خطبة بعنـــــوان :
حقوق الشباب وواجباتهم
للشيخ / محمد حســــــن داود
حقوق الشباب وواجباتهم
للشيخ / محمد حســــــن داود
ولتحميل
الخطبة : word اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf اضغط هنا
- مكانة الشباب في الإسلام، ودعوة الإسلام إلى اغتنام وقت الشباب.
- نماذج للشباب من القران الكريم .
- صور من إسهام الشباب في البناء والتقدم .
- نماذج من عناية الإسلام بالشباب واهتمامه بحقوقهم.
- رسالة في واجبات الشباب، ودعوة إلى أداء هذه الواجبات.
الموضـــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في
كتابه العزيز (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ
قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ
وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)الروم54) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف "اغْتَنِمْ
خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ
قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ"
مستدرك الحاكم) اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون حياة
الإنسان مراحل، إلا أن أفضل هذه المراحل: مرحلة الشباب؛ فلقد عبر القران الكريم عنها
بمرحلة القوة بين ضعفين، قال تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ
مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ
مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)الروم54) فهي مرحلة تَطَلّع إليها الصغير،
وتمناها الكبير، وبكى عليها الشيوخ، ولله در القائل:
فيا ليت الشبابَ يعودُ يوماً *** فأُخبرَه
بما فعل المشيبُ
فالشباب في كل أمة عصب حياتها، ومصدر قوتها،
هم ثروتها وعماد حضارتها وسر نهضتها، وهبهم الله أسباب القوة، ومنحهم الجلد والهمة،
حتى ينفعوا دينهم، ويكونوا سببا في ازدهار وطنهم، ورقي مجتمعهم، ومازال الإسلام
يؤكد على واجباتهم، التي هي جانب عظيم من جوانب صلاحهم، حتى جعل الشاب الصالح من
السبعة الذين يظلهم الله في ظله؛ إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم " سَبْعَةٌ
يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ
نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى،..." متفق عليه )
ولقد حث الإسلام على اغتنام هذه المرحلة
من العمر، فكان من وصاياه صلى الله عليه وسلم:" اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ:
شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ،
وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ" وفى تأكيد على اغتنام
هذه المرحلة من العمر بين المصطفى صلى الله عليه وسلم، أن الإنسان سيُسأل أمام الله
جل وعلا عن هذه المرحلة خاصة، مع سؤاله عن عمره عامة، فقال صلى الله عليه وسلم:" لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ
مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ،
وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ،
وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ " .
وإن المتأمل في كتاب الله جل وعلا وما جاء
في سير الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، يجد أن المولى سبحانه وتعالى، قد
خصهم بالنبوة وهم في مرحلة الشباب، لما في هذه المرحلة من وجود ما يمكنهم من تبليغ
رسالات ربهم، ففي القران الكريم عن موسى عليه السلام يقول جل وعلا ( وَلَمَّا بَلَغَ
أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)القصص14)
وعن يوسف عليه السلام، يقول سبحانه وتعالى (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا
وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) يوسف22) وفى حق يحي عليه السلام، يقول
سبحانه وتعالى (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا
)مريم 12) وفي حق إبراهيم عليه السلام يقول جل وعلا ( قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ
يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ )إبراهيم 60) .
ولقد أشار القران الكريم إلى نماذج من
الشباب، ليُقتدي بطيبهم ويُجتنب اثر غيرهم، فهذا نبي الله موسى
عليه السلام يتخذ من شبابه بابا إلى الخيرات والمسارعة بالقربات؛ ومن ذلك: تطوعه بمساعدة
لامرأتين كانتا تستسقيان لرعي أغنامهما، قال تعالى ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ
وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ
تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ
وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ
رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ القصص٢٣،٢٤) وفي المقابل نجد
القرآن الكريم يضرب أمثلة أخرى لشباب كانت عاقبتهم وخيمة، في إشارة إلى عدم إتباع منهجهم
أو السير على طريقهم ومن ذلك ما جاء عن ابن نوح؛ قال تعالى ( وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ
وَكَانَ فِي مَعزِلٍ يَا بُنَيَّ اركَب مَعَنَا وَلا تَكُن مَعَ الكَافِرِين * قَالَ
سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللهِ
إِلا مَن رَحِمَ وَحَالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكَانَ مِنَ المُغرَقِينَ ) هود42-43)
وهذا مثال آخر يتحدث عنه القرآن الكريم، حيث معصية الله جل وعلا وعقوق الوالدين، قال
تعالى ( وَالذِي قَالَ لِوَالِدَيهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَن أُخرَجَ وَقَد
خَلَت القُرُونُ مِن قَبلِي وَهُمَا يَستَغِيثَانِ اللهَ وَيلَكَ آمِن إِنَّ وَعدَ
اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ
حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ
إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ) الأحقاف17/18).
ومن صور إسهام
الشباب عبر العصور والأزمان في البناء والتقدم والرقي، ما كان من أمر زيد ابن
ثابت؛ فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن إحدى عشر سنة أن يتعلم لغة
يهود، فكان خير مجيب لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ زيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قال"
قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وأنا ابن إحدى عشرة سنة، فأَمَرَنِي أَنْ
أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ قَالَ إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ
يَهُودَ عَلَى كِتَابِي قَالَ فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ
لَهُ قَالَ فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ
وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ" رواه أبو داود والترمذي)
وفى العشرين من عمره يؤتمن على جمع القران لما رآه أبو بكر في زيد رضي الله عنهما من
الصفات ما يؤهله لمثل هذه المكانة؛ ومنها: كونه من حفاظ القرآن الكريم ومن كتابه على
عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، غير انه شهد مع سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم
العرضة الأخيرة للقرآن في ختام حياته،كما أن زيداً قد عرف بذكائه وشدة ورعه وأمانته.
وإذا ذُكرنا مجال
العلم، حتما أن نذُكر ابن عباس رضي الله عنه، حبر الأمة وترجمان القرآن، فعنه رضي الله
عنه قال: " كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ
وَجَدَ فِي نَفْسِهِ ، فَقَالَ : لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ
، فَقَالَ عُمَرُ : إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ ، فَدَعَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ
مَعَهُمْ ، فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ ، قَالَ
: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ
) ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا
نُصِرْنَا، وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ، فَقَالَ
لِي : أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ؟ فَقُلْتُ : لاَ، قَالَ : فَمَا تَقُولُ
؟ قُلْتُ : هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ
لَهُ، قَالَ: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ ) وَذَلِكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ
، ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) ، فَقَالَ
عُمَرُ : مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ " رواه البخاري)
ومن هذا
يستخلص لنا أن من حقوق الشباب؛ التعليم والتوجيه والإعداد والدفع بهم حسب الكفاءة،
فمن يتدبر سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ يرى عناية الإسلام بالشباب، في هذه
الجوانب وغيرها واضحا جليا؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم، يعطيهم من وقته ما يجعلهم
يستأنسون بحواره معهم، ويشعرون باهتمامه بتأهيلهم لتحمل المسئوليات، كما كان يغرس فيهم
الثقة بالنفس، والقدرة على مواجهة الشدائد والصعوبات فَعَنْ مَالكِ
بنِ الحُويْرِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: " أَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله
عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً،
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا رَقِيقًا".
كما كان صلى الله عليه وسلم دائم الوصية لهم،
بتوجيههم إلى ما فيه الخير لأنفسهم ولأوطانهم، ومن ذلك ما جاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ " كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا
فَقَالَ " يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ،
احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ
فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ
بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا
عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ
عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ" رواه احمد والترمذي) ومنه
أيضا: ما جاء عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
" اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا
وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " رواه الترمذي واحمد)
كما كان النبي
صلى الله عليه وسلم يهتم بفكر الشباب، حريص أن لا يحيد عن الطريق المستقيم، بل كان
يدلهم على المنهج الوسطى المعتدل الذي لا غلو فيه ولا تشدد ولا تفريط، فعن انَسَ بْنَ
مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ "جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ
أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا
فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا
أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ
وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ"
أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ
وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ
النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي " رواه البخاري) وعن
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ
الْقَوْمُ عَلَيْهِ، فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ:" ادْنُهْ
"، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ:" أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ
؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: " وَلَا
النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ "، قَالَ:" أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ
؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ
، قَالَ:" وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ
؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: " وَلَا
النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ، قَال: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟"،
قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ:" وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ
لِعَمَّاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ "، قَالَ: لَا وَاللَّهِ،
جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ:" وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ،
قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ:" اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ
قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ"، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ
إِلَى شَيْءٍ" رواه احمد) .
وهذا هو دأب الحكماء، وأهل الصلاح،
والفلاح، والتقى؛ فقد قال جل وعلا حكاية عن لقمان الحكيم وهو يعظ ابنه (وَإِذْ قَالَ
لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ
لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) لقمان 13) وقال أيضا جل وعلا (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ
حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ
يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ
وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ
ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ
فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ
فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ
) لقمان 16-19).
وفى هذه
السطور نتوجه إلى الشباب برسالة نوضح فيها بعضا من ملامح واجباتهم ؛ فنقول :
- اعلموا أن لكم
دورا هاما في البناء والتقدم والرقى، فأنتم عنوان النماء، وسواعد البناء، مصدر
للقوة، ومنطلق للخير والعطاء، فكونوا في خدمة وطنكم، فالوفي صدقا هو من يكون وفيا أعظم
ما يكون الوفاء لوطنه: بالحفاظ عليه والدفاع عنه والعمل الجاد على
تقدمه ورقيه ورفعته، ولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الوفاء
للوطن، إذ يوجه البشرية عامة أن يجيدوا للوطن الانتماء ،وأن يحسنوا له الولاء، وان
يخلصوا له الوفاء، داعيا إياهم أن يترجموا حبهم للوطن الذي يظلهم ويحتضنهم، إلي عمل
وجد و دفاع عنه وحفاظ عليه ورعاية له وتضحية من اجله ؛ إذ يلقى صلى الله عليه وسلم
درسا بليغا يقرع كل الآذان ويتردد رجع صداه في كل زمان ومكان، وذلك عندما خرج صلى الله
عليه وسلم مهاجرا، و وصل أطراف مكة، التفت إليها، وقال: "وَاللهِ إِنَّي أَعْلَمُ
أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبَّهَا إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُوُنِي
مِنْكِ مَا خَرَجْتُ"، وعندما وطأت قدمه وطنه الثاني (المدينة) إذ يتوجه إلى الله
داعيا أن يحبب إليهم المدينة كما حبب إليهم مكة .
- تسلحوا بالعلم،
فبه تتفاضل الناس، كما تتفاضل به الأمم ولا يمكن أن تبنى حضارة دون أن يكون أحد أركانها
العلم؛ ولقد قال الله جل وعلا (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ
لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ )الزمر9).
- تمسكوا بالفكر
الوسطى المعتدل النابع من الفهم الصحيح للإسلام، وإياكم والغلو والتشدد والتطرف فقد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ في الدِّينِ فَإِنَّمَا
هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِى الدِّينِ " رواه بن ماجة) وعن
أَبِي هريرة رضي الله عنه أن النَّبيّ صلى
الله عليه وسلم قَالَ" إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبه
فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، واسْتعِينُوا بِالْغدْوةِ والرَّوْحةِ وشَيْءٍ
مِن الدُّلْجةِ " رواه البخاري) واعلموا أن لكم دورا كبيرا في الحفاظ على الفكر
الوسطي المعتدل للإسلام، فالإسلام دين السماحة، والوسطية ،دين الرحمة والسلام، دين الإنسانية
في أسمى معانيها دون نظر إلى عرق أو لون أو جنس أو عقيدة،فقد قال النبي صلى الله
عليه وسلم " الْمُسْلِمُ مَنْ سَلَمَ النَّاس مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ".
- تحلوا بالأمل: فالأمل
قوة دافعة تشرح الصدر للعمل، وتبعث النشاط في الروح والبدن، تدفع الكسول إلى الجد،
والمجد إلى المداومة، فهو للإنسان شعاع يضيء له الظلمات، وينير المعالم، ويوضح السبل،
تنمو به شجرة الحياة، يرتفع به صرح العمران، يذوق به المرء طعم السعادة، يستشعر به
بهجة الحياة، يبعث في القلوب حسن الظن بالله، والله عند ظن العبد به ، فقد جاء في الحديث
القدسي الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه " أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي
" ويقول النبي صلى الله
عليه وسلم " يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا" متفق عليه) وعن أبى هُرَيْرَةَ رضِيَ الله عنهُ قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ... وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ
تَعْجِزْ ... " رواه مسلم ) بينما
جاء في اليأس والقنوط قول الله جل وعلا ( قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ
إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾الحجر 6) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلا قَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ ؟ قَالَ : " الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالإِياسُ مِنْ رُوحِ
اللَّهِ ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ".
- غير أن الأمل بلا عمل أمل أجوف أو أعرج، وأمانٍ
كاذبة خاطئة، فان الآمال الصادقة هي المقرونة بالعمل والأخذ بالأسباب وهذا مما وجهنا
إليه القران الكريم والسنة النبوية في كل وقت
وحين لدوام حياة مشمسة بالخير والتقدم والرقى فقال الله تعالى (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى
اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )التوبة 105) وعَنْ عُمَرَ
بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُوْلَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ " لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ
لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوْحُ بِطَاناً
" رواه الترمذي وبن ماجة)
- ولعل في
إشارتنا إلي العمل إشارة إلى الإتقان ففيه جمال العمل وأثره ومبناه ولقد قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " إِنّ اللَّهَ يُحِبّ
إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ".
- تحلوا بروح المبادرة
إلى الخير، وما فيه منفعة المجتمع فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ
أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ".
- واعلموا أن الأخلاق أساس لبناء الحضارات، كما
أنها أساس للتفاضل، بين الناس وأمام الله جل وعلا، وما أجمل ما وصى به الرسول صلى
الله عليه وسلم معاذ ابن جبل وهو في ريعان شبابه، إذ جاء يسأل النبي
صلى الله عليه وسلم الوصية فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " اتَّقِ اللَّهَ
حَيْثُمَا كُنْتَ " أَوْ " أَيْنَمَا كُنْتَ " قَالَ زِدْنِى، قَالَ
" أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا "، قَالَ زِدْنِى ، قَالَ
" خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " رواه احمد) علما بان الأخلاق
الحميدة تحتم عدم ترويج الشائعات أو السماع لأهلها فليكن منهج كل واحد منا عند الحديث
قول الرسول صلى الله عليه وسلم "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ". وليكن منهج كل واحد منا في سمعه
قول الله عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا
أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)الحجرات6)
ولله در من قال :
إنّما الأمم الأخلاق
ما بقيت** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
اللهم أهدنا لأحسن
الأخلاق إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت،
واصرف عنا سيئها إنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت،
وأحفظ مصر وشعبها من كل مكروه وسوء .
واصرف عنا سيئها إنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت،
وأحفظ مصر وشعبها من كل مكروه وسوء .
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس