خطبة بعنـــــوان :
حياة النبي (صلى الله عليه وسلم)
أنموذج تطبيقي لصحيح الإسلام
للشيـخ / محمد حســـن داود
حياة النبي (صلى الله عليه وسلم)
أنموذج تطبيقي لصحيح الإسلام
للشيـخ / محمد حســـن داود
ولتحميل
الخطبة : word اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf اضغط هنا
العناصـــــر:
- أحوال النبي (صلى الله عليه وسلم) أنموذجا تطبيقيا لصحيح الإسلام .
- النبي صلى الله عليه وسلم: الين الناس كلاما، وأحسنهم قولا.
- أصدقهم حديثا وأكثرهم أمانة. - أجودهم، لا يبخل بمال ولا طعام .
- يحفظ المعروف، ويعرف لكل ذي فضل فضله .
- رحيما بالصغير، موقرا للكبير. - هو الزوج نعم الزوج .
- اجتمعت في قلبه مع عظم رحمة النبوة، خصال عطف الأبوة.
- هو الصاحب نعم الصاحب . - الوسطية والاعتدال، منهجه.
- دعوة إلى حسن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
- أحوال النبي (صلى الله عليه وسلم) أنموذجا تطبيقيا لصحيح الإسلام .
- النبي صلى الله عليه وسلم: الين الناس كلاما، وأحسنهم قولا.
- أصدقهم حديثا وأكثرهم أمانة. - أجودهم، لا يبخل بمال ولا طعام .
- يحفظ المعروف، ويعرف لكل ذي فضل فضله .
- رحيما بالصغير، موقرا للكبير. - هو الزوج نعم الزوج .
- اجتمعت في قلبه مع عظم رحمة النبوة، خصال عطف الأبوة.
- هو الصاحب نعم الصاحب . - الوسطية والاعتدال، منهجه.
- دعوة إلى حسن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
الموضـــوع:الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه
العزيز (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )الأحزاب21) وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه
الشريف " إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ " رواه أحمد) اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
- لقد كانت كل جوانب
حياة النبي صلى الله عليه وسلم مشرقة عظيمة، وكان في كل جانب مثلا أعلى، وأسوة حسنة،
فكان في أقواله وأفعاله، بل في كل أحواله أنموذجا تطبيقيا لصحيح الإسلام؛ بسمو
قيمه وعلو مبادئه، وحسن أخلاقه، وعظم جوانبه، إذ اتصف صلى الله عليه وسلم، بأنبل الصفات،
وارفع القيم، وأجمل الخصال، وأحسن الأخلاق، قال الله جل وعلا في حقه صلى الله عليه
وسلم ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )القلم4) و لما سُئلت أم المؤمنين عائشة رضي
الله عنها عن خُلُقه، صلى الله عليه وسلم قالت " كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ
"
فاق النبيين في
خَلقٍ وفي خُلـُقٍ *** ولم يدانوه في علمٍ ولا كـــــــــــرمِ
وكلهم من رسول الله ملتمــــسٌ *** غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وكلهم من رسول الله ملتمــــسٌ *** غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم؛ أرجح
الناس عقلا، وأكثرهم أدبا، وأوفرهم حلما، وأكملهم قوة وشجاعة وشفقة، وأكرمهم نفسا؛
أكمل الناس خَلقا وخُلقا، وأعظمهم إنسانية ورحمة، عُرف بأحسن الخصال، وأسمى القيم،
وأعظم المبادئ و أطيب الأخلاق؛ فكان صلى الله
عليه وسلم :
- الين الناس كلاما،
وأحسنهم قولا، وأجملهم حديثا؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
قَالَ : لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلاَ
مُتَفَحِّشًا " رواه البخاري) وهذا مما أكد عليه القران وأكدت عليه السنة النبوية
فقد قال الله تعالى (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )الإسراء53)
وقال سبحانه (َ وقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) البقرة 83) ويقول صلى الله عليه وسلم
" إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ
أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ ".
- كان اصدق الناس حديثا وأكثرهم أمانة،
شهد بذلك القريب والبعيد؛ فلما سأل هرقل - ملك الروم - أبا سفيان قبل إسلامه قائلا:
"هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟، قال: لا، فقال هرقل: ما كان ليدع
الكذب على الناس ويكذب على الله" رواه البخاري) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ
: " قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلْدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إِنَّهُ
وَاللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مَا ابْتُلِيتُمْ بِمِثْلِهِ ، لَقَدْ كَانَ
مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلامًا حَدَثًا أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا ،
وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشَّيْبَ ، وَجَاءَكُمْ
بِمَا جَاءَكُمْ ، قُلْتُمْ : سَاحِرٌ ، لا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ ، قَدْ رَأَيْنَا
السَّحَرَةَ وَنَفْثَهُمْ وَعَقْدَهُمْ ، وَقُلْتُمْ : كَاهِنٌ ، لا وَاللَّهِ مَا
هُوَ بِكَاهِنٍ ، قَدْ رَأَيْنَا الْكَهَنَةَ وَحَالَهُمْ ، وَسَمِعْنَا سَجْعَهُمْ
، وَقُلْتُمْ : شَاعِرٌ ، لا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ : لَقَدْ رَأَيْنَا الشِّعْرَ
وَسَمِعْنَا أَصْنَافَهُ كُلَّهَا هَزَجَهُ ، وَرَجَزَهُ وَقَرِيضَهُ ، وَقُلْتُمْ
: مَجْنُونٌ ، وَلا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ لَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ فَمَا
هُوَ بِخَنْقِهِ وَلا وَسْوَسَتِهِ وَلا تَخْلِيطِهِ ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، انْظُرُوا
فِي شَأْنِكُمْ ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ "
.
وها هو صلى الله عليه وسلم، يأتيه الأمر
بالهجرة فيوصى عليا رضي الله عنه بالانتظار
في مكة حتى يرد الأمانات التي كانت عنده صلى الله عليه وسلم لأهل مكة؛ فهو صلى
الله عليه وسلم القائل" أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ
مَنْ خَانَكَ " وفي هذا بيانا لمقام أمانته صلى الله عليه وسلم وبيانا لمكانة
عموم الامانة فلعظم مكانتها أكد القران وكذلك السنة في غير موضع على أدائها؛ فقال
الله جل وعلا (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا)
النساء58) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ
لَهُ " رواه احمد)
- أجود الناس وأكرم
الناس؛ بل كان صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة؛ إن أرسلت إليه صدقة،
كانت للفقراء، وإن أهديت إليه هدية أشركهم فيها، لا يبخل بمال ولا طعام، بل يشاركهم
طعامه، فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا بَقِيَ مِنْهَا ؟ "
قَالَتْ : مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا، قَالَ" بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ
كَتِفِهَا " الترمذي وقال صَحِيح) ولما جاءه رجل يسأله، فأعطاه غنما سدّت ما بين
جبلين، فرجع إلى قومه وقال: أسلموا، فإنّ محمّدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. بل كان يؤثر المحتاج على نفسه، ويعطيه العطاء وإن
كان في حاجة إليه، فعَنْ سَهْلٍ ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، " أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ
النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا،
أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ ؟ قَالُوا: الشَّمْلَةُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: نَسَجْتُهَا
بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ،مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ فَحَسَّنَهَا
فُلَانٌ ، فَقَالَ : اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا ؟، قَالَ : الْقَوْمُ مَا أَحْسَنْتَ
لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، ثُمَّ
سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ ، قَالَ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ
لِأَلْبَسَهُ إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي ؟ " قَالَ سَهْلٌ : فَكَانَتْ
كَفَنَهُ" رواه البخاري)
- يحفظ المعروف، ويعرف لكل ذي فضل فضله،
إذ يقول عن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها" مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ
كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ"احمد)ويقول
في أبى بكر رضي الله عنه " إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ
وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ
أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ "البخاري) كما انه
لم يجحد دخوله مكة في جوار المطعم بن عدي، بعد عودته من رحلة الطائف، حتى بعد وفاته،فيقول
في أسرى بدر " لو كان المطعم بن عدى حيا، ثم كلمني في هؤلاء لتركتهم له".
- كان رحيما بالصغير،
موقرا للكبير، فهو القائل " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ
كَبِيرَنَا " أبو داود والترمذي) فلما جاءه رجل يبايعه على الهجرة، وقد ترك أبواه
يبكيان، قال له "ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا
"رواه النسائي) وفى مسند الإمام احمد،عن
أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنها قالت " لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ، أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ
بِأَبِيهِ ، يَعُودُهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ " هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ
فِيهِ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِيَ
إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ أَنْتَ إِلَيْهِ " مما يشير إلى دعوة الإسلام إلى
احترام الكبير والرحمة بالصغير .
- كما كان صلى الله عليه وسلم أجمل الناس
صحبة وأحسنهم عشرة، فهو الزوج نعم الزوج، هو صلى الله عليه وسلم القائل "اسْتَوْصُوا
بِالنِّسَاءِ خَيْرًا". فمن يطالع سيرته صلى الله عليه وسلم يجد الهدي النبوي
في معاملته لزوجاته مثالا يحتذى به؛ تطبيقا عمليا لقول الله سبحانه وتعالى (وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
) الروم21) وقوله تعالى ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾النساء19) وإن أول ما يلتفت إليه النظر، هذه العواطف النبيلة
والمشاعر الغامرة، وحبه الشديد لزوجاته، بل و تصريحه بذلك، فكان يقول عن أم المؤمنين
خديجة رضي الله عنها" إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا " رواه مسلم)، كما كان
صلى الله عليه وسلم لينا لطيفا مع زوجاته فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها،
أَنَّهَا سُئِلَتْ : كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَا خَلا فِي بَيْتِهِ، قَالَتْ" كَانَ أَلْيَنَ النَّاسِ وَأَكْرَمَ النَّاسِ
وَكَانَ رَجُلا مِنْ رِجَالِكُمْ إِلا أَنَّهُ كَانَ ضَحَّاكًا بَسَّامًا ". وفى
صورة من أجمل صور التعاون ونشر المحبة والألفة تراه صلى الله عليه وسلم لا يأنف أن
يقوم ببعض عمل البيت فيساعد أهله، فقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ مَا كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ يعمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ بَشَرًا مِنَ
الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ " كان صلى
الله عليه وسلم، يملأ المكان والزمان مع أهل بيته فرحا وسرورا، يفرح لفرحهن ويحزن لحزنهن،
يتلطف بهن ويشفق عليهن، فتراه يلاطف السيدة عائشة فيناديها يا " عائش " وتراه
" يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ وَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا
عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ " رواه البخاري عن انس) كان حنونا ودودا، حسن
العشرة، حياته مع زوجاته حياة كريمة مليئة بالمحبة والوئام ، لا صياح ولا صراخ، إذ
كان صلى الله عليه وسلم يكرم ولا يهين، يوجه وينصح، ولا يعنف أو يجرح؛ فعَنْ أم المؤمنين
عَائِشَةَ، رضي الله عنها أنها قَالَتْ "مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا
أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" رواه مسلم) بل كان يتحمل غضبهن دون تعنت
ولا تجبر ويقابل ذلك بالعفو والصفح واللين والصبر والكلمة الطيبة؛ فعَنِ النُّعْمَان
بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: يَا ابْنَةَ أُمِّ
رُومَانَ وَتَنَاوَلَهَا أَتَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَحَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا " أَلَا تَرَيْنَ أَنِّي
قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ" قَالَ: ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ
عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا، قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو
بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي
حَرْبِكُمَا " رواه أحمد في مسنده )
- أما في معاملة الأبناء والأحفاد بل والأطفال
عامة فلقد اجتمعت في قلبه صلى الله عليه وسلم، عظم رحمة النبوة، وخصال عطف الأبوة،
وسمو جوانب الإنسانية؛ فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم رءوفا رحيماً بهم، عطوفا
عليهم، شفيقا بهم، لينا معهم يحبهم ويضمهم إليه، ويقبلهم عطفا بهم وشفقة ورحمة؛ فها
هو النبي يخطب في الناس فأقبل الحسن والحسين عليهما السلام، يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما
فصعد بهما، ثم قال" صَدَقَ اللَّهُ: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ(سورة
التغابن آية 15) رَأَيْتَ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ " ثم أخذ في الخطبة. ولما
قَبَّلَ الحسن بن عَلِيّ وعنده الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جالسا،
فقالا الأقرع: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ
إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ "مَنْ
لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ "البخاري) ولم يكن هذا الحب والعطف وحسن المعاملة للبنين
فقط كما عليه بعض الناس اليوم من تفضيل للبنين، وإهمال للبنات ،بل كان، صلى الله عليه
وسلم، يعتني بالبنات ويهتم بهن اشد العناية والاهتمام، فهو القائل " مَنْ كَانَتْ
لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا
- يَعْنِي الذُّكُورَ - أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ "رواه أبو داود) فعَنْ
أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : رَأَيْتُ " النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَؤُمُّ النَّاسَ ، وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ وَهِيَ
ابْنَةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،عَلَى عَاتِقِهِ،
فَإِذَا رَكَعَ، وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ، أَعَادَهَا " رواه
مسلم) كما كان، صلى الله عليه وسلم، إذا دخلت عليه ابنته فاطمة رضي الله عنها، اخذ
بيدها، وقبلها، وأجلسها في مجلسه، بل كان صلى الله عليه ويسلم يسر إليها الحديث ويخصها
بإسرار دون غيرها، فعنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : " اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ امْرَأَةً ، فَجَاءَتْ
فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَرْحَبًا بِابْنَتِي ، فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ ، أَوْ
عَنْ شِمَالِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا ...". ومن عظم إنسانيته
صلى الله عليه وسلم ورحمته أن هذا الاهتمام والحب والعطف لم يقف عند أبنائه وأحفاده
بل كان لجميع الاطفال، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ " مَا رَأَيْتُ أَحَدًا
كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" رواه مسلم) فكان يسلم عليهم،ويمسح على رؤوسهم فعن أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ قال" أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ على غِلْمانٍ يلعبون
فسلَّم عليهم". رواه أبو داود)
- ولم تتغير معاملة
النبي صلى الله عليه وسلم، في حسنها وجمالها، مع الصحابة، رضي الله عنهم، عن معاملته
لأهله؛ فلقد كانت معاملته صلى الله عليه وسلم لأصحابه؛ أكمل معاملة، وأحسنها، ضمت بين
جوانبها حسن الخلق، والإنسانية، والرحمة، والمودة، والأخوة، والمحبة، كما شهدت بذلك
كتب السيرة والأحاديث النبوية، ومن ذلك مقابلته للناس بوجه طلق، بالابتسامة، والوجه
البشوش الدائم، فهو صلى الله عليه وسلم القائل " لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف
شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طليقٍ " رواه مسلم) يتواضع معهم فلا يستنكف
أن يمشى في حاجاتهم فعنْ أَنَسٍ "أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ،
فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً،" فَقَالَ يَا أُمَّ
فُلَانٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ "
فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا " رواه
مسلم ) يشفق عليهم ويرفق بهم، دائما معهم، في أفراحهم وأتراحهم، في قوتهم وضعفهم، يشهد
جنائزهم ويعود مرضاهم، فعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ
: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ" يَأْتِي
ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَزُورُهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ
"مستدرك الحاكم) يسأل عنهم ويشعر بآلامهم، عن قرة ابن إياس ، قَالَ : كَانَ نَبِيُّ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ
مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ ، يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ
فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَلَكَ ، فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ
لِذِكْرِ ابْنِهِ فَحَزِنَ عَلَيْهِ ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ : " مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا " , قَالُوا : يَا رَسُولَ
اللَّهِ , بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ ، فَعَزَّاهُ
عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : " يَا فُلَانُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ
تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ
، إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ ، يَفْتَحُهُ لَكَ " , قَالَ : يَا
نَبِيَّ اللَّهِ , بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ
أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ : " فَذَاكَ لَكَ "رواه النسائي )
- ولم تكن
حياة النبي صلى الله عليه وسلم أنموذجا تطبيقيا لصحيح الإسلام في جانب دون جانب؛ بل
كان صلى الله عليه وسلم أنموذجا تطبيقيا لصحيح الإسلام في كل جوانب حياته ومن ذلك اعتداله
ووسطيته، إذ تقول أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها" مَا خُيِّرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ
مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ
إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ". ولما جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ
أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا،
فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا
أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ
وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا،
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ:
" أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ
لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ،
وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي "رواه
البخاري) ولما دخل المسجد يوما فوجد حبلاً مربوطا بين ساريتين فَقَالَ "مَا هَذَا؟
قَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي ، فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ، فَقَالَ:
حُلُّوهُ" لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ، قَعَدَ
" . فلقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على الوسطية
والاعتدال ونبذ التشدد والغلو، وحذر من الإفراط والتفريط إذ يقول صلى الله عليه
وسلم " وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ في الدِّينِ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
بِالْغُلُوِّ في الدِّينِ "ابن ماجة) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ
الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا
بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ" البخاري)
- فما أحوجنا إلى
أن نعيش بالقلب والجوارح أخلاق وقيم الرسول صلى الله عليه وسلم فنأخذ من مشكاته، ونقتدي
به في سيرته وسريرته، وفي سائر أحواله، حتى تستقيم دنيانا وآخرتنا ، فقد قال الله تعالى(
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )الأحزاب21)
(اللهم أهدنا لأحسن
الأخلاق إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها إنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت،
وأحفظ مصر وشعبها وجيشها وشرطتها من كل مكروه وسوء )
===== كتبه =====
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومدرس