل ما يؤذى الإنسان في دم او مال او عرض بغير حق إذ يقول
النبي صلى الله عليه"و الله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن الذي لا يأمن
جاره بوائقه " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ :
إِنَّ فُلَانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ وَتَفْعَلُ وَتَصَّدَّقُ وَتُؤْذِي
جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
"لَا خير فيها هي من أهل النار" رواه البخاري في الأدب المفرد). بل حتى في
مشاعره، فنهى عن السب وتتبع العورات والسخرية بل وسوء الظن، قال تعالى (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ
وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ
وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ
لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا
كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ
بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات11-12) وعَنِ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى
بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ" يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ
الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا
تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ
تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ
فِي جَوْفِ رَحْلِهِ" رواه الترمذي) ومن أعظم ما يظهر دعوة الإسلام إلى احترام
مشاعر الغير قوله صلى الله عليه وسلم لرجلٌ جاء يتخطّى رقابَ النّاس يومَ الجمعة والنبيّ
يخطب،" اجلِس فقد آذيت " رواه أبو داود والنسائي) و ما جاء عن بن مسعود رضي
الله عنه كان على شجرة فهبت الريح فكشفت ساقيه فضحك الصحابة من دقتهما، أي من نحالتهما،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا يُضْحِكُكُمْ
" ؟ قَالُوا : دِقَّةُ سَاقَيْهِ، قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
؛ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مُنْ أُحُدٍ ". وتدبر قوله صلى الله عليه
وسلم " إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا
، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ " وما جاء أن بعض الصحابة كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَانْطَلَقَ
بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ ، فَأَخَذَهُ فَفَزِعَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا
". فما أحوجنا إلي امتثال أوامر الإسلام حتى تستقيم دنيانا وآخرتنا، ولقد قال
الله تعالى (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) طه123)وقال جل
وعلا (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
النحل 97)
(اللهم أهدنا لأحسن
الأخلاق إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها إنه لا يصرف عنا سيئًها إلا
أنت، وأحفظ مصر وشعبها وجيشًها وشرطتها من كل مكروه وسوء )
===== كتبه =====
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومدرس